قبل خمس وأربعين سنة أي في الفاتح من يناير عام 1965 استفاق العالم العربي الراقد على هشيم من التطاحن الذي سعى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى وقف تطاحنه وبعث الخضرة في الهشيم عبر دعوته الملوك والرؤساء والأمراء العرب إلى عقد قمتين في القاهرة والإسكندرية أوائل وأواخر عام 1964 لم تستطيعا أن تمنعا الكيان الصهيوني من تحويل مجرى نهر الأردن أو وضع خطة جدية لتحرير الأراضي الفلسطنينية المحتلة (رغم تأسيسها منظمة التحرير الفلسطينية ككيان رسمي) استفاق العالم العربي على صوت كاد أن ينساه لكثرة الفرقعات الإعلامية التي تنسي الإنسان حتى إسمه لكثرة ترديدها في الإذاعات، صوت كان يطرب له أيام الكفاح الوطني ضد المحتل الأجنبي.. لم ينسه بعد، ولازال يترنم به ويأمل أن يسمعه ثانية قبل خمس وأربعين سنة استفاق الشعب الفلسطيني الذي كاد أن يتخدر من كثرة ما سمع من طيب الأماني وجميل الأحلام التي حفت به من الحكام العرب وخاصة الانقلابيين منهم ومن كل الأحزاب العربية وخاصة القومية منها بأن النصر آت بل وقاب قوسين أو أدنى. استفاق الشعب الفلسطيني الذي مل من الوقوف طوابير على أبواب مراكز وكالة غوث اللاجئيني الدولية لتلقي حفنات من الطحين وحبيبات من القطاني وقطرات من الزيت والملابس المستعملة، تقدم له كصدقة وتعويضا عن وطنه الذي طرد منه بقوة العصابات الصهيونية المدعومة من قوى الشرق والغرب وتآمر بعض الحكام العرب آنذاك. استفاق على صوت يؤمن أنه وحده القادر على تمكينه من استعادة كرامته وحقوقه واسترجاع أرضه المغتصبة. انه صوت الرصاصة الأولى التي أطلقها أبطال (قوات العاصفة) الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، معلنا انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، ابنة وحفيدة الثورات والهبات والانتفاضات الجماهيرية والمسلحة التي ابتدأت مع بداية ظهور الأطماع الصهيونية الاستعمارية في بدايات القرن العشرين جميل أن نتحدث عن البدايات الأولى لهذا المولود المنطلق بكل العنفوان وما رافق هذه الانطلاقة من طهر ثوري وتضحية أسطورية وشجاعة خارقة والتفاف جماهيري فلسطيني وعربي بل ودولي. ومؤلم أن نتحدث عن البدايات الأولى وما رافقها من جحود وعداء رسمي عربي، ومطاردة للفدائيين (مشاريع الشهداء) أشد من مطاردة القتلة واللصوص، وتعذيب في سراديب وأقبية السجون الرسمية العربية أقسى من أن يوصف. وحتى لانستطيب حلاوة البدايات الأولى ونغرق في رومانسيتها وحتى لانغوص في مأساوية البدايات الأولى فنتيه في سراديبها الموحشة لن نتحدث عنهما بحلوهما ومرهما، مع تأكيدنا أنه لايمكن نسيان أي منهما.. لننطلق منهما عابرين سنوات الهزائم والانتصارات، لنصل إلى حيث نضع أقدامنا اليوم، لننظر إلى ما حولنا متلمسين طريقنا لعلنا نتجنب العثرات ونصل إلى نهاية النفق الذي بشرنا قائدنا الخالد ياسر عرفات بأن في نهايته شبل أو زهرة من أبناء فلسطين سيرفع العلم الفلسطيني فوق مآذن وكنائس وأسوار القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة. لن نتحدث عن عباقرة أفذاذ سقطوا على درب فتح وكل منهم أمة لوحده مع اعتذارنا لآلاف بل عشرات آلاف الشهداء، لأننا سنكتفي بإيراد أسماء أعضاء القيادة في حركة فتح الذين مضوا تاركين لنا شرف حمل الراية التي استشهدوا تحت ظلها.. عبد الفتاح عيسى حمود أبو صبري أبو علي إياد أبو يوسف النجار كمال عدوان ماجد أبو شرار سعد صايل أبو جهاد أبو إياد أبو الهول خالد الحسن أبو المنذر صخر أبو نزار ... لن نتحدث عنهم لأن كل واحد منهم يستحق مجلدات للكتابة عن جوانب شخصيته وإبداعاته.. هؤلاء الأبطال الذين عبدوا لنا الدرب، ويجب أن نعترف بأننا أقل قدرة وأقل عطاء منهم. فيا فتح يا أول الرصاص، وأول شهيد وأول شهيدة، وأول أسير وأول أسيرة.. لازال شعبك وأمتك يولوك ثقتهم، وحتى عندما يقسون في انتقادك فإنهم يعبرون عن حسرتهم لما وصلت إليه، يعبرون عن توقهم لان تبقي كما كنت الأولى في كل مكرمة يحملوك المسؤولية لأنهم يرون فيك الأمل بل الأقدر على تحقيق الأمل. يا فتح يامن انطلقت قبل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة لتحرير ما احتل من أرض عام 1948 انطلقت تحملين البندقية وغصن الزيتون كما قال رمزنا الشهيد أبو عمار.. وها أنت تعترفين على لسان رئيسك أبو مازن بأن خيار المفاوضات قد فشل لأن الصهاينة لايؤمنون بالسلام ولا يريدونه ، فماذا تنتظرين؟؟؟ ها قد عقدت مؤتمرك العام، ولم تستقطي خيار المقاومة، وانتخبت قيادتك التي طبعها التجديد بنسبة لم تسبقك إليها أي حركة تحرر في العالم. ماذا تنتظرين؟؟ لقد كنت دائما وأبدا صاحبة المبادرة والأولية على كل الأصعدة، فماذا تنتظرين؟؟؟ عيوننا إليك ترنو كل يوم وكل لحظة، لأننا نعلم أن الخلاص إن لم يأت على يديك فإن أحدا غير قادر على تحقيقه.. لاأحد غيرك قادر على التواصل مع أرواح الشهداء وجراح الجرحى وعذابات الأسرى... لا أحد غيرك قادر على الاستجابة لآهات أمهات الشهداء وتأوهات أراملهم أيتامهم. كل من علق عليك الآمال ينتظرك أن تعودي كما بدأت حركة فلسطينية البداية عربية العمق عالمية الامتداد والآفاق. لقد كنت الرصاصة الأولى ولازالت الرصاصة المنتظرة.. وكنت الانطلاقة الأولى ولا زلت الانطلاقة المرتقبة. لهذا التفت الجماهير الفلسطينية والعربية حول حركة فتح في الذكرى الخامسة والأربعين لانطلاق حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، يتذكر كل المناضلين الذين كان لهم علاقة من قريب أو بعيد بالثورة الفلسطينية ظروف هذه العلاقة وما حتم عليهم الارتباط بهذه الثورة صحيح أن ممارسة العنف الثوري أو الكفاح المسلح ضد العدو المحتل الغاصب العنصري جذبتهم، ولكن هناك شيء آخر لايقل جاذبية عما سلف وهو المبادئ والأفكار التي أعلنتها ومارستها حركة فتح عمليا. ومما لاشك فيه أن تطورات كثيرة وقعت خلال الخمس وأربعين سنة الماضية، وشاب الأداء الفتحوي بعض الأخطاء والممارسات المنحرفة، وخاصة مع قيام السلطة الوطنية الفلسطينية كثمرة من ثمار اتفاقات أوسلو، مما أحدث شيئا من الفتور في العلاقة بين حركة فتج وأنصارها بل وأعضائها وظلت هذه العلاقة تسخن وتبرد مع انهمار شلال الدم الفتحوي وتوقفه، مما يعني أن العلاقة لازالت قائمة، ومرشحة لأن تتقوى مع هبوب رياح نضالية دافئة، خاصة وأن المؤتمر العام الأخير لحركة فتح وإن كان غير بعض الألفاظ في ميثاقها فإنه ظل على وفائه للمباديء والأهداف التي انطلقت الحركة بها ومن أجل تحقيقها. في هذه الذكرى الهامة نرى ضرورة إعادة التذكير بالأسس الفكرية لحركة فتح والمباديء الأساسية لها. 2 البعد القومي: نص هيكل الثوري، الذي قامت (فتح) على أساسه، على تكوين حركة فلسطينية، ينبثق عنها مجلس وطني فلسطيني تنبثق عنه قيادة فلسطينية، وكذلك العمل على تكوين حركة عربية للهدف ذاته، ينبثق عنها مجلس وطني عربي تنبثق عنه قيادة عربية، تتوحد مع القيادة الفلسطينية، لقيادة النضال لتحرير فلسطين، هذا المشروع لم يتحقق لقيام (منظمة التحرير الفلسطينية) التي حرق قيامها مراحل التكوين النضالي الذي تصورته (فتح) لنفسها. إن عمق التناقض القومي بين الصهيونية والعروبة هو الذي ولّد هذه الفكرة، التي تمثلت بمقولة فتح، بأنّ تحرير فلسطيني هو إنجاز التجرير الحقيقي للأمة العربية الذي لايتم بدون ذلك، وإن قيام المشروع الصهيوني هو جذر المشاكل العربية، ولا بداية حل حقيقة لكل هذه المشاكل (التجزئة التخلف المادي التخلق الحضاري) إلا بتحرير فلسطين. تعزّز هذه الفكرة القومية الطبيعة الهجومية للعدو الصهيوني وتحمّل الولاياتالمتحدة لكل تكاليف متطلبات التسليح الحديث دائماً والمتطور دائماً على مستوى بناء الجيش وأسلحته، مقابل الطبيعة الدفاعية الرسمية العربية (بحكم الخوف والتخلف والاتكالية) التي تتحمل تكاليف بناء جيوشها وسلاحها الذي يتطلب، بحكم تطور السلاح، التغيير المستمر للأسلحة، وهو ما يحقّق نزيفا اقتصاديا هائلاً لمصر والأردن وسوريا فضلا عن الدول الأخرى المساندة، إن هذا النزيف الاقتصادي المستمر بدون حسم للمعركة ، يؤدي إلى نزيف بدوره إلى نزيف سياسي، يُحدث نوعاً من عدم الاستقرار الناتج عن النفسية الدفاعية الخائفة دوماً من هجوم العدو، الأمر الذي فتح الباب أمام سياسة الانقلابات العسكرية أو منهجيتها، التي تُحدث نزيفاً قيادياً. 1- اسم الحركة: نظرا إلى أن التعريف العلمي للحزب بأنه تكتل حول فلسفة كلية عن الكون والإنسان والحياة تنبثق عنها عقيدة مجتمعية تمتلك أنظمة لكل شؤون الحياة - الفرد والمجتمع والدولة، فإن (فتح) اختارت لنفسها اسم (حركة) باعتبارها تجمعا وطنيا لهدف محدد هو تحرير فلسطين واستعادة هويتها العربية. ومن هنا تحدد هدفها بتحرير الأرض فأصبحت هويتها حركة تحرير وليست حركة تحرر بالمعنى الحزبي. ولما كان تحرير فلسطين يعني تحرير الوطن الفلسطيني الذي هو جزء من الوطن العربي، وتحريرها من الصهيونية يعني مواجهة الخطر القومي الذي تمثله الحركة الصهيونية على الأمة العربية، ولما كانت طبيعة التناقض هي طبيعة قومية وليست مجتمعية (عقائد وأنظمة مجتمع)، تكون الحركة (فتح) بالتالي، حركة تحرير وطني وليست حركة تحرير وطنية أي أن العمق العربي لتحرير فلسطين هو صفة قائمة وليس مجرد اختيار. ومن هنا جاءت كلمة فلسطيني لا فلسطينية، فأصبح اسمها: حركة التحرير الوطني الفلسطيني من منطلق أن تحرير فلسطين هو واجب قومي عربي وليس فقط واجبا فلسطينيا. ومن هذا الفهم رفعت (فتح) شعار: »أن الثورة الفلسطينية هي فلسطينية المنطلق عربية العمق«. وكذلك شعار »لاهوية الفلسطينية هي هوية نضالية وليست جنسية قطرية أو إقليمية«. إن الأحرف الأولى من اسم الحركة يمثل كلمة (حتف). فإذا أخذت هذه الأحرف معكوسة، تصبح (فتح)، وقد اعتُمدت كلمة (فتح) كاسم مختصر لحركة التحرير الوطني الفلسطيني، لأن الطبيعة الديموغرافية لما احتُل من فلسطين في حرب 1948، حيث الأكثرية الساحقة أصبحت يهودية، فإن طبيعة المعركة هي أقرب إلى كلمة (فتح) بالمعنى العربي التاريخي للفتوحات. عاجزا عن فعل شيء، وبالتالي تخسر الأمة العربية كل إمكانات التطور والتنمية المتوفرة لديها، ويصبح الكيان الصهيوني (بوصفه أداة للسياسة الأمريكية الشرق أوسطية ومعها دول الغرب كلها) القوة المهيمنة على واقع الأمة العربية. إن هذا الفهم لطبيعة الصراع وطبيعة التناقض ونتائجه السلبية على الأمة العربية وعلى قضية فلسطين هو الذي جعل (فتح) تركز في أدبياتها بأن تحرير فلسطين هو أقل المشاريع القومية كلفة وأكثرها جدوى إنتاجية في مجال الحركة والتقدم المجتمعي كافة. 3- الوحدة العربية والبعد القومي: عند نشأة حركة (فتح) في أواخر الخمسينيات وتبلورها وتنظيمها في أوائل الستينيات، رفعت شعار: »العودة (إلى فلسطين) هي طريق الوحدة« في وقت ساد أجواء الأمة العربية مناخ متفجر يدعو إلى الوحدة العربية، ثم تراجع لينادي بوحدة دول الطوق، ثم تراجع ليرفع الشعار العربي »وحدة الهدف والموقف«. ولم يكن موقف فتح هذا رفضا لشعار الوحدة طريق العودة، وإنما لأنها رأت أن الوحدة العربية المنشودة غير قابلة للتحقيق بوجود الكيان الصهيوني، الذي يمثل أحد أهداف وجوده منع الوحدة العربية، خاصة وأن القدرة الهجومية لدى العدو كانت تمكّنه من التدخل العسكري لمنع مثل هذه الوحدة وبشكل علني، وبناء على هذا الفهم، اجتهدت (فتح) فرفعت شعار العودة طريق الوحدة لأنه أكثر عملية من الناحية الزمنية والنضالية، واتبعت منهجا نضاليا هجوميا بنظرية عمل نضالية متكاملة، لتلتقي فيها بعد (بعد حرب 1967) مع شعار عبد الناصر »وحدة الموقف والهدف« في بناء نفسية هجومية عربية موحدة يكون النضال فيها أنبوب اختبار على نار حامية من النضال، تؤدي بانتصارها إلى قيام وحدة عربية في شرق البحر المتوسط على الأقل تضم، فيما تضم، مصر والعراق، ولكن وفاة عبد الناصر، وانهيار المناخ القومي الذي كان قد رفعه، أعاقا تحقيق الهدف الذي كان منشودا. 4- الكينونة السياسية: إن الجماهير العربية لم تتوقف لحظة عن اعتبار قضية فلسطين قضية قومية، وبالتالي قضيتها قوميا ودينيا وإنسانيا. وبذلك كانت القضية الفلسطينية، ولاتزال، عنصر التوحيد العملي الوحيد للأمة العربية. أما الأحزاب العربية السياسية، وما طرحته من عقائد مجتمعية وما اتبعته من أساليب في التعامل مع الجماهير قبل وصول بعضها إلى الحكم وبعده، فقد خضعت جميعها إلى ظاهرة واحدة، وهي أن أحدا منها لم يصبح حزبا جماهيريا في بلده، فضلا عن ساحة الجماهير العربية، على امتداد الوطن العربي، وإذا استثنينا عبد الناصر، فإن حزبا ما في الساحة العربية، لم يمثل عنصر توحيد الجماهير العربية، وبقي هذا الوصف محصورا بالقضية الفلسطينية. لذلك، ونظرا لأن العنصر الوطني، بمعنى تحرير أرض الوطن، هو عامل مشترك بين كل العقائد العلمية وغير العلمية، وكل الأحزاب مهما كان لونها وانتماؤها، أي أن العنصر الوطني هو عنصر التوحيد الوحيد القائم في الساحة العربية عمليا وأرضيته الوحيدة هي تحرير فلسطين. لذلك كله رأت فتح أن لا تكون جزءا من أي كينونة عقائدية أو حزبية أو زعامة أو تابعة لأي نظام عربي، وأن تكون فقط جزءا من الكينونة الجماهيرية الفلسطينية والعربية لترفع العلم الوطني العربي الرافع للعلم الوطني الفلسطيني لتكون حركة جماهيرية، ولذلك رفعت شعار »لا تبعية لحزب أو زعيم وإنما للشعب العربي العظيم«. 5- الكينونة العقائدية: وللأسباب ذاتها لم تنتم (فتح) إلى عقيدة مجتمعية كي لا تقع في تناقض مع متطلبات العناصر التوحيدية الراسخة في النظرية الوطنية، ولكي تتجنب تكتلات أصحاب العقائد الأخرى ضد عقيدتها، فضلا عن تجنب المناظرات النظرية وما يتبعها من خلافات مفاهيم العقائد المختلفة في المسائل المجتمعية وهي غير قائمة في متطلبات إدارة الصراع مع العدو الصهيوني، ولا تؤثر على موقف العدو الصهيوني، النقيض الوطني والقومي للعروبة، بغض النظر عن العقائد القائمة حولها. كذلك تجنبت فتح كل ما له علاقة بالطائفية والعشائرية أو العائلية أو العصبيات الجهوية، ونصَّت في هيكل البناء الثوري على اعتبار ذلك من المحرمات التي يعاقب من يثيرها بالفصل والتشهير، وهذا الموقف، لا يقوم فقط لأن مثل ذلك يثير الخلافات والانشقاقات الشعبية الحادة، بل لأن مثل ذلك هو جزء من الاستراتيجية الصهيونية (دول الطوائف والعرق) التي تستهدف بتحقيقها السيطرة على الشرق الأوسط بشكل مباشر. 6- العضوية: ومن هنا كانت العضوية في فتح مفتوحة للفلسطيني وللعربي بغض النظر عن دينه وعقيدته السياسية، وطائفته الشرط الوحيد المطلوب: أن لا يكون العضو حزبيا، وأن لا يمارس أي نشاط حزبي أو تنظيمي، أو عقائدي، داخل الحركة، وبالتالي الالتزام بالبرنامج الوطني والقواعد الوطنية التي تنتمي إليها الحركة. ومن هذه المنطلقات كذلك، قامت فتح منذ عام 1969، عندما دخلت منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها حركة، ففتحت باب العضوية في المجلس الوطني الفلسطيني لكل المنظمات الفلسطينية بانتماءاتها العقائدية المختلفة، بشرط الالتزام بالميثاق الوطني الفلسطيني، على اعتبار أن منظمة التحرير تمثل علاقة جبهوية بين كل القوى الفلسطينية المنتمية إليها، واعتبار كل فلسطيني عضوا طبيعيا في منظمة التحرير الفلسطينية والرابط الحاكم للحركة السياسية هو الميثاق الوطني الفلسطيني كقاعدة للوحدة الوطنية، وقرارات المجالس الوطنية كقاعدة للالتزام العملي المرحلي. 7- الكفاح المسلح: ركزت فتح على الكفاح المسلح في مبادئها وأسلوب عملها وأدبياتها التنظيمية والتعبوية، ثم تطور شعار الكفاح المسلح ليشمل كل أنواع القوة المرتبطة بالكفاح الذي محوره الكفاح المسلح ولم يكن هذا الشعار لمجرد أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، كما لم يكن أيضا لأن العدو الصهيوني بطبيعته العدوانية الهجومية لا يمكن أن يعطي شيئا مما أخذ إلا بالقوة. إن هذا الشعار، إضافة إلى ما سبق، ينطلق من فهم عميق لطبيعة الواقع الفلسطيني بعد أن فقد الفلسطيني وطنه وللطبيعة البشرية ذاتها التي ينتمي إليها الشعب الفلسطيني كبقية الشعوب. فالطبيعة البشرية والإنسانية ترفض أن يعيش الفرد والمجتمع والشعب بدون هوية حضارية / ثقافية / سياسية ينتمي إليها ويمارس قيمها في حياته وتطورها المجتمعي فوق أرض وطنه وسيادته. كذلك لا يمكن العيش بدون حقوق وواجبات وطنية ومجتمعية قومية. إن الواقع الفلسطيني القائم منذ 1948 عاش حالة من التمزق المجتمعي بسبب شتاته ففقد وحدته المجتمعية على أرض وطنه وبالتالي أصبح عاجزا عن ممارسة انتمائه وهويته وقيمه العربية فوق أرض وطنه وبسيادته، كما أنه ممنوع عليه بالقوة الاستعادة العملية لوحدة المجتمع والانتماء والهوية والقيم، وبالتالي ممارستها، الأمر الذي خلق إحساسا فلسطينيا بعبثية وجوده القائم، ليكون الكفاح الشامل ومحوره الكفاح المسلح، الطريقة التي يعبّر فيها الفلسطيني فردا ومجتمعا عن إحساسه بالوجود عبر النضال لاستعادة هويته وانتمائه وممارسة قيمه، بعد أن حقق على أرض الواقع بكفاحه وحدة المجتمع الفلسطيني النضالية التي شملت كل الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم وشتاتهم، أي أن الكفاح المسلح هو تعبير عن الإحساس العملي بالوجود والانتماء، تماما كما أن التفكير عند ديكارت هو دليل الوجود للفرد، وعليه، فإن الكفاح والكفاح المسلح ليسا مجرد اختيار لمواجهة الطبيعة العدوانية للعدو الصهيوني، بل هما ضرورة حضارية انتمائية يفرضها الواقع القائم، ولا تزول إلا بزواله. 8- الهوية السياسية الفلسطينية المستقلة: إسرائيل مشروع استعماري، وقيامها كان بمحصلة السياسة الدولية وخاصة الدول العظمى، وكدولة، هي عضو في الأممالمتحدة. المفاهيم السياسية السائدة لا تفهم القومية العربية والأمة العربية، كما تفهمها وتؤمن بها الجماهير العربية، بل تنظر إلى المنطقة كمنطقة حيوية في السياسة الدولية، اسمها الشرق الأوسط، وفيها 21 دولة عربية ودولة إسرائيل، أما المفهوم القومي في السياسة المعاصرة فهو قومية الدولة، ولذلك تُعتبر أي حرب من أي دولة عربية على دولة إسرائيل اعتداء على دولة عضو في الأممالمتحدة، وليس استعادة لأرض فلسطين العربية بالمفهوم القومي العربي. وهي بذلك صراع على حدود وليس على وجود، وفي مثل هذا الصراع يغيب العنصر الفلسطيني كقضية عن مفهوم الصراع دوليا. لذلك، كان لابد من قيام الحركة الوطنية الفلسطينية، ولابد أن تكون هذه الحركة (التي تبلورت فيما بعد بمنظمة التحرير الفلسطينية) ممثلة للشعب العربي الفلسطيني وقائدة نضاله بشخصية وهوية سياسية مستقلة تحول الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع فلسطيني إسرائيلي (بالمفهوم الدولي)، يطالب فيه شعب فلسطين باستعادة حقوقه الوطنية الثانية وغير القابلة للنقض بمفهوم القانون الدولي والشرعية الدولية، وبتحول مفهوم الصراع بذلك إلى صراع وجود وحقوق، يصبح الموقف العربي المتبني للموقف الفلسطيني مفهوما دوليا ويحظى بشرعية دولية، ويكون الالتزام العربي بقضية فلسطين وبالنضال الفلسطيني موقفا قوميا بالمفهوم العربي، وعلى هذا الأساس رفعت فتح شعار الشخصية الفلسطينية المتميزة والمستقلة في الساحة الدولية كضرورة تفرضها طبيعة إدارة الصراع. 9- استقلالية القرار الوطني الفلسطيني: إن الشخصية الفلسطينية المتميزة والمستقلة دوليا، تفرض استقلالية قرارها الوطني. وحتى تكون هذه الاستقلالية منسجمة مع الفهم الدولي والقومي، رفعت فتح شعار استقلالية القرار الوطني الفلسطيني على قاعدة الشرعية الفلسطينية متمثلة بالمجلس الوطني الفلسطيني وفي إطار الشرعية العربية متمثلة بمؤسسة القمة العربية، ثم تطور هذا المفهوم منذ قرارات قمة فاس ليشمل الشرعية الدولية متمثلة بقرارات هيئة الأممالمتحدة ومجلس الأمن المتصلة بقضية فلسطين (مرحليا). 10- عدم التدخل في الشؤون المحلية للدول العربية: رفعت فتح هذا الشعار لأسباب متعددة، أهمها: أ- هدف فتح هو تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني من واقع التشرد واللامواطنية إلى واقع الاستقلال الوطني والمواطنية، ولا علاقة لذلك بالأنظمة المجتمعية العربية. ب- العمل على تغيير النفسية الدفاعية الرسمية العربية إلى نفسية هجومية وتعرضية من خلال الكفاح المسلح وما يولده من مناخ نضالي ويفجره من تناقضات من العدو الصهيوني، وهذا لا علاقة له بالشؤون المحلية للدول العربية. ج- العمل على جعل قضية فلسطين ونضال شعبها جزءا من الحياة اليومية للفرد والجماهير العربية، ويتم ذلك من خلال ما سبق، ولا علاقة له بالشؤون المحلية للأنظمة العربية. د- وكان بالإمكان ممارسة هذا الشعار دون إعلان، ولكن حساسية بعض الدول العربية من بعضها الآخر بسبب حجم بعض التدخلات العربية في الشؤون الداخلية لبعضها الآخر، وهي التي وصلت إلى مرحلة تبني أسلوب الانقلابات العسكرية، جعلت من إعلان الشعار ضرورة نضالية واشترط الشعار بالمقابل عدم تدخُّل أي نظام عربي بالشؤون الداخلية لحركة فتح. 11- استراتيجية العمل الفلسطيني: التزمت (فتح) بالاستراتيجية المباشرة وهي بدء الكفاح المسلح واستمراره وتصعيده إلى أن يصل إلى المشاركة العربية العسكرية وتحرير فلسطين. كشف عدوان 1967 العجز العربي العسكري عن خوض معركة التحرير، ولكن احتلال أراضٍ سورية ومصرية فضلا عن الضفة وغزة أبقى الأمل بالالتزام العربي بالخيار العسكري فاستمرت فتح بتبني استراتيجيتها المباشرة. وأظهرت حرب 1973، أنها كانت حربا محدودة، حرب تحريك لا حرب تحرير وأضاع العرب بنفسيتهم الدفاعية فرصة العمر، وامتلأت الأجواء العربية والدولية بالتسوية السياسية وصدر قرار 338 بعقد مؤتمر دولي على أساس القرار 242. واجهت الاستراتيجية المباشرة خطر الموت، وكذلك مستقبل النضال الفلسطيني، وطرحت مسألة مستقبل الأرض الفلسطينية التي ستحرر بالتسوية السياسية، فتبنت فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية الاستراتيجية غير المباشرة متمثلة بالحل المرحلي المرتبط بالهدف الأساسي وذلك في دورة المجلس الوطني المنعقدة في نهاية 1973. 12- الأهداف الوطنية: التزمت فتح بتحرير فلسطين وإقامة دولة فلسطينية عربية مستقلة فوق التراب الوطني الفلسطيني. ونتيجة للتساؤل حول مستقبل اليهود الذين استقروا في فلسطين (2 ونصف ملايين، 65٪ منهم من اليهود العرب) بلورت فتح هدفها بإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني حيث يعيش فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون مواطنين على قدم المساواة في الحقوق والواجبات دون أي تمييز بسبب الدين والعرق بعد تبني (فتح) ومنظمة التحرير الفلسطينية استراتيجية المراحل، رفعت فتح شعار إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ما يتحرر من أرض فلسطين، دون إلغاء هدف الدولة الفلسطينية الديموقراطية على كامل التراب الفلسطيني الذي يتحقق سلميا وبالأسلوب الديموقراطي، وقد وصف رئيس (م.ت.ف) هذا الهدف بالحلم الكبير، وذلك في خطابه في الأممالمتحدة عام 1974