توبة عادل حسين رحمه الله من الماركسية وعودته إلى الإسلام تحول في السجن بعد دراسة التراث الإسلامي تحول كثير من المفكرين والسياسيين من الشيوعية والإلحاد إلى الإيمان والإسلام. ولم يكن تحولهم بسيطا ولا سهلا، بل أحاطت بالتحول عاصفة صاخبة ما تزال آثارها تمتد وتمتد، وساهمت في تغيير موازين القوى لصالح المشروع الإسلامي الواسع، ودفعت بكثير من المغرر بهم إلى الاقتداء بهؤلاء الأبطال الشجعان والعودة إلى رحاب الله تائبين طاعين لله خاشعين ولدينه عاملين. نعرض على القراء اليوم توبة الأستاذ المناضل المفكر عادل حسين رحمه الله مصحوبة بشهادة الدكتور يوسف القرضاوي فيه. جذور عميقة اشتهر عادل حسين بانتمائه إلى أسرة اشتهرت بالعمل النضالي والسياسي منذ الثلاثينيات والأربعينيات في القرن الماضي؛ فقد قاد شقيقه أحمد حسين حركة مصر الفتاة قبل ثورة 23 يوليو ,1952 وكان معه المهندس إبراهيم شكري رئيس حزب العمل الحالي. كما ارتبطت العائلة بصلة نسب مع السياسي اللامع الراحل الدكتور محمد حلمي مراد وزير التعليم الأسبق في حكومة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وخرج منها أيضا مجدي أحمد حسين ابن زعيم مصر الفتاة، الذي سار على نفس خطا والده، ودخل السجن عدة مرات لنقده السلطات، وخرج من السجن منذ ثلاثة أشهر بعد قضاء عقوبة الحبس لنقده نائب رئيس الوزراء، وزير الزارعة المصري يوسف والي، واتهامه بالعمالة للدولة العبرية واستيراد بذور فاسدة منها. و بدأ عادل حسين عمله السياسي في الثلاثينيات، منضما لأخيه في حركة مصر الفتاة، وزاد نشاطه في الخمسينيات بعدما تحول إلى الفكر الماركسي، وارتبط بالتنظيمات اليسارية الشيوعية في مصر. دخل السجن بسبب ذلك هو وعشرات من الشيوعيين المصريين في سياق التوتر، الذي نشب بينهم وبين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ولبث في السجن قرابة عشر سنوات، ثم تحول حسين تدريجيا إلى الفكر القومي الناصري، وطرح في هذه الفترة عدة دراسات تعبر عن هذا الفكر مثل كتابه الهام: الاقتصاد المصري من الاستقلال إلى التبعية، الذي أوضح فيه كيف انتقل الاقتصاد المصري من الاستقلال في عهد عبد الناصر، إلى التبعية في عهد سلفه أنور السادات. كما أنجز أيضاً دراسة مهمة بعنوان لماذا الانهيار بعد عبد الناصر؟شش!، ودراسة أخرى بعنوان الاقتصاد المصري في عهد عبد الناصر: ردّ على المعارضين والناقدين. وفي هذه المرحلة كان حسين يعمل في جريدة أخبار اليوم. التحول للفكر الإسلامي ومنذ أوائل الثمانينيات بدأ حسين يتحول من الفكر القومي واليساري إلى ساحة الفكر الإسلامي، وساعدته على ذلك فترات السجن، التي قضاها في السبعينيات في دراسة كتب التراث الإسلامي. وما إن جاء منتصف الثمانينيات حتى ظهر التحول الكبير في فكر عادل حسين من الماركسية إلى الفكر الإسلامي، الذي دافع عنه بحرارة لا تقل عن دفاعه عن الفكر اليساري، بل وأكثر. وخاض في سبيله معارك شرسة مع خصومه ومع الحكومات المصرية المتعاقبة، وخاصة بعدما تولّى رئاسة تحرير جريدة الشعب، التي صارت في عهده منبرا للإسلاميين عموما بما فيهم جماعة الإخوان المسلمون، وهو ما سبَّب إزعاجا كبيرا للسلطة المصرية. واقترن دخول حسين لحزب العمل مع تغيير توجهات الحزب من الفكر الاشتراكي، وكان يحمل في تلك الفترة اسم حزب العمل الاشتراكي إلى الفكر الإسلامي، فتخلى عن لفظ الاشتراكية، وصار اسمه حزب العمل. وقال حسين وقادة الحزب في أكثر من مناسبة إن ما يحول بينهم وبين تسمية حزبهم باسم إسلامي هو قانون الأحزاب الذي يمنع تسمية الحزب باسم إسلامي واضح. وسعى حسين وكذلك رئيس الحزب إبراهيم شكري لشرح أسباب هذا التحول العقائدي والأيديولوجي في الحزب، بأن ما يحصل ليس تغييرا في توجه الحزب، وإنما عودة به إلى الأصول، إذ كانت جماعة مصر الفتاة، التي يُعتبَر حزب العمل امتدادا لها، تتبنى الفكرة الإسلامية والقومية معا. التحالف الإسلامي وعادل حسين هو صاحب صيغة التحالف الإسلامي بين حزب العمل وجماعة الإخوان المسلمين في انتخابات البرلمان المصري عام ,1987 وهي الانتخابات التي حصد فيها هذا التحالف قرابة 64 مقعدا من مقاعد البرلمان ال ,444 وذلك لأول مرة في تاريخ الحياة السياسية المصرية ورفع التحالف في هذه المرحلة شعار الإسلام هو الحل، الذي صار يتبناه حزب العمل وجماعة الإخوان المسلمين معا فيما بعد، وانتشر بعد ذلك في عدد من الدول العربية. وأعلن حزب العمل تبنيه شعار الإسلام هو الحل رسميًّا في مؤتمر الحزب الخامس عام ,1989 وتم إقرار برنامج جديد للحزب، يختلف عن البرنامج القديم، الذي بدأ به الحزب نشاطه. ومنذ ذلك الحين بدأ الصدام الحقيقي مع الحكومة المصرية، ليس فقط لأن الحزب بدأ يطرح رؤى إسلامية في صراعه مع الحكومة، بل إن أكثر ما أغضب الحكومة على الحزب، ودفع أطرافا في السلطة لتبني خطط لحله، أن الحزب سمح لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين المحظورة بالكتابة في جريدة الحزب والمشاركة في مؤتمراته. وقد خاض عادل حسين معارك كبرى على الساحة المصرية داخليا وخارجيا، تعرض بسببها إلى الحبس والتحقيق معه عدة مرات أمام النيابة المصرية، خصوصا معاركه مع الوزراء والحكومة، التي كان يدعوها باستمرار إلى الاستقالة، ويطالب بمحاكمة العديد من وزرائها بتهم الفساد والعجز عن إدارة الشأن العام. وتبنى حسين وحزب العمل على المستوى الخارجي خيارات مخالفة لخيارات الحكومة المصرية، عرضته والحزب لنقد عنيف وتحقيقات بوليسية. فقد اقترب من إيران وسافر إليها بالرغم من توتر العَلاقات الرسمية بين طهرانوالقاهرة. ودافع عن ثورة الإنقاذ السودانية بشدة، وزار الخرطوم عدة مرات رغم عداء الحكومتين في السابق. كما زار ليبيا في فترات التوتر معها، وكان يدعو إلى إقامة تحالف ثلاثي مصري سوداني ليبي باعتباره مقدمة للوحدة العربية، ومقدمة لتوفير الطعام للعالم العربي بزراعة أرض السودان بالخبرات والعمالة المصرية، والدعم المالي الليبي، وهي الفكرة التي قال إن أمريكا تمنعها بكل ما أُوتيت من قوة. وفي الفترة التي بدأت فيها العَلاقات بين مصر وكل من إيران وليبيا والسودان تتطور بشكل مطرد، أسلم حسين الرُّوح إلى خالقها، مطمئنا إلى أن ما كان يسعى إليها طوال حياته السياسية قد بدأ يأخذ مجراه الطبيعي على أرض الواقع. الدفاع عن العقيدة آخر معاركه ويُوصَف عادل حسين بأنه مهندس قضية رواية وليمة لأعشاب البحر للروائي السوري حيدر حيدر، التي تضمنت عبارات مسيئة للدين وللذات الإلهية. وقد انتهت تلك القضية بإغلاق صحيفة الشعب، وتجميد حزب العمل، رغم صدور أكثر من خمسة أحكام قضائية لصالح إعادة الجريدة للصدور. وكانت الوليمة آخر معارك حسين ضد إصدارات وزارة الثقافة المسيئة للأديان. فقد هاجم حسين بضراوة ما قال إنه ترويج للفحش والإباحية ونشر الكتب والروايات التي تتطاول على الله والرسول والإسلام بأموال الدولة. وأكد عادل حسين في آخر حوار له مع وكالة قدس برس أنه غير نادم على خوض هذه المعارك دفاعا عن الدين والذات الإلهية حتى لو سُجِنَ. وبالرغم من المحاولات العديدة التي تمت لإعادة الصحيفة والحزب مرة ثانية، فإن تلك المحاولات قد باءت جميعاً بالفشل، إذ كانت الحكومة تشترط في مفاوضاتها السرية على رئيس الحزب إبراهيم شكري إبعاد عادل حسين، الذي يُعَدُّ العقل المفكر في الحزب، ومعه ابن شقيقه مجدي أحمد حسين، رئيس تحرير الشعب، وهو ما رفضه شكري على الدوام. ضد التطبيع ووقف عادل حسين، من خلال حزب العمل وجريدته، في مقدمة المعارضين للحلف الأمريكي الصهيوني. وظل على الدوام من أبرز المطالبين ببناء حلف عربي إسلامي لمواجهة الحلف الصهيوني الأمريكي. ووقف بكل صلابة ضد التطبيع مع الدولة العبرية، وقاد حملة جريدة الشعب ضد ما أسماه الاختراق الصهيوني للزراعة المصرية. وصدرت ضده أحكام بالغرامة في أكثر من قضية أقامها المتعاونون مع الدولة العبرية، آخرها قضية وزير الزراعة يوسف والي. وسعى حسين لتحريك العرب والمسلمين لمواجهة الدولة العبرية، وتفعيل الديمقراطية والتعددية الحزبية، وتطوير حرية الصحافة، وتحقيق العدل الاجتماعي، ومقاومة الانحراف والفساد. وكان في مقدمة المدافعين عن الديمقراطية وحرية الصحافة، وظل يعتبر معارضته للحكومة جزءاً من هذا التوجه، داعيا الحكومة إلى إلغاء التعددية الحزبية، وغلق الأحزاب إذا كانت لا تؤمن بذلك. ومن أبرز ما قام به عادل حسين تربية جيل من الكوادر الصحفية والسياسية الذين يواصلون مسيرته ونهجه في حزب العمل أو في جريدة الحزب. ومن أبرز ما ميَّز عادل حسين أنه كان شديد الدفاع عن الإسلام والفكرة الإسلامية الشاملة.. ومثلما كان قائدا ماركسيا صلبا في بداية حياته، تحول إلى مدافع قوي عن الإسلام والفكر الإسلامي، ودخل السجن من أجل أفكاره، وتعرض لأزمات قلبية بسبب هذا الحمل الكبير.. ووافته المنية وهو ثابت على مواقفه يرفض التزحزح عنها قيد أنملة. إلى دار البقاء شُيِّعت يوم الجمعة 16/3/2001/ عقب صلاة الجمعة من مسجد عمر مكرم، الذي تنطلق منه أغلب جنازات المشاهير بوسط القاهرة، جنازة المفكر السياسي الإسلامي عادل حسين، الذي تُوفِّي صباح الخميس 15 مارس 2001 ، داخل مستشفى مصطفى كامل العسكري بالإسكندرية بعد حوالي أسبوع من المكوث في غرفة الإنعاش. ووُرِيَ حسين الثرى في مقابر العائلة بالقاهرة بجوار رفات شقيقه أحمد حسين زعيم حركة مصر الفتاة، التي اشتهرت في ثلاثينيات القرن العشرين في مصر. وكان عادل حسين (69 عاما) قد أُصيب بارتفاع في ضغط الدم تسبب في انفجار أحد شرايين المخ مساء الخميس قبل الماضي، أثناء قضاء العيد مع أسرته في الإسكندرية. ونُقِل على إثر ذلك إلى مستشفى مصطفى كامل العسكري بالإسكندرية، حيث تمكن الأطباء من وقف النزيف، بيد أن الراحل دخل في غيبوبة تُوفِّي على إثرها تاركا وراءه تركة مثقلة بالهموم لجيل من شباب حزب العمل المصري ذي التوجه الإسلامي، الذي كان يتولى أمانته العامة. رحمه الله. محمد جمال عرفة شهادة الدكتور يوسف القرضاوي في حق عادل حسين رحمه الله لقد عرفت عادل حسين منذ بضعة عشر عاما، حين زارني لأول مرة في منزلي بمدينة نصر بالقاهرة، ومعه صديق عمره، ورفيق دربه المستشار والمفكر المعروف الأستاذ طارق البشري، وقد صحبهما إليّ ليعرفني بهما صديق ثلاثتنا الأستاذ عبد ا لحليم أبو شقة رحمه الله، الذي كان من أحرص الناس على التعرف على كل ذي عقل حر، وكل ذي ضمير حي، وكل من يلمح فيه أن لديه قدرة على خدمة الفكر الإسلامي، والعمل الإسلامي، وتطويره إلى ما هو خير وأمثل. وعرفت من تاريخ عادل حسين أنه كان ماركسيا ملتزما مناضلا جلدا عن مبادئها لسنين عدة، وقد دخل السجن وذاق مرارته مع زملاء له في عهد عبد ا لناصر من أجل الشيوعية، التي كان يراها مدافعة عن المستضعفين من العمال والفلاحين والطبقات المسحوقة في المجتمع، وأنها تقف ضد الاستعمار والإمبريالية المستكبرة في الأرض، فلما أنار الله بصيرته، وشرح صدره، ليقرأ الإسلام من جديد، فيما أنتجته أقلام المجددين الحقيقيين للإسلام: عرف أن في الإسلام غنية عن الماركسية اليسارية، وعن الليبرالية اليمينية، وأن في تعاليمه القرآنية والنبوية علاجا لكل مشكلة، ودواء لكل داء، وأن الدفاع الحق عن المستضعفين لا يوجد إلا في الإسلام الذي يأمر قرآنه بإعلان الجهاد من أجل إنقاذ المستضعفين (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والوالدان الذين يقولون: ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا، واجعل لنا من لدنك نصيرا) النساء. كما علم أن الاتحاد السوفيتي ليس إلا إمبريالية أخرى لعلها أسوأ من إمبريالية أمريكا ومن دار في فلكها، وأن الاستعمار الشرقي الشيوعي أشد خطرا من الاستعمار الغربي، إذا احتل بلدا وسيطر عليها. وكانت عودة عادل حسين إلى فطرته وإلى جذوره، مما غاظ الماركسيين وآلمهم إيلاما شديدا؛ لأنه أعرف بعيوبهم، وأقدر على الرد عليهم بمنطقهم. لقد حدد عادل حسين هدفه، وعرف طريقه، واختار أمته التي ينتمي إليها وهي المذكورة في قوله تعالى (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) الأعراف. وعاش بارا بهدفه، وفيا لمنهجه، ذائدا عن أمته، حتى اختاره الله تعالى إلى جواره و أرجو أن يكون قد لقي ربه راضيا مرضيا. منذ التقيت مع عادل حسين، انعقدت بيني وبينه آصِرةٌ متينة، وصلة وثيقة، وصداقة حميمة، لم تزدها الأيام إلا قوة وتوثقا، وكلما التقيت به في مصر أو خارج مصر، أطلعني على آخر أحواله، من سراء وضراء، وكان كالعهد بأهل الإيمان: في السراء شاكرا، وفي الضراء صابرا، لا يجزع ولا يهلع، كما جاء في حديث ثوبان الذي رواه مسلم في صحيحه: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وآخر مرة لقيته فيها كانت في بيروت، في شهر يناير 1002، حين جمعنا (مؤتمر القدس) العالمي، الذي ضم المئات من خيرة أبناء العرب والمسلمين، من أجل القدس والمسجد الأقصى. وحرص رحمه الله - برغم زحمة الأوقات- على أن يلقاني، ويفضي إلي بأخر ما عنده، وكان في غاية الحيوية والحماس والنشاط، وتواعدنا أن نلتقي في أقرب فرصة، فإن لم تتهيأ قريبا ففي العطلة الصيفية إن شاء الله ، ولم أكن أدري ولا هو يدري أن هذا هو آخر لقاء في هذه الدنيا، ولعل الله تعالى يجمعنا بفضله ورحمته في دار النعيم. لقد كان عادل حسين طرازا نادرا من الرجال الواعين لرسالتهم وموقفهم، العارفين بأعداء دينهم ووطنهم، المرابطين على الثغور ولا يولون الأدبار، الذين جمعوا بين العقل الحر، والقلب الحي، والإرادة الصادقة، والخلق المستقيم، والصبر على مرارة الكفاح في سبيل عقيدته، وكأنما كان شعاره قول شوقي رحمه الله: قف دون رأيك في الحياة مجاهدا إن الحياة عقيدة وجهاد رحم الله أخي وصديقي عادل حسين، وغفر له، وأسكنه الفردوس الأعلى، وتقبله في المتقين من عباده، وحشره مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. وعوض الله الأمة عنه خيرا، وخلفه في أهله وذويه بخير ما يخلف عباده الصالحين. وإنا لله وإنا إليه راجعون