قبل خمس وأربعين سنة أي في الفاتح من كانون الثاني يناير عام 1965، استفاق العالم العربي الراقد على هشيم من التطاحن الذي سعى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الى وقف تطاحنه وبعث الخضرة في الهشيم عبر دعوته الملوك والرؤساء والأمراء العرب الى عقد قمتين في القاهرة والاسكندرية أوائل وأواخر عام 1964 لم تستطيعا أن تمنعا الكيان الصهيوني من تحويل مجرى نهر الأردن أو وضع خطة جدية لتحرير الأراضي الفلسطينيةالمحتلة (رغم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ككيان رسمي). استفاق العالم العربي على صوت كاد أن ينساه لكثرة الفرقعات الاعلامية التي تنسي الانسان حتى اسمه لكثرة ترديدها في الإذاعات، صوت كان يطرب له أيام الكفاح الوطني ضد المحتل الأجنبي. لم ينسه بعد، ولازال يترنم به ويأمل أن يسمعه ثانية. قبل خمس وأربعين سنة استفاق الشعب الفلسطيني الذي كاد أن يتخدر من كثرة ما سمع من طيب الأماني وجميل الاحلام التي حفت به من الحكام العرب وخاصة الانقلابيين منهم ومن كل الاحزاب العربية وخاصة القومية منها، بأن النصر آت بل وقاب قوسين أو أدنى. استفاق الشعب الفلسطيني الذي مل من الوقوف طوابير على أبواب مراكز وكالة غوث اللاجئين الدولية لتلقي حفنات من الطحين وحبيبات من القطاني وقطرات من الزيت والملابس المستعملة، تقدم له كصدقة وتعويضا عن وطنه الذي طرد منه بقوة العصابات الصهيونية المدعومة من قوى الشرق والغرب وتآمر بعض الحكام العرب آنذاك. استفاق على صوت يؤمن بقوة أنه وحده القادر على تمكينه من استعادة كرامته وحقوقه واسترجاع أرضه المغتصبة. إنه صوت الرصاصة الاولى التي أطلقها أبطال (قوات العاصفة) الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، معلنا انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، ابنة وحفيدة الثورات واولهبات والانتفاضات الجماهيرية والمسلحة التي ابتدأت مع بداية ظهور الأطماع الصهيونية الاستعمارية في بدايات القرن العشرين. جميل أن نتحدث عن البدايات الاولى وما رافقها من جحود وعداء رسمي عربي، ومطاردة للفدائيين (مشاريع الشهداء) أشد من مطاردة القتلة واللصوص، وتعذيب في سراديب وأقبية السجون الرسمية العربية أقصى من أن يوصف. وحتى لا نستطيب حلاوة البدايات الأولى ونغرق في رومانسيتها. وحتى لا نغوص في مأساوية البدايات الأولى فنتيه في سراديبها الموحشة. لن نتحدث عنهما بحلوهما ومرهما، مع تأكيدنا انه لا يمكن نسيان أي منهما.. لننطلق منهما عابرين سنوات الهزائم والانتصارات لنصل الى حيث نضع أقدامنا اليوم، لننظر الى ما حولنا متلمسسين طريقنا لعلنا نتجنب العثرات ونصل الى نهاية النفق الذي بشرنا قائدنا الخالد ياسر عرفات بأن في نهايته شبلا أو زهرة من أبناء فلسطين سيرفع العلم الفلسطيني فوق مآذن وكنائس وأسوار القدس عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة. لن نتحدث عن عباقر أفذاذ سقطوا على درب فتح، وكل منهم أمة لوحده، مع اعتذارنا لآلاف، بل عشرات الآلاف الشهداء، لأننا سنكتفي بإيراد أسماء أعضاء القيادة في حركة فتح الذين مضوا تاركين لنا شرف حمل الراية التي استشهدوا تحت ظلها.. عبد الفتاح عيسى حمود أبو صبري، أبو علي إياد أبو يوسف النجار كمال عدوان ماجد أبو شرار سعد صايل أبو جهاد أبو إياد أبو الهول خالد الحسن أبو المنذر صخر أبو نزار... لن نتحدث عنهم لأن كل واحد منهم يستحق مجلدات للكتابة عن جوانب شخصيته وإبداعاته.. هؤلاء الابطال الذين عبدوا لنا الدرب، ويجب أن نعترف بأننا أقل قدرة وأقل عطاء منهم. فيا فتح، يا أول الرصاص، وأول شهيد وأول شهيدة، وأول أسير وأول أسيرة.. لازال شعبك وأمتك يولوك ثقتهم، وحتى عندما يقسون في انتقادك فإنهم يعبرون عن حسرتهم لما وصلت إليه، يعبرون عن توقهم لأن تبقى كما كنت الأولى في كل مكرمة، يحملوك المسؤولية لأنهم يرون فيك صاحبة المشروع الوطني الفلسطيني. يرونك أم الولد، يرونك الأمل بل الأقدر على تحقيق الأمل. يا فتح، يا من انطلقت قبل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة لتحرير ما احتل من أرض عام 1948، انطلقت تحملين البندقية وغصن الزيتون كما قال رمزنا الشهيد أبو عمار. وها أنت تعترفين على لسان رئيسك أبو مازن بأن خيار المفاوضات قد فشل لأن الصهاينة لا يؤمنون بالسلام لا يريدونه، فماذا تنتظرين؟؟؟ ها عقد عقدت مؤتمرك العام، ولم تسقطي خيار المقاومة، وانتخبت قيادتك التي طبعها التجديد بنسبة لم يسبقك إليها أي حركة تحرر في العالم ماذا تنتظرين؟؟ لقد كنت دائما وأبدا صاحبة المبادرة والأولية على كل الأصعدة، فماذا تنتظرين؟؟؟ عيوننا إليك ترنو كل يوم وكل لحظة، لأننا نعلم أن الخلاص إن لم يأت على يديك فإن أحدا غير قادر على تحقيقه.. لا أحد غيرك قادر على التواصل مع أرواح الشهداء وجراح الجرحى وعذابات الأسرى.. لا أحد غيرك قادر على الاستجابة لآهات أمهات الشهداء وتأوهات أراملهم وأيتامهم. كل من علق عليك عظيم الآمال ينتظرك أن تعودي كما بدأت حركة فلسطينية البداية عربية العمق عالمية الامتداد والآفاق. لقد كنت الرصاصة الاولى ولازالت الرصاصة المتظرة.. وكنت الانطلاقة الأولى ولازلت الانطلاقة المرتقبة.