السلوك المدني مفهوم مركب، تتداخل في مفهمته العديد من المصطلحات والمفاهيم، وبالتالي لايمكن تقديم تعريف واحد ووحيد لهذا المفهوم. وعبارة السلوك المدني هي ترجمة للكلمة الفرنسية Civisme أو عبارة Comportement وهذه العبارة تتكون من مستويين: أولا، المستوى الفردي، وهو المرتبط بالسلوك الذي ينتجه فرد ما، ثانيا، المستوى الجماعي، وهو المرتبط بالفضاء العمومي الذي يجري فيه السلوك، بحيث لايمكن الحديث عن سلوك مدني إلا باعتباره فعلا اجتماعيا لايستقيم إلا بحضور شخصين فأكثر. وكلمة «مدني» هنا تحيل إلى واحد من مظاهر المعيش البشري، وهو التمدن. لكن المفهوم اتخذ أبعاداً متعددة أخرى مع تطور المجتمعات البشرية على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي. كما أنه مفهوم يرتبط بمفاهيم أخرى تتراكب معه وتتداخل، مثل التربية على المواطنة والتربية على حقوق الإنسان. ظهر مصطلح السلوك المدني Civisme كدلالة وليس كمصطلح عند مونستكيو عندما تحدث عن كون «هذا الحب [للقوانين]، الذي يتطلب تفضيلا دائما للمصلحة العامة، هو ما يمنح جميع الفضائل الخاصة». والمقصود بمفهوم السلوك المدني يمكن تحديده على مستويين: فتارة يعني المفهوم سلوك الأشخاص الذين لهم علاقة نوعية بالدولة ويدل على نذر الذات للشيء العمومي، وتارة يشير إلى سلوك الأشخاص (المواطنين) الذين يقيمون علاقة متمايزة، مع الدولة ويدل على حس الواجبات الجماعية داخل المجتمع. وعلى مستوى أوضح وأبسط، يمكن تعريف السلوك المدني على أنه احترام المواطن للجماعة التي يحيا فيها ولاتفاقاتها، وخصوصا لقانونها. ويطبق هذا المفهوم في إطار العلاقة بالمؤسسة التي تمثل الجماعة، بمعنى أن الأمر يتعلق باحترام «الشأن العام»، أو بالأحرى «الفضاء العمومي» المشترك، وبالإبانة عن وعي سياسي. وبالتالي فإن الحياة المدنية تشمل في آن معا معرفة المواطن لحقوقه ووعيه بواجباته حيال المجتمع. وهذا المعنى هو ما يركز عليه الدكتور عبد الكريم بلحاج، أستاذ علم النفس الاجتماعي. بجامعة محمد الخامس، عندما يشدد على كون إيجاد حلول ناجعة للمشاكل الطرقية بالمغرب هو إعادة النظر في تربية المواطنين على السلوك المدني. ويتضمن هذا المقال فكرة مؤداها أن دراسة السلوك المرتبط بالطريق يقتضي دراسته كسلوك اجتماعي يتخذ أشكالا مختلفة في مناحي مختلفة من حياة الناس، لكنه يرتكز على مسلمات سيكولوجية وثقافية واجتماعية واحدة. وهذا ما أشرنا إليه في البداية يكون السلوك المدني فعل اجتماعي يتم في سياق سوسيو ثقافي معين. ويتعين أن نميز هنا بين السلوك المدني والمواطنة. فهذه الأخيرة لاتعبر سوى على شرط المواطن، بينما يعبر السلوك المدني على شرط المواطن الذي يحترم واجباته. وهكذا لايمكن أن نفصل السلوك المدني عن احترام القانون وتطبيق القانون على الجميع غير أنه يمكن للسلوك المدني ألا يكون متعلقا فقط بالجماعة، ولكن أيضا بالفرد: فالشخص الذي ينقد شخصا آخر من الغرق، والشخص الذي يقدم مساعدة إنسانية لشخص مصاب في حادثة سير، يعتبر سلوكه سلوكا مدنيا. وعلى مستوى آخر، فإن السلوك المدني تبلور انطلاقا من تطور المجتمع المدني في المجتمعات الليبيرالية. ولايمكن فصل المجتمع المدني عن ظهور وقائع سياسية شكلت منعطفات مهمة في تاريخ الحياة المدنية. هكذا إذن، فإن للسلوك المدني علاقة وطيدة بظهور العقد الإجتماعي الذي أرسى المجتمع على التعاقد ونزع عن الملوك حقهم الإلهي، كما قام المجتمع المدني على قاعدة التعددية السياسية وتعدد الرأي والفكر اللذين قوضا دعائم الحكم المطلق، ولايمكن الحديث عن السلوك المدني دون استحضار انبثاق الحقوق الأساسية للمواطن وتعميمها على مجموع الأفراد المكونين للمجتمع ومساواتهم في الحقوق والواجبات، وهو ما يحيلنا إلى القاعدة الرابعة المتمثلة في ترسيخ مبدأ سيادة الأمة. *************** ماهو السلوك المدني؟ يرتبط السلوك المدني ارتباطا وثيقا بالمواطنة الذي ظهر مع أرسطو وتجدد في عصر الأنوار خصوصا مع مونتسكيو وهو يعبر في نظره عن حب القوانين والتعلق بالصالح العام وتفضيله عن المصلحة الخصوصية. ان أول سلوك يجب أن يقوم به المواطن هو الحفاظ على الممتلكات الخاصة والعمومية فكل المعاجم والنصوص الفلسفية المعاصرة تحدد المواطنة على أنها تتجسد أساسا في احترام الحقوق والواجبات وهذا يعني أن المواطنة هي ممارسة الفعل المدني. إن الصيغة الاخلاقية التي تقول احترم جارك مثلا تعني أن المواطنة هي الفعل الذي يأخذ بعين الاعتبار العلاقة مع الآخرين، وبذلك فإن المواطنة ليست سلوكا انفراديا معزولا، إنها المحرك الأساسي الذي تتمحض عنه شروط ونتائج العيش الجماعي. ان ممارسة المواطنة هي مراعاة المصلحة العامة المشتركة، إنها الممارسة العقلانية للصالح العام، وهدفها الأول احترام الآخرين. في أيضا تشكل العلاقة الإرادية والعقلانية للمواطن اتجاه أفعاله واتجاه باقي المواطنين. المواطنة إذن تقتضي علاقة عمودية للمواطن اتجاه الدولة وأيضا علاقة أفقية بين المواطنين، وهاتان العلاقتان تتلازمان بصفة تبادلية. إن الدولة تتحدث عادة عن الوطنية عندما عندما تريد عن المواطنة التي تختلف قليلا عن السلوك المدني. إن السلوك المدني لا يرتبط بأيديولوجية معينة، ولكنه يرتبط ويتعلق بنوع في «معرفة الحياة» أو معرفة كيفية الحياة التي تساهم في السلم والتقدم الاجتماعيين. «أن تكون مواطنا معناه أن يكون عندك حسن المواطنة والسلوك المدني الإيجابي. أي أن تتجاوز أن تكون مجرد مستعمل أو مستهلك للحقوق لتعرف أن عليك واجبات، أن المواطنة هي بُعد الإحساس بالواجب، وتقدير المسؤولية واحترام أوليات أخلاق العيش الجماعي. ان المواطنة مسؤولية ترفع من درجة الوعي ودور كل فرد في المجتمع والمدينة. إنها تتجدد وفقا للمسؤولية الأخلاقية والسياسية أي ضرورة أن يعطي المواطن المثال ، إنها شكل آخر الاعتراف العملي بالمواطنة وبالمهمة المفروض القيام بها للعيش بطريقة بناءة مسالمة.. أخلاقيا وبدنيا. ان هذا البعد يقتضي اختيارات دائمة ومستمرة للمصلحة العامة وتفضيلها على المصلحة الخاصة. ان الوعي بأفعالنا المدنية هو في الآن نفسه خدمة للصالح العام وأيضا للصالح الخاص. وهذا المفهوم يعني حينا سلوك الاشخاص الذي يناضلون داخل المجتمع بدءا بالمسؤولين والسياسيين، ويعني أحيانا أخرى سلوك الأفراد الدين يتصرفون وفق بُعْدِ الواجبات الشخصية والجماعية داخل المجتمع. وكلا الطرفين آنفي الذكر يتكاملان، إلا أن الأولين أي المسؤولين والسياسيين يؤثرون على المجموعة الثانية. إن السلوك المدني يبدو كفضيلة وواجب ووجه من أوجه التلاحم الاجتماعي. غير أن ما يمكن أن نلاحظ اليوم هو الابتعاد عن السلوك المدني والعودة الى سلوك الغابة. حقيقة ان استقلال الفرد هو من أهداف المجتمع المعاصر إلا أنه أيضا لابد من أن نتعلم كيفية العيش الجماعي واحترام الغير والمحيط الخارجي. السلوك المدني أداة لإصلاح الممارسات الاجتماعية المنحرفة