هي واحدة من اكثر الفصول دموية في تاريخ الشعب الفلسطيني ؛ فحتى بعد مرور 27 سنة على ارتكابها ، لاتزال تفاصليها محفورة بدقة في الاذهان , لم تفلح السنين في طمس ملامح الجريمة , و لا يزال الجرح النازف شاهدا على ما ارتكب من خرق سافر للقوانين و المعاهدات و ابسط حقوق الانسان الا وهو الحق في الحياة , هي مذبحة استمرت 3 ايام تعد من احلك الايام التي عاشها فلسطينيو الشتات , فجرت الدماء أنهارا لتكتب فصلا جديدا من معاناة شعب طرد من ارضه ، و تعقبوه في اوطان اخرى و نكلوا به اغتيال .. حصار .. فمذبحة انطلقت الاحداث باغتيال بشير الجميل ، القائد العسكري الاعلى ل«حزب الكتائب» في الرابع عشر من شتنبر 1982 ، و ذلك قبل ايام من الموعد المحدد لتسلمة الرئاسة بتفجير مبنى «حزب الكتائب» في بيروتالشرقية . مباشرة بعد اغتيال بشير الجميل ، قامت القوات الاسرائيلية بمحاصرة و تطويق مخيمي صبرا و شاتيلا بالضاحية الجنوبية لبيروت ، بداعي فرض الامن و النظام و كذا حماية السكان من اعمال انتقامية تقوم بها الميليشيات بعد الاغتيال . أحكمت القوات الاسرائيلية الطوق على مخيمي صبرا وشاتيلا ، ومنعت الدخول إليهما والخروج منهما ، ولم تسمح حتى للصحفيين المحليين ومراسلي الصحافة العالمية بدخولهما وذلك لمدة ثلاثة أيام ، وهي المدة التي نفذت فيها المذابح والمجازر الجماعية داخل المخيمين وسط تعتيم أعلامي شامل يوم الخميس16 شتنبر، بدأت اليات عسكرية تجوب الشوارع المحيطة بالمخيمين تؤمن الحماية للعشرات من المسلحين الذين توغلوا في شوارع صبرا و شاتيلا مزودين باسلحة كاتمة للصوت و سكاكين ، مساندين بقصف مدفعي كثيف منع السكان من الخروج من بيوتهم و سهل مهمة عناصر الميليشيات المدججين بمختلف أنواع الأسلحة الصهيونية الفتاكة، باقتحام المخيمين وجوارهما ، والانقضاض على السكان في مضاجعهم، وإعمال القتل في من وصلت إليه أيديهم دون ما تفريق بين نساء وأطفال رُضع وشيوخ طاعنين في السن . يوم الجمعة ، وصل لمستشفى عكا عدد من الجرحى بينهن نساء ، شعورهن منفوشة ، وثيابهن ممزقة، بعدما تعرضن للاغتصاب ، و كان هؤلاء اول من اكتشف بشاعة ما يجري من قتل و ذبح . اقتحمت الميليشيات يوم السبت مستشفى عكا وأمروا الفريق الطبي الأجنبي بالمغادرة, فاقتيد جميع الاطباء والممرضين الى مدخل المخيم ، بينما تم القضاء على العاملين الفلسطينيين بالمستشفى ، ثم بدأ المسلحون بإفراغ المخيمين ممن بقي فيهما من السكان , كانت مكبرات الصوت تدعو العائلات الى الخروج من منازلها والتجمع في الشارع الرئيسي, فخرج المدنيون ملوحين بالأعلام البيضاء لاعتقادهم انهم يواجهون الجيش الاسرائيلي, ليكتشفوا انهم امام ميليشيات لبنانية تابعة لحزب »الكتائب« . فاكتشفوا المقابر الجماعية على امتداد الشارع الرئيسي والشوارع المتفرعة منه, وفي منتصف الطريق، فصل المسلحون الرجال عن النساء والاطفال فبدأت النساء يولولن، لكن رشقات عدة أسكتتهن,و تقدمت المسيرة، لكن من وقت الى آخر، كان يتم اقتياد بعض الرجال امام احد الجدران وتطلق النار عليهم, فتعمل الجرافات ، و بضربة واحدة، تنهار أعمدة المبنى فيسقط الركام ليدفن الجثث تحته . و بذلك تكون المذابح قد استمرت ل 3 ايام تحت سماء تنيرها القنابل المضيئة التي وفرتها الطائرات الحربية الصهيونية لتسهيل المهمة . استفاق العالم على صور مذبحة من ابشع المذابح اعادت ذكرى ما حصل في دير ياسين و كفر قاسم ، فانتشرت صورالمجزرة الجماعية وأكوام الجثث المنتفخة تحت أشعة الشمس الحارقة, وكانت آثار تقطيع الأعضاء، والثياب الممزقة، وفروات الرؤوس، وفقء العيون، شاهدة على الفظائع التي رافقت المجزرة ، و التي تم فيها اغتصاب الفتيات البكر والنساء ، وبقر بطون الحوامل منهن، وإخراج الأجنة منها ، ونثرها فوق القمامة وفي الأزقة والشوارع . شهادات من قلب المأساة خلفت المجزرة في نفس الناجين منها جرحا عميقا سيحتاج شفاؤه حتما سنوات طويلة , و سنوات اخرى ليطردوا من مخيلتهم صور جثت احبائهم و اصدقائم و جيرانهم , وشبح بيت دافئ هدم فوق رؤوسهم , عدد منهم امتلكوا الشجاعة ليحكوا تفاصيل المجزرة التي ستبقى محفورة في ذاكرتهم الى اجل غير مسمى تقول أم غازي يونس ماضي ، إحدى الناجيات من المذبحة : "اقتحموا المخيم الساعة الخامسة والنصف يوم 16 شتنبر، ولم نكن نسمع في البداية إطلاق رصاص، فقد كان القتل يتم بالفؤوس والسكاكين، وكانوا يدفنون الناس أحياء بالجرافات، هربنا نركض حفاة والرصاص يلاحقنا . ذبحوا زوجي وثلاثة أبناء لي في المجزرة. قتلوا زوجي في غرفة النوم وذبحوا أحد الأولاد، وحرقوا الآخر بعد أن بتروا ساقيه، والولد الثالث وجدته مبقور البطن، كما قتلوا صهري أيضا " أما ماهر مرعي ، فوصف ما حدث ليلة السادس عشر من شتنبر 1982، قائلاً: "رأيت الجثث، أمام الملجأ مربوطة بالحبال لكني لم أفهم، عدت إلى البيت لأخبر عائلتي، لم يخطر في بالنا أنها مجزرة، فنحن لم نسمع إطلاق رصاص، أذكر أني رأيت كواتم صوت مرمية قرب الجثث هنا وهناك، ولكني لم أدرك سبب وجودها إلا بعد انتهاء المجزرة. كواتم الصوت "تتلف" بعد وقت قصير من استخدامها، ولذا يرمونها " وتروي امرأة من مخيم صبرا ما جرى فتقول: "كنت أنا وزوجي وطفلي نهمّ بالنوم ليلة 15 شتنبر بعدما انتهينا من ترتيب الأغراض التي خرّبها القصف. كنا نعيش حالة من الاطمئنان لأن الجيش اللبناني - حسب ظنها- يطوق المخيم، لكن الهول كان قد اقترب، إذ دخل عشرات الجنود والمقاتلين يطلقون النار ويفجّرون المنازل، فخرجنا نستطلع الأمر ؛ ولما رأينا ما رأينا حاولنا الهرب ، لكنهم استوقفونا ، ودفعوا زوجي وأبى وأخي وأداروا ظهورهم إلى الحائط وأجبروهم على رفع أيديهم، ثم أمطروهم بوابل من الرصاص ، فسقطوا شهداء. ولما صرخنا أنا وأمي شدونا من شعورنا باتجاه حفرة عميقة أحدثها صاروخ، لكن أوامر صدرت لهم بالحضور إلى مكان آخر فتركونا دون أن يطلقوا علينا النار ثم هربنا " اختلفت الاراء حول تورط الجيش الاسرائيلي في المذبحة نظرا لعدم وجود دلائل على مشاركة جنود اسرائليين فيها , لكن لجنة التحقيق الاسرائيلية "كاهان" اوردت في نتائجها ، ان ارييل شارون يتحمل مسؤولية شخصية عن المجزرة نظرا لسماحه لميليشيا «الكتائب» بالدخول الى المخيمين , و اكدت اللجنة ايضا ان الحكومة الاسرائيلية مسؤولة عن حماية المدنيين في المناطق الخاضعة لها، لكنها لم تفعل أي شيء لوقف المذبحة . و ادى قرار اللجنة الى دتقديم ارييل شارون استقالته كوزير للحرب حينها . سطرت الميليشيات المتطرفة و القوات الاسرائيلية بالدم صفحة من صفحات الظلم في مجزرة تهدف الى تصفية الفلسطينيين و دفعهم للهجرة من جديد .., نعم مجزرة صبرا و شاتيلا لم تكن الاخيرة , فالمجازر اليومية لا زالت مستمرة لم تنته، كما لم تنتهي بعد قصة شعب أدمن الصبر و الصمود . جهاد فتشاطي