كنا واثقين منذ البداية، أن السلطات البريطانية لن تنفذ أمر السلطات القضائية التي أصدرت مذكرة توقيف ضد وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة زعيمة حزب كاديما "تسيبي ليفني" بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة. بل ستعمل على توفير الحماية للقيادات السياسية والعسكرية الصهيونية المتورطة في جرائم الحرب. فالمملكة المتحدة لن تسمح أن يحرجها قضاؤها المستقل. و لسنا مغفلين إلى الدرجة التي نعتقد فيها أن بريطانيا أو أي دولة أوروبية ستعمل على اعتقال صهيوني عادي، فكيف إذا كان هذا الصهيوني مسؤولا بالكيان الإسرائيلي؟.. نستشف ذلك بسهولة، من الغضب الشديد الذي عبرت عنه وزارة الخارجية الإسرائيلية بعد مذكرة التوقيف. حيث قالت في بيان: "من دون تصحيح هذا النهج، لن يتمكن مسؤولون إسرائيليون كبار من دخول الأراضي البريطانية، وبذلك تبعد لندن نفسها عن إمكانية القيام بأي دور في عملية السلام في الشرق الأوسط". لكن الأمر بالإعتقال في حد ذاته، وجه رسالة قوية إلى أركان الإجرام الصهيوني و أحرج الكيان الصهيوني أمام العالم.. يظهر ذلك في الامتعاض الذي عبر عنه السفير الإسرائيلي في لندن، من الملاحقة القضائية ل"ليفني" قائلا لإذاعة الجيش الإسرائيلي "الوضع الحالي لم يعد يحتمل ويجب أن يتغير". وأعرب عن "قناعته" بأن الحكومة البريطانية ستتفهم بأنه "حان وقت التصرف وليس الاكتفاء بإصدار البيانات"... في الوقت الذي تدين الهيئات الدولية الرسمية والمدنية مجرمي الحرب الصهاينة و تطالب باعتقالهم ومحاكمتهم نجد عندنا من يستقبلهم، ويحيطهم بعناية خاصة في مناسبات متعددة، بالرغم من كل الجرائم التي ارتكبوها ولا زالوا يرتكبونها، في حق الفلسطينيين و اللبنانيين من تقتيل وحصار وتهجير واستيطان و تطهير عرقي واحتجاز آلاف الأسرى في سجونه الرهيبة. لا أدري كيف سيستقبل معهد "أماديوس" للدراسات والأبحاث هذا الخبر وهو الذي احتفى ب"ليفني" في الدورة الثانية لمنتدى "ميدايز 2009 " في الفترة ما بين 19 و 21 نونبر المنصرم بمدينة طنجة، وهل سيشعر بالخجل ابن وزير الخارجية ابراهيم الفاسي الفهري الذي أصر على تحدي الشعب والقضاء من أجل عيون "ليفني"؟! أنا متأكد أن الذين أحبو "ليفني" مصابون بالإحباط من أجلها، من بينهم للأسف الشديد فاعلان أمازيغيان، الأول قلل من أهمية دعوة عدد من الهيآت الوطنية إلى التظاهر في طنجة احتجاجا على زيارتها. وقال: "أنا شخصيا أكن لها تقديرا ومحبة كبيرة جدا لأنها ديبلوماسية وشخصية ماهرة". ووصف، في تصريحات خاصة ل "قدس برس"، دعوة التظاهر ضد الزيارة بأنها "ساذجة"، وقال: "هؤلاء الذين أطلقوا دعوة لاعتقال "ليفني" حالمون وواهمون، لأنه لا أحد يستطيع اعتقالها في المغرب ولا الاقتراب منها ". هذا المناضل، فاته أن ينبه الجمعيات و المنظمات الحقوقية البريطانية، التي تقدمت بطلب إصدار أمر اعتقال مجرمة الحرب "ليفني"، بصفتها من المسؤولين عن شن حرب على قطاع غزة منذ عام، إلى ما تفتقت عنه عبقريته من خطأ ما يقع فيه المحتجون و المطالبين باعتقال مجرمي الحرب الصهاينة.. أما الثاني فقد وصف في بيان نسبه إلى "العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان"، زيارة "ليفني" ب"الميمونة"، مضيفا أنها ستعود ب"الخير على الشعبين الصديقين، وستمكن من تعزيز أواصر التعاون بين البلدين في شتى الميادين وفتح قنوات الحوار". خطورة التطبيع الشعبي أكبر من خطورة التطبيع الرسمي. لذلك تصر "إسرائيل" على اختراق الدائرة الشعبية عن طريق الجمعيات وفعاليات المجتمع المدني. لذلك وجب التصدي لهذه الموجة الجديدة من التطبيع التي تستهدف تحسين صورة مجرمي الحرب الصهاينة وفك الحصار عنهم، في الوقت الذي لم يعودوا فيه قادرين على زيارة العديد من بلدان العالم خوفا من اعتقالهم ومحاكمتهم.. استقبال مجرمة الحرب الصهيونية،المطلوبة للمحاكمة الدولية بمقتضى تقرير "جولدستون" لم يشكل صدمة للمغاربة وحدهم، بل لكل الأحرار في العالم.. لم يراعوا شعور الناس و هم يتسابقون على مصافحة يدها الملطخة بدماء الأطفال والنساء! فكيف يمكن وصف شعور الشرفاء و هم يرون هذه المجرمة تتجول في أسواق وأزقة مدننا العريقة مع أكثر من 40 من أفراد الحماية الشخصية؟ حسب صحيفة "يديعوت أحرنوت".. فالمرأة ليست أنثى عادية، بل صاحبة تاريخ دموي لا غبار عليه، هي عميلة سابقة للموساد، وتعارض أي احتمال لعودة اللاجئين الفلسطينيين. وقد ورثت الميل إلى العنف من عائلتها، فوالدها الراحل "إيتان ليفني"، يعتبر أحد أكبر جزاري دير ياسين، حيث كان قائد عمليات عصابة "الأرغون" التي اشتركت في المذبحة. أما "سارة" والدتها، فقد كانت قائدة لإحدى خلايا العصابة المتطرفة ذاتها والتي ترأسها آنذاك رئيس الوزراء الراحل الإرهابي "مناحيم بيجن".. وهي أحد الثلاثي الذي خطط ونفذ وأشرف على العدوان ضد الشعب الفلسطيني، الذي استمر 22 يوما (من 27/2/2008 إلى 18 يناير 2009) ، وهي الجرائم التي لا يمكن اعتبارها إلا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية، لأنها شملت المدنيين العزل ووصل عدد القتلى الفلسطينيين إلى أكثر من 1400 قتيل بالإضافة إلى 4500 من الجرحى والمعطوبين، ولأنها استعملت فيها كل أنواع الأسلحة الثقيلة، البرية والجوية والبحرية واستخدمت فيها الذخيرة المحرمة دوليا! وشاركت أيضا في التخطيط وتنفيذ الحصار الاقتصادي والغذائي والطبي والتجهيزي، الجائر المضروب على قطاع غزة من طرف الكيان الإسرائيلي منذ حوالي أربع سنوات، بما خلفه من آثار خطيرة على الصحة والتعليم والسكن والحيلولة دون إعادة بناء ما خلفه العدوان... ولاتزال آثاره النفسية والاجتماعية والمادية بادية، ولا يزال أهالي قطاع غزة يعانون شتى أنواع الآلام والمعاناة بسببه.. هذه الخطوة الإنسانية من شرفاء بريطانيا، تعتبر مؤشرا إضافيا على زيادة وعي المجتمع الدولي بمخاطر جرائم الحرب الإسرائيلية وبمخاطر مخالفات "إسرائيل" وقادتها لقواعد حقوق الإنسان وللقانون الدولي. فالزمن الذي كان فيه مجرمو الحرب الصهاينة يتجولون في المدن الأوروبية بكل حرية قد ولى، إذ سيجدون أمامهم من الآن فصاعدا، من يذكرهم بجرائمهم التي ارتكبوها ضد الأبرياء والأطفال.. لكن الملفت أن الجبهة المناهضة لمجرمي الحرب عندهم تتقوى، وعندنا بدأ السوس ينخرها! كما أن الحكومات الغربية تصدر أمرا باعتقالهم بتهم جرائم حرب ، والحكومات العربية تستقبلهم بالأحضان والابتسامات وتقيم لهم أفضل المنتجعات. هذا القرار، إذن، عزز نظرية انبطاح الدول العربية، حيث لم تجرؤ دولة عربية واحدة على استصدار مثل هذا القرار الجريء. لا بد، إذن، أن تستمر هذه الجهود بشكل مركز حتى تتم محاصرة هؤلاء المجرمين إلى أن يزج بهم خلف القضبان. ويدرك المجرمون أن الزمن الذي كانوا يرتكبون فيه جرائمهم دون أن يرف لهم جفن قد ولى، وأن العالم قد ضاق ذرعا بجرائم هذا الكيان.