36.2 مليار درهم حجم قروض الاستهلاك التي استدانها المغاربة, خلال الأشهر الثلاث الأولى من سنة 2009 .رقم صدرعن الجمعية المهنية لشركات التمويل الشيء الذي يكشف عن الارتفاع الصاروخي الذي يعرفه هذا القطاع مقارنة مع السنوات السابقة،كما يوضح بجلاء حال المواطن المغربي الذي أصبح يجد في الابناك ومؤسسات القروض ملجأ له لا بديل عنه لفك أزماته المادية، وبالموازاة مع هذا الارتفاع تعمل هذه المؤسسات على طرح الجديد في كل المناسبات خاصة تلك المتعلقة برمضان و الدخول المدرسي و العطلة الصيفية التي أصبحت تتطلب مصاريف كبيرة. فبعد نهاية السنة الدراسية،و حصول الآباء على الإجازة الصيفية،تبدأ الأسر المغربية في التفكير عن الوجهة المثالية لقضاء العطلة الصيفية .و بالنسبة لمجموعة من العائلات،يبقى الهاجس المادي هو المهيمن على العملية ككل،فإذا كانت بعض الأسر من الطبقة المتوسطة تستطيع ادخار جزء من مداخيلها المالية ليخصص للعطلة،فبالمقابل تلجأ اغلب الأسر المغربية إلى الاقتراض ،ذلك أنها تجد فيها الحل الأمثل لتمويل مصاريف السفر و التخييم ،أما العائلات الميسورة فلا حديث عنها حيث يفضل هؤلاء قضاء الإجازة خارج المغرب.. غلاء المعيشة..ضعف الأجور.. الضائقة مالية.. و سهولة الحصول على قرض،كلها عوامل تدفع المواطن المغربي للجوء إلى المؤسسات المتخصصة في التسليف،حيث تعتبر هذه الأسر أن القرض يمنح لها فرصة تلبية متطلبات لا يمكن لها توفيرها إذا ما اعتمدت فقط على الأجور الضعيفة التي تحصل عليها،حتى أصبحت هذه الظاهرة كثقافة في المجتمع المغربي،فما إن ينتهي الشخص المقترض من تسديد ما عليه من الديون حتى تجده يطلب قرضا اخر. و رغم أن العملية تتم بسهولة،و في وقت لا يتجاوز في كثير من الأحيان 48 ساعة،إلا أن المواطن يدخل في لعبة لا تنكشف خباياها إلا وقت تسديد تلك القروض،حيث أصبحت المحاكم المختصة تعج بالقضايا المتعلقة بالتسليف،إما بسبب عدم قدرة المقترض على أداء ما عليه،أو بسبب إخلال الجهة المقرضة بأحد بنود العقد المبرم بين الطرفين. لغة الإغراء "عطلة صيفية رائعة مع الأبناء في أحسن الظروف مع تسهيلات في الأداء" هكذا تحاول مختلف الوصلات الإشهارية الإذاعية و التلفزية إغراء الأسر للإقبال على منتوجها الذي يبدو مشجعا،لا سيما و أن هناك تنافسا كبيرا بين مختلف المؤسسات لاستقطاب أكبر عدد من المواطنين.و في أهم شوارع المدن المغربية،تنتشر في فصل الصيف لوحات إشهارية عملاقة،محاولة استمالة لهفة المواطنين لقضاء العطلة الصيفية،مستعملة في ذلك مختلف وسائل الإقناع،مما يجعل المارة متحمسين لطلب الحصول على السلف،لا سيما و أن المؤسسات المختصة في منح القروض تخصص مجموعة من الهدايا كأحد الأساليب الإشهارية لتشجيع العائلات للإقبال على منتجاتها. و رغم المنافسة التي يعرفها هذا القطاع من طرف البنوك،فإن المؤسسات المتخصصة تحاول طرح كل ما من شأنه جذب المواطن،مثل تخفيض نسب الفائدة،و التسهيلات المشجعة في الأداء.و تقوم الوكالات المتخصصة بالتركيز على بعض الشرائح الاجتماعية مثل الموظفين و المتقاعدين، بالإظافة إلى استعمال تقنيات الإشهار المتطورة،عن طريق الاحتكاك المباشر بالشرائح المستهدفة مدججة بعروض مغرية نسب فائدة تبدو ظاهريا منخفضة مع تسهيلات في الأداء،لتكون العطلة للجميع. عوامل انتشار الظاهرة كثيرة هي الأسباب التي تدفع العائلات المغربية للاقتراض،فغلاء المعيشة و انخفاض مستوى دخل الفرد و كذا اتساع دائرة الفقر،كلها عوامل تساهم بقوة في انتشار هذه الظاهرة،حتى أصبح المواطن يطلب قرضا جديدا لتسديد ما عليه. فتيحة،50 سنة،متقاعدة.تقول أن ما يدفعها للجوء إلى المؤسسات المتخصصة في منح القروض هو عدم قدرتها على تلبية كل متطلبات الحياة،خاصة ما يتعلق ببعض المناسبات وايضا العطلة.و تضيف أنها تجد في السلف متنفسا لها رغم الفائدة المرتفعة نسيبا التي تفرضها هذه المؤسسات. و إذا كانت فتيحة تجد في القرض متنفسا لها،فإن احمد 23 سنة،و الذي يعمل في القطاع الخاص،يرى أن سلبيات القرض أكثر من ايجابياته.فبالرغم من انه يساعد على توفير متطلبات مستعجلة،فإنه يحمل معه مجموعة من المخاطر خاصة بالنسبة للأشخاص العاجزين على إرجاعها،و بالتالي فإن الشخص المقترض يدخل في سلسلة من المتابعات القضائية التي تلزمه أحيانا بأداء أكثر من القرض المحصل عليه. و يرى بعض المراقبين المعارضين لتفشي هذه الظاهرة، أن سهولة الحصول على القروض تحول الأمر إلى شبه إدمان،فبمجرد ما ينتهي الشخص من تسديد قرض حتى يبدأ في إجراءات طلب قرض آخر،دون التفكير في آليات أخرى لتدبير الوضع.و بالتالي فإن هذه القروض تورط المواطن و تستنزف قدرته الشرائية و المعيشية و ذلك عن طريق دفعهم لتلبية طلبات غير ضرورية كما يحصل في مناسبات عديدة ،مما يقحمهم في مشاكل اجتماعية وقانونية خطيرة. و بالرغم من هذه المخاطر،يرى الكثيرون أن مؤسسات القروض الاستهلاكية هي المتنفس الوحيد للخروج من أزمة مالية او تلبية حاجيات مستعجلة.فخلال العشر سنوات الأخيرة،استطاعت مختلف شركات التسليف و الابناك استقطاب المزيد من الزبناء و اقحامهم في دوامة القروض حتى أصبحت هذه الأخيرة كوقود لاستمرار الحياة ذلك أن الكثير من الأسر أصبحت ترتكز على الاقتراض ليس فقط استجابة لازمات مالية عابرة و انما لتمويل مصاريف الحياة من أكل و شرب و مسكن. نتائج قاتلة و اذا كان المواطن المغربي في السابق يلجأ الى أقربائه أو أصدقائه للتسليف،فإنه اليوم أصبح يفضل الارتكاز على وكالات القروض و التي تفرض معدلات فائدة مرتفعة تجعل الكثيرين يعيشون تحت وطأة أزمات مالية خانقة،مما يؤدي إلى مأساة اجتماعية و اقتصادية حقيقية.فتراكم الديون و عجز الشخص المقترض عن أداء القرض أسقط الكثير من الأسر المغربية تحت سقف الفقر و المتابعات القضائية،فالإفراط في الاقتراض تسبب في تدمير العديد من البيوت، لاسيما أذا ما تم الجمع بين قرضين أو أكثر في نفس الوقت،مما يجعل راتب الشخص المقترض هزيلا أمام حجم الديون التي عليه،فلا يستطيع توفير متطلبات الحياة من أكل و شرب و مسكن. و حسب ذ.إسماعيلي مولاي حفيظ،محام،فإن المحاكم تعرف كثيرا من الملفات المتعلقة بالقروض.فبسبب إخلال الزبون ببنود العقدة المبرمة بينه و بين المؤسسة المانحة،تضطر هذه الأخيرة إلى رفع دعوى قضائية،مما يجعل المدعى عليه يتحمل المصاريف القضائية بسبب قرض هزيل.و عليه فقد وجب وضع نصوص قانونية خاصة بهذا القطاع تنظم بشكل دقيق العلاقة التي تحكم المؤسسة المقرضة بالزبون. وتحذر جمعيات حماية المستهلك من تفشي الظاهرة،حيث تعتبر إنه بالرغم من بعض الإيجابيات التي تحملها القروض ، فإن هذه الأخيرة يمكن أن تتحول إلى ما قد يؤثر بشكل سلبي على حياة الشخص المقترض حين تصل الاستدانة إلى حد الإفراط التي قد يصبح معها الشخص عاجز عن الأداء أي في وضعية المديونية المفرطة. و صلة بموضوع النصوص التنظيمية و التشريعية لهذا القطاع،تجدر الإشارة إلى ان هناك بعض النصوص التي تنظم هذا القطاع مثل ظهير الالتزامات و العقود من 870 إلى 878،و قرار وزير المالية والاستثمارات الخارجية رقم 143- 96 الصادر في 31 يناير1996 المنظم للأسعار المطبقة على عمليات القروض ،غير أن هذه النصوص تبقى مجرد دوريات صادرة عن و زير المالية أو بنك المغرب و لا ترقى إلى مستوى قانون خاص بهذا القطاع الذي يعرف نموا سريعا. ارتفاع صاروخي لقروض الاستهلاك وبلغة الارقام أكدت الجمعية المهنية لشركات التمويل في إحصائيات نشرتها مؤخرا،أن حجم القروض المخصصة للاستهلاك, الممنوحة في الأشهر الثلاث الأولى من السنة الجارية,بلغ 36.2 مليار درهم, مسجلا ارتفاعا بنسبة 15.7 في المائة, مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية.و تتوزع هذه القروض بين القروض الشخصية التي سجلت نموا بنسبة 15,6 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية،حيث بلغت هذه السنة حوالي مليار درهم،فيما سجلت القروض المخصصة لشراء السيارات 12,7 مسجلة ارتفاعا بنسبة 15,6.أما القروض المخصصة للتجهيز المنزلي فقد بلغت 845 مليون درهم مسجلة انخفاضا بنسبة 20.3 في المائة، مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2008. و صلة بالموضوع،نبه التقرير الأخير لبنك المغرب،إلى الارتفاع الكبير لقروض الاستهلاك، حيث أدى الإقبال على الإفراط في السلف رفع حجم المبالغ المقترضة، من سنة إلى أخرى، بالنسبة إلى شريحة مهمة من المقترضين.و حسب بعض الأرقام الصادرة عن بنك المغرب،فإن الموظفين و الأجراء يشكلون 93 في المائة من مجموع المقترضين للاستهلاك.