وعيا منه بأن إصلاح القانون الجنائي ضرورة ملحة لتأهيل السياسة والتشريع الجنائيين, انكب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ما بين أكتوبر 2008 ومارس2009 ، على إعداد دراسة حول ملاءمة مشروع القانون الجنائي المغربي للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وحسب وثيقة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، فإن هذه الدراسة تأتي بعد مواكبة العمل الذي قامت به اللجنة الحكومية تحت إشراف وزارة العدل، والمتعلق بإعداد مشروع القانون الجنائي، واستكمالا لهذا المسار التفاعلي للمجلس مع الأوراش الإصلاحية، ومراعاة لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في موضوع تأهيل السياسة والتشريع الجنائيين، وفي موضوع تجريم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان طبقا للمعايير الدولية في المجال. وأوضحت هذه الوثيقة ، التي وزعت بمناسبة انعقاد الدورة العادية ال33 للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، يوم السبت، أن هذه الدراسة استندت على المرتكزات الثلاث للقانون الجنائي, المتمثلة في التجريم والجزاء والمسؤولية ، ومن خلال إعمال صريح ودقيق لمبادئ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وعدم رجعية القوانين والمساواة والشرعية والإنصاف والمسؤولية الشخصية في المجال الجنائي. كما استندت هذه الدراسة على مناقشة مشروع القانون الجنائي في ضوء تلك المبادئ والقواعد في مجالات مفهوم النظام العام، وأنسنة العقوبة، والطبيعة الشخصية للعقوبة، والتناسب بين التدبير القضائي ودرجة المسؤولية، وتناسب العقوبة مع الفعل الجرمي وتشخيص المسؤولية، بالإضافة إلى الملاءمة مع الاتفاقيات الدولية وإدخال جرائم جديدة كالإبادة والاختفاء القسري والتطهير العرقي أو الجنسي. وذكرت الوثيقة بأن سنة 2004 تميزت بتدشين مسلسل جديد في هذا المجال، تمثلت أهم محطاته في الرأي الاستشاري الذي رفعه المجلس، على إثر انتهاء أشغال اجتماعه الثاني والعشرين، إلى النظر السديد لجلالة الملك محمد السادس، بشأن ملاءمة القانون الجنائي المغربي لمكافحة الكراهية والميز والعنف. وقد تضمن الرأي الاستشاري المذكور، مجموعة من الاقتراحات ترمي إلى تقوية وتحديث القانون الجنائي المغربي, وإطلاق عمل تواصلي وتربوي عميق لتحصين البلاد ضد مظاهر العنصرية والميز والكراهية والعنف. وسجل المجلس، من خلال هذا الرأي الإستشاري أيضا، انخراط الحكومة في العمل من أجل بلورة سياسة جنائية، تمثلت أهم محطاته في تنظيم مناظرة وطنية حول الموضوع، بهدف استخلاص العبر من تطبيق القانون الجنائي المغربي طيلة42 سنة، في أفق صياغة سياسة جنائية متكاملة تتماشى مع متطلبات البلاد الراهنة.