لتسهيل مأمورية الناس في الذهاب والإياب ومن والى فلا بد من فتح الطرق وشقها وتعبيدها وترميمها ويندرج في هذا الإطار المسالك والممرات وهي مرافق اجتماعية يتقاسمها العباد ولكل واحد منهم نصيبه فيها باعتبارها ملكية مشتركة ويشكل وجودها في الحياة مثل ما يشكله وجود الأشياء الضرورية الأخرى التي لايستقيم أمر العيش إلا بها إلى درجة أن الأمر يكاد أن يكون للناس بمثابة الطعام والشراب ولا سيما في هذا العصر الذي تنوعت فيه وسائل العيش وتغيرت فيه أنماط الحياة وتعددت فيه قنوات التواصل والاتصال حتى أصبح أمر ربط الجهات والمناطق بعضها ببعض أمرا ضروريا لا محيد عنه إذا اريد توزيع الخدمات الاجتماعية بطريقة عادلة وانتشا ر العلم والمعرفة في كل البقاع ليستفيد الجميع وليأخذ شيء من شيء وليتمكن الناس من توسيع دائرة تبادل الآراء والأفكار وترويج البضائع والسلع ليتحقق فيهم مبدأ المساواة والتكافل الاجتماعي مع إتاحة فسح إمكانية تكافؤ الفرص بين المواطنين، لتتلاقح ثقافتهم وينصهر الجميع في بوتقة وطنية موحدة يحصل بها التوازن والانسجام في تناسق تام كي يندمج الكل في دائرة الحياة الكريمة التي ينشدها المجتمع الهادىء المتطور في إطار القيم والأخلاق الفاضلة . هذا ولا يخفى علينا مدى معاناة المواطنين الذين يقطنون في المناطق المعزولة منعدمة الطرق حيث يتعذر على وسائل النقل ولوجها ولذلك ومن أجل إسعاد الناس لا تدخر الجهات المسئولة أي جهد في انجاز طرقات ومسالك وممرات داخل المدن والقرى وفي البوادي والحواضر مع العمل على تزويدها بالعلامات والإشارات المنظمة لحركة السير وهي أعمال جليلة يثاب عليها ويتحقق في مسديها قول ربنا الكريم «إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أنا لا نضيع أجر من أحسن عملا» [الآية من سورة الكهف]. ونظرا إلى ما للطريق من أهمية في الحياة فان ديننا الإسلامي الحنيف قد عني بقضية تدبير أمر هذا الجانب عناية خاصة وأعطاه من الرعاية والاهتمام ما يصلح أمر الناس وما يفيدهم في هذا المجال وما يجعل الطريق مؤديا لدوره على الدوام بدون مشكلات حيث وضع النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من القواعد والآداب والشروط والمبادئ والحقوق لحماية الطريق وصيانته وحفظه وسلامته والعمل على تنظيفه وتنقيته وإماطة الأذى عنه داعيا الناس إلى احترام هذه المبادئ وهذه التعاليم التي في احترامها يكو ن ا لفوز والفلاح ودخول الجنة وفي عدم احترامها تقع على المخالف اللعنة والمقت والغضب ولا تنتهي عواقبه بخير ومن الآداب الواجبة للطريق عدم التبول أ والتغوط أو التعريس على جواده أو رمي الأزبال اوالنفايات أو الفضلات أو أي شيء يؤذي أو يعرقل حركة المرور وهنا لابد من الاستشهاد ببعض الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في هذا السياق لنستفيد منها ونفيد. روى مسلم و ابوداود وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اتقوا اللاعنين قالوا وما اللاعنان يا رسول الله قال الذي يتخلى في طرق الناس أو في ظلهم». وروى أبو داود وابن ماجه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل». وروى ابن ماجه عن جابر بن عبدا لله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والتعريس على جواد الطريق، والصلاة عليها فإنها مأوى الحيات والسباع، وقضاء الحاجة عليها فإنها الملاعن». والأحاديث في هذا المعنى كثيرة مفادها أن للطريق حرمة خاصة يجب على الناس احترامها على اعتبار أن الطريق هو من المرافق العامة وهو من الملكيات المشتركة مما يفرض على الجميع صيانته وتحصينه بأسيجة من العفة والكرامة والحياء والحشمة والوقار ليبقى مكانا آمنا ومحترما يصلح للمرور وقضاء المآرب والأغراض وهي مسؤولية تقع على عاتق المواطنين كلهم سواء كانوا راكبين أو راجلين أو جالسين على جنباته للتحدث أو لقضاء حاجات نافعة. فعلى هؤلاء كلهم وعلى غيرهم أن يكونوا مؤدبين ومراعين لحق الطريق وان يكونوا في منتهى المسؤولية وان يحترموا غيرهم من الناس وعلى المسؤولين الجماعيين وغيرهم صيانة هذا المرفق وتزويده باللوازم الضرورية وعلى السائقين التأني والتحديد من السرعة وعدم الإفراط فيها مع احترام الإشارات والعلامات وكل القواعد المنظمة لحركة السير حتى يتم القضاء نهائيا على حوادث السير والتي نظرا إلى كثرتها واستفحالها أصبحت توصف عندنا بحرب الطرق لكون هذه الآفة أضحت تأتي على الأخضر واليابس. وهنا لا بأس من الإتيان بحديث نبوي شريف يبين لنا بعض حقوق الطريق لنقف عندها جاعلين من هذا الحديث وغيره نبراسا نستضيء به لنحصن أنفسنا من الآفات ولنحمي طريقنا من كل عبث. وهذا نص الحديث روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إياكم والجلوس في الطرقات قالوا يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». ففي هذا الحديث تأديب وتربية للنفوس وحث للناس على تدبير وترشيد أمر الجوارح لتؤدي دورها ووظائفها. قال تعالى: |«ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ولا تمش في الأرض مرحا انك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها» [من سورة الإسراء]. والأمر بغض البصر ورد في الكتاب والسنة أكثر من مرة قال تعالى: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم» وقال تعالى«وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن» [من سورة النور الآيات] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كتب على ابن ءادم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة العينان تزنيان زناهما النظر ولأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطى والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» [رواه البخاري ومسلم باختصار وأبو داود والنسائي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه]. قال ابن القيم الجوزية رحمه الله «والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان فالنظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل «الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده». قال الشاعر: كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة بلغت من قلب صاحبها كمبلغ السهم بين القوس والوتر اسر مقلته ماضر مهجته لا مرحبا بسرور جاء بالضرر وقيل أيضا: ياراميا بسهام اللحظ مجتهدا أنت القتيل بما ترمي فلا تصب يا باعث الطرف يرتاد الشفاء له احبس رسولك لا يأتيك بالعطب وقيل أيضا: مازلت تتبع نظرة في نظرة في إثر كل مليحة ومليح وتظن ذاك دواء جرحك وهو في ال تحقيق تجريح على تجريح فذبحت طرفك باللحاظ و بالبكا فالقلب منك ذبيح أي ذبيح وقد قيل: «إن حبس اللحظات أيسر من دوام الحسرات» ومن حق الطريق كذلك كف الأذى بإزالة أي شيء يؤذي مثل الأحجار والأشواك والقاذورات ونحوها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الإيمان بضع وستون أو سبعون شعبة أدناها إماطة الأذى عن الطريق وأرفعها قول لااله إلا الله والحياء شعبة من الإيمان». [رواه البخاري ومسلم وابوداود والترمذي والنسائي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه ]. ومن حق الطريق رد السلام قال تعالى: «وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا». [الآية من سورة النساء]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم» [رواه مسلم وابوداود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. ومن حق الطريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: «ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون».[الآية من سورة آل عمران]. والآيات في هذا المعنى كثيرة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان». [ رواه مسلم والترمذي وابن ماجه والنسائي من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما من نبي بعثه الله في امة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل». [ رواه مسلم ]. وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول: «لا اله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج وحلق بين إصبعيه الإبهام والتي تليها فقلت يارسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث» [ رواه البخاري ومسلم ] والأحاديث في هذا الباب كثيرة . وعلى الإنسان في أداء هذا الحق أن يكون حكيما وان لايكلف نفسه مالا يطيق وان لا يحشر نفسه فيما لا يعنيه وان لا يكون متهورا ولا مندفعا ولا متشددا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.