تعرضت المخططات السياسية والعسكرية التي وضعتها الدول التي دشنت العملية العسكرية التي شنت ضد ليبيا في التاسع عشر من مارس 2011 لإسقاط النظام القائم، لعثرة جديدة يوم 3 مايو 2017 بعد ان نجحت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر في تحقيق خطوة على طريق إعادة الإستقرار إلى ليبيا ومنع تنفيذ مخططات تقسيم هذا البلد إلى دويلات وتحويله إلى قاعدة لتصدير الفوضى إلى كل الشمال الأفريقي ودول الساحل. فقد عقد ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي التابع للحكومة الليبية المنبثقة عن البرلمان الليبي المنتخب سنة 2014 وفائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، اجتماعا رباعيا يوم الأربعاء 3 مايو، حسبما أفادت قناة "العربية". وبحسب وكالات الأنباء ناقش المجتمعون تطورات وسبل حل الأزمة الليبية. وكان حفتر والسراج قد أصدرا، يوم الثلاثاء 2 مايو 2017، بيانا مشتركا أعلنا فيه عن الاتفاق الذي عقد بينهما، برعاية الإمارات والذي تضمن عدة "نقاط هامة" بينها إجراء انتخابات عامة في البلاد خلال أجل ستة أشهر. جاء ذلك بحسب ما بثته قنوات ليبية محلية، في إشارة إلى توقيع اتفاق بينهما، من دون أن تحدد بنوده. قناة "ليبيا الحدث"، التي تتخذ من مدينة بنغازي، مقرا لها، أوضحت نقلا عن مصادر، لم تسمها، إن "اللقاء بين حفتر والسراج تضمن الاتفاق على معظم النقاط الخلافية، وبينها إعادة هيكلة المجلس الرئاسي للوفاق". وبحسب المصادر ذاتها، التي تحدثت للقناة، فإن "من النقاط الخلافية، التي جرى التوافق عليها في لقاء أبوظبي، التمسك بجيش ليبي موحد إضافة إلى تطوير وتدريب الجيش وكذلك رفض التدخل الأجنبي". كما اتفقا على "وحدة ليبيا، ومكافحة الإرهاب، على أن تتشكل حكومة منفصلة ومستقلة عن رئاسي الوفاق، فيما تم الاتفاق أيضا على احترام أحكام القضاء، ومعالجة قضية المهجرين والنازحين وكذلك حل أزمة الجنوب". ووفق ذات المصادر فإن "حفتر والسراج اتفقا على استمرار اللقاءات في المرحلة المقبلة". وكانت عدة وساطات عربية وأجنبية قد فشلت في جمع الرجلين على طاولة واحدة للحوار، كان آخرها مبادرة مصرية، لم تكتمل بعد رفض حفتر الاجتماع مع السراج أثناء تواجدهما في القاهرة قبل شهرين. ولا يعترف حفتر، المعين من قبل مجلس النواب المنعقد في طبرق، على رأس الجيش في شرق البلاد بسلطة حكومة الوفاق، التي يترأسها فايز السراج في حين يصر الأخير على وجوب أن تكون القيادة العسكرية تابعة وخاضعة لسلطة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق. مناورات المعروف أن حكومة الوفاق هي حكومة منبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015 والذي أشرفت عليه بعثة الاممالمتحدة للدعم في ليبيا، بقيادة الالماني مارتن كوبلر بعد تكليفه بديلا عن خلفه الإسباني برناردينو ليون. وقد تم الاعلان عن تكليف فايز السراج برئاسة حكومة الوفاق الوطني في 9 اكتوبر2015 وأعلن عن اسماء وزراء حكومة الوفاق الوطتي بتاريخ 19 يناير 2016. غير أن هذه الحكومة ظلت صورية ولا وجود لها عمليا سوى على الورق. ويقول محللون أن الولاياتالمتحدة بشكل أساسي ومعها بريطانياوفرنسا ناورت لإقامة هذه السلطة الجديدة في محاولة لنزع الشرعية عن مجلس النواب الليبي المنتخب في 4 أغسطس سنة 2014، ولتمكين جماعة الإخوان من العودة بشكل ما إلى التحكم في السياسة الليبية بعد أن انتهت صلاحية المؤتمر الوطني العام الذي كانت تسيطر عليه. المؤتمر الوطني العام الخاضع لجماعة الإخوان رفض إنتهاء ولايته وسعى إلى الإندماج تحت راية السراج ولو بشكل صوري ولما لم تنجح هذه المحاولة عاد ليفرض وجوده الرسمي على العاصمة طرابلس ومناطق أخرى من ليبيا تحت إسم حكومة الإنقاذ ولم يعد لحكومة السراج عمليا سوى وجود في قاعدة بحرية بالعاصمة الليبية، مع صدور بيانات من حين لآخر بشأن تحركات عسكرية وسياسية تنفذها جماعة الإخوان ولكنها تقدم على أساس أنها لسلطة السراج. يوم 12 يناير 2017 سيطرت حكومة الإنقاذ الليبية بقيادة خليفة الغويل على بعض المقرات الوزارية في طرابلس وذلك في مسعى منها لإعادة المسك بزمام الأمور وسحب البساط "الإسمي" من تحت حكومة الوفاق الوطني، المدعومة من الأممالمتحدة. وقال محمد شوبار الصحفي الموجود في طرابلس من عين المكان لمحطة "سي إن إن" بالعربية إن القوات التابعة لحكومة خليفة الغويل، غير المعترف بها دوليا، اقتحمت كل من وزارة العمل والتأهيل ووزارة الدفاع ووزارة العدل وكذلك وزارة الشهداء وأعلنت سيطرتها عليها. رغم هذه الوضعية العلنية سجل الملاحظون أن فايز السراج ورغم الخلاقات الكثيرة التي نشبت بينه وبين أعضاء المجلس الرئاسي، ظل متعاطفا مع تنظيم الإخوان ومساندا لهم وللمليشيات الموالية كلما دخلوا في صراع مع الجيش الليبي خاصة خلال معارك الهلال النفطي في 14 مارس 2017 ومعارك الجنوب. البعض تساءل بعد لقاءات الأمارات العربية، إذا كانت حكومة السراج لا تملك عمليا أي سلطة تقريبا فما قيمة إتفاق حفتر والسراج ؟. يرى المحللون أنه بما أن واشنطن وعدة دول غربية تقدم السراج كالسلطة الشرعية المعترف بها من طرف الأممالمتحدة، فإن اتفاق أبو ظبي يعتمد على هذا التوصيف لمنع الغرب من التدخل ضده خاصة في مرحلة حرجة لتحرك الجيش الليبي للسيطرة على طرابلس وما تبقى من الأراضي الليبية خارج سيطرته. الجيش الليبي يوسع سيطرته يوم 18 أبريل جاء في تقرير لموقع "هافينغتون بوست" الأمريكي: في تحول استراتيجي لموقف رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج، والذي طالما أعلن أنه لن يكون طرفا في قتال بين الليبيين، أطلقت مليشيات إخوانية قالت أنها تابعة للسراج عملية عسكرية في الجنوب ضد قوات خليفة حفتر، مما يطرح أكثر من تساؤل حول ما إذا كان السراج تراجع عن مواقفه السابقة. ففي 9 أبريل 2017، أطلقت وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوفاق الوطني، التي يقودها السراج، عملية عسكرية للسيطرة على قاعدة براك الشاطئ 700 كلم جنوب طرابلس، من اللواء 12 التابع لحفتر، الذي سيطر عليها منذ ديسمبر 2016، وأيضا فك الحصار عن قاعدة تمنهنت الجوية، شمال شرقي مدينة سبها 750 كلم جنوبي طرابلس، التي حاصرتها قوات موالية لحفتر. وتزامنت العملية العسكرية لحكومة الوفاق، مع عملية عسكرية أطلقها حفتر للسيطرة على الجنوب الليبي، في نهاية مارس 2017، تحت اسم "الرمال المتحركة". والغريب بالنسبة لمحللي البنتاغون الأمريكي أن هجوم حفتر على الجنوب الليبي، لم يستهدف قاعدة الجفرة الجوية "وسط" كما توعد قادته بذلك بعد استعادتهم السيطرة على منطقة الهلال النفطي، في 14 مارس 2017، وسعيهم لمطاردة سرايا الدفاع عن بنغازي الموالية للإخوان، في معاقلهم الخلفية في قاعدة الجفرة. لكن هجوم حفتر هذه المرة استهدف قاعدة "تمنهت" الجوية، 30 كلم شمال شرقي سبها، كبرى مدن الجنوب الليبي، انطلاقاً من قاعدة براك الشاطئ نحو 50 كلم شمالي سبها، خاصة أن السيطرة على سبها وقاعدتها الجوية يعني عمليا بسط نفوذه على معظم بلدات ومدن إقليم فزان في الجنوب الغربي، كما أن القبائل الموالية للنظام السابق منتشرة في سبها "القذاذفة"، وبراك الشاطئ المقارحة التي ينحدر منها رئيس مخابرات القذافي عبد الله السنوسي، بالإضافة إلى قبائل التبو المتقلبة الولاءات ولكن التي طاردت في شهر فبراير 2017 وحدتين من قوات النخبة الأمريكية كانت قد إنزلت في المنطقة. وقد تمكنت قوات اللواء 12 بقيادة محمد بن نائل أحد الضباط القدامي في الجيش الليبي، من محاصرة قاعدة تمنهت الجوية، التي تتمركز بها القوة الثالثة التابعة لكتائب مصراتة الداعمة لحكومة الغويل عمليا وإسميا لحكومة الوفاق والمكلفة بحماية الجنوب، كما قام طيران حفتر بقصف قاعدة تمنهت. إنتفاضة طرابلس منذ بداية سنة 2016 أفادت مصادر رصد ألمانية في تقارير رفعت إلى حكومة برلين أن القلق يزداد في العاصمة الأمريكية واشنطن وكذلك في لندن نتيجة تقدم الجيش الليبي رغم كل المعوقات والتعزيزات التي يحصل عليه خصومه من مصادر عدة، وحذرت من أن هذا القلق قد يدفع إدارة البيت الأبيض ومع بعض حلفائها إلى القيام بعمليات عسكرية غير محسوبة العواقب لتعديل كفة الصراع وهو ما من شأنه دخولها في صراع مفتوح مع كل من مصر ودولة الأمارات العربية وروسيا التي تؤيد الجيش الليبي في جهوده لتوحيد البلاد وتصفية هيمنة المليشيات التابعة أساسا لجماعة الإخوان أو تنظيمات القاعدة وداعش. داخليا وفي ليبيا سجل شبه إنهيار تام في شعبية ما يسمى بجماعات الإسلام السياسي ونظام المليشيات الذي شبه بنظم المافيا والجريمة المنظمة، وتأييد قوى لحكومة بنغازي برئاسة عبد الله الثني. يوم الجمعة 17 مارس 2017 خرجت مظاهرات حاشدة في العاصمة طرابلس تتحدى الميليشيات وتطالب حفتر بتوحيد البلاد. وتحركت المظاهرات من ميدان الجزائر وسط تشديد أمني حاول منع المتظاهرين من الوصول إلى ميدان الشهداء وسط المدينة، وتقدر الأعداد التي استطاعت كسر الحواجز الأمنية بالمئات. المليشيات أطلقت النار لتفريق المتظاهرين، هذا التصرف أفقد حكومة الغويل والمجلس الرئاسي تأييد تنظيمات مسلحة عديدة. كتائب الغرب الليبي الداعمة لحكومة الوفاق الوطني تمردت، بعد إصدار المجلس الرئاسي قرار إطلاق النار في الهواء لتفريق متظاهرين رددوا شعارات موالية لحفتر، في ميدان الشهداء في قلب طرابلس، كتيبة البوني التي تسيطر على منطقة معيتيقة التي يتواجد فيها مطار معيتيقة أقدمت على اقتحام مقر المجلس الرئاسي في قاعدة بوستة البحرية. بينما أعلنت مجموعة من الكتائب الداعمة لحكومة الغويل والوفاق في طرابلس رفضها لدخول قوات حفتر إلى العاصمة بالقوة. بعد ذلك أصدر المجلس الرئاسي بيانا، في 19 مارس، أدان فيه تهديدات حفتر بدخول طرابلس. المنظمة الليبية لحقوق الإنسان أكدت من جانبها أنها تتابع بقلق شديد الأوضاع الإنسانية فى مدينة طرابلس وما تقوم به مختلف الجماعات المسلحة من تجاوزات وانتهاكات، فى غياب مؤسسات الدولة الفاعلة هناك والمتمثلة فى الجيش والشرطة والقضاء والأجهزة الأمنية والضبطية. وأكدت المنظمة فى بيان صحفى أنه لا وجود فى طرابلس إلا للكتائب والجماعات المسلحة بمختلف التسميات والتى تمارس أعمال الضبط والقبض وحراسة الأماكن العامة والتحقيقات ومختلف الأعمال التى هى من اختصاصات الجهات النظامية الجيش والشرطة، ويقبع المجلس الرئاسى وحكومته المسمية بحكومة الوفاق تحت رحمة ووصاية تلك الجماعات المختلفة فى توجهاتها وأجنداتها، بحيث تقع كل مرافق الدولة الحيوية تحت سيطرة تلك الجماعات قسمة بالتساوى. نقطة التحول في خطوة أثارت اهتمامَ وسائل الإعلام، التقى السراج، في 5 أبريل 2017، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم"، الجنرال توماس والدهاوسر، بمقر القيادة بمدينة شتوتغارت الألمانية، وطلب منه مساعدات أمريكية لتطوير القدرات العسكرية الدفاعية لقوات ليبية هي أساسا تابعة لتنظيم الإخوان، في مجالات بناء القدرات العسكرية والتدريب وتبادل المعلومات. ولم ترشح نتائج هذا الاجتماع، خصوصا رد قيادة "الأفريكوم" على طلبات السراج، لكن اللقاء اعتبر دعما ضمنيا لحكومة الوفاق على حساب حفتر، خصوصا أن "الأفريكوم" تسعى ليكون لها موطئ قدم في إفريقيا، في ظل تعزيز روسيا لعلاقاتها مع حفتر، مما أثار قلق دول غربية من التمدد الروسي فيما يوصف غربيا بالمنطقة الرخوة من جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط. وبعد أربعة أيام فقط من اجتماع السراج بقيادة "الأفريكوم" الأمريكية، أعلنت وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوفاق والغويل إطلاق عملية "الأمل الموعود"، وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع العميد محمد الغصري، إن "العملية العسكرية انطلقت بهدف محاربة مجموعة من مسلحي داعش، وقوات اللواء 12 التابعة لحفتر بقيادة محمد بن نائل". واللافت أن وزارة الدفاع بقيادة مهدي البرغثي، أدرجت حربها ضد اللواء 12 ضمن قتالها لمسلحي "داعش"، مما يوحي برغبتها في جلب وتبرير الدعم الغربي العسكري بشكل خاص. وإذا كان السراج، لم يعلن بشكل رسمي تبنيه لعملية "الأمل الموعود" التي أطلقتها ما يسمى بوزارة دفاعه، فإنه نشر بيانا على صفحته الرسمية في الفيسبوك، في 15 أبريل، دعا فيها المجتمع الدولي إلى "التدخل العاجل" لوقف التصعيد العسكري في جنوبي ليبيا، محذرا من "حرب أهلية". ويوحي آخر بيان للسراج، وكأنه يقف على الحياد في المعارك الجارية في الجنوب، وأنه لا يدعم العملية العسكرية التي أطلقها وزير الدفاع البرغثي الذي هو في الأساس موال لحكومة الغويل، في الجنوب، مما يعكس الانقسام الجاري داخل حكومة الوفاق ومجلسها الرئاسي المنقسم أصلا، وهو ما يدفع لتساؤل عدد من الحكومات الأوروبية المحسوبة على تحالف الناتو حول مدى قدرة السراج على إعادة توحيد البلاد كما يروج لذلك البيت الأبيض في ظل تواصل حالة التشظي في المشهد الليبي. تحقيق حرب الوضعية السيئة التي توجد عليها سواء حكومة السراج أو نظيرتها للغويل، عكسها بشكل غير مباشر تقرير لوكالة الأنباء الألمانية "دب ا" يوم 28 أبريل 2017 حيث كتب الصحفيان زيمون كريمر و توماس كوربل: لم يعد هناك سائح يأخذ الطريق إلى العاصمة الليبية طرابلس، الفنادق خاوية، نضبت مياه حمامات السباحة، نصف قوائم الطعام غير متوفرة. أغلب الدبلوماسيين الغربيين لا يبيتون في طرابلس، الأصوات الوحيدة التي تترددت فى الصباح في صالة الطعام شبه الخاوية بالفندق هي أصوات عربية، وروسية. "المشكلة الحقيقية هي الصراع على النفط والسلطة والمال" حسبما رأى المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا، مارتن كوبلر. سقطت ليبيا في الفوضى في أعقاب مقتل حاكمها معمر القذافي الذي ظل على راس السلطة فترة لأكثر من أربعة عقود. ليس لدى حكومة الوحدة الليبية بقيادة فايز السراج سيطرة تذكر. وفي شرق البلاد حيث الحقول النفطية المهمة أعلن مجلس النواب تشكيل حكومة مضادة، وتخضع هذه المنطقة لسيطرة أحد العسكريين الأكثر نفوذا في ليبيا، إنه المشير خليفة حفتر، العسكري المتمرس الذي هدد بالزحف إلى طرابلس. كان السياسي الأممي كوبلر على اتصال بحفتر أيضا فترة طويلة بمساعدة روسيا. قال كوبلر: "انا سعيد جدا بأن لدى الروس تأثيرا جيدا على المشير حفتر". وأكد كوبلر أن هناك تنسيقا في المواقف مع روسيا في مجلس الأمن، وقال إنه لا يمكن أن يكون هناك حلل للنزاع في ليبيا بدون حفتر. ويرى ماكسيم سوخكوف، الباحث في العلوم السياسية والخبير الأمني بالمعهد الروسي للشؤون الدولية أن روسيا لديها هي الأخرى مصالح في شمال أفريقيا وأن علاقة روسيا بحفتر "ذات صلة بتصور روسيا عن المنطقة بأكملها". كما يرى الخبير الروسي أن وجود قيادة ليبية صديقة لروسيا يمكن أن يكون جزءا من محور دمشقالقاهرة طرابلس الذي تهيمن عليه روسيا لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقيم علاقة طيبة مع الحاكمين الآخرين، عبد الفتاح السيسي في مصر وبشار الأسد في سوريا. ويخشى مراقبون غربيون من أن تؤثر روسيا على الاقتتال الليبي على السلطة لصالحها وأن تخلق "دائرة نفوذ روسية" على المدى البعيد حول البحر المتوسط حيث تقيم روسيا علاقات طيبة أيضا مع الجزائر المجاورة لليبيا. وترى موسكو إمكانية أن يكون المشير حفتر الوريث الطبيعي لحاكم ليبيا السابق، معمر القذافي، لأسباب ليس آخرها أن حفتر تلقى تدريبه يوما ما في الاتحاد السوفيتي سابقا. ويتردد في الأوساط المقربة من موسكو أن الكرملين لا يزال نادما حتى اليوم على عدم استخدام حق الاعتراض، الفيتو، في مجلس الأمن عام 2011 ضد العملية العسكرية الغربية في ليبيا وذلك لأن روسيا شعرت عند مقتل القذافي على أيدي الثوار أن الغرب خدعها، حيث يعتقد أن روسيا خسرت بسقوط القذافي اتفاقات بشأن مشاريع في قطاع الطاقة والأسلحة والبنية التحتية تقدر بنحو أربعة مليارات دولار. في فبراير 2017 التقى رئيس شركة روزنفت الروسية برئيس الشركة الوطنية الليبية للنفط و وقع معه اتفاقية تعاون. وكلف البنك المركزي الروسي الذي تسيطر عليه حكومة الشرق في ليبيا روسيا بطباعة أموال ليبية جديدة. ولكن روسيا مهتمة إلى جانب مصالحها الاقتصادية في ليبيا أيضا بأمن حليفتها الجيدة مصر التي تقع على حدود ليبيا مباشرة، حسبما أوضح الباحث السياسي سوخكوف. كان تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي "داعش" يسيطر على بعض أجزاء ليبيا ولكن تم دحره في معظم المناطق. وتوجه المشير حفتر مؤخرا بالشكر لروسيا أثناء زيارته موسكو على مساعدتها في محاربة الإرهاب وأشاد في التلفزيون الروسي بالدعم الروسي الجيد. وقد زار حفتر وفريقه موسكو أكثر من مرة. ولاستعراض حفتر قوته تم استقباله في يناير 2017 على متن حاملة الطائرات الروسية "أدميرال كوزنيتسوف" في البحر المتوسط وتحدث مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو هناك. كما أن هناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأن موسكو لوحت لحفتر بصفقة سلاح تقدر قيمتها بما يصل إلى ملياري يورو. كما أصحبت فرنسا تراهن هي الأخرى على المشير حفتر في شرق ليبيا. فرغم أن المشير ليس خارج إطار الجدل في روسيا لأنه عاش من قبل عدة سنوات في الولاياتالمتحدة إلا أنه ليس هناك بديل له في الوقت الحالي حسب الخبير السياسي الروسي سوخكوف لأن موسكو بحاجة للدعم العسكري للجنرال. ورغم أن روسيا تريد الاستقرار في ليبيا وتقديم نفسها كوسيط يؤخذ على محمل الجد إلا أنه ليست من مصلحتها أن تتدخل عسكريا هناك. لذلك فإن موسكو تفضل المناورة بين الجبهات المختلفة حيث دعت مؤخرا رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج المدعوم أمريكيا لزيارة موسكو. وترى ماريانا بيلينكايا، خبير الشؤون السياسية في مركز كارنيغي موسكو، أن على روسيا أن تتعامل بحرص في المسألة الليبية وأن التعاون مع السراج وحده سيضر باتصالات موسكو بالقوى الموجودة في مناطق شرق ليبيا. كما يرى ماكسيم سوخكوف هو الآخر أن "روسيا لا تريد تحمل التبعات العسكرية أو المالية في حالة تصاعد الموقف في ليبيا"، وهذا هو الشيء بعينه الذي يمكن أن يحدث قريبا حسبما يعتقد المبعوث الأممي كوبلر والذي قال: "أنا قلق جدا بشأن الوضع المرشح حقا للخروج عن السيطرة". اقتراب من الحسم بعد إجتماعات أبو ظبي الرباعية في 3 مايو 2017، قدرت مصادر رصد في أوروبا أن معالم صورة مواجهة متعددة الأطراف تشكلت، وأنه إذا لم تنجح واشنطن في نسف إتفاق حفتر والسراج أو لم تقدم على تدخل عسكري كثيف ضد الجيش الليبي، فإن الصراع على الأرض الليبية مرشح للوصول إلى خاتمة قبل نهاية سنة 2017. يوم 10 أبريل 2017 أكد ولي عهد أبوظبي، نائب القائد العام للقوات المسلحة الإماراتية، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، دعم دولة الإمارات للمشير خليفة حفتر، مشيدا بدور الأخير في "محاربة الإرهاب". وجاءت تصريحات الشيخ محمد خلال استقباله حفتر، الإثنين 10 أبريل 2017، في عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث بحث معه "التنسيق المشترك بين البلدين في محاربة التطرف والعنف والتنظيمات الإرهابية، والجهود المبذولة في إرساء دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة"، بحسب وكالة الأنباء الرسمية. وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية، شدد الشيخ محمد على أن دولة الإمارات ستبذل "كل الجهد نحو توحيد كلمة الليبين، ودعم جهودهم في مكافحة التطرف والإرهاب، الآفة التي تواجه المنطقة بأسرها". روسيا تواجه الولاياتالمتحدة جاء في تقرير أمريكي: مع تركيز اهتمام العالم على مسألة تعزز النفوذ الروسي في الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، يتقدم الكرملين بهدوء في منطقةٍ أخرى بالغة الأهمية لكل من الولاياتالمتحدة وأوروبا: بلدان شمال أفريقيا الخمسة الواقعة على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط. إذ اجتمع مسؤولون روس وجزائريون في حوضٍ لبناء السفن بمدينة سان بطرسبرغ الروسية شهر مارس 2017، ليدشنوا الغواصة الأولى من بين غواصتين من طراز الغواصات المُلقبة ب"الثقب الأسود"، والتي صُنعت لسلاح البحرية الجزائري، غواصات مشابهة ستباع للمغرب. وفي اليوم نفسه، انتشرت الأنباء بأن روسيا قد نشرت قوات خاصة وطائرات بدون طيّار في قاعدة تعود للحقبة السوفيتية غربي مصر، وذلك من أجل دعم قائد الجيش الليبي، وفق مجلة فورين أفيرز الأمريكية. في أواخر 2016، سافر أمين مجلس الأمن الروسي إلى المغرب، حيث دعا الملك محمد السادس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرد الزيارة التي قام بها إلى موسكو في وقت سابق. وفي تونس، قفزت السياحة الروسية إلى 10 أضعاف حجمها عام 2016، ووقع الكرملين صفقة في الخريف الماضي من أجل بناء محطة للطاقة النووية. خريطة لتقسيم ليبيا في مواجهة هذه إنعكاس التطورات الإقليمية والدولية على الأزمة الليبية، تتحرك واشنطن في إتجاه تنفيذ أحد فصول مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعه المحافظون الجدد نهاية القرن الماضي في صورة منقحة. فقد كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن مسؤولا كبيرا مختص بالسياسات الخارجية في البيت الأبيض اقترح خطة لتقسيم ليبيا، وقد رسم صورة توضح شكل البلد بعد تفتيته إلى ثلاث مناطق، وذلك في اجتماع مع دبلوماسي أوروبي كبير. وفقا لمسؤول على علم بالأمر، فإن سيباستيان غوركا، وهو نائب مساعد لترامب، خضع لإنتقادات بسبب صلاته السابقة بجماعات اليمين المجري المتطرف، اقترح خطة التقسيم في الأسابيع التي سبقت تنصيب الرئيس الأمريكي. وكان رد الدبلوماسي الأوروبي أن تلك الفكرة ستكون "أسوأ الحلول" لليبيا. وثمة مخاوف بين بعض الحلفاء الأوروبيين من أن البيت الأبيض سوف يتخذ موقفا معاكسا لموقف إدارة أوباما التي قدمت دعما كبيرا لحكومة الوفاق الوطني الليبية، والتي يقودها فايز السراج في طرابلس. ويؤيد غوركا سياسات متعصبة لمواجهة نفوذ موسكو ويعارض تعزز قدرات مصر لأن ذلك يضعف إسرائيل، كما أنه ينظر بتوجس من دعم الإمارات العربية للقاهرة خاصة في مواجهة جماعة الإخوان التي يرى أنه يمكن في حالة وصولها إلى السلطة، أن توفر النجاح للعديد من توجهات السياسة الأمريكية في المنطقة العربية. وقد أقلق غوركا دبلوماسيين أجانب وخاصة الألمان برؤيته لمستقبل ليبيا. والخريطة التي رسمها لليبيا في المرحلة الانتقالية إلى ثلاثة أجزاء، وهي إقليم برقة العثماني القديم في الشرق، وطرابلس في الشمال الغربي، وفزان في الجنوب الغربي. ويقول ماتيا توالدو، خبير الشؤون الليبية في برنامج المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "يشبه هذا اختبارا لتوضيح مدى معرفتك بليبيا. إذا كان الشيء الوحيد الذي تعرفه هو أنها قد قسمت إلى ثلاثة أجزاء، فهذا يدل على أنك جاهل بالوضع في ليبيا". وتفيد مصادر رصد أوروبية أن غوركا قدم إقتراحا للرئيس ترامب يدعوه فيه إلى ممارسة الضغط على الإمارات لتتوقف عن دعم المشير حفتر وتقلص دعمها الإقتصادي للقاهرة. وفي الوقت الذي يرى فيه من يدعمون التقسيم أن بناء دولة في شرق ليبيا أمر قابل للتحقيق، يتفق معظم الخبراء على أن التقسيم سوف يثير حربا أهلية أخرى بسبب الخلاف المستعر الذي سوف ينشأ حول ترسيم الحدود. واشنطن مستعدة للتصعيد يوم 24 مارس 2017 قال قائد القوات الأمريكية في أفريقيا للصحفيين إن ثمة صلة "لا يمكن إنكارها" بين روسيا والقائد العسكري القوي في ليبيا خليفة حفتر مما يسلط الضوء على القلق الأمريكي بشأن دور موسكو المتزايد في ليبيا. وكانت وكالة رويترز قد ذكرت في وقت سابق من شهر مارس أن روسيا نشرت فيما يبدو قوات خاصة في قاعدة جوية بغرب مصر قرب الحدود مع ليبيا. ونفت روسيا ما ورد في التقرير. وعندما سئل عن وجود قوات روسية في ليبيا قال الجنرال توماس وولدهاوزر "يوجد روس على الأرض في المنطقة" مضيفا أن المحاولات الروسية للتأثير في ليبيا مثيرة للقلق. وذكر وولدهاوزر "إنهم على الأرض ويحاولون التأثير على العمل ونحن نراقب ما يفعلونه بقلق بالغ وتعرفون أنه فضلا عن الجانب العسكري في هذا شاهدنا بعض الأنشطة في الآونة الأخيرة في مشاريع تجارية". تصريح الجنرال الأمريكي جاء في رد على سؤال صحفي حول إذا ما كان الروس يعبرون من قاعدتهم في مصر إلى ليبيا، وهو أمر رفض توضيحه تحديدا، مكتفيا بالقول "هنالك روس على الأرض في المنطقة". وكانت تقارير إعلامية قد تحدثت في وقت سابق من شهر مارس 2017، عن تواجد قوات روسية خاصة في قاعدة جوية مصرية بالقرب من مدينة سيدي براني، التي تبعد عن الحدود الليبية حوالي 100 كيلومتر، دعما لقوات المشير خليفة حفتر. وصرح وولدهاوزر للصحفيين في مؤتمر صحفي "حسنا أعتقد أنه أمر معروف للجميع.. الروس ورغبتهم في التأثير على الأنشطة داخل ليبيا.. أعتقد أن الصلة بين الروس وحفتر لا يمكن إنكارها في هذه المرحلة". وتتزامن التساؤلات بشأن دور روسيا في ليبيا مع مخاوف في واشنطن من نوايا موسكو في الدولة الغنية بالنفط والتي تحولت إلى مناطق متناحرة في أعقاب تدخل الناتو 2011 لإسقاط الزعيم معمر القذافي الذي كانت تربطه علاقات قوية بالاتحاد السوفييتي السابق، واشنطن أرادت تحويل ليبيا إلى قاعدة تابعة لها ولكن الأمور تعقدت. وخلال السنوات التي أعقبت إغتيال القذافي أرسلت بعض الدول الغربية ومن بينها الولاياتالمتحدةوبريطانياوفرنسا قوات خاصة ومستشارين عسكريين إلى ليبيا. ونفذ الجيش الأمريكي ضربات جوية في مدينة سرت. وصرح وولدهاوزر إن الولاياتالمتحدة "ستبقي على قوة" في ليبيا من أجل جمع المعلومات والعمل مع الحكومة المدعومة من الأممالمتحدة في طرابلس وهي منفتحة لتعزيز هذه القوات إذا اقتضت الحاجة مزيدا من التحرك. عمر نجيب للتواصل مع الكاتب: [email protected] إتفاق 3 مايو لتسوية الأزمة الليبية تحت مطرقة التهديدات: هل يستطيع الجيش الليبي حسم الصراع؟ بقلم // عمر نجيب