لم يعد ممكنا,الحديث عن الشعر داخل القصيدة,ربما توجد في مكان ما , بعيدا عن القوالب الجاهزة, والاشكال المتحجرة التي تفرض على الشعر توجها ,يختلف مع مضامين, ورؤى اللغة الشعرية التي تظهر في مواطن متعددة, ولاتتحدد بصيغة او طريقة تجعل من الشعر شكلا قابلا للاستنساخ في نصوص اخرى لاتمث بصلة الى طموحات الشعر التواق الى الانعتاق والحرية التي تفتح له المجال, ليكون قادرا على لمس المتغييرات الانسانية التي تتخبط فيها البشرية منذ ان اصبح القهر والاستبداد,يدير سياسات العالم على حساب الامم الفقيرة في كل شيء. ما صلة كل هذا,بما نتحدث عنه الان, لان الشعر,نبض الشاعر العربي,ومبادئ راسخة يؤمن بها الشاعر للدفاع عن قضيته المصيرية امام ابتذال المدارس الشعرية , التي توجهت تنهل من الروافد الحداثية المتقدمة, وتجاهلت تراثها الزاخر بكل الوان الابداع التي تساهم في بلورة نمط يساير ركب التقدم, وتلاقح الحضارات رغم ان مطية هذا التوجه,يشوبها كثير من الخلط, ونقاط الالتباس على الكثيرين من الشعراء الذين ابهرتهم شعرية الغرب على حساب تاريخ الشعر العربي بكل اطيافه الرائدة منذ فجر التاريخ الاسلامي حتى حدود القرن الخامس الهجري, وبداية انهيار الثقافة العربية في تيار التبعية والجمود. اللغة وحدها لاتصنع شعرا.والقصيدة عاجزة ان ترفع صوت الشاعر خارج حدود النص.مفارقة تؤكد طبيعة المرحلة الطويلة التي يعيشها الشعر الحديث بكل الاسماء, والاشكال. والجراة المفرطة في تقليد الاخر حتى في طريقة التفكير وطريقة الكتابة,وكان الشعر العربي, وتاريخه الحافل بالاجماد غير قادر ان يستوعب المرحلة القادمة,والاكيد ان التجربة الشعرية العربية توغلت كثيرا في مراحل التجريب دون ان تحط الرحال في موقع يسمح لها ان تقول هنا يوجد منبع الشعر,وهنا اجد ضالتي في رسم تاريخ جديد للنظم. والتجربة العميقة, والبحث المضني في المتن المعرفي الشعري, ودراسة تاريخ الشعوب, والقراءة الجيدة للثرات, تعتبر عناصر مثمرة للمبدع الخلاق, الذي يعيش واقعه المباشر بادوات ونكهة يتداخل فيها القديم والجديد,وتتشابك عناصر الجدة في تركيبة بنية القصيدة التي تصبح مشبعة بتجارب متبانية في رسم حدود الابداع الى مستويات يصعب التمييزبين الادبي المحلي والادب العالمي . وهذه مرحلة لم يتجاوزها الا القليل من الشعراء العرب عبر تاريخ الشعر , وهذه الاسماء اكتسبت شهرتها الطوويلة من خلال احتكاكها بتجارب الامم الاخرى , وفرض هيمنة المحلي الذي ينتقل على يد الشاعر الموهوب , الى كونية الاداء الشعري في القصيدة العربية , التي مرت بمراحل متعاقبة , لم تسمح الظروف الحداثية في خلق فضاء تجريبي يضع الكتابة الشعرية , ضمن النسق العام الذي تحدده الاتحادات القطرية التي تهتم بالحقل الثقافي , و خاصة الصوت الشعري الذي يخبا داخل قبو الرفوف المهترئة بفرط اهمال القراءة , ومسح الغبار عن اصناف الكتب التي دخلت الى عالم النسيان , وقلة الاهتمام بما هو شعري في منظومة الوعي العربي باهمية الكلمة في رقي المجتمع , وتهذيب السلوك , وتربية النفس على الخلق النبيل . وعند الحديث عن الشعر , تطرح اسئلة كثيرة , ومتشعبة من بينها :هل ما يزال ثمة شيء يسمى شعر ؟ نحن على وعي ومعرفة بما نتطلع اليه , والركض وراءه . انه الجري نحو الوهم , او هكذا يبدو المشهد , رغم ان الشعر عالم واسع وفضفاض , يحتمل اكثر مما ينبغي , لكنه يتوفر على باب ضيق , لا يدخله من الشعراء الا عدد قليل , وان دخلوه مرة , قد لا يدخلونه كل مرة , و الاغلبية الساحقة , تظل تائهة امام بابه , لا هي دخلت , ولا تركت البعض منها يدخل . ولم تعد قادرة على تجاوز التقليد الذي يضعف اللغة الشعرية , ويصيبها بالعقم و الشلل من اجل تخطي الانماط السائدة , والطموح الى ركوب كونية الشعر في الابداع الادبي عند كاتب القصيدة . الكتابة الشعرية مسؤولة لا يستهان بها , الا من يحمل همً الكتابة , و لا تتطلب الجراة الفنية , بقدرما تزكيها الموهبة المشعة , التي تمخر عباب عالم تكتنفه العديد من المطبات , والتحلي بالصبر الابداعي في اختيار المفردات والكلمات والمواضيع , والانصهارداخل واقع يحتاج الى قدرة شخصية للتاقلم مع جميع اطراف الحكي الشعري ومواطنه البعيدة , وعدم الاقلال من قيمة القصيدة في كتابة اي شيء غير مقتنع به , يحيلك الى دروب المتاهة و الضياع , وتخرج القصيدة مشوهة , لا تظهر ملامحها واضحة , وسرعان ما تذوب و تتلاشى في زحمة الاصوات الشاذة التي لا تملك لنفسها حق الدفاع عن نفسها , في تراكم الكتابات التي تتساقط تباعا مثل اوراق الخريف.