شردتنا الحروف في زمن ما .. لم أعد أذكر.. فضعنا في المنافئ.. آه .. من الغربة .. من هذه الأزمنة الساقطة .. و رغم ذلك .. فيها يشتد الحنين الى الطفولة .. الى الحواري العتيقة حيث الحب أطهر .. و العشق عبادة. هنا.. يولد من عمقي صراع مميت من أجل الاستمرار .. أو .. التراجع و الاستسلام .. لأني حين اعلنت رسالتي لم يتبعني أحد.. و لم اصبح نبيا.. فلجات الى الاصطدام بالمرافئ.. أجهزة المخابرات في العالم .. و اذا هم يتربصون بي ليعلنوا قرارهم باني كافر .. لكني لم اكفر و حق عمق عينيك .. بل اني ازداد ايمانا .. لأن دفء قلبك يجيئني مع امتدادات الظلال الباهتة كل مساء .. و لحظتها أدرك أنك على شاطئ ما من هذا الكون تنتظرين مركبي .. و مركبي لا تصل أبدا , لأنهم زرعوا دربي شوكا و حجارة .. و أجبروني على السير حافيا بوحدتي ..تحملني غربتي حينا و اغترابي المسربل بليل ابدي حينا آخر.... و هنا يحلو لي أن أعانق غربتي بفرح طفولي , و ادرك ان من ينظر في عينيك تفتح له شهية الغربة .. فكيف من تسكنينه نبضا ؟.. و أنا في المنتهى بشر .. ما كنت يوما يسوعا و لن أصير أبدا محمدا .. و لم تتب يدهم عني و تبوا ,, ما أغنى عنهم سلطانهم و ما كسبوا ,,, ايه.. ايتها الطفلة الآتية من زمن الطهر لتكوني الفاتحة الأولى و الأخيرة لأيامي الملتحفة بالاغتراب و الوحشة ..... الآن .. يغرقني دفئك في حنيني الى طفولتي .. الى الصبايا اللواتي أحببت حين كنت كزانزفا زماني .. الآن .. الآن .. و أنت تضاعفين شهيتي للغربة .. أجدني اسعى الى اكتشاف فضاءات شواطئ العالم المسكونة بالعهر المدجن .. و أشتاق الى الشبابيك العتيقة ببيتنا ذاك الساكن عمق الحواري الضيقة .. أطل منها لأغازل صبية في الشباك المقابل .. فاذا انا ارتكب ذنبا غير قابل للغفران .. و اذا يد تحمل كندرة أو شحاطة تجري ورائي لتعاقبني .. فأركض حول النافورة التي تتوسط بيتنا الموروث عن اجدادي الأمراء - كما يقوا المحدث الموروث – أركض و اليد ورائي تركض , و لا تستطيع أن تمسك بي .. تتوعدني بالعقاب متى عدت... غاليتي.. كلما غاب يوم محاذيا اغترابي.. فاض اشتياقي الى كل المقدسات .. الى السماء حين تتعرى كل يوم كذا مرة .. هل رأيتها عارية ؟.. هل رأيت أن لها نهدين , و صدرا دافئا و شعرا طويلا أسود ,, تطلقه كل مساء ليرعب الأطفال كي يناموا باكرا .. لتمارس نزقها مع الكبار في متسع من الزمن..؟ و يصبح شعر السماء سرا من أسرار الكبار .. عن الحب .. عن السياسة .. عن الجنس و التجارة .. تتعرى السماء كل يوم عدة مرات .. و تغير ملابسها أمام عيون الجميع دون حياء .. دون اعتراض احدهم على هذا العهر .. لكن لو ظهرت ركبة صبية لصرخوا و استلوا ذيولهم صونا للعرض .. لأنه لا أحد قادر على الصراخ في وجه السماء .. و لأنه يحق لهم جميعا ممارسة الجنس مع السماء ... كما يحق لهم احتكار الهواء .. و صدر السماء و كل النساء .. هل رأيت .. غاليتي .. مدى عهر هذا الزمن اللقيط ؟... هذا الزمن الذي ضيعنا بين ارتعاشاته... يملأني قرفا .. يفصلني عني لأمارس هروبي المستمر من شاطيء الى شاطيء, ربما أجد انتماءا جديدا يعيدني من غربتي الى صدرك الممتليء بي .. لكني افاجأ بحبك يدفعني الى الارتماء في احضان الغربة .. و رغم ذلك يكبر شوقي الى عينيك كما لم أعرف الشوق ابدا , حتى الى أمي .. و يسكنني ذلك الأمل الوردي : أن أبعث منهما لأصحو بك و لك على زمن أجمل ... زمن أطهر .... زمن ذلك الصباح الفقير في سوق مدينتنا فتتراءى لي صورة بائع الحليب في حارتنا و هو يدق الأبواب .. حليب طازج .. حليب طازج .. و يسكن أذني آذان مساجدنا و الأخرى أصوات أجراس كنائسنا .. و أتعرى بوحدتي.. ثم اصلي للحزن .. للآه الطويلة الأمد.. للدمعة في العين أصلي .. للموت , للموتى أصلي .. و لما بكيت - غاليتي - كان ظل الدمعة يسبق دمعتي .. و لما – آخر مرة - بكيت كنت وحيدا في بيتي ... كبرت كل الأشياء .. كثرت كل الظلا ل .. و بينها يلوح الجندي يبتسم .. فينجب ألف جندي .. و بسمة و ظلا .. و بكيت مرة أخرى .. فولدي هنا نائم .. و أنا لم أرفض الموت .. لكن ولدي لم يستيقظ .. و بين غفوة و صحوة .. يأتي صوتك .. أتدرين كيف أصبح ؟ لم يعد قويا – غاليتي - لم يعد يعبر البحار و المحيطات ليصل الى كتفي المتعبين , فيسندي كي أستمر.. فلم اصبح ضعيفا؟؟؟ كيف استمر دون دفئك ؟, و هذه الغربة تأكلني أكلا محموما . فأبحث عني في مرآك , فأكتشف الشيب قد غزا مفرقي ,, و أدرك لحظتها كم سرت دربي وحيدا .. و رغم ذلك لم أكف عن تعاطي حبك , هذا الحب الذي كننته لك في القلب منذ ما قبل الميلاد .. هذا الحب الذي اشتريته لك بالعذاب .. و اكتشف أيضا أنه كلما كبر حبك في الفؤاد - حتى لكأن الفؤاد لا يتسع له - كلما ازدادت شهيتي للغربة.. و لا ينتهي حبك .. و لا تنتهي غربتي.. و كطفل يحن دائما الى صدر أمه .. أعود اليك لأضع رأسي على صدرك , لكني أصطدم بالصقيع ينبت في عمقه .. و قد كان دائما دافئا يسند رأسي المثقل بالأوجاع .. فلم أصبح باردا سيدتي؟ هل توقف نبضك عن الحياة ؟ هل أبعدوك عن لهيب أشواقي المتفجر براكين ثورة في وجوه كل الحكام المرتزقة ؟؟.. و هل ما زلت تذكرين حين كنت أحلم برؤية وسع عينيك؟.. حين كانت الرغبة تركبني بشراسة للاستحمام في سوادهما الطاهر ؟.. فيا حلمي الصامت ,, أين أنت ؟,, و أنا هنا ملقى بين فكرة .. ألم و أمل .. و قلبي ينبض نبضه الأخير .. و يثور ثورة الشهيد المقتول بشرع الرب ؟... أين دمعك يا قاتلتي ؟.. أين مرتعي على صدرك الدافئ ؟.. أم – نسيت – أنك أمي الصغيرة .. مبعث نبضي و وطني ؟؟؟... فماذا أصاب قلبك يا أمي يا صغيرة ؟؟..... تعالي .. عانقيني .. و اقراي على روحي آية القبر و السلام و النهاية .. عانقيني .. و لا تبكي .. ثم قبليني قبلة الشهيد ,, فان مذاق قبلتك سيفتح شهيتي أكثر للغربة .. و بعدها غادري منفاي .. فهذا منفاي يسير الى لا نهاية .. و لكني لن أنسى وعدي لك .. سأمنحك ارثي .. اوراقا ..قلما.. قصة حب و ذاكرة.