ليتني ما طرقت أبواب الكلمات لأنّ غبطة الزّرع تموت غزّة.. ميلاد البحر ميلاد الموت وميلاد الصبوات. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات جرائد الصّباح تعلّق فجر المدينة على تابوت يسخر من الموت يزمجر فيه المعنى وتضحك منه اللغات. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات ينتشي البحر لمّا تطويه السفن ترقص غزّة فوق كفّ الشاطئ وتنظر في دهشة إلى غياهب العتمات. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات وبالقرب من سطوتها المحجّلة شمعة تبحث عن فتيل وتغري اللّهب كي يقفز فوق معبر يئنّ بين القيد والنّكبات. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات جرح الموت جرح الحياة لما تفيض الظنون ويعتلي لون الخديعة، لون الأمر المدبّر بليل سطوح القرابات.. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات جرى الأطفال، حملوا شيئا من متعة الصّباح حين يرتمي النّدى على وجوه المتعبين وطافوا الأزقّة والحواري يعبرون الأنين كي لا تكبر في ليلها الفجوات. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات هذا ظلّي يسحبني إلى الجسد الملطّخ بالعري إلى سرادق الرّزية المرصّعة بالشّجب ويقطع يدي حتى لا أنتهك حرمة الحصار ولمّا فاضت عينيّ سألني الجوازات. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات نمضي في لسعة البرد الشتوية نتدفأ بمخمل معاطفنا الشمالية نكتب بأقلام حبر غربية ونشكو القطيعة فالجليد يسطو على عواطفنا والغربة تمتحن زمن النّشوات. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات في مأتم غزة غنى للوطن جوق فتّان عوان بين النغمة والهوان انتصر الناي للحزن وكذا الكمان تسوّر الوجد بالشطح واهتز فوق خوفه الأمان ولما جهّز الغريب الرّحل مدّوا أعينهم صوب الغيم يرقبون قزح ألوانٍ ونثار الزخّات. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات مشيتُ خلف الدّرب سكرتُ بخمرها المعتّق بالشّجو ولمّا انحنت السماء حذو ظلي ركنتُ إلى متاهات القربى، تفرّق الجمع من حولي لأنّي.. لست ادري كنت أهذي، أو كنت خطيئة على الشّرفات. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات.. أُناوب اسمي في اليوم آلاف المرات كأنّي صرت في عصري تاريخ الخيبات فلونٌ يحمله جسدي المزخرف بالحضارة ولونٌ يتباهى به اسمي المنعّم بالطاعات. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات وغزّة سيّدة الحرائر تسير في الطرقات تبتاع الحلم والرّغيف المبلل بالعقوق والرّغبات تحيك من الوجع صبرا وتبني للغد شيئا من كون العلامات تبث قهرها معتصما قد لا يكون مقدورا في الآت. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات الشمس تغتسل بلون السنابل ومقاهي العمال البسطاء، والفلاحين على شقوق الجفاف هويّتها، تساريحٌ للعبور وتربة مجرّفة صبحا، وكل المساءات. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات أخجل من دمعي حين يداهمني مسيله وغزّة في مأتمها تشرب الأنّات، ليل للوطن الشّريد يداعب فيه الألم ويجترح بصيصا من صبح تغرّد فيه الثورات. ليتني ما طرقت أبواب الكلمات فجر لإبني وضحًى لغدي ولون ظهيرة صيفية للسماء وإكسير خلود للمدينة وللبنات.. تحرّكني ضفيرة الصّغيرة حين يمسّها الريح ترقص مشبوكة في معمعان الخضّ، وتحتمي برهافة الدمع على حواف الهبوب لتغنّي من رقّتها القصائد ومن هَزْهَزِها تبني الدلالات ليتني ما طرقت أبواب الكلمات.