-1- يرصد فيلم "احكي يا شهرزاد" مختلف أشكال العنف، الذي تتعرض له المرأة في مجتمع ذكوري قمعي، مجتمع يتجاور فيه الفساد الاجتماعي والسياسى، من خلال حكايات خمس نساء من طبقات اجتماعية متباينة وأعمار متفاوتة. كتب الفيلم وحيد حامد وأخرجه يسري نصر الله في أول تعاون بين مدرستين سينمائيتين مختلفتين، فتخلى صاحب "سرقات صيفية" عن خطه السينمائي التأملي والنخبوي أيضا، ونزل من برجه العاجي ليصغي إلى نبض اليومي والمهمش، مع احتفاظه ب"ارستقراطيته" الإخراجية، كما تجلى ذلك في تقطيع المشاهد، زاويا التصوير والإضاءة. سبق أن كتب وحيد حامد عن معاناة المرأة من قبل، وبامتياز في فيلم "التخشيبة" (بطولة نبيلة عبيد)، وفيلم "ملف في الآداب" (بطولة مديحة كامل)، ومن دون مغازلة المثقفين والنقاد، كما في فيلمه الأخير، وأميل إلى الاعتقاد بأن هذا الاحتفاء النقدي يرجع إلى حرص النقاد على متابعة جديد المخرج... كما أعتبر أن هذا الفيلم أقرب إلى سهرة درامية تعزف على وتر النسوية، لولا أن التلفزيون لا يسمح ببث مشاهد الجنس، والتي تكررت جرعاته في "احكي يا شهرزاد"، كما في حكاية الأخوات الثلاث مع عامل المحل سعيد، الذي تم قتله على يد الأخت الكبرى صفاء "رحاب الجمل"، فتقضي عقوبة خمسة عشر عاما في السجن، وينتهي بها المطاف للعيش مع سجانتها.
من أجمل ما كتب عن زنا المحارم قصة مذهلة لأمير القصة القصيرة الدكتور يوسف إدريس، تحت عنوان : "بيت من لحم"، تتناوب فيها الأم وبناتها الثلاث المحرومات على زوج الأم الضرير، وبتواطؤ صامت... بيد أن الكاتب كرر نفسه، لأن حكاية الأخوات الثلاث استعارها من فيلمه السابق " رغبة متوحشة" (بطولة محمود حميدة ونادية الجندي)، وهناك فيلم آخر تناول نفس الثيمة، وهو "الراعي والنساء" (بطولة أحمد زكي وسعاد حسني)، والفيلمان معا مقتبسان عن المسرحية الإيطالية "جريمة في جزيرة الماعز". تنزل المذيعة التلفزيونية هبة يونس "منى زكي" إلى قاع المدينة لالتقاط الحكايا المطروحة على الطريق، بفضل الفتاة الملقبة بسلمى حايك المصرية "فاطمة نصر"، ومن خلال هذه الشخصية يمارس وحيد حامد لعبته المفضلة.. يدين النفاق الديني على لسان سلمى، التي تضطر إلى ارتداء الحجاب في الأتوبيس والشارع والحي العشوائي مثل أي فتاة غير مقتنعة به، تحايلا علي المجتمع، وتخلعه حين تلج مقر عملها بأحد مجلات التجميل الكبرى، مستعيدة أناقتها وتبرجها، لكن الغطاء الحقيقي الذي يجب أن يستحق التجادل فيه ومحاولة إزالته هو"حجاب العقل وليس حجاب الرأس"، هكذا تصرح العانس أماني " سوسن بدر"، التي وجدت نفسها نزيلة مصحة نفسية، تدفع ثمن عفتها واعتزازها بعذريتها.. بعد أن رفضت شروط كل من تقدموا لها، من قبل.. وفي مشهد يتصاعد دراميا بطرافة حواره، نرى الفنان "حسين الإمام" يساومها على الزواج، بتجهيزها الشقة وبيع سيارتها والتنازل عن راتبها له، مقابل إنقاذها من العنوسة... رغم قصر دور "سوسن بدر" فقد كان أداؤها باهرا، وكذلك دور الفنان المخضرم "محمود حميدة"، مجسدا شخصية رجل الأعمال وصائد ثروات النساء الثريات، الذي سيوقع في حبائله الدكتورة ناهد، التي جسدت دورها المغربية "سناء عكرود".. طبيبة أسنان تنحدر من أسرة ثرية ومحافظة اجتماعيا، وبسبب حملها بعد عقد القران، وقبل إعلان الزواج الرسمي، يدعي بأنه عقيم، ويطلب منها تعويضا ماديا أمام الخوف من الفضيحة، فتجهض نفسها وتقع فريسة للإدمان، ويتم اعتقالها عند قيامها بمظاهرةٍ فردية سلمية- حين علمت أنه صار وزيرا- أمام مبنى الوزارة، وهي تحمل لافتة تتساءل فيها: على أي أساس تختارونهم؟.. تتفاعل هذه الحكايات الأربع مع حكاية المذيعة التلفزيونية، مقدمة برنامج حواري على إحدى الفضائيات الخاصة "منى زكي" وزوجها الصحفي الانتهازي كريم "حسن الرداد"، الذي كان وراء تغيير خط برنامجها - بعد الضغط عليه- تنازلا منه من أجل الظفر بمنصب رئيس التحرير في صحيفة حكومية، وذلك بتجنبها إثارة المواضيع المحرجة للحكومة، لكن رغم ابتعادها عن القضايا السياسية الحساسة، ولأن السياسة توجد في كل شيء.. يضيع المنصب من زوجها، ويعتقد أن برنامج زوجته السبب، فيعتدي عليها بالضرب، وتطل هبة بوجه متورم مشوه على الناس، مستضيفة نفسها في البرنامج.. راوية تفاصيل قصتها مع الزوج، السلطة، القهر والفساد السياسي والإعلامي. -2- كثيرون أشادوا بالفيلم، لكنه يبدو لي - شخصيا- دون مستوى أعماله السابقة، ويخيل إليّ أن الشيخوخة بدأت تدب في قلم وحيد حامد، منذ أن شاهدت فيلمه ما قبل الأخير "الوعد"، فافتقدت كاتبا سينمائيا متميزا، اعتاد على إبهار مشاهديه بالسرد المدهش والمغاير والنبش في التفاصيل الساحرة... هل يمكن أن يوضع فيلم "الوعد" و فيلم "البريء"(بطولة أحمد زكي) في سلة واحدة؟
إن تقنية البرنامج الحواري متجاوزة، ومستهلكة سينمائيا وحتى تلفزيونيا، تجعلك تحس أنك أمام فيلم تسجيلي (وثائقي)، وهنا أستحضر التقنية التي استخدمها وحيد حامد في فيلم "المساطيل" (بطولة ليلى علوي ومحمود حميدة)، الذي يتكئ على الفلاش- باك على غرار الأفلام البوليسية، عبر مشهد تحقيق في جريمة قتل، والذي سرعان ما سيختفي لتسيطر مشاهد جلسات الحشيش، التي تخترقها مشاهد فلاش- باك.. تبوح فيها كل شخصية بحكايتها الخاصة مع الإدمان، وذلك من خلال لعبة النرجيلة. هنا تحس بأنك أمام حوار متميز ودهاء سردي تشي به الحبكة (تداخل خيوط النسيج السردي)، ويتم فضح صمت الرواة/الشخصيات، وتغاضيهم عن بعض الحقائق من خلال فتاة الليل "ليلى علوي"، وحتى أسلوب التفكير والتنفيذ وأسباب جريمة القتل باهر، في حين في فيلم "احكي يا شهرزاد" لا توجد أية حبكة بين مزق الحكايات، والسرد أفقي، إضافة إلى أحادية وسطحية المعالجة... فالفيلم قدم الرجل برؤية نسوية، تصب جام غضبها على "شهريار"، وكان بإمكان السيناريست أن يتساءل، ولو بينه وبين نفسه : من جعل هذا الرجل قاهرا وجلادا؟ ألا يمكن أن يكون ضحية للمرأة أو المجتمع أو..أو...؟ والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة : لماذا لا توجد أية صورة مشرفة للرجل في الفيلم؟...
إنه فخ دراما الرسالة الاجتماعية التي لا تعالج الأمور من جذورها، ولا تحلل الأسباب والمسببات، بل يكتفي الكاتب بانتقاد الأوضاع على استحياء، دون وضع الإصبع على الجرح، كما أن الفيلم سقط في الترهل السردي، حيث كان المشاهد يلتقط لب أي حكاية من الحكايات الأربع من التفاصيل الأولى، فيحس بالملل ويكف عن المتابعة... لا سيما حكاية الأخوات الثلاث، التي أخذت مساحة زمنية كبيرة، والمشاهد يعرف قبل ظهور صفاء في البرنامج أنها كانت في السجن، وبمجرد رؤية الأخوات خمن سبب الجريمة، لكن الكاتب استفاض في الحوار والشرح والثرثرة والكلام المباشر، في أكثر من مقطع (التقريرية والمباشرة)، وكان الأجدر به أن يدع الكاميرا وحدها تتكلم، وهي تلتقط التفاصيل.
-3- يفتقد هذا الفيلم "الصنعة" السينمائية، ولا تعنيني تنويهات النقاد به، وإغراقهم في تحليل تفاصيله وما وراء المشاهِد، ومنهم من حلل الفيلم سيميائيا، مركزا على الإضاءة، حركة الكاميرا وتعاملها مع الشخصيات والديكور، وهذه رؤية المخرج لا الكاتب.. لقد تألق وحيد حامد في التسعينات ونهاية الثمانينات، ولا أحد سينسى النهايات المدهشة لأفلامه التي لا تترك للمشاهد فرصة لأن يغمض عينيه ثانية واحدة. هل يمكن أن نقارن نهاية "احكي يا شهرزاد" أو فيلم "الوعد" بنهاية فيلم "المنسي"، أو "طيور الظلام" أو "الإرهاب والكباب"، هذا الأخير كانت نهايته، لا تضاهيها سوى نهاية تم تزييفها، أقصد نهاية فيلم "البريء"، وكأن الرقابة العربية لا يكفيها تزييف التاريخ! تم تحريف الخاتمة لأنها ثورية، وستحرض "الصعاليك" و"الغوغاء" على الأنظمة. ما يجعلنا نتغاضى عن "عثراته" السينمائية الأخيرة وجود بعض أفلامه الاجتماعية (الخفيفة)، التي تخلو من النقد السياسي اللاذع.. فلا يمكننا نسيان أشرطة سينمائية على شاكلة "طائر الليل الحزين" لمحمود عبد العزيز ومحمود مرسي، أو "العربجي" لمحمود ياسين ويونس شلبي ومعالي زايد، وأخرى تطفح رومانسية وعذوبة مثل: "أنا وأنت وساعات السفر" ليحيى الفخراني والفنانة الجميلة العذبة نيللي، فيلم "الإنسان يعيش مرة واحدة" لعادل إمام ويسرا، أو فيلم "كل هذا الحب" لنور الشريف وليلى علوي. للأسف، تحول وحيد حامد في أفلامه الأخيرة إلى مدرس ابتدائي يخط على السبورة مواعظ ونصائح لتلاميذه الصغار، وبخط بارز.. هذا ما تشي به نهاياتها. تحول إلى كاتب أفلام تربوية، لكنها مشحونة ببعض الجرعات الجنسية والنقد الاجتماعي، حتى تمتص غضب الجماهير و"كبتها" الجنسي، وما يزيد الطين بلة.. أنه يغامر-أحيانا- بكل مجده الأدبي والسينمائي، ويكتب أفلاما كوميدية، وكأن السينما المصرية، لا تكفيها كوارث صديقنا "اللمبي"(محمد سعد) وأشباهه....