تمهيد: من المعروف أن السينما المغربية بأفلامها الطويلة لم تظهر إلا بعد الاستقلال، وذلك في سنوات الخمسين من القرن العشرين بأول فيلم لمحمد عصفور تحت عنوان” الابن العاق” عام 1958م. وبعد ذلك، بدأت السينما المغربية تتناول مواضيع عدة كالموضوع الاجتماعي ، والموضوع الإثنوغرافي، والموضوع النفسي، والموضوع الثقافي، والموضوع الحضاري، والموضوع السياسي، والموضوع الديني، والموضوع الجنسي من خلال رؤى متفاوتة من مخرج إلى آخر، متأرجحة في ذلك بين ماهو فني وجمالي وماهو تجاري ومادي. ولم تقتصر السينما المغربية على المخرجين الذكور فحسب، بل نجد مجموعة من المخرجات الإناث كفريدة بورقية، وفريدة بنليزيد، ونرجس النجار، وليلى المراكشي، وياسمين قصاري، وإيمان المصباحي، وليلى الكيلاني، وزكية الطاهري، وسعاد البوحاطي، وفاطمة جبلي الوزاني، وهن يمثلن المرأة المغربية، ويدافعن عن المرأة بحضورهن المعرفي والوجودي والفني المتميز في الساحة الثقافية السينمائية المغربية بصفة خاصة والساحة السينمائية العربية والدولية بصفة عامة. ومن أهم المواضيع التي اهتمت بها السينما المغربية ذات مقاس 35 ملم موضوع المرأة الذي عالجته الأفلام الطويلة منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، وذلك من خلال تصورات إخراجية فلسفية واجتماعية ، ومنظورات ميزانسينية تخييلية متباينة تختلف من مخرج إلى آخر. إذن، ماهي صورة المرأة في السينما المغربية؟ وماهي خصائص هذه الصورة دلاليا وتداوليا وفنيا وجماليا؟ هذا ما سنعرفه في هذه الورقة التي وضعناها بين أيديكم. صورة المرأة المعنفة: من الأفلام المغربية التي جسدت المرأة المغربية المعنفة فيلم سعد الشرايبي” نساء ونساء” ، والذي أنتجه صاحبه عام 1998م مستعملا فيه اللقطات الطويلة والمتوسطة والقريبة والصدرية للتعبير عن مختلف المواقف النفسية والشعورية والذهنية والحركية ، علاوة على اللجوء إلى المونتاج المتسارع لتقديم الأحداث الاجتماعية الدرامية المأساوية في نسق متسلسل متتابع بين فضاءين متقابلين: المدينة والبادية. إذن، فهذا الفيلم الاجتماعي الواقعي يتعرض للمرأة التي تعاني من الفقر والقهر والقمع ومرارة العيش في ظل مجتمع بطريركي وأبيسي متسلط. كما يصور الفيلم بنوع من السوداوية المرأة التي يمارس عليها العنف من قبل زوجها، فيصل العنف والضرب والتنكيل إلى درجة القتل والتصفية الدموية بطريقة تراجيدية بشعة. ويعبر هذا العنف غير المبرر عن وحشية الرجل وبشاعته الكروتيسكية. كما يعبر الفيلم عن دونية المجتمع المغربي وفضاضته وفظاعته . ويعكس لنا الفيلم أيضا مدى انحطاط القيم الأخلاقية، وسقوط الأعراف الاجتماعية الأصيلة، وانبطاح المرأة في فضاء المدينة الإسمنتي الذي تحول بدوره إلى مكان جنائزي تسحق فيه المرأة، وتدمر من الداخل والخارج بشكل تدريجي. وذلك راجع إلى طغيان المادة في المجتمع المغربي، وانتشار الفكر البراجماتي على جميع المستويات والأصعدة، وتشييء العلاقات الإنسانية، واستلابها داخل مجتمعنا الليبرالي المتوحش. ونرى في هذا الفيلم كذلك أن المرأة تعاني الكثير الكثير من جراء الخيانة الزوجية، وتكابد الأمر مما يمارس عليها في عملها من أنواع شتى من الإرهاب والعنف والتحرش الجنسي والإقصاء الممنهج للتخلص منها بأي شكل موات، وفي أي ظرف مناسب. صورة المرأة الثائرة : تحضر صورة المرأة الثائرة بكل جلاء ووضوح في الفيلم الطويل لمومن السميحي” الشركي أو الصمت العنيف” الذي أنتج سنة 1975م. ويتناول فيه المخرج فضاء طنجة إبان السنوات الأخيرة من فترة الاستعمار من خلال رؤية واقعية اجتماعية انتقادية. فيلتقط لنا صورا دالة تعبر عن ثورة المرأة المغربية ، وتمردها عن التقاليد الزائفة الموروثة، وثورتها على المستعمر الغاشم الذي جثم على بلادها بكلكله. لذا، نرى هذه المرأة عبر صور الفيلم ولقطاته المتنوعة تشارك في المظاهرات الوطنية للتنديد بالوجود الاستعماري تعنيفا وتقريعا مع مطالبته بالرحيل الفوري. زد على ذلك، فإن هذه المرأة تقف بعناد وصرامة ضد زوجها الذي يقرر أن يتزوج عليها ظلما وافتراء، فتصده عن ذلك بممارسة مجموعة من الطقوس لمنعه من الزواج، والذي يعتبر بالنسبة لها عدوانا وإساءة لكرامتها وأنفتها. بيد أن هذه الطقوس ستؤدي بها إلى الهلاك والانهيار النفسي والجسدي. ونجد صورة المرأة الثائرة أيضا في فيلم” أركانة” (2007م) للمخرج حسن غنجة. ويصور الفيلم امرأة ثائرة شجاعة (الممثلة ثريا جبران) ، لقد قتل زوجها أمغار من قبل المستعمرين. بيد أنها ستقف في وجه مؤامرات الخائن حمو (الممثل حميدو بنمسعود) بكل قوة وشراسة ورباطة جأش ، حينما يقرر هذا المحتال أن يدخل في صفقة مشبوهة من أجل السماح للمستثمرين المستغلين بشق الطريق في وسط القرية مع عزمهم الأكيد على اجتثاث كل أشجار الأركان. صورة المرأة المتحررة: تتجسد صورة المرأة المتحررة بشكل ما في فيلم ” أمينة” لمحمد التازي بن عبد الواحد، وقد تم إنتاجه عام 1980م من قبل شركة أنتير أفريكا وأفلام المغرب. ويرصد الفيلم، وهو من نوع الأبيض والأسود، فترة من حياة طالبة جامعية، تصبح حاملة بدون زواج شرعي. فترفض فكرة الزواج بشكل مطلق رغبة في التحرر والانعتاق من قيود المجتمع والدين والأسرة. فتدخل، بالتالي، في صراع مع ذويها بسب اختلاف العقليات وتباين المنظورات. صورة المرأة اليائسة: يستعرض فيلم ” عرائس من قصب” للجيلالي فرحاتي ، والذي أنتجه المخرج عام 1981م ، صورة امرأة مسلمة شابة في ريعان شبابها وعنفوانها، مقبلة على الحياة بكل فرح وانتشاء. بيد أن زوجها سرعان ما سيتوفى، فيتركها وحيدة مع ثلاثة أولاد لتعيلهم بمفردها. ومن ثم، ستجد هذه المرأة نفسها مختلفة عن باقي النساء الأخريات المتزوجات. فتحس هذه المرأة الفتية، وهي في مقتبل عمرها الشبابي، وبداية تفتقها ذهنيا ووجدانيا وجسديا، بالملل واليأس والضياع؛ بسبب الروتين وجفاف العلاقات الإنسانية وجفائها، وعدم تجدد حياتها نفسانيا واجتماعيا ووجوديا. وهذه الصورة تظهر أيضا في فيلم” قصة أولى ” لمصطفى الدرقاوي الذي يصور زوجين مضطربين على المستوى النفسي والشعوري وهما: العربي وحليمة. وإذا كان الزوج ينتقل من مدينة إلى أخرى لبيع الكتب والبضائع، فإن الزوجة حليمة تعاني من الوحدة والانكماش والانطواء داخل المعمل. كما تعاني من اليأس القاتل بسب العزلة والاغتراب الذاتي والمكاني. فهذا الواقع السلبي هو الذي سيجعل حياتهما تتعرض لمطبات مأساوية. وتبدو هذه الصورة واضحة كذلك في فيلم” الراقد”(2004م) للمخرجة المغربية ياسمين قصاري التي تصور في فيلمها الواقعي الاجتماعي امرأة حاملة يائسة ضائعة تنتظر زوجها المسافر بدون غاية ولا هدف ولا جدوى. صورة المرأة البدوية: إذا كانت نسبة كبيرة من الأفلام المغربية الطويلة قد تناولت المرأة في المدينة في مختلف وضعياتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية، والتي تعبر إلى حد ما بشكل من الأشكال عن مدى تمدنها وتحضرها كفيلم” نساء ونساء” لسعد الشرايبي على سبيل التمثيل. فإن فيلم”للاشافية” لمحمد التازي، والذي تم إنتاجه عام 1982م من قبل مؤسسة أنتير فيلم وأفلام المغرب، يلتقط صورا مختلفة للمرأة المغربية التي تعيش في البادية مع تصوير حياتها في مختلف تجلياتها وتمظهراتها الذهنية والوجدانية والنفسية شعوريا ولاشعوريا، وتجسيد صراع هذه المرأة مع الذات والواقع الموضوعي من أجل تحقيق كينونتها الوجودية وبقائها البيولوجي . صورة المرأة المهووسة: يقدم المخرج مصطفى الدرقاوي في فيلمه الواقعي الاجتماعي ” أيام شهرزاد الجميلة” الذي أنتج عام 1982م من قبل مؤسسة الفن السابع، صورة امرأة مهووسة تقضي حياتها في الرقص العابث في الملاهي الليلية. فيتملكها رغبة جنونية إلى درجة الهوس لتصبح مغنية مشهورة. وقد اعتمد مصطفى الدرقاوي في هذا الفيلم تقنية جديدة في السينما ، وهي تقنية “ميتا سينما” ، أو ما يسمى بتقنية السينما داخل السينما. لأن الفيلم يبدأ باستعراض مناقشات طويلة ومستفيضة بين مجموعة من عشاق السينما وهواته لاختيار موضوع يكون محورا رئيسيا للفيلم ، فلم يجدوا في الأخير سوى قصة عائشة الراقصة التي تعيش هوسا جنونيا يتمثل في حلمها بأن تكون في المستقبل مغنية مشهورة. وتتجسد هذه الصورة أيضا في فيلم” قفطان الحب” لمومن السميحي الصادر سنة 1987م عن مؤسسة إيماكو فيلم الدولي وسيني مايا فيلم، حيث يصور المخرج مومن السميحي رشيدة الزوجة المهووسة بعشق ذاتها النرجسية، وذلك بعد موت ابنها الوحيد الذي أنجبته من بعلها خليل الذي تزوجها عن عشق وحب بعد أن تجسد رؤيويا في منامه، قبل أن يتحقق في الواقع. وهكذا، أحست رشيدة بالضياع والوحدة والسأم واليأس، فبدأت تطيل كثيرا نظراتها الشاردة الملية في المرآة. وأهملت، بالتالي، واجبات البيت ومتطلبات الزوج على السواء. ومن ثم، صارت جزءا لايتجزأ من المرآة إلى درجة الهوس والجنون؛ مما جعل الزوج مغرما مهووسا برشيدة المرآة لا برشيدة الواقع. وتتجلى صورة المرأة المهووسة بصورة أخرى في فيلم”بارابول”(2003م) للمخرجة نرجس النجار التي تصور امرأة مهووسة بالبرامج التلفزية المفضلة لديها. ذلك، أنها انتهت من ملل كل البرامج التي تشاهدها بحضور زوجها في صمت مطبق. وبعد التأكد من نوم زوجها، تختلس المرأة جهاز التلفاز لتختار ما تريده أن تتفرج عليه بصحبة ابنها. صورة المرأة الماجنة: ركزت كثير من الأفلام المغربية الطويلة على تصوير المرأة المومس والماجنة والفاسدة التي تمارس الدعارة لأسباب ذاتية أو موضوعية كما هو الشأن في فيلم ” قصة حب” (2002م) لحكيم نوري ، والذي يلتقط فيه صاحبه مجموعة من الصور لوفاء، وهي تمارس الدعارة من أجل تحقيق أغراضها الذاتية ومصالحها الشخصية. وتستفحل ظاهرة الدعارة إلى درجة الاشمئزاز والتقزز حينما تصور المخرجة المغربية نرجس النجار في فيلمها الجريء” العيون الجافة” (2002م) مجموعة من النساء اللواتي يتاجرن بأجسادهن وعرضهن من أجل محاربة الفقر ومواجهة صعاب الحياة. وهذا الواقع نلفيه أيضا في فيلم” الدارالبيضاء باي نايت” (2003م) لمصطفى الدرقاوي ، حيث تضطر كلثوم أن تصبح مومسا من أجل تأمين ثمن دواء أخيها المصاب بمرض في القلب. ونستحضر كذلك فيلم” نانسي والوحش” (2007م) للمخرج المغربي محمود فريطس الذي يصور بدوره امرأة ماجنة عابثة تشتغل كراقصة وبائعة للهوى في إحدى الحانات المشبوهة. صورة المرأة الصادقة الوفية: يلتقط المخرج المغربي إدريس المريني في فيلمه ” بامو” ، والذي أنتجه عام 1983م ، صورة امرأة صادقة ومتفانية في حبها لزوجها على الرغم من آثار أحداث المواجهة ضد الاستعمار التي حاولت أن تمزق عرى الوصال ورباط الألفة بينهما. وقد بقيا الزوجان، بعد ذلك، متفانين في حبهما الرومانسي العفيف الصادق، مع دفاعهما المستميت عن إرثهما الحضاري والإنساني بكل تضحية وطهارة. ومن المعلوم أن كل تفاصيل القصة ولقطاتها المشهدية كانت تستعرض من قبل بامو الذي كان يشخص دور الراوي السارد في هذا الفيلم التاريخي والواقعي والاجتماعي الرومانسي. صورة المرأة المغتصبة: تحضر صورة المرأة المغتصبة في الفيلم الروائي الطويل الذي أنتجه محمد أبو الوقار عام 1984م تحت عنوان” حادة”، والذي يصور الشاب حميد العائد إلى قريته ليحصل على إرثه. بيد أن الحاج عمر يحاول منعه من الوصول إلى مبتغاه من أجل الاستمرار في استغلال ممتلكاته واستثمارها لصالحه. ومن هنا، يسقط حميد في مستنقع الرذيلة، فيرتكب جرما شنيعا حينما يغتصب الشابة حادة بكل بشاعة ووقاحة، ليتركها فيما بعد تواجه قدرها المفروض عليها. وتتجسد هذه الصورة اللاأخلاقية أيضا في فيلم الجيلالي فرحاتي” شاطئ الأطفال الضائعين” (1991م) ، حيث يصور المخرج شخصية أمينة التي اغتصبها أحمد بعد أن خدعها بمكر وخبث، ووعدها بالزواج، وأوهمها بمستقبل يانع. إلا أن أمينة ستضع حدا لحياة مغتصبها الخادع، فترديه هالكا ميتا، فتتستر على حملها وعلى جثة خائنها. وتتمظهر صورة المرأة الحامل والمغتصبة في كثير من الأفلام المغربية الأخرى كفيلم” الطفولة المغتصبة” لحكيم نوري الذي يحكي اغتصاب المرأة الخادمة، وفيلم” من الجنة إلى الجحيم”(2000م) لسعيد سودا الذي يحكي بدوره حكاية اغتصاب الخادمة ، وفيلم” جوهرة” (2003م) لسعد الشرايبي الذي يسرد لنا قصة جوهرة التي ولدت بالسجن بعد أن تم اغتصاب أمها المعتقلة، وفيلم” تليلا” (2007م) للمخرج محمد مرنيش الذي يحكي بدوره قصة فتاة تم التغرير بها، واغتصابها خداعا ومكرا، وفيلم” ياسمين والرجال” (2007م) للمخرج عبد القادر لقطع الذي يرصد التحرش الجنسي بخادمات المعامل، ومحاولة اغتصابهن إغراء وضغطا وعنفا. صورة المرأة المضطهدة: من المعروف أن أغلب المخرجات المغربيات يدافعن في كتاباتهن السينماتوغرافية عن المرأة مهما كانت الظروف والحيثيات والسياقات التي يكون فيها الرجل. وبالتالي، يتحولن إلى محاميات، يكون الرجل هو المدعى عليه، والمرأة تكون هي المدعية، بينما المخرجة تكون هي الموكلة للدفاع عن قضية المرأة المضطهدة التي تعاني من العنف والقهر والاغتصاب والقمع والاضطهاد. ومن بين المخرجات المغربيات المدافعات عن حقوق المرأة نستدعي المخرجة الشمالية فريدة بنليزيد التي استطاعت في فيلمها”باب السماء مفتوح” ، والذي أنتجته عام 1987م ، أن تصور في فيلمها الروحاني الصوفي المرأة المضطهدة في أبشع الوضعيات وأقسى الأحوال. هذا، ويبدأ الفيلم بعودة نادية بعد غياب طويل من المهجر إلى وطنها الحبيب لتتأمل اللحظات الأخيرة من احتضار أبيها. لكن بعد موت والدها، ستنغمس نادية في حياة مناقبية صوفية روحانية قوامها الجذبات العرفانية وقراءة القرآن وتجويده بعد أن تعرفت على جيرانها. ومن هنا، ستقرر نادية باتفاق مع جيرانها على فتح زاوية روحانية لاستقبال النساء المضطهدات أسريا واجتماعيا ونفسانيا . ويتخذ هذا الفيلم في أبعاده الدلالية والفنية والجمالية طابعا مناقبيا ومنحى إثنوغرافيا كفيلم ” جارات أبي موسى” لعبد الرحمن التازي ، وفيلم” تاغونجة” للمخرج المغربي عبدو عشوبة، وفيلم” خيط الروح” (2003م) لحكيم بلعباس. صورة المرأة الخائنة: يلتقط المخرج محمد عبد الرحمن التازي في فيلمه الطويل الذي أنتجه عام 1988م تحت عنوان” باديس” صورة امرأة خائنة ماكرة ، تعمل على خداع زوجها المدرس، وتخونه مع جندي إسباني ينزل كل صباح من قلعته بباديس، وهي بمثابة حجرة بحوض البحر الأبيض المتوسط على مشارف مدينة الحسيمة، متجها حيال قرية ريفية مجاورة لجلب الماء. وسرعان ما يقع هذا الجندي الأجنبي في شرك العشق والحب والغرام، بعدما أن أعجب أشد الإعجاب ببنت أحد الصيادين العجزة. ومن هنا، تبدأ لحظات الأزمة الدرامية بين الشخصيات المتصارعة والمتعاكسة. صورة المرأة المتمردة: يستعرض عبد القادر لقطع في فيلمه الذي أنتجه سنة 1991م تحت عنوان” حب في الدارالبيضاء” حياة شابة متمردة عن سلطة أبيها القاسي، فتجد نفسها وحيدة ضائعة تائهة وضالة. فتقرر التعلق بعشيق يؤويها ، ويحميها من بؤس الحياة ومصاعبها، ويسمى جليل ، وهو في الخمسين من عمره. بيد أن سلوى لم تستطع أن تتحمل الاضطراب النفسي وسلوك خليلها؛ مما يضطرها الواقع إلى تركه لتقع في حب جديد. ومن هنا، نفهم بأن قسوة الأب هي التي دفعت الطالبة سلوى إلى التمرد وارتكاب الرذيلة. وتتجسد صورة المرأة المتمردة أيضا في فيلم” ماروك” (2005م) للمخرجة المغربية ليلى المراكشي الذي يلتقط عبر عدسات الكاميرا الثابتة والمتنقلة تمرد غيثة كباقي شباب وشابات محيطها على تقاليد البلد، والتخلي عن أعراف العائلة ، والتمرد عن أفكار أخيها الأكبر الذي مايزال في رأيها يدافع عن القيم التقليدية. صورة المرأة الخائفة: تصور المخرجة فاطمة جبلي الوزاني في فيلمها الطويل” في بيت أبي”(1997م) صورة المرأة الخائفة التي تحس بالرعب والارتعاش والهلاك، ولاسيما عندما تفتقد بكارتها التي تعد رمزا لعفتها وعلامة على أنوثتها وميسما على شرفها، وسبيلا لزواجها في المجتمع المحافظ. ومن ثم، تستعرض المخرجة مجموعة من الذكريات والتجارب الشخصية لتجسيد هذا الرعب والخوف الذي يتولد عند المرأة منذ نشأتها في بيت أبيها حتى مغادرتها نحو بيت زوجها. صورة المرأة المطلقة: يجسد حكيم نوري في فيلمه الاجتماعي الطويل” مصير امرأة” (1998م) صورة المرأة المطلقة المنكسرة والمهشمة، وما تعانيه من جراء استبداد الزوج وغطرسته وأنانيته الرعناء. وهكذا، يلتقط حكيم نوري في هذا الفيلم تدهور العلاقات الزوجية بين سعيدة وحميد بسبب عدم التزام الزوج بميثاق الزواج وعهدته الأخلاقية. لذا، تضطر سعيدة إلى مطالبة زوجها الخائن بالطلاق. وأمام رفض الزوج لطلب سعيدة امتناعا وعنادا وإصرار من جهة، وتعقد مساطير الطلاق من الناحية القانونية من جهة أخرى ، تقرر سعيدة خوض معركة قاسية من أجل الحصول على طلاقها المشروع. هذا، وقد يشتد الصراع بين الزوجين حول الطلاق، فيؤدي بالزوجة إلى قتل زوجها كما في فيلم” محاكمة امرأة” لحسن بنجلون(2000م)، وقد يكون المطالبة بالطلاق من أجل تحقيق نزوات جسيدية عارمة، والرغبة في الانعتاق من قيود الحاضر قصد الزواج بعشيق الماضي كما في فيلم”قصة وردة” (2000م) للمخرج المغربي عبد المجيد أرشيش. وقد يؤدي الطلاق بالطرفين للتفكير في الأمر بجدية من أجل إعادة بناء الأسرة من جديد كما في الفيلم الواقعي الاجتماعي ” وجها لوجه” (2003م) لعبد القادر لقطع. صورة المرأة الموبوءة: يستعرض فيلم” حب بلا فيزا”(2001م) لنجيب الصفريوي صورة امرأة مريضة موبوءة بداء السيدا، يقع في حبها شاب يسمى علي، فينوي الزواج منها. بيد أن هناك شخص آخر يشاركه في هذا الحب الجنوني ألا وهو بوفردة. لكن المأساة ستتعقد دراميا وجنائزيا حينما يعلم الجميع بأن نادية الجميلة والمعشوقة مصابة بداء السيدا. وبهذا، يتخذ الفيلم في جوهره طابعا تحسيسيا ومنحى توجيهيا. صورة المرأة المحرومة: لقد صورت مجموعة من الأفلام المغربية الطويلة المرأة المحرومة في صراعها الذاتي والواقعي كما هو حال فيلم المخرج المغربي” شفاه الصمت” (2001م) للمخرج حسن بنجلون. ومن هنا، يلتقط الفيلم اضطراب حياة زوجة ثرية تسكن مدينة الدارالبيضاء، وهي تعاني من العقم والقلق والوحدة والغربة الذاتية والمكانية، ومحرومة، بالتالي، من الإنجاب الطبيعي. فتقرر أن تلتجئ مع زوجها إلى السيدة ” اللاشريفة” لطلب العلاج والشفاء الخارق. بيد أن الزوجين سيتعرفان على عوالم أخرى لم يتوقعاها إطلاقا. ونجد هذا الحرمان أيضا في مختلف صوره النفسية والاجتماعية والجنسية في فيلم” سميرة في الضيعة” (2007م) للطيف لحلو ، حيث يسلط لنا المخرج في هذا الفيلم عدسة الكاميرا على زوجة تعاني من البرود الجنسي الموجود لدى زوجها، والتي تفتقر كذلك إلى العطف والحنان والإشباع الشبقي. صورة المرأة الضائعة: يجسد فيلم” منى صابر”(2001م) للمخرج المغربي عبد الحي العراقي صورة شابة فرنسية ضائعة تعلم أن والدها مغربي، فتقرر الذهاب إلى المغرب للبحث عن أبيها، والتحقق من هويته الحقيقية، والتأكد من وجوده الضائع اعتمادا على صورته ورسالته التي كانت تحتفظ بها. وتتمظهر هذه الصورة أيضا بكل وضوح وجلاء في فيلم” باب البحر” (2004م) للمخرج المراكشي داود أولاد السيد، حيث يصور فيه عودة مريم ، وهي في الثامنة والعشرين من عمرها إلى إحدى القرى بالشمال المغربي، فلاتحمل معها ، بالتالي، سوى حقيبتها وعنوان للبحث عن هويتها وكينونتها الوجودية. صورة المرأة الماكرة: من الأفلام المغربية الطويلة التي صورت المرأة الداهية والماكرة واللعينة فيلم” كان واحد المرة حتى كان زوج المرات” (2007م) للمخرج المغربي البشير السكيرج. فهذا الفيلم يلتقط صورا بشعة للمرأة الظالمة والماكرة التي تعامل زوجها معاملة سيئة قوامها الضرب والعنف والتنكيل. وحينما يشتد الغضب بالزوجة في أحد الأيام العصيبة، تضرب المرأة الداهية زوجها بالمطرقة من أجل قتله والتخلص منه. لكن الضربة أخطأته، فأصابت الجدار الذي خرج منه جني فانطاستيكي لينقل الزوج إلى مدينة أورلاندو بالولايات المتحدةالأمريكية كي يبدأ حياته السعيدة من جديد. ومن هنا، يظهر لنا أن هذا الفيلم يجمع بين الطابع الواقعي الاجتماعي والطابع التخييلي العجائبي الفنطازي. خاتمة: نستنتج، مما سبق ذكره، أن السينما المغربية بعد الاستقلال، بمقاس 35 ملم، قدمت مجموعة من الصور المتناقضة للمرأة المغربية التي تعبر عن مدى اهتزاز المجتمع المغربي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا. وتعكس لنا أيضا إلى أي حد تدنت فيه القيم الأخلاقية في هذا المجتمع الموبوء. وتجسد لنا هذه السينما الفتية بلقطاتها المتنوعة مدى انبطاح الإنسان المغربي قيميا ووجوديا، وانسحاقه اجتماعيا واقتصاديا ونفسانيا . وهكذا، نجد أن السينما المغربية قد استعرضت مجموعة من الصور البصرية والدلالية للمرأة المغربية، فتارة تقدم لها صورا إيجابية ، وتارة أخرى تقدم لها صورا سلبية . ومن ثم، يمكن الحديث بشكل عام عن صورة المرأة المعنفة، وصورة المرأة المضطهدة، وصورة المرأة المغتصبة، وصورة المرأة الماجنة، والصورة المرأة الخائفة، وصورة المرأة المحرومة، وصورة المرأة الضائعة، وصورة المرأة الثائرة، وصورة المرأة المتمردة، وصورة المرأة الماكرة، وصورة المرأة الموبوءة.... وبالتالي، فلقد راهنت السينما المغربية على الطرح الواقعي الاجتماعي للتعبير عن هموم المرأة ، وتنويع التقنيات السينمائية كتوظيف الحكي السردي، واستعمال التحقيق الريبورتاجي والإعلامي، وتشغيل تقنية السينما داخل السينما، واستخدام الأسلوب الإثنوغرافي، وتوظيف الأسلوب السينمائي الفيلمي، والأسلوب النفسي السيكولوجي...... الدكتور جميل حمداوي ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر عند الاستفادة