نشرت بعض الصحف المغربية خلال هذا الأسبوع أخبارا تفيد باحتفال منظمي الدورة الثامنة لمهرجان مراكش السينمائي الدولي بما أطلقوا عليه «خمسينية السينما المغربية»، أي بلوغ هذه السينما خمسين سنة من عمرها هذا العام. وإذا كان من حق أي كان أن يحتفل بما وبمن يشاء فإن احتفال مهرجان مراكش هذا بالسينما المغربية لا يقوم على أي أساس، إن لم نقل إنه يتأسس على تاريخ مغلوط وغير صحيح لنشأة هذه السينما، وبصورة يمحى معها التاريخ الفعلي للسينما المغربية ليوضع محله «تاريخ» آخر لا يدري أحد «سبب» أو «أسباب نزوله» (فعلا لسنا نعلم من اختار هذا التاريخ وحدده، عنوة، ضد الحقيقة والواقع والتاريخ). فمن جهة أولى يعرف كل المهتمين بشأن السينما في هذه البلاد السعيدة أن أول فيلم مغربي (أي يحمل توقيع مخرج مغربي الجنسية) تتوفر فيه شروط الاحتراف السينمائي ليس هو فيلم «الابن العاق» لمحمد عصفور الذي أخرج عام 1958، وإنما هو فيلم قصير (بالأبيض والأسود/11 دقيقة) ظهر قبله بسنتين (أي عام 1956) يحمل اسم «صديقتنا المدرسة» للمخرج العربي بنشقرون. وقد ورد في مطبوع خاص بالفيلموغرافيا المغربية، أصدره المركز السينمائي المغربي قبل بضع سنوات، أن الفيلم المذكور هو عبارة عن «شريط تربوي يصف حرارة لقاء... الأطفال أثناء الدخول المدرسي، وهو كذلك قصة تلميذ فضل التجول في أزقة المدينة، لكن التسكع في الأزقة لن يفيده في شيء..». ومن ثم فإن الاحتفال بخمسينية السينما المغربية يأتي متأخرا بسنتين عن موعده الأصلي، ولسنا ندري أين كان محتفلو هذا العام قبل سنتين؟ وكيف لم ينتبهوا إلى الخمسينية إلا بعد مرورها وحاولوا تدارك الأمر، لكن بدا لهم أن ذلك لا يمكنه أن يتم إلاعن طريق لي عنق التاريخ؟ من جهة ثانية، لابد من توضيح أن فيلم «الابن العاق» لا يصلح للاعتماد عليه في الاحتفال بالخمسينية المذكورة، ليس فقط لتخلفه في الظهور مقارنة مع أول فيلم مغربي فعلي؛ وإنما، أكثر من ذلك، لكونه ينتمي إلى مجال الهواية أكثر مما ينتمي إلى عالم الاحتراف. فهذا الفيلم تم تصويره على شريط من فئة 16 ملمترا (فيلم العربي بنشقرون صور على شريط من فئة 35ملم)، دون صوت؛ وفي العرض الأول ل«الابن العاق» بسينما الملكي بالدارالبيضاء عام 1958 كان مخرجه يتولى بنفسه، انطلاقا من كابينة العرض واعتمادا على ميكروفون وآلة تسجيل، التعليق على الصورة ومصاحبتها بالمؤثرات الصوتية والحوارات عند الضرورة؛ ولم يتم إنجاز نسخة صالحة للعرض من الفيلم وشبه احترافية إلا في مطلع تسعينات القرن الماضي؛ وإذا كان البعض يرى، مع ذلك، أن هذا الفيلم الهاوي هو أول فيلم مغربي، فإنه ليس هناك ما يمنع من اعتبار الأفلام الأولى لمخرج الفيلم ذاته (الراحل محمد عصفور)، السابقة عليه والمصورة على أشرطة من فئة9،5 ملم («جحية» و«ابن الغابة» و«أموك الذي لا يقهر»...) هي البداية الحقيقية للسينما المغربية؛ لكن هذا سيطرح علينا مشكلا آخر هو ضرورة التخلي عن فكرة «الخمسينية» للاحتفال ب«ستينية» أو «سبعينية» هذه السينما المسكينة والمغلوبة على أمرها. وأخيرا، إذا كان الذين اختاروا «الابن العاق» كمنطلق للسينما المغربية قد فعلوا ذلك اعتقادا منهم أن البداية في مثل هذه الحالات لاتكون إلا بفيلم روائي طويل فإنهم، وفي غمرة حماسهم، لم يفعلوا سوى أنهم سبّقوا الحفل بليلة، عفوا، بعشر سنوات: ذلك أن أول فيلم روائي مغربي فعلي لم يظهر إلا عام 1968، وهو «الحياة كفاح» (من بطولة عبد الوهاب الدكالي وليلى الشنا) للمخرجين محمد التازي وأحمد المسناوي (كتب حواره المسرحي الراحل عبد الصمد الكنفاوي)؛ يليه، في السنة نفسها، فيلم «عندما تنضج التمور(أو عندما يثمر النخيل)» للمخرجين عبد العزيز الرمضاني والعربي بناني (من بطولة ممثلين من الفرقة المسرحية للإذاعة المغربية إضافة إلى عبد الجبار الوزير ومحمد بلقاس). وهما فيلمان أنتجهما المركز السينمائي المغربي تحضيرا للمساهمة في مهرجان لسينما البحر الأبيض المتوسط دعا المغرب إلى عقده على أرضه، وكان لابد – برأي المسؤولين آنذاك- من مشاركة البلد المضيف في التظاهرة وألا يبقى مجرد متفرج على ما سيقدم فيها من أفلام. من هنا سيكون من الأسلم الاحتفال في الوقت الراهن بأربعينية السينما المغربية بدل خمسينيتها، لكن هذا بدوره غير ممكن لأنه سيكون معناه أن هذه قد توفاها الله إلى رحمته وأنه لم يعد أمامنا سوى رفع أكف الضراعة والترحم عليها وعلينا وعلى عشاق السينما في هذا البلد أجمعين.