عرف الإنتاج السينمائي المغربي تطورا مهما في السنوات الأخيرة، بعد أن تضافرت الجهود لكسب رهانات المنافسة التي تحتمها الظرفية الراهنة. فالسينما في المغرب ورغم تطورها النوعي مازالت تعتبر شابة مقارنة مع بعض الدول العربية وحتى الإفريقية فمع مرور نصف قرن على إخراج أول فيلم مغربي ورغم التحسن الاحترافي الملحوظ, مازالت العناصر الضرورية المكونة للسينما كصناعة لم تكتمل بعد, إلا أننا على كل حال نصفق لكل المحاولات المبذولة في سبيل تخليص هذا الميدان من الركود الذي كان يعيش فيه. تتحدد المدة التاريخية للسينما المغربية في خمسين سنة رغم اعتراض البعض عليها, والتي يرجعونها بالأساس لستينيات القرن الماضي وبالضبط 1968 كسنة تم فيها إنتاج أول فيلم احترافي. عالجت السينما المغربية عدة مواضيع مهمة منها ما هو وطني وما هو سياسي وما هو اجتماعي وقد تطرقت في سنواتها الأخيرة لثيمات كانت إلى عهد قريب من الطابوهات كالمقاربات الجنسية والمواضع الدينية, وقد تألق مجموعة من المخرجين المغاربة عربيا وعالميا, نذكر منهم عبد القادر القطع وجيلالي فرحاتي وكمال كمال ومحمد العسلي والركاب ونبيل عيوش وغيرهم كما أن للمرأة المخرجة مكانتها في السينما المغربية أمثال فريدة بورقية وفريدة بنليزيد وليلى تريكي وياسمين قصاري وغيرهن. إن تطور السينما المغربية ألزم القائمين عليها تنظيم تظاهرات سينمائية تجردها من كبواتها وتدخلها مصاف الاحترافية وبالتالي المحاسبة وعزل الرديء من الجيد, فكان المهرجان الوطني والذي احتضنت طنجة دورته العاشرة. اختيار مدينة طنجة كمقر دائم للمهرجان الوطني للفيلم . طنجة عروس الشمال, المدينة الضاربة في جذور التاريخ, تتميز بقربها من أوربا بل تعتبر الجسر الرابط بين ثلاث ثقافات مهمة الثقافة الإفريقية والثقافة العربية والثقافة الأوربية. هذه المكانة الإستراتيجية مكنتها من الاستئثار باهتمام المثقفين العرب والعالميين على حد سواء من كتاب وسينمائيين ومسرحيين وشعراء... , أحاطت نفسها بحصن منيع من الهالة و الوقار استمدته من الحضارات الإنسانية المتعاقبة عليها, لذلك لا عجب في اختيارها محطة لعدد من التظاهرات المهمة مثل مهرجان البحر الأبيض المتوسط للأفلام القصيرة ومهرجان السينما الإسبانية ومعرض طنجة الدولي للكتاب والعديد من المهرجانات الثقافية الأخرى آخرها المهرجان الوطني العاشر للسينما المغربية الذي اختتمت فعاليته يوم السبت الماضي. تأتي هذه الدورة كاحتفالية استثنائية بخمسينية السينما المغربية التي قطعت أشواطا لا بأس بها في سبيل النهوض بالصورة في أبعادها الثقافية والفنية باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات هويتنا الثقافية. ومما لاشك فيه أن المسؤولين على هذا القطاع من أشخاص ومؤسسات وجمعيات سينمائية أبانت عن رغبتها في تجاوز كل المعوقات والمشاكل اللوجيستيكية والتسامي عليها للنهوض بهذا المهرجان الذي يعتبر حقا رمزا للسينما الوطنية بكل إخفاقاتها ونجاحاتها. الدورة العاشرة أبانت عن نضج المسار التنظيمي وعن اكتساب خبرات متوالية من دورة إلى دورة خلقت الحدث بكل مقوماته, حدثا يتناسب وتاريخ السينما المغربية إذ نصف قرن على أول فيلم مغربي ليس بالمدة الهينة للتزود بما يكفي من الاحترافية لولوج نادي الرواد أو على الأقل للتربع على عرش السينما المغاربية . مهرجان طنجة السينمائي يعكس بشكل أو بآخر حالة السينما المغربية, ويناقش رهاناتها المستقبلية, كافح من أجل استمراريته وقد تأتى له ذلك بعد جهد جهيد, فبعدما كانت دوراته السابقة تقام بمدن عدة وبشكل متقطع, حط الرحال وبشكل قار في مدينة طنجة وبشكل سنوي, مما اعتبر نجاحا للسينما الوطنية التي أضحت تنتج أكثر من أربعة عشر فيلما سنويا حسب نورالدين الصايل مدير المركز السينمائي المغربي الشيء الذي دفع قدما نحو إقامة أو على الأقل الحفاظ على مثل هذه المهرجانات للوقوف على النتائج والخطوات اللازمة وبشكل سنوي. و للتذكير فالدورة الأولى للمهرجان أقيمت سنة 1982 بمدينة خريبكة. الابن العاق المولود الأول للسينما المغربية. افتتحت الدورة الأخيرة بعرض فيلم «الابن العاق» للمخرج الراحل محمد عصفور. المخرج المغربي الذي أسس اللبنة الأولى للسينما المغربية ودشن عهدا جديدا لم يكن المكون الثقافي المغربي فيه قد نضج بعد. ولابد هنا من الوقوف على هذه التجربة رغم ارتجالها وتواضعها لكنها في نفس الوقت حملت رموزا من التحديات فتحت الباب على مصراعيه أمام الاحترافية والتنافسية. محمد عصفور مخرج عصامي كون نفسه بنفسه عبر الاحتكاك بالسينمائيين الأجانب وتتبعه للأفلام الأجنبية, عمل في حرف بعيدة كل البعد عن الشاشة البيضاء إذ عمل بائعا للجرائد و ميكانيكيا ونادلا. من بين أفلامه نسور الغابة، وجحا، والكنز الجهنمي، وطفل الغابة. تتشعب تلك الأفلام عن قيمها الاجتماعية, ومع ذلك لم يكن عرضها بالأمر اليسير, إذ كان يتخذ من مرآب لإصلاح السيارات بالدار البيضاء مكانا لتقديمها وعرضها. عشقه للميدان أدخله متاهة الصورة وروعتها وشكل منها محور رسالته وآرائه, نقلها صامتة لتتغلغل بسكون داخل الذاكرة الوطنية، فيلمه الابن العاق كان أول مولود أنجبته السينما المغربية سنة 1958, فيلم من إنتاج وإخراج وسيناريو وتصوير ومونتاج محمد عصفور وتشخيص محمد الكنوس وزاكي بوخريس تدور قصته حول انحراف الشباب والإهمال الذي يتعرضون إليه داخل الأسرة والذي يقود في الأخير إلى الجريمة. الأفلام المشاركة في المسابقة و تتويج فيلم «كل ما تريده لولا» للمخرج نبيل عيوش في الحفل الاختتامي بالجائزة الكبرى. لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة ترأسها الناقد المصري سمير فريد, أما بالنسبة لمسابقة الأفلام القصيرة فترأستها الكاتبة المغربية رجاء بنشمسي. و قد تنافس أربعة عشر فيلما في مسابقة الأفلام الطويلة وهي "حجاب الحب" لعزيز السالمي، "كازا نيكرا" لنور الدين الخماري، "فرنسية" لسعاد البوحاطي، "إيطو تثريت" لمحمد العبازي، "قنديشة" لجيروم كوهن أوليفار، "خربوشة" لحميد الزوغي، "زمن الرفاق" لمحمد شريف الطريبق، "الطفولة المتمردة" لمومن السميحي، "أماكننا الممنوعة" لليلى كيلاني، "رقم واحد" لزكية طاهري، "تمازيرت أوفلا" لمحمد مرنيش، "عقلتي على عادل?" لمحمد زين الدين، "بحيرتان من الدموع" لمحمد حسيني، و "كل ما تريده لولا" لنور الدين عيوش. أما مسابقة الأفلام القصيرة فقد شارك فيها أربعة عشر فيلما تنافسوا على الجائزة الكبرى وجائزة أحسن سيناريو وهي "نشيد الجنازة" للمخرج محمد مفتكر، و"صوت مزدوج"" لإدريس الروخ، و"فلو" ليوسف بريطل، و"إزاروا" لعز العرب العلوي لمهارزي، و"طريق الرجال" لهشام جباري، و"الجنرال" لمراد الخودي، و"عرائس من قصب" لأحمد بيضو، و"سراح مؤقت" لنوفل براوي، و"مينوي" ليونس الركاب، و"الخبز المر" لحسن دحاني، و"باريس على البحر" لمنير عبار، و"حلم يقظة" لعلي طاهري، و"سلام ديمطان" لمحمد أمين بنعمراوي، و"سفر رائع" لعبد السلام قليعي. حفل اختتام هذه الدورة رد الاعتبار لفيلم «كل ما تريده لولا» للمخرج نبيل عيوش وتتويجه بالجائزة الكبرى للمهرجان بعدما تم استبعاده من مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته الأخيرة. تدور أحداث الفيلم بين القاهرة ونيويورك، حول قصة حب بين شاب مصري وفتاة أمريكية تهوى الرقص الشرقي، شارك في بطولته الأمريكية لورا رامسي (لولا)، واللبنانية كارمن لبس (اسمهان)، وهشام رستم، وهند صبري من تونس، ومريم فخر الدين من مصر. أما بالنسبة لجائزة الأفلام القصيرة فقد حصل عليها «نشيد الجنازة» للمخرج محمد مفتكر والذي سبق له أن صرح لجريدة العرب بخصوص فيلمه أنه فيلم ذاتي وشخصي جدا، بعيد عن أي موضوعية.. وأنه عبارة عن حلم راوده ذات يوم وأثار في دواخله قلقا، فحاول اقتسام هذا الشعور بالقلق مع المتلقي من خلال روايته للأحداث بطريقة سينمائية معينة. هولندا: زويريق فؤاد هذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته الفوانيس السينمائية