لا أمل لنا إلا أن نخرج محترقين. ولا يمكن لأحدنا أن يتلو شهادته. تشخص أبصارنا في حراك الاصابع المتشنجة حد الغيبوبة. الصرخة المدوية ألففناها. وكنا نتوقع أن وراء الصرخة شيء أكبر. كان برميل البنزين مليئاً. رنت إليه وكعادتها. أماطت غطاءه البلاستيكي الذي تدحرج خائفاً لا يلوي على شيء. كنت أراه وهو يرتكن بظل قائم منضدة حبلى بالاشياء القديمة وقطع الغيار هرعت فتاتان صغيرتان، خائفتان حد الرعب، مجبولتان بأفق التوقع والانتظار والسؤال ماذا تكن النتيجة؟ أن تشوى عائلة بظل إنفجار برميل من البنزين شديد الأشتعال والأنفجار. في الباحة الصغيرة كان المشهد أكثر ايلاماً، هرع ابنان آخران، صار أربعة الأولاد قبالة المرأة الثائرة. تعاركت الايدي، إشرأبت، تشابكت. الايدي الصغيرة تستغيث صارخة لمنع انسكاب البنزين في البيت المتظائق كالعظام. تتمرد المرأة القوية كالفولاذ لتحطم ردود أفعال الايدي الصغيرة والكبيرة على حدٍ سواء. تمطر السماء وقوداً من البانزين، تسبح المرأة من الرأس إلى القدم، ينزاح المطر على رأس الرجل وحتى قدميه، تغتاله الرائحة النفلثة حد الاختناق، الرجل الممانع يحاول جاهداً أن ينهي فوضى الخوف من خطر البنزين المتوهب للموت والانفجار العيون ترنو صوب الفتيل شاخصة، وثمة ولاعة للكبريت تجد مكانها فوق الطباخ القريب وليس ثمة نور من الزيت، أو شعلة من عيون الغاز على الأقل شعلة الفوانيس كانت خامدة. ولا شيء كان قد توهج، الصغار يستغيثون. -رباه – رباه. كانت أبواب الدار المتضائقة مقفلة، وليس ثمة منقذ غير القدر. الصراخ المخنوق برائحة الموت وحده يملأ المكان. -ابتاه، أبتاه، أماه، أماه. الهلع يقطع قلوب الصغار. يحاول الأب المكابد إنتزاع كل شيء قد يتفجر حجب للمواد النقاب، حجب السكاكين وبحركة غير واعية كانت يد الأب المذهول، يصدمها بشيء ثقيل، تتداعى لحظة الأرتطام ونتوء العظم المكسور يتخذ انفلاته عبر الجلد النازف، الصرخة أكبر والوجع المحتوم صار كالموت حقيقياً. وبلحظة التداعي الكبرى كانت اليد اليسرى ضحية هي الأخرى. إذ تطبق الأسنان الموغلة في الجلد النحيف حد النزيف يفر الدم النازف فوق الجبين. تتهاوى اليدان، المكسورة والنازفة في مشهد اقل ما يقال عنه ضعف الطالب والمطلوب. يترنح الرجل المسكين على الارض يبتلعه الألم. يأخذه النزيف، يحرك جسده أملاً بلحظة إنفلات مؤقت. كانت الأبواب تصر كالموت، يتهاوى الصغار كما الأم الثكلى تتهاوى على أديم الأرض الحيلى بالبانزين، يهرع الصغار مرة أخرى لازالة الخطر المحيط، الرائحة تملاء المكان، يحمل الأب المسكين ذراعيه حيث المشفى القريب ولا شيء غير كفن ابيض من الجبس يلف يده المحطمة بغير حدود.