يحكى أن رجلا رزق من المال ما لا يعد ولا يحصى .. وكان حميد الأخلاق، يتصف بالجود والكرم وكثرة العطاء. وذات ليلة قرر أن يوزع ثروته على المحتاجين والمعوزين.. وبعد أيام أنشأ بيتا خاصا أسماه " بيت المال". استأجر عمالا يجوبون الشوارع يبشرون بفتح بيت المال وتوزيع الصدقات لمن يطلبها, وما هي الا أياما قليلة حتى أصبحت الطوابير تبدأ من عتبة بيت المال الى مشارف المدن الاخرى، حيث استعصى على العمال تنظيم الطوابير وإثبات النظام، ولما وصل خبر بيت المال الى حاكم البلدة , وكان هذا الحاكم غليظا فظا لا يعرف المزاح، يبدأ صباحه وينهيه بالأوامر، ويقف على كل شاذة وفادة بنفسه، أمر بجمع العسكر والأعوان قاصدا بيت المال. وصل الحاكم وأعوانه إلى المدينة التي كانت تعرف طلبا زائدا على التجارة حتى أن بعض السلع فقدت من المحلات، واختلت موازين التجارة وسوق العمل. وتكسرت الطوابير، وتحولت الى أمواج بشرية، تتدفق نحو بيت المال كسيل عارم. أمر الحاكم بتفريق الجموع, ودخل بيت المال ورأى ما لم يكن في الحسبان. رأى صناديق بحجم القصور التي يسكنها مملوءة بالذهب والفضة والأوراق المالية. ومن كثرة اندهاشه صرخ في وجه الرجل: من أين لك هذا ؟؟ أجابه الرجل باحترام وأدب : -ورثته عن أبي يا سيدي ,وأبي ورثه عن أجدادي اللذين أفنوا أعمارهم في التجارة وجمع هذه الثروة.. وقلت: "أنا ما دمت فان لِمَ لا أوزع هذ الثروة على المحتاجين والفقراء, حتى أنام مطمئن مرتاح البال.." قاطعه الحاكم فاقدا أعصابه: - ومن قال لك أن في البلدة محتاجين وفقراء.. قال الرجل : -ألم تر الطوابير يا سيدي..؟؟ قاطعه الحاكم : بل قل الفوضى والبلبلة.. وصاح الحاكم في العسكر: صادروا أموال هذا الرجل، فالدولة أولى بها من هذا المعتوه وهذه الرعية. احبسوه حتى ننظر في أمره.. فرّقو هذه الجموع والعصى لمن عصى.