ما من شك في أن ما تشهده الأمة العربية والإسلامية من حراك اجتماعي لانتزاع حقها في تكافؤ الفرص والعدل في توزيع الثروة، واحتجاج سياسي لانتزاع حقها في اختيار من يمثلها ويحكمها ،ومن ثورات نجحت منها اثنثان لحد الآن، وسيُقدر للأُخريات النَّجاح لا محالة عاجلا أو آجلا،لتجد الشعوب نفسها أمام استحقاقات وحدة الجبهة الداخلية على صعيد الأقطار لاسيما التي تعرف تعددا طائفيا(كالعراق ولبنان والبحرين)،وعلى صعيد الأمة لتلتفت إلى مهام البناء وخدمة البلاد والعباد،وإن الجموح العاطفي يشكل أحد أهم العوائق أمام وحدة الجبهة الداخلية المذكورة. ولا ريب أيضا في أنه بعد الانقلاب على الخلافة الراشدة، واستفحال النزع المذهبي، وما أعقب ذلك من انعكاسات على واقعنا المعاصر، أصبح النزيف في عواطف المسلمين من تجليات الانحراف ومظاهره ومُخلَّفاته، حلَّ ذلك النزيف محل الأُلفة والإخاء والتعايش، وهَدَّ وحدة المسلمين وكيانهم،وعَمَّقته الأهواء السياسية للحاكمين ليستفردوا بالسلطة بعد شق الوحدة السياسية والاجتماعية والعاطفية لمجتمعاتهم، وقد تمثل العطب العاطفي الأول في معسكر أهل السنة في ظهور الانحراف عن آل البيت عند فئة منهم في مرحلة تاريخية معينة، وقد سُمِّي ذلك الانحراف نصبا،وتمثل العطب العاطفي الثاني في معسكر الشيعة الذين اتخد كثير منهم من وجود بعض مظاهر ذلك النصب القديم ذريعة للتنقيص من كبار الصحابة – رضي الله عنهم - وإغراق الاحتفالات بذكرى استشهاد الحسين في طوفان من البدع، فما العمل لمواجهة ذينك العطبين العاطفيين وإعادة الاعتبار لموازين الشرع والعقل في الحب والبغض . مواجهة أهل السنة للانحراف عن أهل البيت بعد استشهاد ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان – رضي الله عنه- امتنع معاوية ومن تبعه من أهل الشام عن مبايعة من رضيه المسلمون خليفة وهو علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه- فحصل القتال بينهما، وحكم علماء أهل السنة بصواب علي في جميع حروبه[1]. وثارت بسبب الفتنة نفوس الفئة المحقة، كما ثارت نفوس الفئة الباغية، فالتقا المسلمان بسفيهما، وتبادلا السب والشتم، فهذا علي - كرم الله وجهه- بلغه أن أفرادا من جيشه لا يتورعون عن سب أهل الشام، فينهاهم قائلا: "إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم : اللهم أحقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به"[2]،ويخبرنا أبو حنيفة الدينوري أن عليا بلغه أن "حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخراعي يظهران شتم معاوية ولعن أهل الشام، فأرسل إليهما أن كفا عما يبلغني عنكما فأتياه، فقالا: يا أمير المؤمنين: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى ورب الكعبة المسدنة، قالوا: فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟ قال: كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين"[3.[ وأدرك الإمام علي بفراسته أن أمرا فظيعا سيعقب انتهاء القتال بينه وبين معاوية فحذر المسامين قائلا: "ألا إنه (أي معاوية) سيأمركم بسبي والبراءة مني، أما السب فسبوني، فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني، فإني ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة"[4]، وبانتهاء القتال – إذ يفترض أن تكون النفوس قد هدأت- أصبح سب علي – كرم الله وجهه- قرارا رسميا تتبناه دولة من غلب، وتختم به خطب الجمعة، ويشب عليه الصغير ويهرم عليه الكبير[5]. يصف علي بن الحسين زين العابدين واقع الحال بعد إقرار السب ومقتل الحسين لما سأله المنهال بن عمرو "كيف أصبحت أصلحك الله؟ فقال: ما كنت أدري أن شيخنا من أهل العصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا، فأما إذا لم تدر أو تعلم فسأخبرك، أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، إذ كانوا يذبحون أبناءهم، ويستحيون نسائهم، أصبح شيخنا وسيدنا (أي علي) يتقرب إلى عدونا بشتمه وسبه على المنابر (...) وأصبحوا يأخذون بحقنا و لا يعرفون لنا حقا، فهكذا أصبحنا إذا لم تدر كيف أصبحنا"[6]. ومن عجيب ما ينقله ابن حجر في تهذيب التهذيب عند ترجمته لعلي بن رباح اللخمي خبر قتل بني أمية لمن سماه أبواه عليا من المواليد فيقول – مترجما لعلي بن رباح-: "قال النسائي: ثقة وذكره ابن حبان في الثقاة، وقال الليث: قال علي بن رباح: لا أجعل في حل من سماني عليا، فإن اسمي علي، وقال المقري، كان بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه، فبلغ ذلك رباحا فقال: هو علي، وكان يغضب من علي، ويحرج على ما سماه به"[7]. لقد كان المسلمون يتبرمون بصنيع النواصب والمنحرفين عن آل البيت، وما سكتوا إلا خوفا، يقول ابن حجر عند ذكره لعمر بن سعد بن أبي وقاص (ت 65 ه): "صدوق، لكن مقته الناس لكونه كان أميرا على الجيش الذين قتلوا الحسين بن علي"[8]،واستشعر قادة المسلمين وعلماؤهم من أهل السنة خطورة الانحراف فنهضوا لمواجهته وتصحيحه في موقعين: الأول في القمة على أيدي الحاكمين، والثاني في القاعدة على أيدي العلماء. مواجهة الانحراف في القمة قاد هذه المواجهة – على سبيل المثال- رجلان هما: معاوية بن يزيد وعمر بن عبد العزيز، وقد شاءت إرادة الله عز وجل أن تجعل منهما شاهدين على ملامح الانحراف ومعالمه وظاهره، إلا أن الأول غلب عليه تيار الانحراف والتحريف فانسحب من الحكم واستقال – كشكل من أشكال الاحتجاج- وأما الثاني فقد كلفه التصحيح حياته إذ مات مسموما، وأثمرت جهوده انقطاع العادة السيئة (السب) إلى حين. 1- معاوية بن يزيد (ت 64 ه): قال عنه اليعقوبي: "كان له مذهب جميل"[9]، وقال عنه ابن كثير: "كان رجلا صالحا ناسكا"[10]،وهو وإن لم تطل مدة حكمه، فقد كان لموقفه – عندما جعل المسلمين في حل من بيعته- وقع على سير الأمور من بعده، فيروي ابن كثير أن معاوية بن يزيد نادى في الناس ذات يوم: الصلاة جامعة، فاجتمعوا إليه فقال لهم: "يا أيها الناس إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه، فإن أحببتم تركتها لرجل قوي، كما تركها الصديق لذلك، وقد تركت لكم أمركم فولوا عليكم من يصلح لكم"[11]،قال ابن كثير: "ثم نزل ودخل منزله فلم يخرج منه حتى مات – رحمه الله تعالى- ويقال: "إنه سقي: إنه طعن"[12]. وإذا كانت رواية ابن كثير تفيد أن الذي حمل معاوية بن يزيد على الاستقالة هو ضعفه عن تحمل مسؤولية الحكم، فإن رواية اليعقوبي تحيلنا على أسباب أخرى ترتبط بالسياسة الأموية تجاه أهل البيت، يقول: "ثم ملك معاوية بن يزيد (...) فخطب الناس فقال: أما بعد حمد الله والثناء عليه، أيها الناس: إنا بلينا بكم، وبليتم بنا، فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا، ألا وإن جدي معاوية بن أبي سفيان نازع الأمر من كان أولى به في القرابة برسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فركب منكم ما تعلمون، وركبتهم منه ما لا تعلمون، حتى أتته منيته، وصار رهنا بعمله، ثم قلد أبي وكان غير خليق للخير، فركب هواه، واستحسن خطأه (...) إن أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه، وقبح منقلبه، وقد قتل عترة الرسول، وأباح الحرمة، وحرق الكعبة، وما أنا المتلقد أموركم، فشأنكم وأمركم (...) فقال له مروان بن الحكم: سنها فينا عمرية"[13]، وقالت له أمه: "ليت أني خرقة حيضة ولم أسمع منك هذا الكلام، فقال لها وليتني يا أماه خرقة حيض ولم أتقلد هذا الأمر، أتفوز بنو أمية بحلاوتها، أبوء بوزرها ومنعها أهلها، كلا إني لبرئ منها"[14]،واستمر الانحراف بعده وتقوى إلى أن ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز. 2- عمر بن عبد العزيز (ت 101 ه): لما استخلف عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه- أمر بترك سب علي، وصرف إلى أهل البيت ما أخذ منهم من حقوق، وكتب بذلك إلى عماله على الأقاليم، فيتحدث عمر نفسه عن سبب إقدامه على ترك السب والنهي عنه فيقول: "كنت بالمدينة أتعلم العلم، وكنت ألزم عبيد الله بن عتبة بن مسعود، فبلغه عني شيء من ذلك، فأتيته يوما وهو يصلي، فأطال الصلاة، فقعدت أنتظر فراغه، فلما فرغ من صلاته التفت إلي فقال لي: متى علمت أن الله غضب على أهل بدر وبيعة الرضوان بعد أن رضي عنهم؟ قلت: لم أسمع ذلك، فقال: فما الذي بلغك في علي؟ فقلت: معذرة إلى الله وإليك، وتركت ما كنت عليه"[15]،وهكذا نفعته صحبة رجل صالح فرجع عن فعله، ويقول أيضا: "كان أبي إذا خطب فنال من علي تلجلج، فقلت: يا أبتي إنك تمضي في خطبتك، فإذا أتيت على ذكر علي عرفت منك تقصيرا، أو فطنت لذلك؟ قلت: نعم، فقال: يا بني، إن الذين حولنا لو يعلمون من علي ما نعلم تفرقوا عنا إلى أولاده"[16]. وجعل عمر مكان السب قراءة قوله تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون﴾[17]،وقيل جعل مكانه قوله تعالى: ﴿ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم﴾[18]. إنضاف قرار عمر بترك السب إلى قراراته في مجال مراجعة السياسة الإدارية لمن سبقوه، عندما صرف عمال من كان قبله من حكام بني أمية، والسياسة المالية عندما استرجع منهم الأموال التي أخذوها بغير حق وردها إلى بيت المال، وصرف المستحقات المالية لأهل البيت، كما كانت تصرف إليهم زمن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيروي السيوطي أن عمر جمع حين استخلف بني مروان، فقال لهم: "إن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت له فدك ينفق منها ويعول منها على صغير بني هاشم، ويزوج منها أيمهم، وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى، فكانت كذلك حياة أبي بكر ثم عمر، ثم أقطعها عثمان مروان، ثم صارت لعمر بن عبد العزيز، فرأيت أمرا منعه رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاطمة ليس لي بحق، وإني أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت على عهد النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"[19]، وأمر عامله على المدينة أن يقسم في ولد علي من فاطمة عشرة آلاف دينار[20]. لقد جعل الله –عز وجل- لعمر ودا في قلوب المسلمين عموما، وقلوب أهل البيت خصوصا، فأحبته الفرق كلها حتى الخوارج، ودبجت في مدحه الخطب والمقالات، ونظمت القصائد والأشعار، فكانت فاطمة بنت الحسين بن علي تقول: "لو كان بقي لنا عمر بن عبد العزيز ما احتجنا بعده إلى أحد"[21]،وكان محمد بن علي الباقر يقول: "إن لكل قوم نجيبة، وإن نجيبة بني أمية عمر بن عبد العزيز، وإنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة"[22]. إذا كان استئثار البيت العباسي بالحكم قد وضع حدا للتحالف الذي كان بينه وبين البيت العلوي إبان الدعوة ضد بني أمية، فإن مما عمق الخلاف بين البيتين ما جرى من اضطهاد على أهل البيت أيام حكم أبي جعفر المنصور وهارون الرشيد[23]، وخفت وطأة الضغط عليهم أيام المأمون الذي عهد بولاية العهد إلى علي بن موسى الرضا سنة مائتين للهجرة (200 ه) وضرب اسمه على الدنانير والدراهم[24]،فخشي بنو العباس أن يخرج الأمر من أيديهم فخلعوا المأمون وبايعوا إبراهيم بن المهدي[25]،وسار كل من المعتصم والواثق على نفس نهج المأمون في مودة أهل البيت[26]،إلى أن تولى الحكم المتوكل الذي قال عنه ابن الأثير: "كان شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى عليا وأهله بأخذ المال والدم"[27]، كما كان يبغض من تقدمه من الحكام لأجل محبتهم لأهل البيت[28]. ويذكر السيوطي في حوادث سنة أربع وأربعين ومائتين (244 ه) خبر يعقوب بن السكيت الذي ندبه المتوكل لتعليم أولاده، فيقول: "... فنظر المتوكل يوما إلى ولديه المعتز والمؤيد، فقال لابن السكيت: من أحب إليك هما أو الحسن؟ فقال: قنبر – يعني مولى علي- خير منهما، فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى مات، وقيل: أمر بسل لسانه"[29]، فكان ابن السكيت بذلك في طليعة العلماء الذين واجهوا الانحراف عن آل البيت. مواجهة الانحراف في القاعدة تمت هذه المواجهة التي قادها العلماء على صعيدين: أولا: على الصعيد العملي: وذلك عبر تحملهم الأذى بسبب مودتهم لأهل البيت، وعدم انسياقهم وراء الانحراف، فيذكر في هذا المضمار – إلى جانب محنة ابن السكيت الآنفة الذكر- محنة الإمام النسائي (215 ه- 303 ه)، الذي قال عنه الحافظ ابن كثير: "الإمام في عصره، والمقدم على أضرابه وأشكاله وفضلاء دهره، رحل إلى الآفاق، واشتغل بسماع الحديث، والاجتماع بالأئمة الحذاق، ومشايخه الذين روى عنهم مشافهة (...) وقد روى عنه خلق كثير، وقد أبان في تصنيفه عن حفظ وإتقان، وصدق وإيمان، وعلم وعرفان"[30]. وقد أورد الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ نبأ محنته وأسبابها، فذكر أن النسائي صنف كتاب (الخصائص) في فضائل الإمام علي وأهل بيته فعوتب على ذلك وأنكر عليه فقال: "دخلت دمشق والمنحرف عن علي كثير، فصنفت كتاب الخصائص، رجوت أن يهديهم الله"[31]،وليهدئ من روع المنكرين صنف بعد ذلك فضائل الصحابة – رضي الله عنهم- "فقيل له: ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال: أي شيء أخرج؟ حديث: اللهم لا تشبع بطنه"[32]،وتكلف الإمام الذهبي تأويل الحديث فقال: "لعل هذه منقبة معاوية لقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة"[33]، وورد في رواية أخرى أن الإمام النسائي قال: "أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا برأس حتى يفضل؟"[34]،فلما لم ينفع الإنكار عليه بالقول: "مازالوا يدفعون في حضنه حتى أخرجوه من المسجد، وفي رواية أخرى: يدفعون خصييه وداسوه، ثم حمل إلى الرملة فمات بها"[35]. ثانيا: على الصعيد النظري: أذكر هنا علامتين فارقتين من علامات التصحيح على هذا الصعيد: العلامة الأولى : وضع علماء الحديث قواعد وضوابط لمعرفة الأحاديث الصحيحة والضعيفة والمكذوبة، واهتموا بعلم الجرح والتعديل الذي يبين مدى أهلية الراوي للنقل الأمين للأحاديث، فاعتبروا النصب والانحراف عن آل البيت مما يقدح في عدالة الراوي، ويسقط حديثه عن مرتبة القبول، يشهد لذلك ذكرهم للكثير من الرواة الذين اتهموا بالنصب. يقول الإمام الذهبي عن خالد بن سلمة المخزومي: "صدوق رمي بالإرجاء والنصب"[36]، ويقول عن زياد بن علاقة: "ثقة رمي بالنصب"[37]،ويقول عن الصلت بن دينار الأزدي: "متروك وناصبي"[38]،وينقل اتهام بن عدي والدارقطني لإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت 256 ه) بالانحراف عن علي[39]،وعندما قال الجوزجاني عن أبان بن تغلب – وهو من رواة الشيعة- :"زائغ مذموم المذهب مجاهر"[40]، تعقب ابن حجر قوله بالنقد فقال: "وأما الجوزجاني فلا عبرة بحطه على الكوفيين"[41] لأن حطه عليهم كان لأجل مذهبهم، إذ كان الغالب عليهم وقتئذ التشيع. وقال الإمام محمد بن خليل المقدسي: "اتفق أهل السنة والجماعة على رعاية حقوق الصحابة والقرابة، وتبرؤوا من الناصبة الذين ينتقصون حرمة أهل البيت، مثل من كفر عليا ونحوه أو فسقهم، أو قال: كان يعاديهم على الملك، أو يعرض عن حقوقهم الواجبة، أو يغلو في تعظيم يزيد بن معاوية بغير الحق"[42]،ومن شذ عن هذا الاتفاق كان العلماء ينبذونه ويحذرون منه. العلامة الثانية : كثيرا ما كانت المواقف من قومة الحسين واستشهاده تعبر عن مقدار الانحراف عن آل البيت أو مودتهم، يجمل الإمام ابن تيمية تلك المواقف في ثلاثة أنواع فيقول: "وصار الناس في قتل الحسين - رضي الله عنه- ثلاثة أصناف: طرفين ووسطا، أحد الطرفين يقول: إنه مات بحق، فإنه أراد أن يشق عصا المسلمين ويفرق جماعتهم،وقد ثبت في الصحيح عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:من جاءكم وأمركم على رجل واحد، يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه،قالوا:والحسين جاء وأمر المسلمين على رجل واحد،فأراد أن يفرق جماعتهم، والطرف الآخر قالوا: بل كان هو الإمام الحق طاعته، الذي لا ينعقد أمر من أمور الإيمان إلا به (...) وأما الوسط فهم أهل السنة الذين لا يقولون هذا ولا هذا، بل يقولون: قتل مظلوما شهيدا، والحديث المذكور لا يتناوله"[43]، وكأن ابن تيمية يقصد بالطرف الأول ما قاله أبو بكر بن العربي (468 ه- 543 ه) في كتابه (العواصم من القواصم) عندما خطأ الحسين في خروجه وقال عنه: "طلب الابتداء في الانتهاء، والاستقامة في الاعوجاج، ونضارة الشبيبة في هشيم المشيخة (...) وما خرج إليه أحد إلا بتأويل، ولا قاتلوه إلا بما سمعوه من جده المهيمن على الرسل"[44]، (!) ويذكر الحديث الذي نبه عليه ابن تيمية ونسب من رأى مثل رأي ابن العربي إلى النصب[45]. واعتبر الأستاذ عباس محمود العقاد رأي أصحاب الطرف الأول ومنهم ابن العربي ضربا من ضروب "حرمان الشهداء حقهم في عطف الأسلاف"[46]، وعد هذا الحرمان "خطأ في الشعور، وخطأ كذلك في التفكير"[47]، بينما الحق أن "تسديد العطف الإنساني فرض من أقدس الفروض على الناظرين في سير الغابرين، لأن العطف الإنساني هو كل ما يملك التاريخ من جزاء، وهو الثورة التي يحتفظ بها الخلود"[48]. وفي هذا المجال أيضا – تصحيح الموقف من استشهاد الحسين- كان لأرباب السلوك والتربية وقفات مع استشهاد الحسين، فيقول الشيخ أحمد الرفاعي - رحمه الله-: "الحسين بن علي عليه السلام طلبت بشريته حقها الشرعي الذي لا نزاع فيه، فغارت الربوبية، فرفعت روحه إلى مقعد صدق، فلما قرت الروح في مقامها حنت لقالبها المبارك ﴿فقطع دابر القوم الذين ظلموا﴾[49]،وتحكم سيف العدل في الأمر، فكانت شهادة الإمام رفعة له، وكان ظفر أعداء الله خزيا لهم، وإنما الغارة الإلهية فعلت في بشرية الإمام ما فعلت، وكأنها تقول لها: طلبت قود الرقاب إلي، وأنا أريد قودك بالكلية إلي، فطلبك إلي إضمحل عند إرادتي إياك إلي، فبارزتك إرادتي بأكف من قطعتهم عني، فأدنيتك بمن قطعتهم عني، وعرفتك أني أريد فأفعل، ويراد لي قبل تعلق إرادتي فلا أفعل،ولك ثواب الطلب،لأنك طلبت قود الرقاب إلي لاإليك،ولو أنك طلبت قود الرقاب إليك لما قدتك إلي، فإن من طلب قود الرقاب إليه بين خطر القهر والاستدراج، فإن قهرته بأكف عباد وصلتهم بي، فقطعت الآخر بهم عني، وإن فتكت به وبنفسه ومراده عساكر ﴿سنستدرجهم من حيث لا يعلمون﴾[50] فقد ضل، أي سادة: طلب القود إلى الله قبل تعلق إرادته جرأ أعداء الله على ابن ولي الله، وسبط رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومحبوب الله، وابن أحباب الله، الذي قام منار بشريته الكريم يدعو إلى الله، وطار طائر روحه النوراني إلى حضرة القدس، فكيف بمن يدعو إلى نفسه بنفسه؟ بشريته مقتولة، وروحه معبودة، وحاله شاهد عليه"[51]. لقد اشتمل هذا النص – الذي حرصت على نقله بطوله لنفاسته وأهميته- على وصف فريد لاستشهاد الإمام الحسين، وحقائق ناصعة أدركها الشيخ بصفاء قلبه الموصول بالله – عز جل-: - فأخبر بحقيقة خروج الحسين: فأكد على أنه لم يخرج طلبا للملك ولا داعيا لنفسه وإنما خرج داعيا إلى الله. - أخبر بأن المنتصر – في حقيقة الأمر- كان هو الحسين، فلم يمح ذكره،ورفع الله شأنه وبقي أبد الدهر تستمطر عليه رحمات الله، وأن المنهزم هم قاتلوه الذين تتابعت عليهم اللعنات، وقيض الله تعالى لهم من سامهم سوء العذاب[52]. وأحسب أن التصحيح على صعيد العاطفة السنية جعل من النصب ظاهرة تاريخية مرت بحيث لم يعد اليوم في عالم التسنن من يكن البغض لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينتقص منهم. مواجهة بعض المراجع الشيعية لبدع المآثم الحسينية لقد دأب الشيعة منذ قرون على إحياء ذكرى العاشر من محرم وهو اليوم الذي استشهد فيه الحسين - رضي الله عنه- وذلك بإظهار الحزن الشديد وشق الجيوب، وضرب الرؤوس والظهور بالآلات الجارحة، فشكلت الطريقة المتبعة في إحياء الذكرى نوعا من التعبئة المستمرة التي لا تفتر، ولصق بها من الانحرافات والبدع ما سمم العلاقات بين الشيعة وأهل السنة، وأعاق - في كثير من الأحيان- حصول التقريب الحقيقي المنشود، وأحيى الخلافات القديمة وأطال من أمدها. إلا أنه مما قوى الأمل في حدوث التصحيح، بروز كثير من علماء الشيعة المتأخرين الذين صرفوا الكثير من جهودهم لمحاربة بدع المآثم الحسينية، ففي عام 1352 ه أعلن كبير علماء الشيعة في سوريا الشيخ محسن الأمين تحريمه لتلك البدع، وألف رسالة سماها (التنزيه لأعمال الشيعة)، وقد ووجه بمعارضة من العلماء والعامة، إلا أن مؤازرة المرجع الأعلى للشيعة – في ذلك الزمان- الشيخ أبي الحسن الأصفهاني أنقذت رسالته التصحيحية من الفشل[53]، كما دعا آية الله البروجردي أول عهده بالمرجعية إلى اجتماع لرؤساء الهيئات الحسينية في بيته، فخاطبهم بقوله: "أي المراجع تقلدون؟ فقالوا جميعا: نقلدك أنت، فقال لهم: إن فتواي بشأن هذه المسرحيات والتمثيليات التي تقيمونها بالشكل الذي سمعت به حرام في حرام"[54]. ويبين الأستاذ مرتضى المطهري نوع التحريف الذي لحق بواقعة كربلاء فيقول: "إننا وللأسف الشديد قد حرفنا حادثة عاشوراء ألف مرة ومرة أثناء عرضنا لها ونقل وقائعها، حرفناها لفظيا أي في الشكل والظاهر أثناء عرض الحادثة، مقدمات الحادثة، متن الحادثة، والحواشي المتعلقة بالحادثة، كما تناول التحريف تفسير الحادثة وتحليلها، أي أن الحادثة مع الأسف قد تعرضت للتحريف اللفظي، كما تعرضت للتحريف المعنوي"[55]، ويلقي مسؤولية وقوع هذا التحريف على الأصدقاء والمحبين (الشيعة) لا على الأعداء والمخالفين[56]،ويرجع بعض أسبابه إلى غياب التوجيه، وعدم تحديد الهدف[57]. وحذر الشيخ محمد مهدي شمس الدين "من أن تتحول الذكرى ومؤسسة المأثم الحسيني إلى إطار ضيق للتمذهب والتمايز العصبوي"[58]، وأشار إلى وجود بعض الممارسات التي "تحول كربلاء من ثورة إسلامية وإنسانية إلى حركة شيعية بالمعنى الضيق"[59]، ويقرر "أن الحسين لم يثر من أجل مشروع شخصي أو علوي عائلي، أو هاشمي عشائري، أو قرشي قبلي، أو حجازي وطني، أو قومي عربي، إن الحسين ثار من أجل مشروع إسلامي وإنساني"[60]. وقام العلماء بالتصحيح في مسألتين يظهر الانحراف فيهما جليا وهما: المسألة الأولى : المواكب الحسينية. المسألة الثانية : المجالس والمواعظ الحسينية. المواكب الحسينية إنها عبارة عن مواكب جماهير تنشد الأهازيج الشعبية وغير الشعبية، مما يتضمن قيمة المأساة، وإيحاءاتها بأسلوب مثير، قد يصاحبه اللطم على الصدور العارية وغير العارية، ومنها ضرب الظهور العارية وغير العارية بالسلاسل الحديدية التي قد تجرح، وقد تترك آثارا سوداء على الجسد، ومنها جرح الرؤوس بالسيوف وغيرها حتى تسيل الدماء غزيرة (...) ومنا ما يصنعه بعض الهنود من إضرام نار كبيرة ثم المرور عليها بدون أية معاناة للألم، كذكرى النار التي أضرمها الأمويون وأنصارهم في خيام الحسين في كربلاء"[61]، ومن طريف ما يحكيه الأستاذ مرتضى المطهري أنه قيل لأحد الأشخاص من عوام الشيعة: "لماذا لا تصلي ولا تصوم وتشرب الشراب؟ قال: أنا، ألا ترون ليلة الجمعة، وقد اشتهرت بالضرب واللطم على الصدر، وهل هناك أحد يجهلني؟ ثم بعد ذلك تطلب مني أكثر من هذا؟"[62]. وقد ساق العلماء العديد من الحجج لتبديع هذه الممارسات منها: أولا: ليس لواقعة كربلاء تلك الأهمية البالغة من ناحيتها الجنائية[63]،فعدد ضحاياها قليلون جدا بالمقارنة مع ضحايا الحروب لصليبية مثلا، ولكن أهميتها تنبع من "تلك الصفحة البيضاء من القصة"[64]. ثانيا: ليس لتلك الأعمال مرتكزات شرعية "مستمدة من نصوص دينية، أو إيحاءات من شخصيات معصومة"[65]، والفتاوي المجيزة لها "لا تثبت عند الفحص العلمي"[66]. ثالثا: يعتقد الشيخ محمد حسين فضل الله أن تلك الأساليب لا تنسجم مع طبيعة المأساة لأن "طبيعة المواساة تتبع طبيعة المأساة"[67]،فإذا كانت المأساة تنطلق من الذات، انطلقت المشاركة أيضا من الذات "أما إذا كانت المأساة تنطلق من الرسالة فلابد أن تكون المواساة منبثقة عن ذلك"[68]، ولما كانت مأساة كربلاء من النوع الثاني الذي ينطلق من الرسالة، وكان الحسين قد تألم وهو يقاتل في سبيل الله فإن الواجب في "مواساتنا له أن نتألم ونحن نجاهد في سبيل الله"[69]، ويتساءل: "كيف نوفق بين هذا كله، وبين ضرب الرؤوس بالسيوف، أو جرح الظهور بالسلاسل، أو إدماء الصدور باللطم، ولا ندري ماذا تحقق هذه الأمور؟"[70]، ويجيب "أنها لا تحقق إلا هدفا عاطفيا ينفعل بشخصية الممثل ولا ينفعل بشخصية البطل"[71]. رابعا: ما تثيره الأساليب المتبعة في نفوس غير المسلمين – ونفوس أكثر المسلمين- من تقزز واشمئزاز، وما يترتب عنها من تشويه لصورة الإسلام والمسلمين، الشيء الذي دعا الشيخ فضل الله إلى اقتراح تغييرها إلى أساليب جديدة [72]. ولهذه الأسباب كلها، قال الشيخ محمد جواد مغنية: "هذه العادة المشينة بدعة في الدين والمذهب، وقد أحدثها لنفسه أهل الجهالة، دون أن يأخذ بها إمام أو عالم كبير"[73]، وحذر العلماء الذين نهوا عن تلك الممارسات من أن يحمل نهيهم على الأمر بالكف عن البكاء وإظهار الحزن، فالشيخ المطهري يعتقد بوجوب إيجاد مدرسة الحزن والبكاء "من أجل تجديد روح النضال والكفاح على طريق الحق"[74]،وذكر الشيخ محمد حسين فضل الله لإثارة مآسي أهل البيت فائدتين: الأولى: ربط الناس بتاريخ ومواقف التضحية والشهادة، وإبعادهم عن تاريخ الظلم والطغيان. الثانية: تحويل صور التاريخ المشرقة إلى صور حية وعملية في حياة الناس[75]. المجالس والمواعظ الحسينية أرجع الأستاذ مرتضى المطهري الانحراف الواقع في المجالس والمواعظ الحسينية إلى "الرغبة في الخروج من سياق الوعظ والتحليق في خيال الفاجعة"[76]، والرغبة في صنع كربلاء ثانية[77]، واعتقد أن تلك المجالس والمواعظ تعانيان من نقطتي ضعف واضحتين: الأولى: إن القيمين على المجالس لا يهمهم إلا ازدحام الناس، وكثرة توافدهم عليها. الثانية: حب العرض المأساوي لواقعة كربلاء[78]. ويذكر المطهري أمثلة للكذب والتزوير، كالقول: إن عدد جيش عمر بن سعد كان مليونا وستمائة ألف شخص، وأن عدد الذين قتلهم الحسين بيده ثلاثمائة ألف (!)، وأن أنصار الحسين لم يذوقوا الماء ثلاثة أيام متتابعة[79]، وأن الحسين خرج وهو يريد قتل نفسه ليكفر عن ذنوب الآخرين، ويعلق المطهري على هذه الأكاذيب فيقول: "وتمادينا في هذا الاتجاه عندما قلنا بان الحسين قد أسس شركة للضمان، وأي ضمان؟ ضمان ضد الذنوب؟ وصرنا ندعو الناس للتسجيل في هذه الشركة مقابل أقساط من الدمع"[80]. لقد كان تصحيح الانحرافات التي لحقت المواكب والمجالس والمواعظ الحسينية صعبا جدا،وناقصا لعدم تمكنه إلى الآن من اجتثاث داء الرفض وسب الصحابة، وقد أتت تلك الصعوبة وذلك النقص من حماية وتقبل عوام الشيعة للانحرافات الحادثة ودفاعهم عنها، وأظن أن الشيخ محمد مهدي شمس الدين عبَّرعن المشكلة بدقة عندما أفاد بأن العلماء "يواجهون ضغوطا شارعية"[81]، هذه الضغوط تقويها طبيعة المؤسسة الدينية الشيعية التي يوجد على رأسها الفقهاء ومراجع التقليد، الذين يتلقون الخمس من الأرباح التي يدفعها كل مقلد باسم "سهم الإمام"، مما جعل المؤسسة الدينية تحافظ على استقلالها المالي مستغنية عن الهبات والمساهمات التي تقدمها الدولة. ويعد الأستاذ المطهري تسلم الفقهاء لسهم الإمام موضع ضعف وموضع قوة في آن واحد: فيعتبره موضع قوة لأن "علماء الشيعة لا يتقاضون ميزانيتهم من الحكومة، وأن تعيينهم وعزلهم ليس بيد الدولة، وعلى ذلك فاستقلالهم محفوظ دائما في قبال الحكومات (...) إذ هذا الاستقلال في الميزانية، والاستناد إلى عقيدة الناس هما السبب أحيانا في الوقوف بوجه انحرافات الحكومات، ومعارضتها وإسقاطها"[82]، ونقطة ضعف لأن علماء الشيعة "مضطرون إلى مجاراة أذواق العامة وعقائدها، للإبقاء على حسن الظن بهم، وهذا منشأ أغلب المفاسد الموجودة في السلك الديني الشيعي"[83]،ويخلص إلى القول: "إن المنظمة التي تتكئ على الناس تكون قادرة على محاربة ظلم الحكومات وتجاوزها، لكنها ضعيفة في محاربة خرافات الجهلة وعقائدهم الباطلة"[84]،ومن ثم دعا المطهري إلى ترتيب وإصلاح النظام المالي، وتنظيم ميزانية الفقهاء كي تتوفر لهم الحرية والقدرة على محاربة الآفة التي يسميها "آفة الإصابة بالعوام"[85]، ثم يقول: "إن منظومتنا الدينية على إثر إصابتها بهذه الآفة، لا تستطيع أن تكون طليعية فتتحرك أمام القافلة (...) وإنها مضطرة إلى التحرك وراء القافلة"[86]. وبالتنبيه على هذه الآفة، يكون الأستاذ المطهري قد ألمع إلى أحد الأسباب الرئيسية التي تعيق –عند الشيعة- التصحيح الحقيقي في سياقاته الثلاث: النقل والعقل والعواطف، أما العائق الخطير عند أهل السنة فهو "آفة السلطان"، ونبه على الآفتين الأستاذ عبد السلام ياسين،فأعطى لآفة العوام عند الشيعة معنى سقوط القيادات في قبضة الجماهير بتعبير عصري حيث يعيش الناس إسلامهم في المجتمع الشيعي"على نمط خاص؛عاطفة فوارة،وذاكرة تتأجج بمآسي الفتنة الكبرى ومقتل الحسين رضي الله عنه،الجماهير تنوح وتحزن وتسب وتلعن،والعلماء يخشون ثورة العامة فيصانعون ويداهنون ويسكتون تماما كما يصانع علماء السنة الحكام ويداهنون ويسكتون مخافة بطش السلطان"[87]، و" إن مسايرة علماء أهل السنة والجماعة للسلطان، ومسايرة علماء الشيعة للعامة الذين منهم أرزاقُهم وعليهم اعتمادُهم، يُفسر سقوط الأمة في "دسيسة" تاريخية خافية وبادية. العالم الشيعي المرجع له أتباع، وعالم القصر له أطماع، ذاك تسلط عليه أتباعه، وهذا أرْدَتْهُ أطماعه. والحاكم الغاصب والرعاع السائب مناخ ملائم للاستخفاف والتحريف"[88]،وزيادة في التوضيح يقول:"المسلمون الشيعة في قبضة حركية تولدت من الانكسار التاريخي،وقويت واشتدت وتأزمت حتى انفجرت اليوم في وجه العالم،العامة ثائرة والقادة لا يملكون الزمام،والمسلمون السنة في قبضة حركية تاريخية السلطان فيها هو المحرك،والعامة لا تملك من أمرها شيئا،ومن ضمن العامة العلماء"[89].إلى تداركهم الله برحمته فخرجت شعوبهم لتتحرر من تلك القبضة وتنفجر بثوراتها السلمية في وجه العالم. أنقر هنا لتحميل مقالة الدكتور زقاقي مرفوقة بهوامشها (نسخة Word)