لن يخطر على بالكم يا سادتي أن هذا الوضع الذي أنا فيه الآن، سببته بطيشي و قلة عقلي. كما لن تتخيلوا ما أقدمت عليه وأنا ابن الفقيه المشهور الذي تلقى تربية حسنة وارتشف تعاليم القرآن منذ صباه.غلبت علي شقوة الصبا و أردت أن أجرب شيئا لا يليق بأبناء الأصول. كنت قد اقترضت بعض المال من شخص سيء السمعة، فبدأ يضايقني عندما لم أستطع أن أرد إليه المبلغ كاملا، ففكرت أن أسرق. نعم، لقد سمعتم جيدا، وكان "التهامي" شخصا سيئا أعرفه منذ سنوات الثانوية، أراه كلما مررت بشارع الحسن الثاني، يقوم ببيع بعض الأشياء كالساعات اليدوية مواريا بذلك ما يبيعه حقا.. جلست معه بعض الوقت نثرثر كما يفعل الفارغون، نحدق بكل مار و كأننا سنرسمه في لوحات مسترسلة لا حدود لها، نجاوز تفاصيل المظهر إلى استشفاف بعض الأمور الأخرى. من مقهى لافونتين خرجت فتاة شقراء تحمل حقيبة بيضاء كثيابها، يرافقها شخص متوسط العمر لم أستطع أن أرى كل ملامحه من مكاني، لكني رأيته يمد يده إلى جيب سترته الداخلي ليخرج حزمة من الأوراق المالية أودعها في يد الفتاة و سلم عليها خدا بخد ليعود مسرعا إلى المقهى. أخبرت التهامي بما رأيت، الشيء الذي سال له لعابه، قال لي: -أنا غاندير أمارش لموتور، نتا خذ الساك بزربة و ركب. أشرت له بالإيجاب، أي أنني أستطيع فعل ذلك. تقدمت أمشي وراء الفتاة حتى اقتربت منها. وبسرعة مباغتة تلقفت الحقيبة و عدوت بأقصى ما أستطيع لأجد التهامي ينتظرني فوق الدراجة البخارية. تركنا الفتاة تجري لاهثة تصرخ، و انطلقنا إلى مكان يمكننا أن نرى فيه محتويات الحقيبة. حزمة الأوراق المالية لم تكن غير ألفي درهم، اقتسمناها بيننا. الأشياء الأخرى كانت كالتالي: -مشطان، واحد أكبر من الآخر، مرآة وعدة ماكياج. كل ذلك لم تكن له قيمة، بحثت عن الهاتف النقال ولم أجده، أصبحت الفتيات تتمتع بالذكاء. وجدنا شيئا آخر مهما جدا وهو آلة كاميرا رقمية صغيرة الحجم، أخذتها بين يدي و شغلتها. تحتوي على صور للفتاة مع رجل في عقده الخامس، صور بعضها موغل في الخصوصية إضافة إلى عدة فيديوهات جميلة حقا، ترقص فيها الفتاة والرجل فاغر فاه، بين يديه كأس. فجأة صاح "التهامي": -كانعرف هذا الرجل، هو رئيس الغرفة الفلاحية. -واه؟ -كانهضر معاك، راه دابا خدام في الحملة الإنتخابية ديالو. -حملة انتخابية؟ -آه، كاليك بغا إيولي نائب برلماني ولا مستشار ولا شنو... عند هذا الحد خطرت لي فكرة إبليسية، نقلتها إلى "التهامي" فتبسم عن أسنان نخرها السوس.قال: -أنت شيطان، ولكن راه القضية ماشي سهلة. -أنا عارف. قلت للتهامي إن الكاميرا ستبقى معي، لم يبد أي اعتراض، اتفقنا على اقتسام غنيمة العملية. تركته قاصدا مكانا آخر. وجدت معلومات مهمة على شبكة الأنترنت، ذلك أن السيد "الصادري"، رئيس الغرفة الفلاحية، له موقع خاص به، يعرض فيه صورا مع شخصيات كثيرة وأشياء تتعلق بمهامه، كما خصص جانبا مهما لحملته الانتخابية. وجدت رقم هاتفه النقال، في الحقيقة كانا رقمين، كما وجدت بريدا إلكترونيا. لكني لم أجد عنوان بيته، الشيء الذي أزعجني جدا، مما دفع بي إلى طباعة إحدى صوره للبحث عن موقع البيت. كان هذا صياغة للفكرة التي خطرت لي، فدفعت بالتهامي ليسأل أصدقاءه عن بيت صاحب الصورة، في الوقت الذي أرسلت فيه رسالة إلكترونية إلى بريده مرفقة بصورة يطوق فيها الفتاة بذراعه. كانت هذه خطوة أولى تجعله يتوجس من الخطوة الثانية وهي الاتصال به عبر الهاتف الخلوي، ريتما نعثر على عنوان بيته. لكن التهامي لم يعثر لي على العنوان المنشود فاستبد بي الغضب، الشيء الذي جعلني أؤجل الاتصال. الحياة قاسية و المال السهل غير موجود، التعاطي لمثل هذه الأشياء لم تحدثني به نفسي قط. الآن أنا وسط فوضى سببتها بقلة تجاربي و اعتقادي بأن الأمور تمشي كما نريد وفق مسار نحدده لها، لكنني كنت مخطئا. اتصلت بالسيد "الصادري" تلفونيا أخبره أن الصورة التي أرسلتها كانت مجرد عينة، صارحته أنني أريد خمسين ألف درهم مقابل الصور و الفيديوهات وأن عليه أن يتأكد أنني جاد تماما، وسيكون عليه أن يتعايش مع فضيحة من الدرجة الأولى أمام زوجته أولا ثم أمام الناس جميعا لو رفض مطلبي. أغلقت السماعة في وجهه وأنا أمثل دور الشرير. بحثت ليومين كاملين عن بيته دون جدوى ثم تذكرت صديقا قديما لي يستطيع أن يقدم لي عونا في هذا الجانب دون أن أخبره بالموضوع طبعا. أعطيته الصورة ورقم هاتفي ليتصل بي حالما يجد شيئا. بعد ست ساعات اتصل بي: -لقيت ليك العنوان ديال ذاك السيد. -و راك عفريت أنا عارفك تلقاه. -ولكن ما قلتيش ليا شنو بغيت منو وهو راه شخصية أه؟ -أودي عندي معاه شي حساب. شنا هو العنوان؟ أعطاني العنوان بعد أن اتفقت معه على مبلغ من المال مقابل الخدمة التي قدمها لي. اتصلت ب"الصادري" من جديد، قال: -المبلغ موجود فين غانلقاك؟ -أنا غانلقاك نبقاو على اتصال. أجبرته على الانتظار ليوم آخر، لا أدري لماذا؟ ولكن هذا ما حصل. في اليوم الموالي اتصلت به مخبرا إياه أنني سأكون بانتظاره في الحديقة العمومية. أردت ان أبدو رجلا ذا شخصية قوية، فكرت في أن اللباس و طريقة الكلام و المشية، كلها أشياء تعبر عن شخصية المرء. سألت "التهامي" عن نوع اللباس الذي يمنح صاحبه شخصية مميزة، قلت له: - خصني نلبس شي حاجة مفركسة، كومبلي أولا شنو في نظرك؟ ضحك ضحكة مجلجلة، أجابني: -كتقلب على شي لباس ايواتي شخصية المبتز؟ فعلا كنت أبحث عن بزة تلائم الدور الذي سألعبه و أنا أبتز شخصا ذا أهمية. قررت أن ألبس لباسا عاديا لا يلفت الأنظار. طبعا اتخذت بعض الاحتياطات فأحضرت معي "التهامي" لكي ننطلق بالدراجة فور تسلمي للمال. سبقته للمكان بنصف ساعة أستطلع لأعرف إن كان معه أشخاص آخرون. لم يأت إلا في الوقت الذي حددته على الهاتف. لم يكن معه أحد. اقتربت من مقعده حثيثا، خطوة خطوة و كأنني مقدم على انتحار. جلست بقربه وصمتت لحظات حتى استعدت بعض جأشي، قلت بهمس: - جبت الفلوس؟ - انت هو...؟ آه جبت الفلوس، فين الكاميرا؟ - الكاميرا؟ قل الكارت ميموار. - ايه ارا غير الكارت ميموار. - أرا الفلوس. أعطاني مظروفا أبيض سحبه من حقيبة سوداء كانت معه. فتحته بسرعة لتطل منه أوراق من فئة المائتي درهم. قال بصوت كالفحيح: -أرا الكارت ميموار. وقفت و أعطيته الكارت ميموار. أردت العدو إلى خارج الحديقة حيث ينتظرني التهامي. عندما وضعت الكارت في يده رفعها عاليا ملوحا بها. في سرعة البرق أحاط بي رجلان وكأنهما انبثقا من العدم. حاولت أن أسبقهما و لكنهما كانا أسرع مني، جريا كفهدين يطاردان وعلا أحمق انفصل عن القطيع. لحقا بي قبل أن أصل إلى التهامي الذي ينتظرني. بمجرد أن لمحني التهامي أسقط على الأرض و رجلان يركلانني، أدار الدراجة و فر كالبرق الخاطف. الوغد لم يساعدني ولم يهب لنجدتي. قاومتهما بشدة، كالا لي لكمات كثيرة ثم عندما لم تنجح اللكمات في دفعي للاستسلام طعنني أحدهما في جنبي الأيسر. رأيت الدم يتدفق من القميص فشعرت باضمحلال الدنيا أمام عيني. أخذا المظروف و بحثا في جيوبي عن نسخ محتملة. لم يجدا إلا مفتاح usb الذي استعمله أخذاه معهما وانطلقا لا يلويان على شيء. تحاملت على نفسي واتصلت بكم وجئت إلى المستشفى والنزيف لا يتوقف، ولولا لطف الله بي لكنت في عداد الموتى. هكذا ترون يا سادتي أن الرجل كان أذكى مني، وأن رفاق السوء يخلقون السوء في أناس ليس من شيمهم السوء... حاشية: تذكروا –من أراد منكم أن يرى وجه "الصادري" وفتاته- أن تزوروا المواقع: youtube و dailymotion و facebook وكل المواقع التي لا تعرف انقطاعا في الزوار إضافة للمنتديات الوطنية والمحلية المعروفة. ووداعا للحملة الانتخابية وحلم ولوج البرلمان.