رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء        الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    "دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلامة القرضاوي: زوال إسرائيل أمر يقيني وتفصيلات الزوال خرافات
نشر في التجديد يوم 11 - 10 - 2002

انتشرت مؤخرا عدة دراسات سواء عن طريق الإنترنت أو عن طريق الطبع والنشر تؤكد قرب نهاية العالم وزوال إسرائيل على يد جيش كبير يأتي من الشرق وامتلأت تلك الكتابات باستشهادات وتحليلات لآيات من القرآن الكريم ونصوص التوراة والإنجيل "العهدين القديم والحديث". عن مثل هذه الدراسات والقضايا التي شغلت كثيرا من المسلمين دار الحوار الذي أجراه الدكتور حسن علي دبا مع فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي ببيته بالإضافة إلى قضية المهدي المنتظر ومسألة نطق الحجر والشجر وإخبراهما باليهودي ليقتله المسلم وما كان من إشارة الشيخ أحمد ياسين لذلك... وقضايا أخرى.
بدأ د. القرضاوي حديثه عن قضية زوال إسرائيل فقال :
تفصيلات التنبؤات بزوال إسرائيل من الخرافات ، لكن زوال دولة اليهود أمر نوقن به ، لأمرين : الأمر الأول أنها دولة قائمة على الظلم واغتصاب حقوق الآخرين وتشريد أهل البلاد من أرضهم ، والظلم لا يدوم ، ولا بد أن يزول ، فالله عز وجل يقول (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) ، ويقول : (تلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً) فالظلم لا بد أن ينتهي إلى الزوال ولو بعد حين .. والأمر الثاني هو أن عندنا من الأدلة القرآنية القوية ما يطمئننا إلى أنه لا يمكن أن تستمر دولة اليهود فالله تعالى يقول : (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله . ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين) ، ويقول (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) ، ثم يقول (وقطعناهم في الأرض أمماً) .. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ، فيقتلهم المسلمون فيختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر والشجر يا عبد الله أو يا مسلم هذا يهودي ورائي فتعالى فاقتله" .. وهذه أحاديث صحيحة متفق عليها عن ابن عمر رضى الله عنهما ، وعن أبي هريرة .. فنحن سوف نقاتل اليهود ، وسيكون كل شئ
معنا ضد اليهود حتى الحجر والشجر "إلا شجر الغرقد" كما جاء في الحديث الشريف "فإنه من شجر اليهود" .
* ونشرت صحيفة "آفاق عربية" أن الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين قال إن بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم تلك قد تحققت بنطق الحجر والشجر في رام الله كما سمعه ثلاثة فلسطينيين كصوت غامض دلهم على مستوطن اختبأ منهم خلف شجرة في رام الله إبان الهجوم الإسرائيلي .. كيف ترى الأمر ؟
لا يستبعد ذلك ، لكن الظاهرة التي يتحدث عنها الحديث لا تكون حادثة فردية عابرة ، بل معركة فاصلة ينتهي فيها أمر اليهود .
نطق الحجر
هل ترون نطق الحجر والشجر سوف يكون نطقاً مباشراً ؟
أنا قد أفسر نطق الحجر والشجر ليس بالضرورة أن ينطق بلسان المقال ، بل بلسان الحال ، والعرب يقولون إن لسان الحال أفصح من لسان المقال ، بمعنى أن كل شئ يدل على اليهود ، ويكشف عوراتهم ، وينبئ عنهم ، وإن كنت لا أستبعد أن ينطق الحجر ، ويسمع له صوت ، فهذا لا مانع منه .
هل يرتبط ذلك بخروج المهدي المنتظر وظهوره في مكة والشام ؟
لا .. ليس من الضروري أن يحدث هذا ، وقول الحديث "لا تقوم الساعة" ليس معناه أن حدوثه مربوط بقيام الساعة ، إنما معناه أن هذا الأمر سيحدث قبل قيام الساعة .. لكن متى ؟ بعد سنة ، بعد عشر ، بعد مائة ، الله أعلم فهذا النطق للحجر ليس مربوطاً بقيام الساعة ، ولا ظهور المسيح ، ولا شئ من هذا .
المهدي المنتظر
كيف ترون قضية وفكرة المهدي المنتظر ؟
إنها قضية عليها خلاف كبير ، هناك من أنكر عملية المهدي هذه وضعف ابن خلدون الأحاديث التي وردت في المهدي ، وطبعاً لم يرد فيها شئ في الصحيحين ، لا في البخاري ، ولا في مسلم ، ولا في السنن ، وليست أحاديث من الصحة ومن القوة ومن الثبوت بحيث لا يخالف فيها أحد .. ولذلك فإن الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية الأسبق في قطر أنكر قيام المهدي ، وألف كتاباً في هذا في مطلع القرن الخامس عشر الهجري .. ذهبت أنا والشيخ ناصر الدين الألباني ليناقشه في هذا ، فأصر الشيخ عبد الله على رأيه في أنه لا يوجد مهدي منتظر وأنا أقول : ما هو المهدي ؟ لنفترض أن الأحاديث عنه صحيحة .. ليس هناك دعوة تسمى الدعوة المهدوية ، إنما المهدي حسب ما تشير إليه الأحاديث في هذه القضية هو رجل يحكم بشريعة الإسلام ، ويقيم العدل في الأرض : يملأ الأرض عدلاً كما مُلئن ظلماً وجوراً ، فإذا وجد الناس هذه الحقيقة فإن هذا هو المهدي الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لن يأتي ويقول : أنا المهدي ، لا ... المهدي حينما يظهر ويملأ الدنيا عدلاً يقول الناس : هذا الذي بشرت به الأحاديث .
نهاية العالم
هل يمكن أن تتحدد نهاية العالم في موعد محدد كما يشاع هذه الأيام ، وكما أشاع رشاد خليفة من أن موعد نهاية العالم سوف يتم الإزاحة عنه قبل حلول "النهاية" طبقاً لبعض الحسابات ؟
من المعلوم أن الآية الكريمة (إن الساعة آتية أكاد أخفيها) جاءت في سياق خطاب الله تعالى لموسى عليه السلام ، فلو كان المعنى كما فهم لكشف الله هذا الموعد لموسى أو لنبي بعده من أنبياء بني إسرائيل ، أو للمسيح عيسى بن مريم عليه السلام . لكن الواقع أنه لم يكشف لهم ولا لأحد من الأنبياء ولا لخاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام .. وبالرجوع إلى أئمة التفسير يفهم من عبارة "أكاد أخفيها" المراد ، قال صاحب روح المعاني : أقرب أن أخفي الساعة ولا أظهرها بأن أقول : أنها آتية ، ولولا أن في الأخبار بذلك من اللطف وقطع الأعذار لما فعلت .. وروى عن ابن عباس وجعفر الصادق أن المعنى : أكاد أخفيها من نفسي ، أي فكيف أظهرها لكم .. وهذا محمول على ما جرت به عادة العرب من أن أحدهم إذا أراد المبالغة في كتمان الشيء قال : كدت أخفيه من نفسي ، ويقرب من هذا ما جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله : "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه" .
في الوقت المناسب
فسر الرجل نفسه الآية الكريمة "لا يجليها لوقتها إلا هو" بأن الله سبحانه سوف يكشف عن موعد نهاية العالم في الوقت المناسب ؟
هذا فهم خاطئ للآية الكريمة ، وسياق الآية بتمامها يبطل فهمه بوضوح ، يقول تعالى في هذه الآية (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ، ثقلت في السماوات والأرض ولا يأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون) فانظر كيف سأل السائلون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن موعد الساعة وكيف كان جوابه عنها بأمر الله تعالى ، أنه لا يعلم عن وقت قيامها شيئاً ، وإنما علمه عند الله ، وقد كرر هذا المعنى للتأكيد مرتين : (قل إنما علمها عند ربي .. قل إنما علمها عند الله) .. وقد أتى صاحبنا من سوء فهمه للعربية ومعنى اللام في قوله (لوقتها) واللام هنا بمعنى في كما في حديث : أفضل الأعمال الصلاة لوقتها" أي في وقتها .. فهذه الجملة كمال قال الألوسي بيان لاستمرار إخفائها إلى حين قيامها ، وإقناط كلي عن إظهار أمرها بطريق الإخبار وإنما يظهرها بأن يقيمها في وقتها المعلوم ، فيعلموها على أتم وجه حينئذ .
هل يمكن أن يخفي الله عز وجل أمر الساعة ونهاية العالم عن الرسول والصحابة ويعطل فهمهم لآيات القرآن الكريم حتى لا تفصح هذه الآيات إلا لمن كان من المعاصرين قبل نهاية العالم بقليل ؟.
هذا اختراع ، وتفسير لا تدل عليه الآية لا بالتصريح ولا بالإشارة ، ولم يخطر ببال أحد من المتقدمين ولا المتأخرين ، ولم يقل به أحد من أهل الرواية ، ولا من أهل الدراية ، بل هو مخالف كل المخالفة لما صح به النقل ، وما دل عليه العقل ، وما يقتضيه السباق والسياق ، وموجبه أن الأمة كلها من الصحابة وتابعيهم ومن بعدهم طوال أربعة عشر قرناً ، عاشوا وماتوا ، ولم يفهموا ما أنزل إليهم من ربهم ، مع أن الله أنزل كتابه بلسان عربي مبين ، ووصفه بأنه "كتاب مبين" ويسره بلسانهم لعلهم يتذكرون ، ومع هذا لم يتبينوا ولم يتذكروا حتى جاء هذا الرجل ليبين ما كان خافياً ، ويذكر بما كان منسياً .. قال الإمام الشوكاني "اختلف أهل العلم في السبع المثاني ماذا هي ؟ فقال جمهور المفسرين : إنها الفاتحة ، قال الواحدي : وأكثر المفسرين على أنها فاتحة الكتاب ، وقيل هي السبع الطوال أي هي السور السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والسابعة : الأنفال والتوبة لأنهما كسورة واحدة .. وقيل : المراد بالسبع أقسام القرآن ، وهي الأمر والنهي والتبشير والإنذار وضرب الأمثال ، وتعريف النعم وأنباء القرون الماضية .. ولا
شك أن القول الأول هو الصحيح ، فعند نزول هذه الآية وهي مكية لم تكن أكثر السبع الطوال نزلت لأنها مدنية ، وكذلك الأمر والنهي أكثرهما في المدينة ، وظاهر قوله تعالى : (ولقد آتيناك سبعاً ..) تقدم إيتاء السبع على نزول هذه الآية .
إنه قول هذا الذي قيل على الله بغير علم ، ومن الاجتراء على كتاب الله بالرأي المحض ، والهوى الصرف الذي جاء النهي عنه والوعيد عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فواتح السور
هل تعني (14) فواتح السور في القرآن كما قيل ؟
لم يتبين من قول الرجل ما هو المعدود أهو إبل أم بقر أم غنم أم دراهم أم دنانير وأي دليل من الشرع على أنها فواتح السور ، أو من اللغة أو من العقل ؟ .. على أن فواتح السور ليست أربع عشرة ، بل هي تسع وعشرون ، فلماذا اكتفى بالأربع عشرة ؟ وإذا كان قد اكتفى بغير المكرر ، فلماذا لم يحذف الحروف المكررة أيضاً ، ويقتصر على الحروف الأربعة عشر المذكورة في فواتح السور .. إن هذا كله تحكم من قائله لا يسنده دليل من دين أو علم .
ما هو الرأي الشرعي الصحيح في فواتح سور القرآن الكريم؟
هناك من العلماء قديماً وحديثاً من رفض الخوض في تفسير هذه الحروف ، ورجح ما نقل عن أبي بكر الصديق وسائر الخلفاء الأربعة : أنها سر من الأسرار استأثر الله بعلمه .. فهي بهذا عندهم من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ، ولهذا يقولون عندها : الله أعلم بمراده ، وقد أنكر الإمام الشوكاني في تفسيره على من زعم أن لها معنى مقطوعاً به .. قال : إن من تكلم في بيان معاني هذه الحروف جازماً بأن ذلك هو ما أراده الله عز وجل فقد غلط أقبح الغلط ، وركب في فهمه ودعواه أعظم الشطط فإن كان تفسيره لها بما فسرها به راجعاً الى لغة الغرب وعلومها فهو كذب بحت ، فإن العرب لم يتكلموا بشئ من ذلك ، فلم يبق حينئذ إلا أحد أمرين : الأول : التفسير بمحض الرأي الذي ورد النهي عنه والوعيد عليه ، وأهل العلم أحق الناس بتجنبه والصد عنه ، والتنكب عن طريقه ، وهم أتقى لله سبحانه من أن يجعلوا كتاب الله سبحانه ملعبة لهم يتلاعبون به ، والثاني : التوقيف عن صاحب الشرع ، وهذا السبيل القويم .. ثم قال الشوكاني :
"فإن قلت : هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الفواتح شئ يصلح للتمسك به ؟ قلت : لا أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم في شئ من معانيها: .
لكن بعضاً من الآراء ذهب لدلالة تلك الفواتح على أرقام يمكن من خلالها معرفة موعد قيام الساعة ؟
حساب الجمل مجرد اصطلاح من جماعة من الناس ، ولكنه اصطلاح تحكمي محض ، لا يقوم على منطق من عقل أو علم ، فمن الذي رتب الحروف على هذا النحو : أ ب ج د ه و ز ...... ولماذا لم ترتب أ ب ت ث ج ح خ د ذ ؟
ومن الذي جعل للألف رقم (1) ، والباء رقم (2) وهكذا آحاداً الى حرف ط ، ثم أعطى للحرف (ي) رقم (10) وللحرف (ك) رقم (20) وهكذا الزيادات بالعشرات الى الحرف الذي يعادل (100) وبعده تكون الزيادة بالمئات ؟ لماذا لم تكن الزيادة آحاداً الى آخر الحروف ؟ ولماذا لم تبدأ بعشرة أو بمائة ألف ؟
كل هذا تحكم من واضعيه المصطلحين عليه .
لكن القاعدة أن لا مشاحة في الاصطلاح ؟
صحيح أنه لا مشاحة في الاصطلاح ، ولكن هذا لا يلزم أحداً ، ثم إن هذا الرأي الجرئ الذي حدد زمن قيام الساعة يخالف صريح ما نطق به القرآن الكريم من كيفية قيام الساعة ، فقد أثبت القرآن أن الساعة لا تأتي إلا بغتة ، كما قال (ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة(
أليس هذه الآية موجهة للكفار ؟
هذا غير صحيح ، فالخطاب للجميع وليس هناك دليل على اختصاص هذا الخطاب بالكفار .. على أن الساعة إذا علمت وعرف وقتها بالتحديد عند المؤمنين فإن هذه المعرفة ستنقل حتماً الى الكفار ، ولو على سبيل الظن والشك ، وهنا تزول المباغتة والمفاجأة التي تحدث عنها القرآن .
قبل النهاية
هل يمكن أن تصح مقولة رشاد خليفة وغيره من المتحدثين الآن في هذه القضية من أن الكشف عن نهاية العالم لا يتم إلا قبل حلول تلك النهاية ؟
الرسول صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله لم يكن يعلم عن موعد الساعة شيئاً، وجبريل أمين الوحي الذي نزل عليه بالقرآن لم يكن يعلم عن موعدها شيئاً وهذا ثابت بنص الحديث المشهور المتفق على صحته ، المعروف لدى الخاص والعام من المسلمين وهو الذي يروي قصة مجيئ جبريل في صورة رجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم متى هي ؟ فكان الجواب الواضح الصريح من الرسول البشري إلى الرسول الملكي : "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل: !
وجاء في هذا الحديث الصحيح في رواية مسلم : "في خمس لا يعلمهن إلا الله" ثم تلا الآية الأخيرة من سورة لقمان : (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام) .. لقد شددنا الإنكار على مثل هذا القول لما فيه من جرأة على كتاب الله ملعبة لهواة الأغراب ، وتصبح آياته الهادية الخالدة كأنها كرة يتقاذفها اللاعبون ! ورحم الله أبا بكر الذي كان يقول : أي أرض تقلني وأي سماء تظلني، إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم ؟
هل المراد بالسفهاء في قوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً ..) هم النساء والصبيان ، كما نقل عن ابن عباس ؟
هذا التفسير تفسير مرجوح ضعيف ، وإن نقل عن حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما ، ولو صحت نسبته إليه ، وإلى غيره من مفسري السلف ، والصواب الذي عليه جمهور الأئمة أن تفسير الصحابي القرآن الكريم ليس حجة في نفسه ملزمة لغيره ، وليس له حكم الحديث المرفوع ، كما زعم بعض المحدثين وإنما هو رأي واجتهاد من صاحبه يؤجر عليه وإن أخطأ فيه ، وقد نقل عن ابن عباس نفسه وعن بعض أصحابه : "إن كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم ..".
لكن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس أن يعلمه الله التأويل ؟
دعا النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس لا يعني منحه العصمة فيما يذهب إليه من تأويل إنما معناه أن يوفقه إلى الصواب في جل تأويلاته لا في كلها .. ولا غرو أن كان لابن عباس آراء واجتهادات في التفسير في الفقه لم يوافقه عليها جمهور الصحابة ثم جمهور الأئمة من بعدهم .
ما سبب ضعف تأويل السفهاء بالنساء في رأيكم ؟
السفهاء جمع تكسير للمذكر ، مفرده سفيه ، وليس مفرده سفيهة ، ولو كان مفرده سفيهة لجمع على فعيلات أو فعائل ، كما هو شأن جمع الإناث ، فقيل سفيهات أو سفائه .. ثم إن "السفهاء" اسم ذم ، لأن مضمونه خفة العقل وسوء التصرف ، ولهذا لا يذكر في القرآن إلا في معرض الذم ، كما في قوله تعالى (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا أنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) ، (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) .. وإذا كان لفظ "السفهاء" للذم ، فكيف يذم الإنسان على ما لم يكتسبه ؟ كيف تذم المرأة لأنها امرأة وهي لم تخلق نفسها ، بل خالقها بارئها ، وقد قال تعالى (بعضكم من بعض) ، وفي الحديث : "إنما النساء شقائق الرجال" ، ومثل هذا يقال في الصبيان فالله هو الذي خلق الإنسان من ضعف ، وجعل حياته مراحل يتنقل فيها من طفولة إلى صبا ، إلى شباب ، إلى كهولة ، فكيف يذم الصبي على صباه ولا كسب له فيه ؟
ومن المحدثين قال السيد رشيد رضا في تفسير المنار : السفهاء هنا المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ، ويسيئون التصرف بإنمائها وتثميرها .. وذكر اختلاف السلف في المراد بالسفهاء هنا ، ورجح ما اختاره ابن جرير : إنها عامة في كل سفيه من صغير وكبير وذكر وأنثى .
الدوحة - عبد الحكيم أحمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.