خذوا ما تريدون أعطوا الغزاة مقابر أهلي وزيدوا لهم حصة الميرمية واللوز والياسمين خذوا ما سيعطونكم من ملامحنا وملامحهم وأشكروهم وخلي خيالي بأكمله هادئ كالجنين خذوا نصف ضوء الصباح ونصف المتاح ونصف اليدين ونصف الشفاه ونصف الجنون ونصف الماذن ونصف الرصيف ونصف الرغيف ونصف عيون الكفيف هذه الكلمات هي للشاعر الفلسطيني المرهف والصوت الأدبي الدافئ مريد البرغوثي المولود سنة 1944 في قرية دير غسانة ، قضاء رام الله ، وزوج الناقدة المصرية المبدعة رضوى عاشور ، صاحبة " الطريق الى الخيمة الأخرى " و"الرحلة"و"سراج"و" غرناطة"و"أطياف" و"مريمة والرحيل". والشعر بالنسبة لمريد البرغوثي ليس مجرد عبارات ومفردات وجمال لغوي ، وأنما اكتشاف المدهش من المألوف والمباغت مما هو عادي في الحياة والشارع والرصيف. ومن يقرا قصائد مريد يجد أنها قصائد ايحائية شفافة وناعمة وذات بساطة محببة وايقاعات متعددة، ولغة سهلة تقترب من لغة الخطاب اليومي وفيها نبوءة وتأمل عميق ونسيج متداخل ووحدة بنائية ، وأمتزاج بين الفكر والأحساس ومرتبطة ارتباطاً عضوياً بالمكان والقضية الوطنية وتعبّر عن خلجاته واحساسه وتوجهاته ومنطلقاته الثقافية والسياسية والفكرية ، ونستشف فلسطين حاضرة فيها بلوعة وحزن وغضب. كتب البرغوثي الكثير من القصائد والأشعار ونشرها في الصحف والمجلات والأدبيات الثقافية وأصدرها في كتب ومجاميع شعرية ،منها: " طوفان واعادة تكوين" و"رنة الأبرة"و"لدت هناك،ولدت هنا"و "منتصف الطريق" وغير ذلك . وهذه الأشعار تحكي عن الأرض والوطن وعبق التاريخ والغربة والتشرد والمخيم وتصوّر الجرح والألم الفلسطيني والانتفاضة وحلم العودة وشوق الانسان الفلسطيني لمعانقة نور الشمس والخلاص الوطني وسواها من الموضوعات والأغراض الشعرية الوجدانية والوصفية المترعة بالخيالات والتأملات والامال المشرقة والحياة ، والملأى بالأبعاد الانسانية والقومية وبالتشبيهات والاستعارات الدينية والتاريخية والأسطورية والرموز المبتكرة والصور الشعرية المستحدثة. وبعفوية النثر ورهافة الشعر يكتب مريد البرغوثي رائعته " رأيت رام الله" ويوظف أساليب السيرة الذاتية والشهادة والقص وطرح الأسئلة التي لا تنتهي وتدور حور الغربة والوطن والمنفى الى أن يصل الى رام الله/ المكان الفلسطيني ،حيث يعيش لحظاته الأنفعالية بعد أكثر من ثلاثين عاماً مستحضراً الماضي الجميل في مخيلته وذاكرته الحيّة .. فيقول: "رام الله السرو والصنوبر ، أراجيح المهابط والمصاعد الجبلية، اخضرارها الذي يتحدث بعشرين لغة من لغات الجمال، مدارسنا الأولى حيث يرى كل طفل منا أن الأطفال الاخرين أكبر سناً وأكثر قوة ، دار المعلمات،الهاشمية، الفرندز، رام الله الثانوية نظراتنا الاثمة على أسراب بنات الأعدادية..مقاهينا الصغيرة ، المنارة". مريد البرغوثي المتألق بين ظلال الشعر والقابض على الجمر والرماد ، اقتحم بوابة الأدب بثقة وجرأة وامن بدور الكلمة في معارك الحضارة والثقافة والتنوير والتحرير والأستقلال . واكب الأحداث وتطوراتها وتفاعل مع هموم وقضايا الناس وتعمّد في عشق رام الله وأرصفتها، وغزل للوطن أحلى وأعذب كلمات وعبارات الحب ، وأعاد لفلسطين شموخها وكبريائها وأقسم بأن يمسك الجرح ويبشر بربيع يحمل دفء الشمس وأريج البرتقال والزعتر والميرامية ورائحة طابون الخبز وسنابل القمح ورمال الشاطئ على طول وامتداد الساحل الفلسطيني.