نقاش مفتوح مع الوزير مهدي بنسعيد في ضيافة مؤسسة الفقيه التطواني    التضخم: ارتفاع الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك بنسبة 0,9 في المائة خلال سنة 2024 (مندوبية)    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    توقعات طقس اليوم الأربعاء بالمملكة المغربية    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    "وزارة التعليم" تعلن تسوية بعض الوضعيات الإدارية والمالية للموظفين    مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    في ليلة كروية لا تُنسى.. برشلونة ينتزع فوزا دراميا من بنفيكا    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الأديبة السورية آداب عبد الهادي
نشر في طنجة الأدبية يوم 13 - 03 - 2008

الأديبة السورية آداب عبد الهادي اسم حاضر بقوة وجمال في المشهد الثقافي السوري، تكتب الرواية والدراسات والسيناريو، لها أكثر من مائة مقال متنوع بين البحث والدراسة والأسرة والمجتمع والأدب والفن منشورة في الصحف والمجلات السورية والعربية، وقد تم تكريمها مؤخرا من قبل الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب.
تعمل حاليا مدير التحرير، المدير التنفيذي لمجلة النقل ورئيسة قسم الثقافة والمجتمع في مجلة سوريا والعالم، وهي مؤسسة جريدة القرار السياسية الصادرة عن مؤسسة الرأي الآخر في قبرص. صدرت لها:
1 امرأة من خزف. رواية
2 مشبوه ممباسا. رواية
3 إبراهيم. رواية
4 قضايا خاصة بالمرأة. دراسات
أعمالها التلفزيونية:1 الشيطانة والبحر- مسلسل تاريخي 2 عناق الدم- مسلسل تاريخي 3 ليلة العرس- ثلاثية 4 فارس الأمل- مسلسل تاريخي5 حكايات بلون المطر- مسلسل كوميدي 6 شي بيجنن- مسلسل كوميدي.
التقينا بها في مبنى اتحاد الكتاب العرب بدمشق على هامش احتفال الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب بتوزيع شهادات التقدير على المكرمين السوريين، وكان لنا معا هذا الحوار الذي فتحت لنا فيه قلبها وتحدثت عن هموم إبداعية كثيرة.
بداية كيف جئت إلى عالم الإبداع، وإلى الرواية والسيناريو والدراسات، وكيف بدأت خطواتك الأولى في التكوّن.. وهل للشاعر والقاص إبراهيم عبد الهادي دور في ذلك؟
* أنا لم أكن بعيدة عن عالم الإبداع لآتي إليه، ربما لأنني ولدت في هذا العالم، ولدت لأجد أمامي الجرائد والمجلات والمؤلفات الضخمة وأمهات الكتب، وكبار الكتاب والشعراء والصحافيين والفنانين يترددون إلى بيتنا ويعقدون الندوات الأدبية وأنا محمولة على أكتافهم.
وكان والدي قد أخبرني أنه في يوم مولدي قال له أحد الأدباء ها قد أتت الآداب كلها إليك، حينها ابتسم والدي وقال وهي آداب وسيكون هذا اسمها، وبهذا الشكل يكون والدي وأصدقاؤه الكرام قد أوقعوني منذ اللحظة الأولى التي قدمت بها إلى هذا العالم في ورطة ستلازمني طيلة حياتي وهي ورطة كل كاتب وأديب.
طبعاً كانت الخطوة الأولى هي مرافقتي لوالدي الباحث والشاعر والصحافي إبراهيم عبد الهادي من سنوات حياتي المبكرة، خلال رفقتي معه كان يقرأ لي ما يكتب وأحياناً يطلب مني أنا أقرأ ما يكتبه قبل نشره، كما أنه طرح أمامي كل ما كتب من روايات في العالم العربي ونصف ما ترجم تقريباً خاصة ما ترجم عن الفرنسية والروسية.
ومن خلال عمل والدي بالبحث الأدبي أحببت البحث في التاريخ وقراءة التاريخ، وقبل ولعي بالتاريخ السياسي والاجتماعي أغرمت بتاريخ الأدب العربي وكنت مساعدة لوالدي أثناء إعداده لكتاب الآداب العربية في صحافة العرب، بعد ذلك تولدت لدي رغبة خاصة بالبحث عما أريده أنا وفي الاتجاه الذي أرغبه أنا، وربما كان ولعي في قراءة التاريخ السبب الأساسي لاتجاهي فيما بعد للدراما وكتابة المسلسلات التاريخية.
وأما عن الرواية فأعتقد من كثرة ما قرأت من الروايات العربية والأجنبية في صغري وجدت نفسي ودون أن أدري قد وقعت في هذا البحر، وكنت في الرابعة عشرة من عمري عندما كتبت أول رواية وعندما أقرأها الآن تنتابني نوبات شديدة من الضحك. وبالمناسبة هذه الرواية كانت سبباً في انتقائي من بين ثلاث شبيبيين لتمثيل محافظتي في دمشق وعلى إثرها أقمنا معسكراً أدبياً في مدينة الشباب حينها. يعني في مرحلة الشبيبة المدرسية.
هل هناك تطورات طرأت على الرواية السورية، وما هي... وأين أنت على خارطة الرواية السورية؟
* أولاً، أين أنا على خارطة الرواية السورية لا أستطيع أن أقول لك أنا أين، ربما أنت تستطيع أن تحدد ذلك وربما النقاد أو الكتاب الآخرون، لكن أنا لا أستطيع أن أحدد.
ثانياً، نعم هناك تطورات كثيرة طرأت على الرواية السورية لكن مع الأسف ليست كلها إيجابية.
الرواية السورية كانت في فترة الخمسينات والستينات والسبعينات متصدرة للرواية العربية ولا أبالغ عندما أقول أنجبت تلك الفترة كتاب رواية عظماء لا تقل أهمية ما قدموه من فن الرواية عما قدم في مصر والعالم وما تزال رواياتهم تتصدر المرتبة الأولى في الرواية السورية كروايات عبد السلام العجيلي وحنا مينة وفارس زرور وكوليت خوري وغادة السمان وألفة الأدلبي وقمر كيلاني وغيرهم، لكن مع الأسف بعد هذا الجيل تراجع الفن الروائي في سورية ورغم كثرة ما يطرح الآن من أعمال روائية إلا أنها ضعيفة وتحمل طابع السير الذاتية والتجارب الشخصية. طبعاً هناك استثناءات لكن ما نشاهده الآن على الساحة يؤكد أن الزمان الذي ذهب لم يعد بعد، وتلك الأعمال المقدمة من عباقرة القرن الماضي لم تتكرر، ربما لعدم تمكن الكثيرين من كتاب الرواية من فهم هذا الفن بشكل صحيح، وربما لأن البعض يكتب كنوع من أنواع الترف والفخفخة ليس إلا.
ما هي المهمة التي تقع على الروائي، الشاعر، الكاتب، السيناريست برأيك؟
* هؤلاء هم أصحاب رسالة وكل مبدع حقيقي صاحب رسالة، وبرأيي الرسالة الواجب إيصالها إلى المواطن من قبل هؤلاء هي التنمية، الإنسان بحاجة إلى تنمية بشرية دائمة، بحاجة إلى تحسينه، تحسين كيفي وليس تحسين كمي، مهمة هؤلاء تكوين الإنسان القوي السليم، صاحب الخلق القويم والرأي السديد، مهمتهم تكوين المواطن الصالح، المواطن الفرد الذي هو أساس المجتمع بصلاحه يصلح المجتمع وبترديه يتردى المجتمع، مهمة هؤلاء الرقي بالمجتمع ورفع شأنه، ولا يتم هذا إلا إذا كان هؤلاء المبدعون على درجة عالية من الخلق السليم والرأي السديد. ولا أعني بذلك أن يعمل الأدباء والمبدعون على الوعظ والإرشاد ويأخذون دور الوعاظ بل أعني أن يكون فقط على درجة عالية من الخلق، لأن ما يقدمونه من آداب يعكس دواخلهم، فإن كانوا قويمي النفس كان أدبهم قويماً، وإن كانوا أصحاب مبادئ تصل أصواتهم بشكل أسرع، لأن الأديب الحقيقي والأديب المتمكن من أدبه يتبين الطريق السليم في عمله ويراه بوضوح ويعمل على إيصال رسالته المراد، إيصالها إلى المتلقي ضمن قالب فني راقي وبتصوير ممتع أنيق يعكس بحق داخل هذا الأديب.
وأرجو ألا يفهم كلامي أنني أدعو إلى التزام في الأدب بل أدعو إلى الحرية الملتزمة التي تنتج أدبا رفيعاً يفيد الأمة وينفع أفراد المجتمع.
كيف تكتبين الرواية والسيناريو.. وهل لك أسلوب محدد تشتغلين عليه؟
* بالطبع لكل كاتب وأديب أسلوبه الخاص به والمختلف عن أي شخص آخر، فكما تختلف الميول والاتجاهات والأهواء تختلف أساليب الكتابة عند كل كاتب.
أنا عادة لا أبدأ بكتابة رواية، ولا سيناريو إلا بعد أن تعشش الفكرة بداخلي وتختمر ويكتمل العمل بوجداني ويصل إلى درجة يقلقني في نومي حينها أبدأ بصب ما بداخلي على الورق.
هل تعانين من رسم نهايات لأعمالك الروائية والتليفزيونية؟
* عادة لا أعاني لأني قبل أن أبدأ بالكتابة تكون النهاية موجودة بل العمل ككل موجود في ذهني لأني أخبرتك بالسؤال السابق أنني لا اكتب إلا بعد اختمار العمل في داخلي، وطبعاً هذا الأمر يحتاج للتفكير ليلاً ونهاراً كما أن التفكير بالعمل لا يقل أهمية عن بدء الكتابة به. النهايات تأتي بشكل تلقائي للمقدمات التي نأتي بها في العمل، والمقدمة الصحيحة تعطي نهاية مناسبة لها، لكن في بعض الأحيان قد يضطر الكاتب لتغيير نهايته لتتواءم بين الفرد والجماعة في المجتمع الذي سيقدم به هذا العمل أو ذاك.
الرواية كيف ترينها اليوم، وأين مكانها أمام هجوم الفنون الأخرى كالتلفاز مثلاً؟
* الرواية موجودة، وبقوة سيما الروايات القديمة لكتاب القرن الماضي سواء كانوا عرباً أو أجانب، والكثير من الروايات الأجنبية تتقاذفها الأيدي اليوم في العالم العربي وبكثرة، وهناك أسماء كثيرة في العالم ولامعة جداً يتسابق العامة ولا أبالغ إن قلت العامة لاقتناء رواياتهم بدءاً من همنغواي إلى ماركيز إلى تولستوي إلى أجاتا كريستي إلى ديكنز إلى فيكتور هيجو إلى إميل زولا إلى فرانسوا ساغان إلى جان دي موباسان، إلى الروائيين العرب والتي لا تغيب أعمالهم أبداً عن الساحة الثقافية العربية من نجيب محفوظ إلى صالح مرسي إلى يوسف السباعي إلى علي أحمد باكثير، إلى الروائيين السوريين إلى الكثير غيرهم، إضافة إلى الكتاب الجدد الذين برزت أعمال بعضهم في السنوات الأخيرة ولاقت رواجاً منقطع النظير ورواجاً لا يعني بالضرورة تميزاً ونجاحاً، ففي بعض الروايات يسعى الكاتب أو الكاتبة لخرق المحظور للفت الأنظار كالروايات الإباحية والتي تحمل أفكاراً جنسية أو دينية أو غير ذلك.
أقصد من كل هذا الكلام أن الرواية موجودة ولها مكانها بين الفنون ولا يمكن أن يلغي فناً فن آخر، فلكل نوع جمهوره ومحبيه ومتابعيه ونقاده، فلا التلفاز ولا غيره يؤثر على مكانة الرواية ولكل منهما طعمه الخاص وتذوقه عند الجمهور، وبالطبع تذوق العمل التليفزيوني يختلف عن تذوق النص الأصلي للعمل المكتوب. وقد لاحظت عند البعض أنهم يسعون لاقتناء وشراء الروايات بعد أن يشاهدونها على الشاشة الفضية، سواء مسلسل أو فيلم ومثال بسيط على ذلك لقد تضاعف بيع نسخ روايات نجيب محفوظ بعد تصوير أعماله التليفزيونية، وفي سوريا تم بيع عدد كبير من نسخ نهاية رجل شجاع للروائي السوري حنا مينة بعد عرضها على حلقات مسلسل، وربما بهذه الطريقة يكون التلفاز قد قدم خدمة للرواية، من هذه الناحية فالكثير من الناس يرغبون بقراءة النص الأصلي للعمل التلفزيوني.
أداة الكاتب هي الكلمة وهي وسيلة نحو الإبداع الأدبي.. كيف تفعل هذه الوسيلة فعلها في إبداعك، طبعاً هذا إلى جانب الأحاسيس والخيال والحرفة الأدبية؟
* الكلمة هي اللغة، واللغة هي أهم أداة من أدوات التعبير لأي مبدع مهما كان نوع إبداعه،
نجاح العمل الأدبي وفشله يعود إلى اللغة كما أن تباين مستوى الأعمال الأدبية الإبداعية المطروحة أمامنا يعود إلى اللغة وقدرة الأديب على استخدام الرمزية اللغوية وتوظيفها. كما أن فشل بعض الأعمال سببه افتقارها إلى التنوع الرمزي الضروري للتعبير عن المشاعر والجوانب المعرفية والانفعالية، وهذا التنوع يأتي فقط من التمكن باللغة الفصحى، بالنسبة لي أدقق جيداً في اختيار كلماتي وتوظيفها، وفي طريقة طرحها وتسلسلها. الكلمة هي التي تترجم الخيال، وهي الكاميرا التي تظهر الصورة للمشاهد، والمشاهد في النص الأدبي هو القارئ، وبالتالي إن لم يكن الكاتب متمكن من هذه الكلمة ويعرف أسرارها وخفاياها بالطبع لن يتمكن من الوصول، أحياناً أدع الكلمة جانباً وأقرأ ما تخفيه بين أحرفها وأنت تعلم أن الكلمة هي السر الخطير في اللغة العربية، مهما بلغت درجة الحساسية ومهما كان الخيال واسعاً إذا لم تتمكن من القبض على الكلمة بالشكل الصحيح فلن تستطيع أن تقدم صورة جميلة تسعد القارئ وتلبي تطلعه نحو كل جديد.
كمنتجة للنص الأدبي، هل لك غنى عن فعالية النقد سواء كانت مكتوبة أو مسموعة؟
* بالطبع لا.. ويسعدني النقد مهما كان سلباً أم إيجاباً.
في النقد هل يمكن قول الكلمة الأخيرة، أو إصدار الحكم النهائي على الرواية أو السيناريو أو أي جنس أدبي آخر وكيف يجب أن تكون العلاقة بين النقد والأدب؟
* المشكلة في النقد والنقاد عندنا أنهم ينقدون انطلاقا من منطلقين أحدهما التحامل والثاني المجاملة، ويؤسف أنهم لا يستطيعون الوقوف على الحياد حيال نقدهم لأي عمل كان. ومن المفروض ألا تكون الكلمة الأخيرة للنقاد سواء في الإعمال الأدبية أو حتى التليفزيونية، الكلمة الأولى والأخيرة للقارئ وللجمهور. أولا، إن القارئ يستطيع أن يصل برأيه السديد وبحصافته إلى التمييز بين العمل الجيد وبين العمل السيئ، والقارئ للرواية أو المشاهد للعمل التليفزيوني أصدق في نقده من الناقد المحترف أو الهاوي، لأن هذا القارئ أو ذاك المشاهد عندما يبدأ بالنقد ينقد من نفسه إلى نفسه، ولا يبغي من ذلك مصلحة أو ينتظر ثناء من أحد، أما الناقد ولأنه يكتب للآخرين وينقد من أجل الآخرين وله مصلحة بالطبع من خلاله نقده الذي ربما يساير جماعة ضد أخرى أو يعادي جماعة من أجل أخرى لقاء أجر معنوي أو مادي، وبالتالي فإن نقده ليس صحيحاً ورأيه ليس صائباً ولا يكون الناقد على درجة من الصدق إلا إذا ابتعد في نقده عن الأهواء والمحاباة، بالإضافة إلى إنه، أي الناقد، من المفروض أن يتمتع بثقافة عالية وإطلاع واسع يساعده في المقاربات التي يبتغيها جراء نقده.
ثانياً، لا يمكن للعمل الأدبي أو الدرامي أن يستغنى عن النقد بل إنه بحاجة إلى النقد لأن ليس كل قارئ ذا رأي سديد ولا كل مشاهد يتمتع بدرجة عالية من الوعي، وبالتالي يجب أن يكون هناك نقد ليعمل هذا النقد على تقويم الاعوجاج في حال حدوثه سواء على الصعيد الأدبي أو لدرامي، وهذا يقتضي أن يكون الناقد حاملاً لإيديولوجية معينة ينطلق منها في نقده وينظر إلى العمل الأدبي انطلاقا من هذه الإيديولوجية، وبناء عليها يقول كلمته الأخيرة التي تتوافق مع هذه الإيديولوجية أو تخالفها، وفي حال مخالفتها هذا أيضا لا يعني أن العمل رديء بل لم يتناسب مع انتمائه وكفى، أم أن يكون الناقد غير منتم فهذا يعني أن نقده الأدبي لن يكون مستقيما. أما عن علاقة الأدب بالنقد أرى أن النقد خادم للأدب.
دمشق عاصمة للثقافة العربية هذه السنة، وهي سنة الثقافة في سورية.. كيف تنظرين إلى هذه السنة وهل هذا المشروع الثقافي يعبر عن مستوى الثقافة العربية؟
* إعلان عاصمة للثقافة العربية في كل عام عادة اعتادتها جامعة الدول العربية، لكن مع الأسف غالباً ما يكون الأمر بعد الافتتاح سيان عند المسؤولين، بالطبع يوجهون ويعملون لإنجاح هذا الحدث العظيم لكننا لم نر تميزاً ثقافياً ملفتاً للنظر في أي عاصمة أعلنت في السنوات السابقة، ونأمل أن تكون هذه المرة على مستوى دمشق ومكانة دمشق الرفيعة المستوى، أن يكون هذا الحدث يليق بدمشق وموضعها في التاريخ البشري باعتبارها أول مدينة مأهولة في التاريخ وتملك من الآثار والأوابد الأثرية والتاريخية ما يجعلها عاصمة دائمة للثقافة العربية، لأنها تستحق هذا التكريم وتستحق أن تكون من أول العواصم التي أعلنت عاصمة للثقافة العربية، أنا آمل أن يكون هذا العام بحق عاماً للثقافة العربية وأن يرى المثقف العربي نفسه بحق في هذه التظاهرة الثقافية، وألا تقتصر هذه الاحتفالية على البعض، بل أن تكون عامة لها من سعة الصدر ما تحتوي كل المثقفين والمبدعين العرب أينما كانوا وأنى كانوا.
بالطبع هذا المشروع هام بل على درجة كبيرة من الأهمية، لكن قد نظلم أنفسنا إن قلنا إنها تعبر عن مستوى الثقافة العربية، لا.. لا تعبر، لأسباب كثيرة أهمها أن الكثير من المثقفين ما زالوا مغيبين أو غائبين عن المشهد الثقافي، ربما للإسفاف الحاصل في عالمنا العربي، كما أن اللقاء الثقافي العربي- العربي شبه معدوم، وفي مثل هذه الاحتفالية فرصة للقاء الأدباء العرب من كل الدول من خلال الوفود الثقافية القادمة، لكن ما نراه مع الأسف أن الكثير من الوفود القادمة لا علاقة لها بالثقافة بل أكثر ما في الأمر هو أنهم موظفون في وزارات الثقافة ويعتبر قدومهم ضمن الوفود للمصلحة المادية، وبهذا الشكل يصبح المثقف الحقيقي والأديب الحقيقي بعيدا عن الحدث. وبالمناسبة علمت أن السيدة الدكتورة حنان قصاب حسن الأمين العام للاحتفالية ورئيس مجلس الإدارة أكدت أن الاحتفالية ستركز على صورة دمشق، كما يجب أن تبدو كعاصمة للثقافة العربية والعالمية، وكما سيتم تقديم صورة أخرى للثقافة وعلاقتها بالمدينة، وقالت: إن المدينة بشوارعها وساحاتها ستتحول إلى مكان ثقافي بحيث يستطيع الإنسان العادي أن يرى نفسه داخل الفعالية وهو يسير في الشارع، وأضافت أن الأماكن العامة بما فيها المدارس والمستشفيات والأماكن المهجورة ستستمر في الفعاليات، كما أن الاحتفالية ستطول كل فئات المجتمع وستمتد الأنشطة لتطال محافظات ومدن بعيدة، وسيتم تأهيل الأماكن البديلة كالحدائق والمدارس والأماكن المهجورة لتقديم العروض المسرحية والمعارض والأمسيات الموسيقية، كما ستشارك في الاحتفالية جهات عربية وأجنبية. على كل حال نحن ما زلنا في البداية ونأمل الخير.
هل في حياتك الأدبية رائد ما.. هذا الرائد ليس بالضرورة أن يتجسد في إنسان ما قد يتجسد في فكرة أو هدف محدد؟
* نعم في حياتي الأدبية الرائد الإنسان والفكرة والهدف، الرائد الإنسان فهو الراحل والدي إبراهيم عبد الهادي وأستاذي المخرج السينمائي الكبير والسيناريست أحمد أبو سعدة، أما عن الفكرة فهناك الكثير من الأفكار وكل واحدة أعتبرها رائدة ولن أفصح عنها الآن، كما أن لي من الأهداف الكثير أهمها أن أتمكن من تقديم الأدب الداعي إلى القيم والأخلاق.
لو سمحت لي أستاذة آداب أن أذهب إلى الجانب الذاتي الآخر.. آداب الإنسانة طبعاً لا انفصام بينها وبين آداب المبدعة.. هذه الأسئلة: ماذا تحبين.. ماذا تكرهين.. مما تتألمين؟
* طبعا الإنسان كل متكامل فهو الإنسان ذاته المبدع، ما أحب.. الإنسان أحب ما لدي في الوجود، وصراخ المرأة بوجه زوجها وبكائها المستمر أكثر ما أكره، أما ما يؤلمني بحق فقداني لوالدي وحال أمتنا العربية المنكوبة من أقصى شرقها إلى أقصى غربها ودرجة الانحطاط التي وصلت إليها.
الروائية والناقدة وكاتبة السيناريو، والتي تلمع وتتوهج كمنارة في بحر المشهد الأدبي السوري، ابنة الشاعر والقاص الراحل إبراهيم عبد الهادي، لا شيء يبقى غير الكلمات، غير الإبداع.. ماذا تقولين في نهاية هذا الحوار؟ لك حرية الكلام؟
* أود أن أقول إن الأدب حاجة أساسية وضرورية للإنسان.
ولتلبية هذه الحاجة بالشكل الأمثل على الأديب الحقيقي أن يكون كما قال عنه عباس خضر في الآتي (الأديب الحقيقي إنسان مثقف يعطي من ثقافته في إنتاجه، فإن لم يشتمل النتاج على عطاء، ولم يضف إلى متلقيه شيئاً ولو كان هذا الشيء انطباعا حميداً فهو كلام فارغ لا يصح أن يسمى أدباً)
استمتعت بهذا الحوار وبأسئلتك الذكية والقوية، أشكرك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.