اجلس قليلاً، واعطني كفّك، سأقرأ لك الطالع.. لاتجزع قد تكون الحقيقة مرة، مرارة البعد عنك حينا، وحلاوة القرب إليك أحيانا.. لاتغضب إن فتحتُ صناديق ماضيك، وفتشت في أدراج أمسك.. فخطوط كفّك ثرثارة جداً، وذكية بشكل عجيب، تقول ولاتقول، تريد البوح وتخجل من ثقل الخطايا، خطايا!!! لاتعجب، فأنت تعرف كيف تلوذ بالحاضر من وجع الخطايا السالفات.. كفّك شاهد عدل على تاريخك الطويل مذ ولدتك أمك!؟ كفّك ستتلو عليَّ الحكايا، وتروي عنك مالم تقله الشفاه.. كم يد صافحت.. كم خصر لففت.. كم شفة داعبت.. كم رسالة عشق كتبت.. وكم خدٍّ صفعت؟؟ كم مرة سَنَدَت هذه الكف رأسك ندماً؟..كفّك الثرثارة ستقول، كم مرةً مسحتَ على رأسٍ حزين، ومشّطت شعر حبيبة، وكفكفت دموعَ يتيمةٍ، وكم مرة فتحت تلك الأصابع باب الحق كي تتغلغل الشمس في أعماق الظلمة السرمدية؟؟ كفّك ستقول الكثير، مما لم تقله أنت، لأنك كالعادة، تتجمل بألف كذبة وكذبة، واحدة بيضاء، وواحدة صفراء، وأخرى زرقاء! طريق طويل، يمر بين الإبهام والبنصر، طوله بطول المانش أو أطول، تسكن حوله مئات القصص وآلاف الحكايا التي تفوح منها روائح البخور والحنّاء والزعتر البري! اجلس قليلاً، ودعني أقرأ لك كفّك.. لاتضحك، لستُ عرافةً، ولم أرث عِلمَ التنجيم عن جدتي الغجريّة، ولم أتتلمذ على يد (كارمن شماس) أو (ماغي فرح).. صحيح إنني غجريّة.. لكنني لم أتعلّم فنَّ التنجيم، إلاّ من خطوط يديك، ومن بصمات أصابعك فوق مدارج يومياتنا وتفاصليلها الصغيرة! تعلّمتُ فنَّ التنجيم من خلال فكِّ رموز أسرارك العتيقة، وخفايا كتبك ودفاترك، ومن خلال قراءة تعابير وجهك التي تحاول رسمها بإرادتك، كيما تضلِّلني!؟ هل تعرف متى تعلّمت فنَّ التنجيم، وقراءة الطالع؟ تعلمتها، يوم اكتشافي أن الطيبة قبحٌ.. وأن الثقة المطلقة غباءٌ.. وأن العطاء داءٌ.. وأن الأنانية شعارٌ!؟ هات كفّك، واترك لي الحرية في فك طلاسمك، وطلاسم شياطينك الشقية.. هات كفّك، ودعني أفسِّر هسهسات خطاك فوق بلاط خيباتك وانكساراتك.. اجلس قليلا واعطني كفّك، وقل بإسم الله، كي تخرج من بين خطوطها وتعاريجها، كلُّ شياطين الأمس التي أرّقتك وأرّقتني.. أغمض عينيك، وهات كفّك، وردّد خلف قلبك: سأكون كما ينبغي أن أكون..