نُظم حفل تكريم للمخرج السينمائي الكبير مصطفى الدرقاوي بفضاء أطر حزب التقدم والاشتراكية مساء يوم 17 يونيه 2016 بسينما الريتز بالدارالبيضاء ، وبهذه المناسبة ألقى في حقه المخرج السينمائي إدريس اشويكة الكلمة التالية : - تذكرت أن مصطفى الدرقاوي كان أول منتج ومخرج سينمائي مغربي أهدى حقوق العرض الثقافي لمجموع أفلامه للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب. وأذكر أنني حين التقيته، بتفويض من المكتب الوطني للجامعة كمسئول على العاقات الخارجية، لأبلغه اقتراح تمكين الأندية السينمائية من حقوق عرض فيلم "عنوان مؤقت" (1984) مقابل مبلغ رمزي (2000 درهم)، وهو ما تسمح به ميزانية الجامعة البسيطة، رد علي بعفوية صارمة "شوف أمولاي ادريس (لا أدري لماذا أصر دائما على مناداتي هكذا إلى يومنا هذا؟) أنا أفلامي كلها عاطيها للأندية السينمائية بدون أي مقابل مادي لا رمزي ولا غيره ومن اليوم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها"... - ثم تذكرت ثاني لقاء بمصطفى الدرقاوي وكانت الفرصة التي مكنتني من معرفة مصطفى الدرقاوي الإنسان والفنان والمثقف المهووس بالسينما : تكلفت، صحبة الأستاذ محمد قاوتي، بإعداد ملف خاص بمصطفى الدرقاوي وعلاقته بالسينما لنشره ضمن العدد الثاني من مجلة "دراسات سينمائية" التي كانت تصدرها الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، وذلك بمناسبة خروج فيلمه "عنوان مؤقت" الذي اعتبره هواة السينما والنقاد من أحسن ما أنجز في تاريخ السينما بالمغرب إلى حدود 1984، والذي لا زلت شخصيا أعتبره من أجمل وأبدع الأفلام المغربية على الإطلاق إن لم يكن أجملها. فأجرينا سلسلة من اللقاءات والحوارات مع مصطفى الدرقاوي اكتشفت على إثرها أن وراء الهرم الكبير، قدوتي ومثلي الأعلى الذي أقدسه ولا زلت، يختبئ إنسان متواضع مسكون بالسينما إلى حد الهوس، لا يفارقه القلق والخوف كلما هم بإنجاز فيلم، من لحظة اختياره للفكرة إلى آخر لمسة مونطاج. اكتشفت أن مصطفى الدرقاوي من السينمائيين المغاربة القلائل الذين طرحوا على أنفسهم السؤال الوجودي والفلسفي للسينما، ولم يطرحه أحد بنفس الحدة والقناعة والصدق والهوس الذي طرحه بهم مصطفى. وهذا وحده دليل على أنه مبدع حقيقي... - من هنا تذكرت حادثا غريبا ومشئوما، كان له وقع الصاعقة في مسار مصطفى الدرقاوي وبقي راسخا في ذاكرتي : على إثر النجاح الجماهيري الكبير الذي عرفه فيلمه "الدارالبيضاء باي نايت"، تشجع وتحمس مصطفى وقرر إنجاز جزء ثاني بتمويل خاص دون انتظار دعم المركز السينمائي المغربي. فوظف كل مداخيل "الدارالبيضاء باي نايت" واقترض من البنك والعائلة والأصدقاء وأنجز "الدارالبيضاء داي لايت". وحين قدمه للجنة الدعم بعد الإنتاج، لكن اللجنة اتخذت آنذاك قرارا جائرا في حقه برفضها لدعمه ! نزل الخبر كالصاعقة على مصطفى الدرقاوي، أصابه بخيبة أمل كبيرة لازمته لعدة أسابيع تلتها الجلطة الدماغية التي أصابته وأقعدته إلى يومنا هذا !.. هكذا نجازي المبدعين الحقيقيين في هذا البلد... - وفي الأخير قدمت اقتراحا عمليا : منذ عشر سنوات حصل آخر مشروع فيلم لمصطفى الدرقاوي، "احميدة الجايح" على دعم من لجنة التسبيق على المداخيل ولم يستطع حتى الآن إنجاز هذا الفيلم نظرا لحالته الصحية أولا ولضعف الميزانية ثانيا. لذلك أقترح إنشاء مجموعة (collectif) مكونة من أصدقاء مصطفى الدرقاوي لدعم إنجاز هذا الفيلم ماديا وحرفيا... - وفي الأخير أود إضافة شيء لم أجرأ على قوله بحضور مصطفى الدرقاوي خوفا من جرح كرامته وأنا أعرف حسه المرهف وعزة نفسه: مصطفى الدرقاوي فنان مبدع أعطى الكثير للسينما والثقافة السينمائية في بلدنا ولم ينل إلا القليل. هذا واقع نعرفه جميعا. وليس لمصطفى الدرقاوي أي تقاعد ولا أي دخل قار وهو منذ الشلل الذي أصابه لا يعيش إلا من ما توفره له مجموعة صغيرة من أصدقاءه. لذلك ألتمس من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده وأبقاه راعيا للفن والفنانين في هذا البلد أن يخصص له منحة خاصة تمكنه من العيش بكرامة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.