تتكون المجموعة القصصية الموسومة ب«الجانب الآخر» للقاصة نوال الغنم من عشر قصص تتصادى وتتساوق، وتتماهى أحيانا، بالنظر إلى الموضوعات والقضايا التي قاربتها، تساوقا وتماهيا يجعلها كلها تبني المعنى وتنحشر في خانة النصوص القصصية التي تنهض على مفهوم الانعكاس ؛كما قال به جورج لوكاش،أي ما يجعلها منشدة إلى المعيش اليومي للناس، ناقلة همومهم وأحزانهم وآلامهم وآمالهم. والقاصة نوال الغنم إذ تنقل المعيش اليومي لشخصيات قد تكون حقيقية تشاركها الفضاء التداولي الذي تتحرك فيه، وقد تكون مفترضة متخيلة لكن لا تشتط عن تلك الحقيقية، لا تنقله نقلا تقريريا فجا يخل بتقنيات وقوانين العمل الأدبي، بل تنقله وهي بصيرة بالمسافات المعتبرة بين القصة بوصفها جنسا أدبيا مخصوصا، وبين أجناس أخرى يناسبها النقل والعرض التقريريان. ومن خلال فعل القص/الحكي اقتدرت القاصة أن تطرق موضوعات كثيرة تؤرق الذهنية الجمعية للمغاربة، عمدتها وتكأتها في ذلك لغتها البسيطة التي تنساب شاقة مجراها بهدوء وسلاسة كأنما هي جدول ماء لا يعري ولا يجرف، وإنما يتغيا الري والسقي المحصل للفائدة. وحتى لا يحمل أحد «توصيف البسيطة» على محمل قادح، نقول: إن البساطة هنا لا تعني الإسفاف والابتذال، وإنما تظل لغة القاصة في بساطتها جزلة موحية دالة، مكثفة ورامزة في غير تعمية ولا إغماض تضطلع بتبليغ رسائل شتى بألفاظ وعبارات معتادة ومتداولة وواضحة لكنها منظومة بإتقان. ولأجل الذي ذكرناه أعلاه آثرنا أن نجعل دراستنا منصرفة إلى المواضيع التي هيمنت في «الجانب الآخر» ومعرجة بين الفينة والأخرى على الطرائق والأساليب القصصية الفنية التي ارتضتها القاصة لنفسها مجلين بعض مظاهرها، ومحافظين في الآن نفسه على الترتيب التعاقبي الخطي للقصص كما هو في المجموعة. 1- الشكل في الجانب الآخر أ)- البناء القصصي والنهايات اللامتوقعة: تنصبغ معظم قصص المجموعة بالاجتباء الواعي لشخوصها من قبل الكاتبة؛ ففي «لوحة الغلاف» تسليط للضوء على الأنثى الحزينة المتألمة2، لكن المتمردة والتواقة المتشوفة إلى الحرية والانعتاق، وتضيق ذرعا بكل فرح موهوب لم تصنعه حتى وإن كان غامرا.فهي [أي الأنثى] بوصفها بطلة «لوحة الغلاف» المركزية، تريد لوحة تتضمن خطوطا متمردة غاضبة2 ترسمها وتخطها فرشاة ثائرة (ص.16) تتراقص على إيقاع دقات قلب الرسام الممسك بها كما لو أنها غجرية متمردة (ص.16). يبدو من خلال المعجم الموظف والدال على التمرد والغضب ونشدان التحرر، أن الكاتبة صوت إبداعي نسوي قوي غير مهادن ورافض لكل واقع يحبل بالأمراض الثقافية المرهصة باستصغار المرأة واحتقارها. ويرفد مقولات التمرد والغضب على المستوى الفني، بوصفها دعاوى لنا، إصرار بطلة «لوحة الغلاف» على الحزن، حتى عندما عادت إلى الرسام ووجدت لوحة أمامه تعبق ببعض الفرح الحائر، تمنت ألا تكون اللوحة لوحتها (ص.15)، ويرفدها أيضا تمرد القاصة على مستوى النهاية الخارقة؛ فالنهاية التي يفترض القارئ والساردة أنها حتمية وواقعة لا محالة3 تأتي مفارقة صادمة، إذ رسم الرسام لوحة فرحة، بل مفعمة بكل ألوان الفرح الممكنة!! وهنا نخالف الأستاذة القديرة أم سلمى الرأي في أن القاصة لم ترتد آفاق التجريب في قصصها، نعم لم تكن «مجربة» على مستوى اللعب بالزمن مثلا؛ استرجاعات واستباقات وطلائع زمنية، ولكن يجزيها التجريب على مستوى النهايات، وحسبها التمرد على المألوف والمعتاد فيها. وفي قصة «رنين الأجراس» تخرق النهاية أيضا أفق التوقع لدى القارئ؛ فالطفل وإن كان يعاني من عاهتين اثنتين هما الصمم والبكم، وما أدراك ما هما، لكنه بفعل التجريب في الحكي يتجاوز سنن الله في الخلق والطبيعة، وسنن العلم والطب ومسلمات أمه ومعرفته به، تقول القاصة نوال الغنم: «لكنه [ولكن حرف معنى فيه من الحجاج استدراكا وإضرابا وإبطالا ما يجب الذي قبله] كان يسمع رنين الأجراس!!»(ص.18). وتحوز شخصية الطفل الأصم الأبكم وضعا اعتباريا في هذه القصة؛ إذ هو المسحوب من يده بعد عصر كل يوم إلى بيت جارة أمه، وهو الذي يستحوذ على المحادثات بين أمه وجارتها فيبعث على الشكوى والبكاء، والتحسر الذي يجعل أمه تحدث نفسها برمة بوضعها ووضعه. وفي «قاعة الانتظار» والتي تلتقي مع نظيرتها «في انتظار غودو» على الأقل فيما يتصل بتقاطعهما في موضوعة الانتظار؛ فإذا كان انتظار غودو في مسرحية الكاتب الأيرلندي صمويل بيكيت waiting for godot عبثا حقيقيا، فإن انتظار المرأة وابنتها في قاعة انتظار المستشفى يكاد يقارب عبث من ينتظر غودو؛ فهو [أي انتظار بطلة القصة وابنتها المعتلة] يدور في حلقة مفرغة رتيبة مملة. ويبرز هذا بوضوح في المواعيد المضروبة من قبل الطبيب وملاقاتها للجالسات أنفسهن وتردادها للعبارة المسكوكة نفسها بشأنهن: «تبدو عليهن الطيبة» (ص.19، 21). ويجمل بنا هنا مرة أخرى أن نومئ إلى أن القصة احتفلت فيها القاصة بالمرأة ومشاكلها، كما لا يفوتنا أن نشير إلى أنها [أي القاصة] وظفت تقنية الحذف الزمني قبل أن تختم القصة؛ فبين اللحظة التي ضرب فيها الطبيب الموعد لأم المريضة ولحظة حلول الموعد المضروب مدة زمنية محذوفة4 تختزل أشياء وأحداثا كثيرة طمستها القاصة طمسا فنيا لتترك المجال للقارئ ليضطلع هو بردم هذه الفجوات الزمنية بما يشاء، وكيما يخمن ويؤول، ويذهب في تأويله كل مذهب يشده شدا إلى متابعة القصة والتشوف إلى نهايتها، النهاية التي فيها عود على بدء وتوحي برتابة قصة الأم، ويبدو أنها لن تمكن الأم وابنتها المريضة من ضالتهما وهي العلاج و التداوي بعزة وكرامة ودونما تمريغ للأنف في وحل القهر والضعة. وفي «موت الجد» وكما هو الشأن بالنسبة لقاعة الانتظار تحضر شخصية الطبيب؛ لكن تقدمه القاصة بوصفه النموذج المطلوب والخير المفارق لطبيب قصة «قاعة الانتظار»، الذي ديدنه استصغار زبنائه ونهرهم والصراخ في وجوههم بما يعمق جراحاتهم ويجعلها متأبية عن الاندمال، وبما يطيل أمراضهم، فطبيب «موت الجد» يؤدي عمله بضمير مهني عال، ويبشر الورثة، وفي سخرية ثاوية مبطنة، لا يدركها هذا الطبيب وإنما تدركها القاصة وعموم القراء، العادي منهم قبل الحصيف المتمرس، يبشرهم بأن ما انتاب الجد ليس سوى حالة طارئة، وهذه بنظرنا، نهاية أخرى مفاجئة لشخوص القصة الذين ميسمهم الطمع والجشع، الشيء الذي جعلهم بعد البشرى يتفرقون شغر بغر، ومفاجئة للقارئ الذي أيقن بموت الجد، أو كان قاب قوسين أو أدنى من ذلك من الإيقان، فإذا بالجد يعيش ويطيل أمد انتظار ورثته. أما في «الرحيل» فقد أنسنت القاصة قطع القصدير ودور الصفيح وجعلتها تتحرك وتستقر، وتثوي في هذه الأنسنة إحالة لطيفة عازبة إلى الذوات الفاعلة المركزية في نبات وتبرعم وتخلق دور الصفيح، إحالة تستلزم وتستتبع إحالة أخرى رديفة إلى ذوات أخرى تقاوم بلا هوادة الذوات المومأ إليها؛ إنها من خلعت عليهم الكاتبة توصيف «الكبار»، الذين لا يكادون يتقنون سوى وعود أحط من مواعيد عرقوب، ولا يتقنون إلا الوعيد البعيد عن أفعال البناء التي بمكنتها احتواء المشكل أو على الأقل التقليص منه بما يجعل أمر التعايش معه أمرا ممكنا. صراع هذه الذوات المرير والمستمر ،جعل ذوات الصفيح تنافح وتشيد قصديرها وبطريق الاتفاق والخطأ على ملعب من ملاعب الكولف «حيث ينبع الماء بسخاء، وحيث يباع بلا ثمن» (ص.26) كما تقول القاصة في سخرية مقصودة هادفة وبانية، سخرية أردفتها بمقاطع تبدأ كلها بحرف السين الذي يفيد الاستقبال غير المتحقق بعد، وصدرتها بحرف النفي «لن» الذي يفيد التأبيد قائلة: «لن يقفوا صفوفا أمام السقايات البعيدة، سيشربون حتى الارتواء، سيغسلون عنهم الصدأ والوحل، ستداعب أقدامهم الحافية أعشاب ناعمة خضراء» (ص.26). لكن الكاتبة وهي توظف حرف الاستقبال «السين» وحرف النفي «لن» تشير خلسة إلى تحقق هذه الآمال العراض وهذه الأمنيات على مستوى القصة، لا ينسفها بنظرنا عدا مخططات «الكبار» في الصباح الذين يفكرون في إعادة هؤلاء القصديريين إلى حيث كانوا في الأول؛ فنظافة ملاعب الكولف وبعدها عن هؤلاء الدهماء وبعدهم عنها بوصفها واجهة البلد المرموقة مقدمة على التفكير الجدي في نظافة الإنسان!! وأما «رحلة صيد» فقصة مرحة فيها احتفال بالطفولة ومراراتها الموهومة، وأجواء السعادة الحقيقية فيها، وفيها تحكي القاصة على لسان الولد الصغير الشاحب أمله في الخروج مع بعض أترابه وحتى من يكبرونه بعض الشيء سنا، وأمله كبير في الخروج من شرنقة وربقة الطفولة المستصغرة من قبل «ابن القايد السمين»، ولذلك احتال لنفسه ما وسعه الاحتيال، فاستطاع إقناع بعض عناصر الرحلة وتحدى «ابن القايد» الذي لم يقتنع والذي راهن أن الصغير «يخاف من منظر الدم» (ص.29)، وهو اصغر من أن يذبح حجلة (ص.30)، تحد ورهان استتبع هتاف الأطفال، بإيعاز من ابن القايد، الذي يلمز في شجاعة الطفل الصغير ويصفه ب«الخواف» (ص.31). ويبدو أن القاصة توفقت في رسم بورتريه ابن القايد المنسجم مع وضع ابيه المفترض والواقع؛ فهو وحده الآمر الناهي في جماعة الأطفال، والمعارض والذي يحل ويعقد. كسب ابن القايد كما كان متوقعا رهانه المرحلي، لكن وبحذف زمني ملحوظ أتى بعد أن خسر الطفل الرهان، وبدافعية داخلية منبعثة من نفس الطفل المنكسرة، اعتزم الطفل الشاحب كسر الصنم؛ صنم الأطفال الكاتم أنفاسهم والجاثم على طموحاتهم الصغيرة، فقرر ضربه بعصا أبيه، فضرب ضربته، لكنها أخطأت الصنم، وأصابت صغير خنزير بري في مقتل، فذعر السمين وأصيب بالهلع إلى الدرجة التي أحدث معها في سرواله، فتهاوى من عليائه الموهومة والهشة، وصار مثار تندر خول للصغير بنظرنا اعتلاءه قيادة جماعة الأطفال بجدارة واستحقاق. وتصطفي القاصة لحكايتها السابعة عنوانا دالا على التلون والتغير هو «الحرباء»، ولالتصاق هذا المخلوق بالتلون والتغير اختير رمزا وكناية في الثقافة الشعبية وحتى العالمة عن التحولات القدحية ذات الصلة بالإنسان العاقل. وتحضر الأنثى البكر والقلقة المتهيبة من شبح العنوسة بقوة، تدفعها أنثى أخرى تتقمص دور الدجال/المشعوذ إلى الاعتقاد في وصفاتها المنبتة الصلات مع العلم والعقل دفعا، يوهمنا بوصفنا قراء بالسير قدما صوب نهاية تمجد الدجل وتباركه، لكن القاصة تختار نهاية مفارقة تنتصر فيها لصوت العقل وتعقد فيها العزم على القطع مع الترهات والإقبال على الحياة. وفي «الدهس» يستحوذ مرؤوس إداري على القصة ويشكل محورها وقطب رحاها، مرؤوس يعاني من العلاقات الإدارية العمودية التي تدهسه وتهينه وتقهره بشكل يومي، مما ولد لديه الرغبة في التمرد والانتقام خارج عمله من جميع أنواع الأحذية الرامزة إلى حذاء رؤسائه في العمل وبشكل سادي تحصل معه النشوة بعذابات الآخرين. وقد استطاعت القاصة أن تخلق علاقات استبدالية بين كثير من الأحذية، علاقات مركبة متشابكة تعوزها القراءات المتكررة لاستكناه مغازيها البعيدة المتوارية. ويذكرنا الإيجاز الملحوظ في «في انتظار غودو» بالانتظار العبثي في رائعة صمويل بيكيت، لأن غودو المعدوم يرمز إلى القادم الذي لا يأتي أبدا، ولعل الكاتبة حين توجز تشير إشارة واضحة إلى مختلف انتظارات الناس المنطقية والمعقولة التي لم يتحقق منها شيء. أما «الجانب الآخر» الذي يغفله كثير من الناس أو لا يعيرونه كبير اهتمام، فقصة تحكي سيرة عامل مجد، يستقل حافلات النقل الحضري رفقة شخصيات شعبية، تحاذي بين مناكبها -ليس طلبا للأجر- وإنما إذعانا منها لواقع أكبر منها لا يرتفع. يتأخر هذا العامل بعض الشيء عن ميعاد الحافلة رقم 8 التي تعود أن يستقلها ، فيستقل الحافلة رقم 15 الشيء الذي جعله مع اشتداد الزحام يجلس في المقعد المقابل لمقعده المفضل على الجانب الآخر، ليكتشف بعد ذلك وعبر النافذة أن الطريق غير الطريق، وأن المعالم غير المعالم، وينبت النخيل بعد أن لم يكن، ليصرخ طالبا إيقاف الحافلة ومتشبثا بجانبه ومساره هو لا الجانب الآخر، صرخة تسكتها القاصة باحتراف حين أتاحت الفرصة ل«أولاد الحلال» ليتدخلوا ويقنعوا صاحبنا أن الوصول إلى المبتغى تتعدد مسالكه وليس دائما بواسطة مسلك معتاد. وهي النهاية التي لم يحزرها هذا العامل ولم يتنبأ بها. ونشير إلى أن في القصة إلغازا وإغماضا جميلا فيه من القرائن ما يتيح تأويله ويبعده عن التعمية الممجوجة المستقبحة. ب)- المضامين ورسائل القاصة: لاغرو أننا عرضنا بشكل من الأشكال إلى كثير من المضامين في المطلب الذي أردناه أن يتمحض للبناء القصصي ونهاياته اللامتوقعة، ونحن إذ نقر بهذا ونرفع الشك فيه وعنه، نوقن انه ليس بمقدورنا أن نستل هذا البناء القصصي ونجرده من مضامينه الكامنة فيه. لكن نعود إلى هذه المضامين عودا نرجو أن يكون محمودا لأجل استجلاء الخيوط الناظمة لها، وتبين رسائلها المعلنة والخفية والمرسل إليهم «الكبار». يبدو من خلال القراءة الأولى للمجموعة، أن قصصها ليست غريبة عن الشروط التداولية لمؤلفتها، فموضوعة الحزن والبؤس والشقاء الغالبة؛ إذ لا تخلو قصة من قصص المجموعة من حقل معجمي قوامه ألفاظ البكاء والحزن والنحيب والألم والدم والقهر والشكوى، لا شك تجد لها ما يسوغها في واقع القاصة وواقعنا المعيش، وسنكتفي بالإلماع إلى بعض هذه المسوغات الواقعية التي ظهرت وطفت على سطح قصص المجموعة على سبيل الاقتضاب والاختصار كالآتي: ♦ إن الواقع المأساوي والمرير لذوي الاحتياجات الخاصة وعلى اختلاف هذه الاحتياجات يغذي الألم والحزن ويوغرهما ويعدي عليهما، ولعل القاصة إذ تعرض لهذا الموضوع تدرك أسبابه ومثبطات التخفيف من حدته، فتعمل على تثوير أسئلتها وتوجيهها إلى مختلف الفاعلين المعنيين والجهات المسؤولة. ♦ إن قطاعا صحيا يسمه البعد عن تحقيق الاكتفاء الذي يستتبع الاكتظاظ في قاعات الانتظار، ويستتبع فشو ظاهرة الرشوة والمحسوبية ويجعل ديدن المريض الفقير فيه الدخول في دوامة المواعيد المتناسلة بما يطيل مرضه إن كان عضويا، ويتيح الفرصة لتخلق علل أخرى لا قبل له بها. كل هذا يجعل التأسي بالمنفلوطي والسير على نهجه في بكائياته أمرا منطقيا مقبولا. ♦ إن قصة «الحرباء» صرخة مدوية تستهدف لفت أنظار القراء إلى خطورة الاعتقاد في الدجل والشعوذة وممارستهما، كما تومئ إلى أنهما خطر ماحق يتهدد التنوع البيئي والبيولوجي بالمغرب. ♦إن في «الرحيل» غمزا ولمزا، مأجورا عليه، في جدوى ونجاعة سياسة الإسكان بالبلد، غمز ولمز تكرر في «الجانب الآخر» لكنه هذه المرة يتصل بقطاع النقل والمواصلات الذي يعرف مشاكل هيكلية لا حصر لها. وبعد، إن مجموعة «الجانب الآخر» صوت قوي يناضل من أجل الطبقات المسحوقة والمهمشة، و إنها لعمري وبفضل لغتها العذبة الرقراقة تثمر جوانب أخرى متعددة تتيح قراءات بشتى المناظير، وتفتح آفاقا كبرى للتأويل تحفز القارئ المؤول على ربط الصلة بواقعه بما يستنهض همته ويدفعها صوب الإصلاح والتغيير المنشود. الهوامش: 1- وسنرى في ما يستقبل من التحليل أن تيمات الحزن و الألم و البؤس والشقاء حاضرة بقوة في جميع قصص المجموعة. 2- الجانب الآخر (مجموعة قصصية)، نوال الغنم، مكتبة سلمى الثقافية،[ط.1]، 2012 م، ص.13، وسنحيل بعد هذا على جميع الصفحات المتعلقة بالمجموعة داخل المتن بين قوسين. 3- وهي أن يرسم لها الرسام بناء على رغبتها لوحة حزينة مأساوية. 4- وهو حذف زمني من غير أن توظف فيه العبارات الدالة عليه مثل: «وبعد أسبوع..»، «ومر شهر..» كما فعلت في قصة لوحة الغلاف حين قالت متحدثة عن عودة البطلة إلى الرسام: «عادت بعد مدة..» انظر الصفحة: 15.