أصبح فهد أطول من أمه بكثير، كصفصافة صغيرة، بمنكبين عريضين كبنّاء، ومؤخرة مسطحة، تتساوى مع ظهره و تسمح لسرواله الجينز بالهبوط حتى منتصفها، ليُظهر تبانه الملون المصنوع من قماش صيني رخيص، به رسومات باهتة لصور المانجا اليابانية؛ وله وجه مدور تغزو مساحته حبيبات صغيرة، وردية برؤوس صفراء، و نقاط سوداء على قممها، وأنف قصير أفطس، بثقبين واسعين كخنزير. يفضل أبوه أن يسميه الفهد، متعمدا اضافة ” الْ” ؛ كلما سأل عنه أمه، مشبها إياه بذلك الحيوان المرقط، الكسول، الذي يقضي يومه تحت ظل شجرة يحرك ذيله ، في انتظار أن تمر بجانبه غزالة أو جربوع . و كان هذا ينطبق أيضا على ابنه الذي كان يقضي وقته ممدودا في الصالة على “السداري” يداعب هاتفه الذكي ، ولا يتحرك إلا لفتح الثلاجة أو للذهاب إلى المرحاض. لم يصح هذا الصباح إلا بصعوبة شديدة ،إذ نسي ليلة أمس أن امتحانات البكالوريا ستجرى ابتداءً من هذا اليوم، ولم يفتح دفترا ولا “كحّل” بخطوطه، بل قضى الليلة في الواتساب مع المجموعة التي أسسها هو وبعض زملائه ، يتبادلون فيها الفيديوهات والنكات البذيئة طيلة الأسبوع ، ويناقشون الدوري الإسباني و الإيطالي و يعرجون سريعا على الفرنسي والإنجليزي، أما الدوري المغربي فلا يتحدثون عنه إلا من باب التنكيت . وما أن تأتي ليلة الخميس حتى يتقاسموا على نطاق واسع صور الأدعية و جمعة مباركة ومواعظ وحسنات ، وكأنهم ملائكة الرحمان. و لو لم تنزع عنه أمه الغطاء هذا الصباح ، كما ينزع الكفن على الميت ، لما تزحزح من مكانه قيد أنملة ولا انشغل بامتحانات. دخل الحمام ، يجرجر رجليه كمحكوم بالإعدام . فتح الصنبور و جمع كفيه كأنه يتهيأ للدعاء، أدخلهما إلى الحوض و ملأهما بالماء الساخن ثم مسح رأسه و فرك شعره بأصابعه، أخذ ربع حفنة من علبة ” الجال ” الذي يحول تسريحة الشعر إلى اسمنت (حسب الإشهار ) دهن شعره حتى تعسّل و أصبح طيعا قابلا لأخذ كل الأشكال ، صنع منه موزة كبيرة من بداية جبهته المسطحة إلى ظهر عنقه الغليظ ، ثم ابتسم لنفسه في المرآة وقال : – راك بوكوص لحقت به أمه تحثه على الإسراع ، و قالت له أن بإمكانه الفطور هذا الصباح – استثناءً – فقد استشار أباه إمام المسجد ليلة أمس بعد التراويح و شرّع هذا الأخير الفطور في فترة الامتحانات معللا أن الدين يسر وليس عسر ، بعد أن نفحه أبوه ورقة نقدية بلون القرفة . تثعلب الفهد بابتسامة خبيثة وهو يدخل الصالة ، ليجد أمه قد أفردت له المائدة بكل أنواع الطعام ، صب في جوفه كوبين كبيرين من الحليب بالشكولاتة و بغريرتين و ثلاث كعكعات و مَلْوِيَتَيْنِ محشوتين بالشحم والبصل، بقيتا على الطاولة من إفطار الأمس ، بدت له الملوية وهو يمضغها كقطعة بلاستيكية عسيرة على المضغ ولولا الشحمة التي دهنت بلعومه ورشفات متتاليات من حليب الشوكولاتة الساخن لوجد صعوبة في ابتلاعها ، كما تجد الأفعى صعوبة في ابتلاع قنفذ. رمق علبة سجائر والده فوق الطاولة الصغيرة في ركن من الصالة ، سرق منها ثلاث سجائر بحركة أسرع من “تيجيفي” ثم صعد إلى السطح ، دخن السيجارة الأولى بأنفاس متسارعة و أشعل السيجارة الثانية بما تبقى من الأولى و أحس برغبة كبيرة في الإفراغ ، دخل المرحاض وهو يدندن آخر أغنية ” لسعد لمجرد” ، وأمه لا زالت تتبعه كظله وتحثه على الاسراع . وصل متأخرا كعادته ، وجد اسمه مكتوبا بحروف بارزة على المقعد الأخير ، جلس وبدأ يحرك ركبتيه من تحت المقعد ، عله يطرد عنه التوتر ، و ما هي إلا دقائق حتى تم توزيع أوراق الامتحانات ، كانت الحصة مخصصة لمادة الفلسفة ، فتح الورقة وقرأ فيها : هل تشكل اللغة عائقا أمام الفكر ؟ كانت مصارينه تتحدث لغة غريبة ، وكأن مئات الأفاعي تتلوى في بطنه ، ومعدته لم تستسغ خليط الشحمة والشكولاتة ، استغرب كيف يطرح سؤالا كهذا في الساعة الأولى من الصباح ، نظر طويلا إلى السقف ، تذكر أن بجيبه سيجارة ، وهذه فرصته ليدخنها في المرحاض على غفلة من الجميع . كتب في عجالة من أمره : ليست اللغة هي التي تشكل عائقا أمام الفكر ، بل تناول الملوي المحشي بالشحمة والبصل في الفطور . ثم خرج يجرجر نعله البلاستيكي وأصبعه الكبير يطل كرأس سلحفاة من جوربه المثقوب .