على سقف قاعة درس بثانوية في ضواحي الدارالبيضاء بقع سوداء تتزايد بين حين وآخر، فحصت واحدة فإذا هي قماش أسود فيه حناء. حين سألتُ ما هذا، تلقيت جوابا موجزا "مخدرات". لم يكن الجواب الشفوي كافيا، لذلك طلبت ن التلاميذ في امتحان الإنشاء الكتابة عن أنواع المخدرات وأشكال استخدامها في الثانوية. حصلت على كنز ثمين في مائة وعشرين ورقة فذهبت ذات صباح إلى مقهى لتصحيحها. على جدار المقهى لافتة "ممنوع استعمال المخدرات". جلست أسفل اللافتة. في الجو دخان حشيش كثيف. على الطاولات قهوة سوداء وقطع حشيش أشبه بعنبر. كانت الجلسة صباحية بين أربعة حشاشين. وفي حواراتهم معجم ديني كثيف عن المعوذات وأذكار النوم... لا أصدق أذني. أتجنب أن ألتفت وأتابع تسجيل ما أسمع مع حذف ما لن يصدقه قارئي مثل الزعم أن الحشيش يجعل الله قريبا. وهذا ما قرأته عن بعض الصوفية وتأكد لي في المقهى. يحكي الحشاش خلفي نكتة عن زوج ذكي يسمّي عشيقته على هاتفه "بطارية ضعيفة"، وكلما رن الهاتف ظهر الاسم على شاشة الهاتف فتقوم الزوجة حسنة النية بشحن الهاتف بدل الرد على الاتصال... مع توالي النكات يستمر حرق قطع الحشيش فتصير دخانا وبذلك فإني أحشّش بحكم الظرف. هذه كلفة السوسيولوجي البصاص الملزم بالكتابة من عين المكان. وقد رأيت نادل المقهى الشاب يدخن الحشيش وهو مقرفص بين الكراسي ويطوي كفه على السيجارة الملغومة كي لا تظهر. وقد أحرجه أني أراقبه كلما أخذ نفسا. سجلت ما يكفي من الملاحظات وغادرت المكان قبل أن ينتقل دخان الحشيش من رئتي إلى عقلي فحروفي. يبدو أن صاحب المقهى كتب اللافتة لتقرأها الشرطة إنْ داهمت المكان. وبذلك فهو بريء. وحرصا على عقلي من تحذير المتنبي من كل مخدر يذهب بلب المرء وأدبه، جلست في مقهى له بهو في الهواء الطلق لأصحح أوراق الامتحان. إليكم النتيجة بعد غربلة وإعادة صياغة لأحكي لكم حكاية الحشيش. "المخدرات مواد عشبية وكيماوية"، هذا هو التعريف. أما عن المراحل فيبدأ تعاطي المخدرات في مرحاض الذكور بالثانوية، بالتدخين بفخر مع المص بالفم وترك الدخان يخرج تدريجيا من الأنف، هذه سيجارة إعلان الرجولة والبطولة. يحصل هذا في سن الخامسة عشرة. ثم يقرر البطل أن يذوق حشيشا في فترات متباعدة تتقارب تدريجيا. ومع كل تعاطٍ تزيد كمية الجرعة لتكون مؤثرة. وبعد وقت يصير مدمنا وتمتص المخدرات كل نقوده، وقد يسرق من أهله ليشتري وغالبا يترك الدراسة ويقع في ذلّ الإدمان. هذا هو ملخص القصة كما كتبت في أوراق التلامذة، من مقدمة وعقدة ونهاية تراجيدية. والآن إلى التفاصيل: في المخدرات هناك ما يشم وما يمص وما يدخن وما يؤكل وما يشرب وما يحقن. هذه ست طرق بينما حواس الإنسان خمس. في باب المص هناك "الكالة" وهي وضع مسحوق التبغ الأسود في منديل صغير ووضعه تحت الشفة السفلى. ومن فوائدها الفورية تشتيت الانتباه وتبديد قدرة استيعاب الدروس. ومن أضرارها اسوداد ثم هشاشة الأسنان. وهي تمنح لمستخدمها ميزة بصرية، فلون شفتيه غير موحد، السفلى سمراء والعليا بيضاء. ثمن "الكالة" رخيص، أقل من دولار، ويسهل الحصول عليها. وحين ينتهي منها المستخدم يسدد على سقف الفصل فتلصق هناك نقط سوداء فوق رأس الأستاذ. ومما يشم ويشفط "النفحة". وهي رسم خط مستقيم من مسحوق التبغ الأسود على ظهر الكف ثم يستنشق عبر الأنف ليصل الرئة ويكون رد فعلها عطاس شديد. وهذا يحصل للمبتدئ. والنفحة مسكّن. وكان المتصوفة يستخدمونها بكثرة. ومما يشم أيضا الدوليو (مادة تضاف للصباغة) و السيليسيون (مادة للصق الكاوتشوك) يوضع في كيس بلاستيكي ويتنفس فيه المستهلك استنشاقا وزفيرا... تزعزع رائحة سيليسيون والدوليو العقل تماما عن طريق الأنف. في الكثير من جملي التوضيحية قبس من أسلوب القذافي الذي يكتب على قنينة ماء "تشرب" حتى لا تؤكل. ومما يشرب "القرقوبي" وهي حبوب هلوسة حمراء. من فوائدها المطلوبة زيادة شجاعة المستهلك فيظهر له الأسد قطا أليفا. ينعدم لديه الإحساس الجلدي. حتى أن المستهلك يمزق جلده بسكين دون ألم حينها... أخذت هذه المعلومات المسلحة بعين الاعتبار لحظة وضعي لعلامات (نقاط) بعض التلاميذ. ومن أضرار القرقوبي حمرة العين وتقلص حجم الجسم (باستثناء الأذنين) والفوضى داخل الفصول الدراسية وتحصيل علامات غير مستحقة. ومما يحقن مواد مخدرة عبر الوريد، يلقح مستخدمها نفسه ضد العقل. يخدر دماغه ليتصرف بشكل غريب. معلومات التلميذ في هذا الباب فقيرة لأن ثمن الحقن عال وهي حكر على أولاد الأغنياء... ومما يؤكل "المعجون" وهو خليط من مسحوق الحشيش مع الدقيق واللوز والشوكولاتة. يستخدم كثيرا في رمضان بدل الخمر لأن الله لم يحرم الحشيش نصّيا. ومن فوائد المعجون الفورية أنه يؤثر على خلايا العين فتتغير أحجام الأشياء التي يراها آكله، فيرى أن السقف يكاد يسقط على رأسه، يرى الوجوه قريبة ضخمة جدا كأنه يصور بزوم رقم ثمانية عشر. المعجون هو المادة الوحيدة التي تعطل السمع الذي يعمل عادة أربعا وعشرين ساعة. يشعر مستهلك المعجون كأنه في قاع بئر وتأتيه الأصوات من بعيد... الفائدة الكبرى للمعجون هي نوبات فرح وضحك منفلت... المعجون علاج فوري لهموم الشباب التعيس، وهو الباب الأول للفتيات لدخول عالم المخدرات. وله الأولوية لأنه بلا رائحة بخلاف الخمر والسجائر. لا يكتشفه الأهل. ومما يدخن، وهو سيد المجال، "الحشيش" - وهو زهرة القنب الهندي المغربي أبا عن جد - المحروق والمخلوط بالتبغ الأصفر. وحسب العارفين - وهنا جواب التلاميذ موسوعي بسبب كثرة المستخدمين في الشوارع والبيوت - يقال والله أعلم إن الحشيش منبه، وبفضله يزعم المغاربة أنهم أذكى شعب في العالم. يزعم الحشاشون أن الحشيش يساعد على التركيز والتفكير أحادي الاتجاه. بعد قطعة جيدة يرى الحشاش اللون الذي يحبه يسيطر على العالم ويقوم بجولة حول العالم في ثمانين ثانية. يسمو عن نفسه... الحشيش أيضا سامي، لا ينبت إلا على ارتفاع ألف متر من سطح البحر. أنهيت تصحيح الامتحان، حصل التلاميذ المطلعون على أعلى النقاط لأنهم يصفون الحشيش بالمعايشة. أما التلميذات المجتهدات فيتحدثن عن الموضوع على السماع. ومن سمع ليس كمن شمّ. سأعدّل مزاج النقاط لاحقا. أنا أيضا مستمع. لذا عرضت ما سبق من معارف على جليسي في المقهى وهو حشاش عتيق مثقف. حذفتُ ما اعترض عليه، وما بقي بصم عليه بالعشرة. تحدثنا في السياسة سنة وشيعة وأمازيغ وأكرادا... اتضح أنه مطلع ومعجب بالقذافي لأنه توقع كل ما يجري الآن بين المحيط والخليج. لجليسي وجهات نظر مُحششة عنيدة ذات اتجاه واحد وبعد واحد، مطلقة لا يتسرب لها الشك وهذا يدهشني أنا الغارق في النسبي... بعد لحظة صمت طويلة دخل جليسي في مرافعة قوية عن الحشيش، قال: الخطير ليس أربع قطع حشيش يوميا بل أربعون سيجارة يوميا. التبغ أكثر أذى من الحشيش. في التبغ آلاف المواد السامة. الحشيش مخدر لين والحمد لله. الحشيش أقل ضررا من الطائفية. محمد بنعزيز