«نترة واشمن نترة هادي»، قالت ياسمينة وهي تنفث دخان لفافة الحشيش رفقة زملائها في الدراسة ... مشهد تدخين واستهلاك التلاميذ للمخدرات أمام أبواب المؤسسات التعليمية أصبح يؤثث فضاءها، خاصة مع انتشار شبكات تنشط أمام المدارس، بعد انتهاء ساعات الدوام المدرسي لإعطاء دروس للتلاميذ، حول كيفية استهلاك المخدرات ولف السيجارة واستهلاكها وكيف يحسون ب«النشوة» وينسون المشاكل التي تعترضهم. تحت إحدى الأشجار جلست ياسمينة تعد لفافة الحشيش رفقة أصدقائها التلاميذ من الذكور. ودون حرج من المارة، أخذت هذه التلميذة بثانوية «عمر الخيام» بالرباط تنفث سيجارتها في الهواء وهي تطلق العنان لقهقهاتها: «نترة واشمن نترة هادي»، قالت ياسمينة لصديقها منتشية بلفافة الحشيش التي كانت تداعبها بين أصابعها الصغيرة، قبل أن تردف قائلة «الله على راحة الله، إيوا كيجيتك في البريم». ياسمينة (16 سنة)، أدمنت على تدخين الحشيش منذ أكثر من سنتين ولا يزعجها أن ينظر إليها الناس على أنها مدمنة مخدرات «حتى عندما أكون في المنزل أدخن السجائر، خاصة في غياب والدتي عن البيت»، تقول ياسمينة، التي استغلت انفصال والديها منذ أكثر من 10 سنوات. فوالد ياسمينة بعد انفصاله عن الأم هَاجر إلى خارج الوطن وقام بتكوين عائلة جديدة، في حين ظلت هي وحيدة أمها المدللة ولا ترى والدها إلا في فترات متباعدة. تحكي ياسمينة وهي تتذكر قصتها مع التدخين: «عندما شكت والدتي بعد سنة تقريبا بأني أدخن قامت بضربي، لكنها رضخت في النهاية للواقع». لكن والدة ياسمينة -الطبيبة- لا تعلم بأن ابنتها المدللة تقوم أيضا بتدخين الحشيش، «تعتقد أمي بأني أدخن السجائر فقط»، تقول ياسمينة وأسارير وجهها تتبسم وكأنها حققت إنجازا عظيما، قبل أن تستدرك حديثها وهي تطقطق أصابع يديها «والدي أيضا كان يدخن ويشرب الخمر في المنزل، وعلاش أنا لا». هربت من حب المراهقين إلى عالم السجائر هذه المراهقة تحاول أن تجد أسبابا لتقنع نفسها بأن قرار التدخين الذي اتخذته أمر صائب، وتقول وهي تسرد تلك الأسباب: «عندما أدخن لفافة الحشيش أحس بأن مستوى إدراكي للدروس يتضاعف»، فتراها تدافع باستماتة عن التدخين، خاصة الحشيش الذي أصبحت من المدمنين عليه. ياسمينة اختارت ظل الأشجار من أجل تدخين لفافة الحشيش المفضلة عندها، لكن صابرين ابنة ال17ربيعا - من أجل أن تدخن سيجارتها - اعتادت أن تجلس قرب إحدى الفيلات المتواجدة بجانب ثانوية «دار السلام» التي تدرس بها منذ سنة. تستغل صابرين، التي يرافقها الفشل والتعثر الدراسي في حياتها منذ سنوات، فترات الاستراحة لكي تنفرد رفقة زميلات لها قرب الفيلات المتواجدة بجانب الثانوية لتدخين بضع لفافات من السجائر أمريكية الصنع، «ما إن يرن جرس المغادرة حتى ينتابني شعور غريب، أحس بأنني تحررت وسوف يسمح لي أخيرا بأن أعانق عالمي المفضل»، تقول صابرين وهي تحمل سيجارتها. تحكي صابرين وهي تتذكر تجربتها مع أول سيجارة وتقول: «كنت أعيش حالة نفسية سيئة بعدما انفصلت عن حبيبي فاستهوتني تجربة السيجارة التي كانت شقيقة صديقتي الكبرى تدخنها». قررت صابرين، التي تعلو الزرقة شفتيها، أن تجرب مذاق أول سيجارة وعمرها آنذاك 14 سنة، من أجل الخروج من تجربة حب المراهقين. «ذَهَبتُ إلى بائع التبغ واشتريت علبة السجائر»، تقول صابرين التي أردفت قائلة: «بعد أول رشفة أحسست بأن هَمًّا كبيرا انزاح عن قلبي». ومنذ ذلك الحين وصابرين تدخن على الأقل 8 سجائر في اليوم، خاصة أن ثانوية دار السلام معروف عنها انتشار أكشاك السجائر وصالات اللعب التي تعد مكانا آمنا لاختباء هؤلاء التلاميذ عن أعين الرقيب والحسيب. السيجارة الأولى... من الأب إلى الابن ياسمين وصابرين وتلاميذ آخرون دخلوا عالم التدخين في سنوات صغيرة. خليل (17سنة) يدرس بثانوية «دار السلام»، واحد من هؤلاء التلاميذ، يتذكر تجربته الأولى مع التدخين والتي تعود إلى السنة الأولى إعدادي، «كان والدي من المدخنين فكنت أحاول تقليده»، يقول خليل، الذي كان يسرق علب السجائر من المنزل أو من سيارة والده ويدخنها رفقة أصدقائه، «كنت أريد أن أشعر بأني أصبحت شخصا كبيرا»، يضيف خليل وهو يتذكر قصته مع المخدرات. تجربة تدخين السجائر أمريكية الصنع ستكون بداية هذا التلميذ، الذي يدرس بالسنة الثانية ثانوي، مع عالم المخدرات، فمن السجائر سينتقل هذا التلميذ إلى استخدام مخدرات أخرى ليثبت لنفسه أنه أصبح بالفعل شخصا راشدا. من تعاطي «السيليسيون» إلى الحشيش، إلى المعجون، سينغمس هذا التلميذ في عالم المخدرات، «كنجلسوا في الكولفازورات للي حدا ليسي وكنكميو لحشيش»، يقول خليل، قبل أن يشير إلى أن ثانوية «دار السلام»، حيث يدرس محاطة بسياج من صالات اللعب، حيث يستطيع التلاميذ، الذين يعتبرون زبناء هذه الأماكن، استخدام المخدرات دون الخوف من أن يكتشفهم أولياء أمورهم. تأثير المخدرات على صحة خليل-الذي أصبح ضعيف البنية والزرقة تعلو وجهه- سيكون له انعكاس على تحصيله الدراسي الذي بدأ يتعثر فيه منذ دخل عالم المخدرات. «كنت من المتفوقين في الدراسة، لكني بدأت أتعثر في التحصيل إلى أن وصلت إلى السنة الأولى ثانوي، حيث رسبت». 10 دراهم من الحشيش الذي يتم جلبه من جبل الرايسي تكون كافية ليدخن هؤلاء المراهقون ما بين أربع إلى خمس لفافات حشيش، «كنقول للبزناز عطني ميلا هي 10 دراهم من الحشيش»، يقول خليل، الذي بدأ بسرد المصطلحات الغريبة التي يستخدمها التلاميذ فيما بينهم للحديث عن المخدرات. الحشيش والقنب الهندي لتلاميذ البعثة الفرنسية أصبح تركيز هذا التلميذ على استهلاك المخدرات بجميع أنواعها، وفي كل مرة يحاول استخدام مخدر جديد، «الكوكايين هو المخدر الوحيد الذي لم أستهلكه»، يقول خليل، قبل أن يردف موضحا سبب عدم استهلاكه له، فارتفاع ثمن الكوكايين سيكون سببا لاكتشاف أمره من طرف والديه، «ما بغيتش يقطعو علي لفلوس إيلا عاقو بي». لكن تلاميذ البعثة الفرنسية يقبلون على نوعية معينة من المخدرات. ياسر تلميذ بثانوية «ديكارت» بالرباط، يقول إن المعجون و«الكولا» منتشرين في صفوف تلاميذ ليسي «ديكارت»، «التلاميذ يدخنون الحشيش والقنب الهندي أو حتى الكوكايين، كل حسب إمكانياته المادية». يقول ياسر بلغة موليير: «أغلب التلاميذ من المدخنين، فلا يمكن أن تشكل الاستثناء»، يضيف ياسر. أما شرب الكحول فهو أمر عادي في صفوف أغلب تلاميذ البعثة الفرنسية. منظر تلاميذ هذه المؤسسة، إناثا وذكورا، وهم يدخنون، أصبح أمرا مألوفا، خاصة في المقاهي المجاورة لهذه المؤسسة التربوية. أما تجار هذه المخدرات فهم مشهورون في صفوف هؤلاء التلاميذ. «عطلة نهاية الأسبوع تكون فرصة لاستهلاك هؤلاء التلاميذ للمخدرات والترويح عن النفس»، يقول ياسر. شبكات لترويج التدخين دخل خليل وياسر إلى عالم الكبار كما كانا يريدان من خلال التدخين، خليل حاول تقليد والده في صيف السنة الأولى إعدادي، معتقدا بأن تدخين السجائر كفيل بأن يحقق له حلمه بأن يصبح شخصا ناضجا، وياسر لم يرد أن يشكل الاستثناء، لكن التلميذ أمين، وفي سن صغيرة جدا، سيسحر بهذا العالم، الذي، كما يقال الداخل إليه مفقود والراجع منه مولود. أمين دخن أول سيجارة وعمره 12 سنة. «بغيت نجرب، المرة الأولى عادي والثانية عادي، لكن من بعد إيلا مكميتش عيني كيبقاو مسدودين»، يقول أمين وهو يتحدث عن إدمانه للتدخين. في مدينة سلاالجديدة، كما يقول أمين، تنتشر شبكات مختصة في ترويج المخدرات في صفوف التلاميذ، وقد كانت هذه الشبكات وسيلة أمين لتدخين أول سيجارة وهو في الصف السادس من التعليم الابتدائي، «كنت أصادف مجموعة من الأشخاص لا يدرسون بالمدرسة وهم من علموني التدخين»، يقول أمين. هذا الطفل وقع ضحية هذه الشبكة التي تنشط أمام المدارس، خاصة بعد انتهاء ساعات الدوام المدرسي. مروجو المخدرات ابتكروا وسيلة جديدة لترويج بضاعتهم، عبر تجنيد «مساعديهم» لإعطاء دروس للتلاميذ حول كيفية استهلاك المخدرات. شبان من كلا الجنسين لا علاقة لهم بالدراسة، ينشطون أمام المؤسسة التي يدرس بها أمين، يترصدون التلاميذ، سواء عند التحاقهم بالمؤسسة أو أثناء خروجهم منها، ليقدموا لهم شروحات حول كيفية لف السيجارة واستهلاكها وكيف يحسون ب«النشوة» وينسون المشاكل التي تعترضهم. يحكي أمين وهو يتذكر المرة الأولى التي سيدخن فيها مع «أصدقاء السوء»: «لقد قدموا لي كل شيء بدون مقابل، لأضطر في وقت لاحق إلى شراء السجائر والحشيش». من مرحلة النشوة تحول أمين- الذي يحمل ندوبا في يديه- إلى مرحلة الإدمان، «عندما لا أجد المال لكي أشتري به المخدرات، أسرق أي شيء من المنزل»، يقول أمين. هذا التلميذ الذي يدرس الآن في السنة الأولى إعدادي، أصبح يفكر جيدا في مغادرة حجرات الدراسة بسبب إدمانه، «أريد أن أعمل لأوفر احتياجاتي»، يقول أمين، قبل أن يردف بحنق وحرقة: «لقد هددتني أسرتي وخيرتني بين الدراسة أو مغادرة المنزل». الشيشة ودعارة المراهقات الشبكات التي أصبحت تترصد التلاميذ أمام أبواب المؤسسات التعليمية لا تشجع التلاميذ على التدخين فقط، وإنما تخصص بعضها في تشجيع المراهقات على الدعارة. فتيات في عمر الزهور يجلسن في المقاهي المخصصة للشيشة رفقة أشخاص يكبروهن سنا ويبدأن في شربها، خاصة بنكهة التفاح، التي تلقى إقبالا في صفوف الفتيات. «التلميذات اللواتي يدخن الشيشة موجودات عطاهم الله»، يقول خليل، وهو يتحدث عن انتشار الشيشة في صفوف التلميذات، قبل أن يردف: «هادوك راهم ديال لقصاير». سناء إحدى التلميذات التي انساقت وراء هذا العالم، مراهقة تنحدر من مدينة سلا، بدأت تدخين الشيشة منذ أربع سنوات، فكانت بداية قصة عشقها لهذا المخدر القادم من الشرق. تحكي وهي تتذكر أن الوقت تزامن مع عطلة مدرسية حين قررت رفقة إحدى صديقاتها، التي لا تشاركها حجرات الدراسة، الجلوس في إحدى المقاهي. تزينت هذه التلميذة وذهبت لرؤية صديقتها، التي أخبرتها بأنها تعرف مقهى أكثر من رائع يوجد به الخليجيون ويكونون جد أسخياء. وعن أول يوم دخنت فيه سناء الشيشة، قالت: «كان الفضول وراء تدخيني». شعرت حينها هذه المراهقة بالغثيان وكاد أن يغمى عليها، لكن حب المعرفة دفعها إلى التجربة مرات عدة إلى أن اعتادت عليها، وأخذت تذهب رفقة صديقاتها إلى ذلك المقهى المتواجد بحي أكدال من أجل تدخينها خلسة عن عائلتها. وفي أحد الأيام سيقترب منهما شخص خليجي ويتحدث معهما وسيدعوهما إلى تناول العشاء: «لم أعد للمنزل بعدما أعلمت أهلي بأني سأبيت عند صديقتي». سيغير ذلك اليوم حياة سناء، التي لم تعد تواظب على الدراسة، بل أصبحت تذهب إلى مقاهي الشيشة بحثا عن زبون خليجي.