فصول "واقعة قميص بَركان" دَسِمَةٌ بتفاصيلها، برسائلها، بأصلها وبمُؤدَّاها... كانت ستكون مُجرَّد مباراة في كرة القدم ضمن دوري إفريقي، مساء الأحد 21 أبريل الجاري، ويُعلَن في إيّابها عن المُؤَهّل، من بين فريقي نهضة بَركان المغربي واتحاد العاصمة الجزائري، إلى المرحلة النهائية من الدوري...كانت... سلطات الجزائر أخرجتها من سياقها الرياضي ورَمت بها إلى الوَغى السياسي الذي تفتعله ضِدَ المغرب... "نهضة بَركان" شهد لها الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف) بأنها لعبت، بقميصها الذي تُزَيِّنُه خارطة المغرب، لأزيد من ثلاث سنوات، وضمن منافسات إفريقية، وكانت ستلعب المباراة في الجزائر العاصمة، بنفس القميص، الذي يَرتاح فيه الفريق وأجازه الكاف... سُلطات الجزائر حقنت المباراة بجُرعات من سُمِّ عداوَتها للْمغرب، استَلَّت الروح الرياضية من التنافس الرياضي، ولغَّمت نطاقه بقرصنة سياسية "لقميص بَركان"، ثم فجّرت المباراة... "فريق نهضة بَركان" وَجَدَ نفسه، منذ أن حلَّ بالجزائر العاصمة في بيئة بأنْياب عداوة نافِرَة ضدَّ المغرب... بدأ نفْثُ شُحنات العداوة برفض وصول الفريق المغربي إلى العاصمة عبر طائرة الخطوط الملكية المغربية... نقلته طائرة إسبانية اسْتَأجرها للذهاب إلى بلد جار، مغاربي، عربي، إفريقي، إسلامي ومتوسطي... من بَركان... المدينة التي آوت قيادات جبهة التحرير الوطني الجزائرية، نهاية خمسينيات، وبداية ستينيات القرن الماضي، باعتبارها القاعدة الخلفية المُساندة والفاعلة في الكفاح التحرري الجزائري... من المدينة التي احتضنت هواري بومدين، وقد تبنته أخًا، إلى المطار المُسمَّى به، والذي "اسْتُقبل" فيه الفريق المغربي، غريبًا وعدُوًّا... لأن قيادة الجزائر، أصلاً، تنكَّرت لتاريخ الكفاح التحرُّري المغربي-الجزائري، والمغاربي المشترك، وهي اليوم، في أعْلى دَرَجات غلَيان حقدها على المغرب وحماسها للقطائع المُمْكِنة وغير المُمْكِنة معه... وما غضبُها من "قميص بَركان" سوى فرعٌ من أصل عُدْواني، أقرب إلى حِسٍّ غريزي لِلَفيفٍ حاكمٍ منْهُ إلى سياسة دولة، بمُقوِّمات حساب ردود أفعالها وتوَجُّهاتها وإخْضاعاتها للْقياس "العقلاني" لمَصْلَحَتِها فيها وفائِدَتها مِنْها... "قميص بَركان"، لدى حكام الجزائر، هو مجرد "قميص عثمان"، ذَريعَة، هَشَّة ومَثْقوبة لِما تأصَّل فيهم من عدوان... ضدَّ المغرب... بتلك الذريعة سحبت قيادة الجزائر مُباراة كرة القدم من حقلها الرياضي إلى أوحال عُدْوَانِيَتِها السياسية تُجاه المغرب. وكما أيِّ تصرُّف مَصدَرُه "طيْشٌ"، وَضعتْ نفسها في موقع العجز عن تنظيف تلك المباراة، وربّما صِلة كُرة القدم الجزائرية بالمنافسات الرياضية ولمدة طويلة، من ذلك "الوحل"... تمادي سلطات الجزائر في رفض إجراء مباراة اتحاد العاصمة مع نهضة بَركان في مقابلة الإياب ببَركان، بالذَّريعة نفسُها الَّتي أدَّت إلى إلغاء مُباراة الجزائر العاصمة، قد يفرض على "الكاف" ليس وحسب، إعلان هزيمة الفريق الجزائري، بل، رُبَّما، إلى الحكم بإبعاد الفرق الكروية الجزائرية من المُشاركة في المُنافسات الإفريقية لسنتين، فضلا على غرامة مالية كبيرة... وهو ما سيُفاقم من عداوتها "للاتحاد الإفريقي لكرة القدم" أكثر، ويُعمِّق عُزْلَتَها داخلَه، ويضيف لأزمة التدبير الكروي الجزائري ضرَرًا آخر، ويفتح له مَوْقد نارٍ جديدٍ ليس سهلاً إطفاؤه... ولعل الضرر الرياضي الذي يتهدَّد كرة القدم الجزائرية، ليس هو ما يشغل حكامَ الجزائر... الغضبة من "قميص بَركان"، يبدو أنها مَعنيةٌ بأن تجعل من تلك الذريعة "مَدْخَلاً" آخر، لمحاولة ردِّها على هزائمها، بسبب تلك الخارطة البارزة في "قميص بَركان"، والتي استقطبت، سياسيا واقتصاديا، تدفُّقا دَوْليا نَحوَها، من عديد الدوَل الإفريقية، ودوَل الساحل والصحراء في مقدمتها... ومن عَدَد الدول العربية، والبارز منها اتفاقات الشراكات، الشاملة والبعيدة المدى مع دولة الإمارات العربية... ومن عديد الدول الأوروبية، ونذكر منها إسبانيا، فرنسا وألمانيا... وتهتم بها الصين وتركيا، وتعترف بها رسميا الولاياتالمتحدةالأمريكية... هي خارطة "هربت" لقيادة الجزائر من قُدْرتها على قَضْم جُزءٍ منها... وكشفت فشلها في دَسِّها بمُشاغبة انْفِصالية تنْخُرُها، وعلى مدى حوالَيْ نصف قرن من عدوانية شرسة ضد المغرب، وما تطلَّبتْه من إنفاق مئات المليارات من الدولارات، عسكريا وديبلوماسيا، تبَخَّر مفعولها بفعل حرارة الحق الوطني المغربي، وتهشَّمَت قذائِفُها على متانة المِصداقية الدَّوْلية للمغرب... المغرب الذي لم يقل قط أنه "قوة ضاربة"... ولكن دَوْلَته ضاربة في التاريخ... وقائمة على ما يُضرب به المثل، من وفاء للتاريخ في المحافل الدولية، وتبَصُّر للمنفعة التنموية الوطنية والمشتركة مغاربيا وإفريقيا... هستيريا الهزائم الديبلوماسية لحكام الجزائر، فاقم مِنْها إعلان "الماك"، من نيويورك، قيام "دولة القبايل" في المَنْفَى... وهي شأن جزائري داخلي، ونِتاج أعطاب بِنْيَوِية في تدبير القيادة الجزائرية، للعلاقات بين فئات الشعب وجهات الوطن الجزائري، وامتداد لممارستها بسياسة "تقرير المصير" المُوَجَّهة ضد المغرب، ما "شجَّع" على تفعيل السياسة نفسها في الكيان الجزائري الداخلي... فكان أن الْتَقطت تلك القيادة "قميص بَركان" لكي تحاول به توليد حالة إجماع وطني حَوْلَها، بِزعْم أنَّها تخوض مُوَاجهة قويّة من أجل السيادة الوطنية... وللتغطية على ممكنات صدى المفعول السياسي لإعلان "الماك" عن "دولته"... تزامن ذلك الإعلان مع مباراة "النهضة" و"الاتحاد"... "أفتى" على قيادة الجزائر مُحاولة تحويل مَلعب 5 جوييه إلى ساحة تظاهرة "شعبية" ضِدَّ المغرب وإذكاء للتلاحم الوطني معها... وقد كان من أبرز الشعارات في مدرجات الملعب، شعار "الجزائريون وحدويون"... فضلا عن الشعار الحيواني الذي تردَّد هناك بأن "المغربي حيوان اعطوه البنان"... وبهذا يسعى المَوَجِّهون لتلك الشعارات، لتأليب الجزائري ضد المواطن المغربي... ذلك المسعى في استقطاب الحماس الوطني، وَشَتْ به برقيات المساندة لفريق اتحاد العاصمة (وهو لم يكن معنيا بالصراع مع نهضة بَركان، هو كان ضحية مثلها لعدوانية حكام البلد)... برقيات، مكتوبة بحبر واحد، وبلغة حربية لمعركة متوهَّمة لا صلة للفرق الكروية الجزائرية بها وخارج السياق الرياضي، كانت تجنيدا لتلك الفرق ضد ما اعتبره، مثلا، نادي شبيبة القبايل "مناورة" عَبثية هي اعتداء على "السيادة الوطنية"... أو كما قال فريق شباب بلوزداد "ككل ناد جزائري، سنبقى دائما في الصفوف الأولى للدفاع عن القضايا الوطنية، خاصة إذا تعلَّق بقضية "السيادة الوطنية"... ويُضيف فريق نجم بن عكنون مُعبِّرا عن "دعمه الكامل لنادي اتحاد الجزائر في هذه القضية التي تمس بالسيادة الوطنية وأن الجزائر خط أحمر...". السيادة الوطنية والجزائر خط أحمر، جملةٌ تكرَّرت في بلاغات الفرق الكروية، وطبعا في الإعلام الجزائري... ولك أنت أن تفتش عن الرابط بين خارطة المغرب مُعلنة في قميص رياضي، وبيْن السيادة الوطنية الجزائرية، وخطّها الأحمر أو الأزرق أو البنفسجي... ولن تتعب كثيرا حتى تجد بأن العملية فيها انْفعال حاد، على الهزائم الديبلوماسية الجزائرية في منازعتها للمغرب حول أقاليمه الصحراوية، وفيها تحْويل نظرٍ، إعلاميٍ، إلى حماسٍ وطنيٍ، يُخفي انْزِعاجا من الخطوة الجديدة "للماك"... التوَغُّل في تفسير جَذْبَة سلطات الجزائر حول قميص فريق بَركان، أخذتنا إلى استعماله ذريعة كما استُعمل "قميص عثمان"... وقد تقودنا إلى العثور على هدَف الزور والكذب والبهتان، كما أريد "لقميص يوسف" أن يكون دليلا على جريمة مُخْتَلَقةٍ لذئب مُخْتَلَق... والواقع أننا أمام سلوك عدْوَاني لفاعلٍ واحدٍ استبدَّ به الحقد على المغرب... سلوكٌ من جنس ممارسة طويلة عدوانية ضد المغرب، أثبَتت فشلها... والإضرار بمصالح الشعب الجزائري، وآخر واقعة فشلها، وضررها على الجزائر... هي واقعة... أو محاولة إلباس الفريق المغربي "قميص" السيد شرينقريحة المُزَيّف، ليس أدفأ ولا أجمل ولا أصحّ من "قميص بَركان" الوطني... عن جريدة "العرب" الصادرة من لندن.