في الحقيقة لم أفكر أن أكتب شيئا اليوم، أعيش نوبة كسل لا مثيل لها، ذاكرتي كذاكرة حاسوب قديم تتحرك ببطء وأنا أتأمل تلك الدائرة الزرقاء المملة لتتوقف عن الدوران لتفتح النافذة.. تتأخر وأنا أكرر النقر فيطول الأمر أكثر وأكثر لدرجة تفقدك أعصابك... ثم تفتح أمامك الكثير من النوافذ بعدما تكون قد فقدت هدوءك ونسيت ما كنت تريد.. فتبدأ رحلة إغلاق النوافذ. ولأن البرد قارس أغلقت النوافذ بإحكام.. سمٌّ ذاك البرد الذي يخرج من الشقوق الصغيرة.. وسم ذاك البرد الصباحي أتذكرين ما كان يفعل بك برد الصباح؟ أنا أذكرك.. لقد كان يجعل من وجنتيك حديقة ورد، مسحوق رباني فاتن، أنا متيقن أنك لم تكوني تملكين مساحيق التجميل غير بعض "كحل حار". بستان الورد ذاك على وجهك جعل مني شخصا برأسين أو بقلبين.. أنا صحراوي يهزمني البرد بسرعة لكنني أصبحت أحبه، وأحب أن أنهزم أمام جمالك، خلسة طبعا.. لا تتصوري أن بدويا مثلي سيظهر لك حبه ويقول لك كلاما جميلا، ويظهر ضعفا وأنت تتكبرين أو تتصنعين ذلك لتورطيه فيك أكثر.. عبثا تحاولين.. نحن نحب بصدق لكن في الغياب. البدوي فينا لا ينهزم أمام امرأة، لا تنتظري هدية في عيد الحب، لا تنتظري "ليلة سعيدة" كل ليلة و"صباح الورد" كل صباح، لا تنتظري أن يستعير ملابس صديقه ليبدو جميلا أمام صديقاتك.. هو يشعر أنه جميل هكذا، وهو يعرف أن صديقاتك يسخرن منك لأنك وقعت في حب رجل غريب تعذر عليهن وعليك فهمه، رجل يعيش في عصور ساحقة.. لم يزعجه ذلك أبدا.. كل ما يزعجه أن يراك مع غيره أو أن ينظر أحدهم إليك، والويل لمن نظر، -بالمناسبة هو ينظر إلى الأخريات- إن فكرت يوما أن تعاقبيه لتختبري حبه وتبتعدين تيقني أنه سيتركك، ولن يسألك لم ابتعدت لكن سيظل يحبك، وهو يعرف أنك نادمة الآن على تصرفك، لكن كبرياءً فيك يمنعك أن تقدمي نفسك له مرة أخرى، هو يدرك ذلك ولذلك يعذبك هكذا منتقما من تهورك، ومنتقما من نفسه لأنه ما كان ينبغي أن يقع في حب امرأة تشك كل يوم في حبه وتسأله بغباء "هل تحبني حقا؟" أو تبتعد ليكتب إليها "أنا من دونك لاشيء" إنه لا يكذب.. لقد كان قبلك وكنت قبله، وصرتما واحدا بقلبين وما زال في كل مرة ينشدك قول أمل دنقل: حين تكونين معي أنت أصبح وحدي في بيتي.. وفي كل مرة تكررين "أمل" رجل أم امرأة؟ لا يجيبك. لكنه يخبرك أنه ذات مساء بارد حاول أن يفعل شيئا لكنه شعر بكسل وإرهاق من ثقل ذاكرته ، ومع ذلك حضرتِ طيفا فتذكر ما يفعل البرد بوجنتيك وما تفعل وجنتاك به، وبدأ يزبر حروفا على صفحة WORD وتخيل نفسه مناضلا يعلو منصة ويصيح في حشد من الجماهير" لقد كان لاحمرار الخدود قيمة عندما لم تكن كل الخدود ورودا مزيفة بمساحيق رخيصة تباع في كل مكان، لقد كان البرد مسحوقا أهدته الطبيعة للجميلات حقا وفقط، أما اليوم فقد تشابه الجمال علينا، فتبا لزمان صارت فيه كل الخدود ورودا" صاحت الجماهير بلسان واحد "القمع لا يهربنا والقتل لا يفنينا..." وهو ينزل من المنصة لمح شابا متأثرا بخطابه تتسلل دمعة من عينه وتجر معها دهونا ككرة ثلج، وصديقه يمد رأس أصبعه إلى خد صديقه ويمسح دمعته حتى لا تختلط المساحيق على وجهه الوسيم وتفسد أناقته.