اعتبر مدير جريدة "العمق المغربي" الإلكترونية، محمد لغروس، أن ممارسة الصحافة دون قيم وأخلاقيات يفسد المهنة والذوق العام ويخدم التفاهة ويعمق التخلف، مشددا على أن المهنية والأخلاقيات طرفان متلازمان ومتراهنين في الصحافة، إن سقط أحدهما سقط الآخر بشكل مباشر. وأوضح لغروس أن ممارسة الصحافة بدون أخلاقيات سيفضي إلى سلوكات ضاربة بالقيم الإنسانية عرض الحائط، من قبيل انتهاك الخصوصيات والتجسس على الحياة الخاصة والتشجيع على العنصرية وغيرها، لافتا في المقابل إلى أن الالتزام بالأخلاقيات لوحدها دون إعمال مقتضيات مهنة الصحافة لن يفضي إلى نتائج. جاء ذلك في كلمة لمدير نشر جريدة العمق المغربي، في مجلس رمضاني، حول موضوع: ''الإعلام وسؤال القيام''، نظمته مؤسسة الزاوية للفكر والتراث، ضمن الدورة الثانية لمجالسها الرمضانية في ''الدين والفكر والسياسة''، اليوم الاثنين بمقر الحزب المغربي الحر الرباط. وأضاف الغروس أن الحديث على الأخلاق والأخلاقيات في مهنة الصحافة يعني الحديث عن سلوك الإنسان والالتزام الذاتي، وعن ضمير الصحافي والإعلامي، وأن انتفاء هاته الأخلاقيات يعود سلبا على المجتمع ككل ولا يمس فقط الشخص المعني أو المقاولة، على اعتبار أن أداء الرسالة النبيلة للمهنة وشرف مهنة الصحافة والإعلام مرتبطان بالمبادئ والقيم والأخلاقيات. وشدد المتحدث على أنه "لا يُتصور وجود إعلامي أو صحافي كذاب، أو صحفي مرتشي أو صحفي غير نزيه، وأن انتفاء قيمة الصدق إما اجتزاءً أو انتقاء أو تحريفا أو تزييفا لما يقال تبعا لحسابات شخصية، ينفي صفة الصحافي، لأن حمل الرسالة المهنية تقتضي الصدق أولا". وقال إنه فضلا عن أدوار التثقيف والتنوير التي ارتبطت أساسا بظهور مهنة الصحافة التي كان يمارسها الفلاسفة والأدباء في وقت من الأوقات، وعن صنعة المعرفة التي تتيحها عبر مختلف الآليات ذات العلاقة بالجمهور، فإنها كذلك تظل سيفا ذو حدين أي إنها إم أن تعمل على الرقي بالأذواق وتهذيبها أو تفسد الذوق العام وتجعله في الحضيض. واعتبر أن الواقع المعاش يعكس حالة من سيولة انحراف القيم، وانزياح لهاته القيم عن معانيها الحقيقة، وأن الأنكى من ذلك هو حالات التطبيع القائمة مع هذا الانحراف، والتقبل الذي تعرفه السلوكات المشينة، فضلا عن مستوى الابتذال الذي تعيشه المهنة والذي وصل، حسب تعبيره، إلى حد التلاعبات والتزوير والغش. وأشار لغروس إلى أن السماح للعاهات القيمية في المجال الإعلامي بأن تسود، لا يكرس فقط انحرفاتها الأخلاقية في حق المهنة، وإنما يعلي من شأنها ويقودها أحيانا إلى مناصب القرار لتصبح هي الآمر والناهي، ويجعلها في موضع المدافع عن أخلاقيات المهنة. ونبه الإعلامي إلى أن الانحراف موجود في كل المجالات وفي كل السياقات، غير أن الخطورة، على حد تعبيره، ''تكمن في التطبيع مع هذا الانحراف والعمل على محاولات تبيضه التي ينخرط فيها بعض ممن يسمون بالنخب الإعلامية''، داعيا على إثر ذلك إلى ضرورة عزل هاته الممارسات بدل تقبلها. وعن وظيفة الإعلام في علاقته بالجمهور، أوضح أن المفروض هو أن يكون الإعلام مبدعا وأن يعمل على ترقية ذوق الجمهور وتحسينه وإحداث تمثلات إيجابية وتنشئة قيم المواطنة ونبذ العنصرية، بدل الخضوع لمطالب فئة من الجمهور وتقديم ما تشتهيه أو ما تبحث عنه على حساب أي ثمن كان. وأعرب لغروس عن أسفه الشديد لوجود نوع من الإعلام يستثمر في التخلف، من خلال صنع التفاهة والرهان على أذواق المتخلفين من الناس، مشيرا إلى أن الأمر ما كان ليكون كذلك لو أن منسوب الوعي قد ارتفع قليلا. وشدد على أن المشكل الذي تعرفه مهنة الصحافة اليوم، ليس فقط في مسألة القيم والأخلاق والأخلاقيات، بل كذلك في المهنة ذاتها وكيف يمارس هاته المهنة أبناؤها، في ظل الحضور المتزايد للمتطفلين ومنتحلي الصفة، ومئات المواقع التي تشتغل خارج القانون دون رادع، والأنكى من ذلك حسب رأي المتحدث أن تكون الجهات التي يتعين عليها ردع مثل هاته المواقع، تعمل على توظفيها. وأكد مدير "العمق المغربي" على ضرورة الاستثمار في الأجناس الصحفية التي تعكس طبيعة المهنة وقوتها كالتحقيق الصحفي. وأوضح أنه بغض النظر عن وظيفة نقل الخبر والوساطة بين الدولة والمجتمع، التي تضطلع بها مهنة الصحافة، من خلال نقل مشاكل الناس وآهاتهم إلى مسؤوليهم، ونقل ما يصدر عن هؤلاء المسؤولين، فإنها تضطلع كذلك بالوظيفة السياسية من خلال بسط الأفكار والآراء، والآراء المضادة ومواقف الأحزاب وسير السياسيين وأنشطتهم، الأمر الذي يساعد المواطن في تكوين مخيال يربط علاقته بكل ما هو سياسي. ونادى المتحدث بضرورة استرجاع الثقة بين الجمهور والإعلام بالنظر لما وصفه بعملية الاهتزاز التي عرفتها هاته الثقة، وبالنظر كذلك لكون المستوى المهني يوضح وجود نوع من التشتت والارتجالية والعشوائية، وتجاذبات بين من يريد الرقي بالمجال ومن يسعى إلى الذهاب به للهاوية. وعن فكرة الاستقلالية، استنكر لغروس ما أسماه النظرة السائدة التي تضفي أو تنفي طابع الاستقلالية على المنابر الإعلامية تبعا لموقع مصلحتها مما ينشر بهاتة المنابر. واعتبر أن الدور الرقابي للجمهور، أساسي ومحدد وأنه يتعين على الجمهور أن يكون رقيبا وأن يكون سلطة وان يظل حاضرا كمتتبع ومنبه وملاحظ لما تقوم الجرائد بعرضه، مع الالتزام بالحياد والموضوعية والمصداقية في التقييم، وعدم الوقوف في فخ الاجتزاء والانتقائية، اعتبارا لخطورة وحساسية مجال الإعلام، ولأن جزء من هذا الإعلام يتم تمويله من المال العام. وعلاقة بالدعم العمومي للإعلام، نبه إلى أن نسبته تختلف باختلاف المنابر الصحفية وتنتفي فيه صفة الموضوعية، وتغيب فيها المعايير المرجعية، وأن مؤسسات تابعة للدولة تدعم مؤسسة شبه مجهولة ومواقع لا يعرفها أحد وتحظى بدعم رغيد وبعروض إشهارات لمؤسسات عمومية. وأوضح أن إشكالات الدعم المذكورة هي المسؤولة عن تقوية مؤسسات إعلامية مقارنة بمؤسسات أخرى، وأنه رغم الإجماع القائم على تفاهة ما تقدمه بعض هاته المنابر فهناك من يوفر لها المدخول الرغيد حتى يتسنى لها نشر البؤس المنظور وغير المشرف. وعلاقة بموضوع الدعم أيضا، نبه إلى أن فيدرالية ناشري الصحفي في مذكرة وجهتها إلى القطاع الوزاري المكلف بالتواصل، أكدت على ضرورة أن يكون الدعم مشروطا بالتأثير، وأن يكون مرتبطا بخدمة المجتمع وبالمكانة التي يحظى بها المنبر في ربوع المملكة، مذكرا في ذلك بما جاء في تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2013، في هذا الشأن. وعن الإشكالات التي يعرفها المجلس الوطني للصحافة بخصوص انتهاء الأجل القانوني له، قال، إنه ''كان من المفترض إجراء انتخابات دورية عادية غير أن ظاهرة حب الكراسي، ونقل سلبيات التجارب الحزبية عندما يتعلق الأمر برغبة البقاء على رأس المؤسسات، حالت دون ذلك''، وإن كانت التجارب الرائدة تأكد أن الجسم الصحافي هو السباق للدود عن الشفافية والديمقراطية. وخلص محمد لغروس إلى ضرورة تحصين مهنة الصحافة من الدخلاء ومن المصالح الفئوية الخاصة ومن المتربصين بخدمة مصالحهم ولو بالدوس على القيم والمبادئ والأخلاقيات، مؤكدا على ضرورة إخضاع مهنة الصحافة للمحاسبة الأخلاقية وكبح من يعمدون إلى شحذ السكاكين رغبة في خدش مكانة المهنة.