بالنظر لطبيعة عمل مهنة المحاماة كمهنة حرة وأشخاصها أشخاص ذاتيون يمارسون مهنة مصدر دخلها الأساسي مقابل ما يقدمونها من مؤازرة وتتبع لملفات المتقاضين، فإن مصدر دخلهم هذا يبقى في النهاية نتاج علاقتهم بالمتقاضين المرتفقين بمرفق العدالة، تلك نظرة أولى حول مصدر دخل المحامين المعد وعاء للضريبة على الدخل المفروضة عليهم. وإذا كان الأمر ما قبل مستجدات مشروع قانون المالية 2023، طبقا للمادتين 170 و173 من المدونة العامة للضرائب لسنة 2022 ، يعتبر المحامين أشخاص معنويون (شركات مدنية للمحاماة) وذاتيون (محامون أفراد) يخضعون لمبدأ أداء الضريبة على الدخل وفقا لأسلوب الأداء التلقائي للضريبة على الشركات فيما يخص الشركات المدنية للمحاماة، وكذا بالنسبة للمحامين الأفراد، عن مجموع الدخل الذي تحصلوا عليه في السنة الضريبية المعنية، طبقا لمنطق الاقرار بمجموع الدخل المتحصل عليه طبقا الشروط والأسعار المنصوص عليها قانونا، فإن المستجد في هذا الأمر كما هو وارد في مضمون المادة 5 من مشروع قانون المالية لسنة 2023، يمكن تلخيصه في النقطتين التاليتين : أولا : إقرار مستجد فيما يتعلق بالأداء المسبق لجزء من الضريبة على الدخل المفروض على الشركات المدنية للمحاماة من خلال إضافة البند "باء" إلى المادة 170 من مدونة الضرائب، من خلاله يفرض على هذه الشركات أداء تسبيق عن كل كل تسجيل لمقال أو طلب أو طعن أو تسجيل نيابة محدد بين 300 و400 و500 و 100 درهم عن كل صنف من أصناف المحاكم، يسلم لكاتب ضبط المحكمة المعنية؛ ثانيا : إقرار مستجد فيما يتعلق بالاداء المسبق لجزء من الضريبة على الدخل المفروض على المحامين الأفراد من خلال إضافة البند 3 إلى المادة 173 من مدونة الضرائب، من خلاله يفرض على هؤلاء المحامين أداء تسبيق عن كل كل تسجيل لمقال أو طلب أو طعن أو تسجيل نيابة محدد بين 300 و400 و500 و 100 درهم عن كل صنف من أصناف المحاكم، يسلم لكاتب ضبط المحكمة المعنية. إن قراءة بسيطة وسريعة للمستجدين معا يدفع إلى التأكيد على الملاحظات التالية : – رغبة الحكومة من خلال الإجراءين معا في توفير موارد ضريبية انسيابية على طول السنة بدل انتظار تجميع الحصيلة النهائية للضريبة ودفعها بالطرق القديمة إما مرة واحدة في السنة أو عبر 4 دفعات كما هو منصوص عليه في المادتين السالفتين من مدونة الضرائب، من خلال اجراء التسبيقات مع استنزال مبلغ الأخيرة من المبلغ النهائي للضريبة؛ – تبسيط عملية تحصيل الضريبة على الشركات المدنية للمحاماة وعلى دخل المحامين الأفراد بما يضمن النجاعة في التحصيل والمردودية في تغطية الموارد الضريبية المتأتية من الوعاءين معا. مع كل ذلك، وبالرغم من الايجابيات التي يمكن أن يمنحها الإجراءين معا بالنسبة لإدارة الضرائب في ترسيخ النجاعة والمردودية في تحصيل مبلغ الضريبة المفروض على المحامين، فإن الأمر يطرح علامات الاستفهام التالية بخصوص عبئ هذين الإجراءين بالنسبة للمتقاضين، لاسيما وأن الشركة المدنية للمحاماة وباقي المحامين الأفراد المعنيين سيقومون لا محالة بنقل عبئ هذه التسبيقات إلى كاهل المتقاضين بالنظر لكونهم في النهاية مصدر هاته الأموال المتأتية كتسبيقات عن مبلغ الضريبة، مما يطرح معه هاجس مضاعفة مبالغ التقاضي بالنسبة للمرتفقين ما دام أن المعني بهذه التسبيقات سيلزم لا محالة المتقاضي على أدائها، وبالتالي فإن تمس بأي حال من الأحوال أرباح المعنيين بها، وهذا الأمر سيظل مطروحا من الناحية الواقعية، وبالتالي مراكمة ثقل هاته التسبيقات على كاهل المتقاضي في النهاية، مما يجعل من الإجراءين في حذ ذاتهما ذوي الأثر الغير المباشر على نفقات المرتفقين بمرفق العدالة، والمس بمبدأ المجانية كعنصر لا مجيد عنه لتقريب خدمات العدالة من كل المتقاضين بالنظر بامكاناتهم الاجتماعية المحدودة، وبالنظر كذلك لتأثير فعل التضخم في نفقاتهم عامة ونفقات تقاضيهم خاصة. إنه في النهاية إجراء يحتمل وجهين متناقضين، من جهة سيسهم في ضمان نجاعة ومردودية إدارة الضرائب في تحصيل مبلغ الضريبة المفروض على الشركات المدنية للمحاماة وباقي المحامين الأفراد بنوع من الإنسيابية والانتظام، ومن جهة أخرى سيثقل كاهل المتقاضين بالنظر لكونهم في النهاية مجبرين على أدائها مسبقا للمعنيين بها ضمانا لاستمرار نيابة المحامين على ملفاتهم وتتبعها أمام مرفق العدالة، وهو الأمر الذي يعطي لاحتجاجات الهيئات المهنية للمحامين المشروعية في رفضها على اعتبار أنهم أدرى بواقع ومحدودية الإمكانات المادية والاجتماعية للمتقاضين في أخر المطاف. *أستاذ باحث بكلية الحقوق. جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس