ملاحظات قانونية حول قرار المحكمة الدستورية رقم 22/179 المتعلق بإلغاء المقاعد الانتخابية بالدائرة المحلية "الحسيمة". إذا كانت قرارات المحكمة الدستورية أحكام قضائية نهائية لا تقبل أي طريق من طرق الطعن، العادية أو غير العادية، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل (134) من الدستور، وبالتالي فهي قرارات قاطعة وحاسمة، لا تفتح المجال لأية مناورة أو تشكيك، بعد بثها، في جميع القضايا والنوازل والمنازعات المعروضة عليها. وذلك نظرا للمكانة العلمية والاعتبارية التي تحظى بها الهيئة التي تتألف منها المحكمة الدستورية، بحيث يتم اختيار أعضائها من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون، وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية، والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة، طبقا لمقتضيات الفقرة الأخير من الفصل (130) من الدستور والمادة الأولى من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية. بالإضافة إلى طريقة تنظيمها لمداولاتها التي تكون صحيحة بحضور تسعة (09) من أعضائها على الأقل من أصل اثني عشر (12) عضوا. وكيفية اتخاذها لقراراتها التي تكون بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين تتألف منهم طبقا للمادة (17) من نفس القانون. غير أن مناقشة مثل هذه القرارات وإبداء الرأي حولها، على ضوء المنظومة القانونية ذات الصلة_ بعيدا عن المزايدات السياسية_، مسألة جدية تساهم في تعزز الخيار الديمقراطي وتكريس حرية الرأي والتعبير وتقوية مكانة المؤسسات الدستورية، وضمان تحقيق الأمن القانوني والقضائي، وتطوير القضاء الدستوري. لقد أثار قرار المحكمة الدستورية رقم 22/179 الصادر بتاريخ 19 ماي 2022، القاضي بإلغاء انتخاب المقاعد الأربعة الفائزة، إثر الاقتراع المجرى في 8 سبتمبر 2021 للانتخابات التشريعية بالدائرة الانتخابية المحلية بالحسيمة. العديد من النقاشات القانونية والفقهية والسجالات السياسية. لا سيما في جزئه الأول، الذي استند على المرسوم بقانون رقم 2.20.292، المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، المصادق عليه بالقانون رقم 23.20، والدوريتين الصادرتين عن وزارة الداخلية في 23 و24 أغسطس 2021 الموجهتين إلى السادة الولاة والعمال، بشأن الإجراءات المتعلقة بتنظيم الحملة الانتخابية في إطار التدابير الاحترازية المرتبطة بالحد من تفشي الوباء. بخصوص الطعن الموجه ضد السيدين نور الدين مضيان وكيل لائحة (حزب الاستقلال) ومحمد الأعرج وكيل لائحة (الحركة الشعبية). بشأن المأخذ المتعلق بخرق حالة الطوارئ الصحية، وعدم تقيدهما بضوابط الحملة الانتخابية التي تم سنها من قبل السلطات العمومية. وهي نفس الأسباب التي لم تأخذ بها المحكمة الدستورية في قرارها السابق رقم 22/170 الصادر بتاريخ 12 ابريل 2022 بخصوص الطعن الذي تقدم به أحد الطاعنين (محمد بنصاط) بالدائرة الانتخابية المحلية بالحاجب بشأن خرق حالة الطوارئ الصحية. بحيث اعتبر هذا القرار أن المحكمة الدستورية لكي تُرتب جزاء انتخابيا خاصا على مخالفة الأحكام المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية خلال الحملة الانتخابية، يجب يقترن ذلك بمناورة تدليسية، متى ترتب عنها إخلال بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين. وإذا كانت مسألة تقدير وجود مناورة تدليسية من عدمها أمر تستقل به المحكمة، ولئن كانت هذه الضوابط ملزمة لسائر المشاركين في أنشطة الحملات الانتخابية برسم الاقتراع موضوع الطعن، لا سيما المترشحين ومساعديهم، متى ترتب عن ارتكاب المخالفة مساسا وإخلالا بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين. وما دام الطاعن قد أقدم خلال الحملة الانتخابية، على نشر إعلان بصفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يدعو فيه مساعديه وأعضاء الحزب الذي ترشح باسمه إلى "تعليق كافة الأنشطة الدعائية العمومية تجنبا لتفشي وباء كوفيد-19". والحالة هذه فإن المحكمة الدستورية لكي تبني قناعتها أثناء البث في هذه النازلة، وتحقيق التفاعل الايجابي مع المذكرات الجوابية للمطعون فيهما، لترتيب الجزاءات الانتخابية، كان من الضروري تعميق الأبحاث والتحري من مدى التزام الطاعن فعلا بمضمون "تدوينته" على "الفيسبوك"، حتى لا تكون هذه "التدوينة" في حد ذاتها مناورة تدليسية في حالة إقدام الطاعن أو مساعديه أثناء الحملة الانتخابية على ممارسة نفس الأفعال (المخالفات) التي على أساسها تم تعليل قرار المحكمة. وذلك بتفعيل مسطرة إجراء تحقيق في الموضوع عن طريق تلقي تصريحات الشهود بعد أدائهم اليمين بين يديها، طبقا للقواعد والإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية. وهو الإجراء الذي لم تقم به المحكمة بالرغم من التنصيص عليه في المادة 37 من القانون التنظيمي رقم 066.13. أو من خلال اللجوء إلى أية وسيلة أخرى من وسائل الإثبات تراها المحكمة فعالة لإثبات واقعة الإخلال بمبدأي المساواة وتكافئ الفرص أو وجود مناورة تدليسية، سواء تعلق الأمر بالمطعون فيهما أو بالطاعن نفسه، بما فيها مراسلة السلطة الإقليمية في شخص عامل إقليمالحسيمة بصفته الساهر على تنفيذ جميع التدابير التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في حالة الطوارئ الصحية المعلنة سواء كانت هذه التدابير ذات طابع توقعي أو وقائي أو حمائي، بما فيها منع التجمعات العمومية والترخيص لها أو إقرار أي تدبير آخر من تدابير الشرطة الإدارية، وهذا ما نصت عليه المادة الثالثة من مرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية لمواجهة تفشي فيروس كورونا. بالإضافة إلى الاختصاص الحصري للولاة والعمال في الإشراف تنظيم العملية الانتخابية في دائرة نفوذهم الترابي، منذ مرحلة التسجيل في اللوائح الانتخابية العامة والإشراف على سير عملية الاقتراع والتصويت إلى غاية الإعلان عن النتائج النهائية، مما يجعلهم أكثر دراية ومعرفة بكل المعطيات والوقائع والأحداث المرتبطة بالعملية الانتخابية برمتها، لا سيما انتخابات 08 شتنبر 2022 التي جرت في ظل حالة استثنائية منحت الولاة والعمال أهمية خاصة ودورا محوريا، باعتبارهم ممثلين للسلطة المركزية في الجهات والأقاليم، مما يجعل منهم سلطات ذات صفة مزدوجة (إدارية وسياسية) بحيث يتعين عليهم الأخذ بعين الاعتبار ضرورات الشرعية ومتطلبات مبادئ الملائمة السياسية، والالتزام بالحياد التام إزاء المترشحين، لضمان حماية حرية ونزاهة وشفافية العملية الانتخابية المقررة مبادؤها في أحكام الفصلين 2 و11 من الدستور، خاصة عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات وإجراءات لتدبير الآثار المتعددة الأبعاد لازمة فيروس كورونا. لا سيما وأن المادة 34 من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، جعلت من الوالي والعامل طرفا مهما في المنازعات الانتخابية، بحيث يجوز له تلقي الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس النواب، الذي يقوم بإشعار الأمانة للمحكمة الدستورية ويوجه إليها العرائض التي تلقها من قبل الطاعنين. كما يعتبر مقر العمالة التي توجد بها الدائرة الانتخابية الموطن القانوني لأطراف المنازعة الانتخابية، في حالة عدم توفر المحكمة على عنوان الأطراف أو محل المخابرة، حسب مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 38 من القانون التنظيمي رقم 066.13. وبالتالي فإن مسطرة إجراء تحقيق تعتبر إجراءا مهما وضروريا، للتحري والتأكد من صدقية الأسباب والدفوعات وجدية المطالب، في حالة قبول عرائض الطاعنين والبث في النزاع لفائدتهم، بإلغاء المقاعد الفائزة في الاقتراع، وهذا ما يُستفاد بمفهوم المخالفة من الفقرة الثانية من المادة 38 من القانون التنظيمي رقم 066.13. التي تنص على أنه" للمحكمة أن تقضي، دون إجراء تحقيق سابق، بعدم قبول العرائض، أو رفضها إذا كانت تتضمن مآخذ يظهر جليا أنه لم يكن لها تأثير في نتائج الانتخاب". بالإضافة بعض الأخطاء الشكلية في صياغة القرار، مثل استخدام بعض العبارات والمصطلحات في غير محلها، والتي تفتقد إلى الدقة والسند القانوني أو تخالفه، مثل استعمال مصطلح انتخابات "جديدة" بدل جزئية، كما جاء في المادة 91 من القانون التنظيمي رقم 11.27 المتعلق بمجلس النواب، التي أحال إليها قرار المحكمة الدستورية، الذي يتحدث عن انتخابات جزئية لملء مقعد أو مقاعد شاغرة حسب الحالات وليس "جديدة"، كما جاء في منطوق القرار. وهذه سابقة في تاريخ القضاء الدستوري المغربي، تشكل خطأ لا يمكن السقوط فيه، لان المشرع حينما يستعمل المفاهيم والمصطلحات، يتختارها بعناية، لان هذه الانتخابات تهم إقليم معين، وهو جزئ من التراب الوطني، ولا يتعلق الأمر بإعادة تنظيم انتخابات تشمل جميع الدوائر والمحلية والجهوية للمملكة، حينها يمكن تسميتها بالجديدة. وبالرغم من العديد من النقاشات والتعليقات التي قدمت حول مضمون هذا القرار، من حيث سنده القانوني وتعليله…، فإنه كشف بالمقابل عن تضارب وتداخل المنظومة القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية، ولمن الأولوية حسب تدرج القوانين، لا سيما في الحالات الاستثنائية أو الطارئة بسبب الأزمات والأوبئة الطارئة التي تحل بالبلد، كالأزمة الصحية لفيروس كورونا، التي فرضت منح الأسبقية للتشريع اللائحي عن باقي الأنظمة القانونية الأخرى. * محمد أبركان، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية، بالكلية متعددة التخصصات بالناظور، جامعة محمد الأول، وجدة.