بنظرات حبلى بعشرات الأحاسيس، وملامح ذابلة أنهكتها ساعات العمل المتواصلة ، بعيدا عن صخب وضوضاء الخطابات والشعارات التي تعلو في اليوم العالمي للمرأة، غير مهتمة بالأجواء الاحتفالية الصاخبة التي أقيمت باسم المرأة المغربية وحقوقها و مدونة الأسرة...، تنسحب بهدوء لتلتحق بعملها كالعادة، سواء في الحقول والضيعات أو في المعامل أو في البيوت أو في المقاهي أو في وسائل النقل العمومي وحتى في الشوارع... تلتحف صمتها لتخفي انكسارها وقلة حيلتها وندبات الزمن... هي امرأة كباقي النساء إلا أنه تم وأدها في قبور التهميش والإقصاء والنسيان، تقتات فتات بعض الحقوق من موائد المناضلات والسياسيات والمثقفات والموظفات ...، لا تعرف عن مدونة الأسرة سوى القليل من خلال ما سمعته عنها صدفة في التلفاز أو جهاز الراديو، فخلصت بعد تهج، إلى أنها ربما تسهل عملية الطلاق و ترفع سن الزواج إلى الثامنة عشرة، وتمنع التعدد إلا لضرورات قاهرة وبضوابط صارمة، وتسهل عملية الزواج من دون وصي، لكنها في الأخير لا تشكل نقطة تحول بالنسبة إليها ، فهي ستظل مغلوبة على أمرها ولن تغير المدونة شيئا من حالها ، فمعاناتها لن تنتهي لأن مدونة الأسرة ليست مصباحا سحريا ، بل ستظل المعاناة تثقل كاهلها مثل حزم الحطب تلك التي تحملها المرأة القروية على ظهرها كل يوم، وربما ستتراكم أكثر من أكوام النفايات تلك التي تحاصر امرأة دور الصفيح من كل حدب وصوب، وأكثر من الأشغال المنزلية تلك التي تنتظر الفتاة الخادمة .وهي التي نذرت حياتها لجمع شمل الأسرة حتى ولو داست على أشواك الذل والمهانة وتجرعت سم المعاناة، دون أن تكل وتطرق أبواب مراكز الاستماع لضحايا العنف الأسري خوفا من انتهاك قداسة الأسرة و "تشتيتها". ودون أن تلجأ للقانون لمتابعة رب العمل أو زبون تحرش بها أو بخس أحد أهم حقوقها خوفا من الطرد وفقدان مصدرالقوت الوحيد ، وهي التي تجاهد في سبيل تغيير ظروف عيشها وتأمين حياة أبنائها وجني أبسط حقوقها أوعلى الأقل الاعتراف بإنسانيتها. مهما حاولت تجاهلها وحاولت الهرب، ستظل نظراتها الملأى بأحاسيس الألم والمهانة تطاردك في كل وقت وفي كل مكان، وجه تعلوه صفرة فاقعة، أخفت ملامحها الأصلية ، ترغم على توزيع الابتسامات هنا وهناك حتى ولو كانت منهكة وما بداخلها يتمزق...تحاول جاهدة تجاهل تلك العيون الوحشية التي تلتهم جسدها بنهم وشراهة، لتضاعف حجم معاناتها وألمها، لا تملك في الحياة إلا خيارين أحلاهما مر ، إما الصبر أو الطرد. هي واحدة من بين ملايين النساء اللواتي في وضعية مزرية ومؤلمة لا ذنب لهن إلا أنهن وقعن ضحايا الاستغلال الرأسمالي الجشع، والليبرالية المتوحشة، خادمات تحت أعتاب المذلة ، عاملات في الحقول والضيعات في ظروف قاسية صيفا وشتاء ، نادلات في المقاهي يتعرضن لأبشع المضايقات، وغيرهن دفن أرواحهن في بيوت الرذيلة والدعارة وبقي الجسد مشردا هنا وهناك ، وأخريات يتجرعن مرارة العيش في غياهب القرى ، وكثير منهن يتسولن في الطرقات والشوارع بلا كرامة ودون حق في العيش ، هل هذه الفئة تعد مجرد جمهور غفير مطالب بأن يتفرج ويصفق لعرض يوم المرأة العالمي ؟وإذا كانت غير ذلك فأين نصيبها من كعكة هذا الاحتفال الضخم؟ وضعية هؤلاء النساء تتطلب مضاعفة الجهود المبذولة من طرف الدولة والمجتمع المدني، لتحسين أوضاعهن المادية والمعنوية، و ضمان حمايتهن في قانون الشغل...حتى لا تظل كلمة الطلاق والطرد بطاقة مفزعة يشهرها صاحب الرأسمال في وجه المرأة، كلما طالبت بأبسط حقوقها ، وفي ظل هاته الظروف لا يمكننا الحديث عن الاحتفال بعيد المرأة في المغرب بصيغة الجمع ، مادامت هذه الفئة تعاني أبشع أنواع التهميش والاقصاء والاستغلال...وسيتسنى لنا الحديث عنه يوم تحصل كل النساء المغربيات على حقوقهن كاملة ويوم تتحررن من قيودهن الفكرية والمادية ومن الاستغلال الجشع الذي تتعرضن له في كل زمان ومكان.