ارتفعت في الآونة الأخيرة أصوات معاناة خادمات مغربيات داخل بلدان الخليج وخاصة بالمملكة العربية السعودية، فساهمت في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت أخبارهن تنتشر بشكل سريع، فتفاعل معها الرأي العام الوطني والدولي، فوصلت بعض القضايا إلى قبة البرلمان ومنها معاناة خادمة مغربية في الثلاثين من عمرها كانت في سجن «القريات» في منطقة الجوف شمال السعودية، لأكثر من ستة أشهر بدون تهمة واضحة حسب روايتها، ولا محاكمة، وذلك بعد محاولاتها رفع دعوى ضد كفيلها0 وتشكو هذه الفتاة في التسجيل ذاته الذي تروي فيه معاناتها الإنسانية من أنها ولمدة ستة أشهر لم تتلقى أية مساعدة قانونية من طرف القنصلية والسفارة المغربية بالرياض وهي في حالة اعتقال دون محاكمة ولا تهمة واضحة، غير أنه وبعدما تم التطرق إلى مشكلتها تم الإفراج عنها. قصة هذه الفتاة هي مجرد مشهد من مئات القصص التي تدور حول معاناة المغربيات اللواتي يكابدن بسبب العمالة المنزلية بالسعودية، والتي ليست حديثة العهد، فلطالما تواترت حكايات عن ما تقاسيه عدد من النساء المغربيات داخل عدد من المنازل التي يتم الاشتغال بها بالسعودية، وظلت هذه «الروايات» حبيسة الجدران بين الجيران والأقارب تلوكها الألسن وتكررها في كل مناسبة وحين. معاناة المغربيات جزء لا يتجزأ من مشاكل العمالة بدول الخليج ونظام الكفيل الذي يجعل العامل «عبدا» لمشغله وذلك لكونه لا يسمح له بالعمل في مكان آخر دون إذنه فضلا عن احتجاز الوثائق الرسمية، إذ أن الجهل بالقوانين يجعل الخادمات المغربيات يصدمن بتعقيدات لها علاقة بالإقامة وتعويض الكفيل ماديا في حالة الرغبة في العودة إلى أرض الوطن. بعد توالي الأحداث وارتفاع الأصوات الحقوقية، تم تداول وثيقة صادرة عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون تؤكد أنه انطلاقا من يوم 7 دجنبر الحالي تم التوقف عن التصديق على الوثائق المطلوبة لإنجاز عقود العمل في مجال الخدمة المنزلية الخاصة بالمواطنات المغربيات اللواتي يرغبن في التوجه إلى الديار السعودية.صدور مثل هذا القرار يأتي في ظل غياب أي تعاون بين المغرب والسعودية في هذا المجال، خاصة وأنه تبين أن ما نشرته عدد من وسائل الإعلام السعودية عن شروع مكاتب متخصصة في جلب اليد العاملة من النساء للمنازل ووضع عدد من الشروط التي ينبغي توفرها في النساء، ومنها السن، لكن لا يوجد أي توقيع على أي اتفاق رسمي حول موضوع استقدام العاملات المغربيات، بل إن كل ما في الأمر أن «الدورة 12 من اجتماعات اللجنة المشتركة المغربية السعودية خلصت إلى تشكيل لجنة فنية متخصصة بين الجهات المعنية لدراسة كافة أوجه التعاون في مجال استقدام اليد العاملة المغربية بصفة عامة، وأن ما تمت مناقشته اقتصر دائما على تشجيع تنقل اليد العاملة المغربية في إطار الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات.ولعل موضوع العاملات المغربيات يطرح العديد من الإشكالات القانونية والاجتماعية تتطلب حملة تحسيسية في صفوف هذه الفئة حتى لا تسقط ضحية الجهل بالقانون، علاوة على التوعية بالخطوات التي ينبغي اتخاذها في حالة حدوث مشاكل داخل المملكة العربية السعودية أو غيرها من البلدان. وحسب أحد المسؤولين السعوديين بالمغرب فإن الأمر يتطلب تحسيسا وتوعية في صفوف اليد العاملة التي ترغب في التوجه إلى أي بلد بصفة عامة، مؤكدا أن السفارة السعودية بالمغرب تتلقى اتصالات من لدن عائلات مغربية لديها مشاكل مع مشغلين في السعودية، والحال أن الذي ينبغي أن يتم الاتصال به هو السفارة المغربية بالرياض، وكذا شرطة السعودية، هذا مجرد مثال على القضايا التي ينبغي التوعية بها، وفق قول المصدر ذاته. وفي هذا السياق يرى الدكتور عبد الهادي الحلحولي، أستاذ علم الاجتماع، جامعة السلطان مولاي سليمان، ببني ملال، أن جل الممارسات الاجتماعية تجاه الخادمات بشكل عام، وبدول الخليج، ترتبط بطبيعة التمثلات الاجتماعية التي أنتجت تجاه هذه الفئات الاجتماعية كفئات هي تحت «رحمة الكفيل» وما يوازي ذلك من انتظارات ( الطاعة مثلا)، على الرغم من الحديث عن بداية العمل داخل البيوت بعقود عمل، والتي تتحول في غالب الأعم إلى مطية، تستغل سواء من قبل الباحثين عن خادمات بيوت أو من قبل اللواتي يردن العمل بشكل عام بدول الخليج، فتخترن إبرام عقد عمل كخادمة، وهي في الغالب، يمكن اعتبارها كاستراتيجية اجتماعية، توظفنها لتحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها سهولة الانتقال إلى دولة من دول الخليج، التي حققت نموا اقتصاديا في العقود الأخيرة. وعموما فإن معاناة هؤلاء النساء لا ينبغي أن تحجب عنا قصصا ناجحة لخادمات مغربيات استطعن الاندماج داخل المجتمع السعودي ويعاملن بكل احترام وإنسانية ويحصلن على كل مستحقاتهن المالية. خادمات تحول حلمهن بالمال الوفير إلى كابوس يجثم على أنفاسهن جميلة حلق شعرها بعد سجنها ونزهة احتجزتها مواطنتها المغربية فتيات في مقتبل العمر، ونساء متوسطات السن، راودهن حلم الذهاب إلى الديار السعودية من أجل تحسين ظروف عيشهن والعمل كخادمات لدى أسر ثرية تغدق عليهن المال الوفير ويؤدين العمرة أو الحج، فتحول حلمهن إلى كابوس يطاردهن بين الفينة والأخرى، بعدما تجرعن مرارة المعاناة في بيوت خلت من كل إنسانية وآدمية..هي قصص مؤلمة لنساء مغربيات تنقلها «المساء» بعد لقائها معهن بعدما اخترن الهجرة للشغل، فاختلفت حكاياتهن باختلاف أوضاع ونفسيات مشغليهن. حلق للشعر والملابس جميلة، تبلغ من العمر حوالي أربعين سنة، تتحدر من مدينة فاس، بدأت حكايتها مع الهجرة عندما تعرفت على «نكافة» أخبرتها أنها تعرف وسيطة تقوم بتهجير الفتيات نحو الخليج، طلبت منها جميلة مقابلتها بمعية صديقة لها، من أجل الحصول على عقدة عمل بالديار السعودية.حصلت هذه السيدة على عقدة عمل للاشتغال مع أسرة معروفة بالسعودية، لكنها فوجئت عندما وجدت نفسها في البادية في ضيافة أسرة سعودية لديها الكثير من المواشي والأبقار، حيث تم تكليفها بكنس الحظيرة وهي المهمة التي لم يسبق أن قامت بها. بدأت قصة جميلة، على حد تعبيرها، مع الكثير من الإهانات والاعتداءات، خاصة عندما تم حلق شعرها بالقوة وتعنيفها علاوة على حرق ملابسها وطردها من المنزل دون أبسط حقوق، فكانت تبيت الليل في درج المنزل دون رحمة ولا شفقة. تحكي المتحدثة ذاتها أنها منذ بداية عملها بالسعودية لم يتم توفير أي سكن لها، كما لم تتلقى تعويضاتها لمدة 13 شهرا، وفي كل مرة تطالب فيها بتعويضاتها ومستحقاتها تنال من التنكيل والسب والشتم ما يعجز اللسان عن وصفه، فلم تجد حلا سوى الذهاب إلى مركز الشرطة أملا في إنصافها، غير أنه بمجرد وصولها أصبح «الجلاد هو الضحية» وتم سجنها لمدة 22 يوما بدون أي تهمة تقتضي قضاءها تلك المدة داخل القضبان. واستطردت جميلة قائلة إنه بعد خروجها من السجن، أخدها الكفيل وأعادها إلى المنزل عنوة لكنه بعدما أبدت رفضها القاطع لاستمرارها في العمل لديه اصطحبها إلى المطار لتعود إلى المغرب ونفسيتها منهارة. التحرش والاحتجاز لم تنسى جميلة ما كان يقدم عليه رب الأسرة وشقيقه عندما تحرشا بها لعدة مرات، وطلبا منها مضاجعتها، لكنها رفضت على اعتبار أنها لم تأت إلى السعودية من أجل الدعارة، بل جاءت للعمل من أجل أن تعيل أسرتها التي تنتظر أن تتوصل بما جنته من مبالغ مالية لتسديد مصاريف الكراء والدواء وغيرها من المتطلبات المعيشية اليومية، غير أن رفضها الانصياع لرغبات ونزوات رب الأسرة الكفيلة وشقيقه له ثمن آخر هو الضرب والرفس والبصق وغيرها من الاعتداءات. ما عاشته جميلة من معاناة جعلها تعتقد أن جل الأسر الكفيلة قاسية وقلوبها خالية من الرحمة والشفقة، وتعامل الخادمات أسوأ معاملة ولا تراعي ظروفهن، خاصة أنهن اخترن الغربة والعمل في المنازل من أجل الحصول على مستحقات تضمن لهن لقمة العيش الكريم ولأسرهن، لكن سرعان ما يتحطم حلمهن ويتحول إلى كابوس يطاردهن طيلة حياتهن. أصرت جميلة على أن توجه نداء خاصا إلى كل المغربيات الراغبات في العمل بدول الخليج، على أن يتراجعن عن هذا القرار لأنهن سيجدن واقعا غير الذي يؤثثه لهن وسطاء وسماسرة تصدير البشر بغية الحصول على مبالغ مالية من هذه الوساطة دون مبالاة بالمصير الذي ينتظر الراغبات في السفر. التحرش والمضاجعة بالقوة تركت عائشة منطقة تونفيت التي تتحدر منها بعد طلاقها رغبة في إيجاد عمل يمكنها من توفير الحاجيات الضرورية لابنتها ولأسرتها الصغيرة، خاصة وأن أباها دون عمل ويعاني من إعاقة جسدية، تقول إنها تمكنت من التعرف على وسيط يتاجر في عقود العمل الخاصة بالتهجير نحو دول الخليج، طلب منها مبلغ 20 ألف درهم من أجل الحصول على عقدة عمل تسمح لها بالسفر إلى السعودية. بالفعل غادرت إلى السعودية وهي مليئة بالأحلام التي لم تكن تعلم أنها ستتهاوى في أول يوم قابلت فيه أسرة سعودية والكفيل يعمل في صفوف الأمن، في كل مرة تعيش أحداثا مختلفة، لكنه الحدث الكبير الذي لم تستطع الرضوخ له هو عندما حاول الكفيل التحرش بها ومحاولة مضاجعتها بالقوة، وبعد مقاومتها للفعل بدأ يعنفها لكنها تمكنت من الفرار وطلبت ترحيلها إلى المغرب. لم تخف عائشة أن سفرها لم يحد من معاناتها بل زادها ذلك معاناة أخرى، حيث تعاني من توتر الأعصاب علاوة على إصابتها باضطرابات نفسية حادة، حالها حال الكثير من خادمات البيوت في تلك البلدان، تضيف عائشة أن غالبيتهن تعرضن للتحرش والاعتداء ما خلف لديهن اضطرابات نفسية. وبدورها تنصح عائشة كل فتاة ترغب في التوجه إلى العمل في دول الخليج ألا تتسرع في اتخاذ القرار الذي قد يكلفها شرفها أو صحتها أو حياتها لا قدر الله، لأنه ليس كل شيء يصوره الوسطاء حقيقة وأن السعودية ليست «جنة» أو «نعيم» على حد قولها، فالعمالة المنزلية تكلف الكثير. رحل وترك طفله المعاق قضت ليلى ثماني سنوات بالديار السعودية، حيث سافرت في صيف 2006 من أجل البحث عن عمل بعدما وجدت كل الأبواب موصدة في وجهها، وهي التي دأبت على التكفل بمصاريف أسرتها الصغيرة من ألفها إلى يائها، بسبب فقر والديها وحاجة إخوتها الذين تكبرهم إلى مساعدتها من أجل إيصالهم إلى سن يسمح لهم بالعمل. عقدت ليلى كل آمالها على الهجرة نحو السعودية، فحصلت عبر وسيط على عقد عمل يسمح لها بالسفر إلى السعودية من أجل العمل لدى كفيل، كمربية، إثر وصولها استقبلها الكفيل، فحدد لها المهام التي يتعين عليها القيام بها والمتمثلة في تربية ابنه المعاق، والاعتناء به كما يجب. شرعت ليلى في الاعتناء بالطفل المعاق، كانت زوجته تعاملها باحترام وإن كانت تتوجس منها بسبب سمعة «المغربيات»، غير أنه كان «يخون زوجته مع إحدى المغربيات التي كان يستقدمها إلى بيته في غياب زوجته التي كانت تعمل أستاذة»، تقول ليلى، لكن ذلك لم يكن يعنيها، وفق قولها، لأنها جاءت من أجل العمل وأن أي تدخل خارج هذا الإطار قد يعرضها للطرد وقد يكون سببا في تشتيت الأسرة والمس بسمعتها رغم أن الزوج مذنب بسبب خيانته لزوجته، على حد تعبير ليلى، التي لم تستسغ مغادرة الكفيل لبلده رفقة عشيقته المغربية وترك الجميع دون مصاريف. تقول ليى»بعدما غادر الكفيل بلده رفقة المغربية المذكورة، غادرت زوجته بيت الزوجية عند أهلها، دون ترك أي مصاريف لإعالة الابن الذي يعاني من إعاقة جسدية، ويحتاج إلى الكثير من المتطلبات المادية، واستمر غياب الكفيل أزيد من شهر، ونظرا للوضعية الحرجة للطفل الذي تتولى ليلى العناية به اضطرت إلى طرق باب مؤسسة حقوقية من أجل استشارتها في الموضوع، حيث رفضت مغادرة المنزل وترك الطفل المعاق وحيدا، خاصة وأنها كانت تحبه وترعاه.لم تتمالك ليلى نفسها، إذ انهمرت عيناها بالدموع وهي تتذكر معاناتها تلك، وبدا عليها التأثر والاستغراب من قساوة قلب أب اتجاه ابنه، حيث قالت «كيف يمكن لأب تخلى عن ابنه بهذه الطريقة أن يشفق على خادمة قادمة من المغرب، تبحث عن عمل شريف». ثماني سنوات دون أجر توالت الأيام والسنين، وليلى تتحمل أكثر ولم تكن تثير المشاكل ما دامت الأسرة تعاملها جيدا، وبعد مرور ثماني سنوات قررت العودة إلى المغرب، فرفض الكفيل تمكينها من مستحقاتها المالية، ليكون نصيبها من الأجر ما يعادل شهرين فقط، إذ تم الضغط عليها للتوقيع على التزام يثبت أنها توصلت بكل مستحقاتها، وفي ما إذا رفضت فمصيرها السجن بعد تلفيقها تهمة السرقة التي تعد التهمة الأكثر استخداما لإكراه الخادمات على تنفيذ طلبات الكفيل، تقول ليلى، التي فضلت التوقيع على الالتزام، رغم أن بنوده تتنافى مع الواقع. تعتبر هذه السيدة أن ما قضته بالسعودية يعتبر بالنسبة إليها «ماضي أسود» ونهايته كانت جد قاسية، حيث عندما أرادت مغادرة المملكة السعودية نحو بلدها، رمى بها كفيلها في مطار جدة دون رحمة ولا شفقة ولا مبلغ مالي بل حتى إحدى حقائبها تركتها في المطار بعدما تعذر عليها تسديد ثمن الوزن الزائد للأمتعة المطلوب في شركة الطيران التي أقلتها. لكن تبقى ليلى أكثر حظا من صديقاتها اللواتي تعرضن لشتى أنواع العنف والإهانات، وذلك باعترافها، قائلة «أغلب المغربيات اللواتي يشتغلن خادمات أو مربيات يتعرضن دائما للابتزاز والتهديد وتهضم حقوقهن ويداس على كرامتهن»، لتضيف مستدلة بالمثل الشعبي «اللهم قطران بلادي ولا عسل بلاد الناس» أنها ترى أنه مهما كانت المشاكل التي تعيشها الفتاة في بلدها لا يمكن مقارنتها بما تذوقه من عذاب في بلاد المهجر حتى وإن تحسنت ظروفها المادية في هذه البلدان، لأن كل شيء يكون على حساب كرامتها. مغربية تهين مواطنتها إذا كانت جميلة وعائشة وليلى قد عانين على يد أسر سعودية، فإن نزهة، البالغة من العمر 45 سنة قد واجهت المصاعب والمتاعب على يد مشغلتها التي لم تكن سوى مغربية متزوجة من ثري سعودي، وأن الوسيطة لم تكن سوى شقيقة المغربية التي كانت تسكن بجوارهم بمدينة الدارالبيضاء.تحكي نزهة قصتها قائلة «اقترحت علي سيدة أعرفها بحكم الجوار العمل لدى أختها بالسعودية كمربية والتي كانت توشك على الوضع، فقبلت دون تردد لأنني كنت أرفض العمل لدى أسرة سعودية بعدما سمعت عددا من الحكايات المؤلمة والمؤثرة من لدن عدد من الفتيات اللواتي كن يعملن معي في المصنع، فاعتبرت أن الأمر مختلف لأنني سأعمل عند ابنة بلدي وستشفق علي، كما أنني اعتبرت الأمر فرصة ذهبية من أجل أداء مناسك الحج والعمرة». قامت نزهة بكل الإجراءات الإدارية التي تتطلب السفر إلى السعودية، فتوجهت وكلها أمل في أن ترتاح قليلا من الذهاب والإياب يوميا إلى الحي الصناعي، وإثر وصولها، لم تجد الترحاب الذي كانت تنتظره، إذ كان الشغل الشاق ينتظرها، تحملت هذه السيدة في البداية فاعتبرت أن «الأمر طبيعيا وأنه لا يوجد عمل دون تعب» وأنه يتعين عليها التحمل ما دامت مشغلتها حامل وتحتاج إلى رعاية أكثر. بعد مرور أسبوع أرادت نزهة الاتصال بأسرتها من أجل أن تطمئنهم على حالها فكان المنع هو الجواب، رغم أن هذا كان من ضمن الشروط التي وضعتها نزهة على مشغلتها، لم تستوعب نزهة حرمانها من مكالمة هاتفية للاطمئنان على أسرتها، لتفاجأ بقسوة مشغلتها، التي لم تكن سوى مواطنتها المغربية، هذه الأخيرة طلبت من نزهة نسيان المغرب لأن الأمر يختلف هنا، فلا مجال للحرية والتصرف بأريحية. وتضيف نزهة قائلة «بعد مرور شهر لم أطيق الوضع، لأني كنت مطالبة بالتكفل بكل أعباء المنزل، وكان السب والشتم هو الجواب على كل سؤال، إلى أن وصل الأمر مداه عندما قامت مشغلتي بضربي وحرماني من الأكل لمدة يومين وأغمي علي من شدة الجوع، وكنت لا أريد القيام بأي رد فعل لأنها كانت تهددني بأنها ستبلغ عني الشرطة وتتهمني بالسرقة». وبعد مرور شهرين استطاعت نزهة الحديث خفية مع أسرتها عبر هاتف المنزل، لتبلغهم بأن مشغلتها تحتجزها وتعاملها بسوء، وأنها لا ترغب في البقاء، فلم يكن من أسرتها سوى الاتصال بأسرة مشغلتها بالمغرب ومطالبتها بإعادة ابنتها، لكن دون جدوى. فدية لإطلاق السراح طلبت المشغلة من أسرة خادمتها مبلغ 45 ألف درهم مقابل إرجاعها، وهو ما اعتبر «فدية» وإلا فإنها ستقوم ببيعها لأسرة أخرى، وهو ما جعل أسرتها بالمغرب تعيش في قلق دائم وتوتر مستمر فقامت بإرسال شكاية عبر البريد الإلكتروني للسفارة المغربية بالسعودية، وإبلاغ ابنتها بضرورة فرارها والتوجه إلى أقرب مركز للشرطة بالسعودية، وهو ما قامت به، لتوضع في مأوى ليتم ترحيلها. نزهة تقر بأنها وجدت كل الاحترام والتعامل بإنسانية داخل المأوى من لدن المشرفين عليه، كما أن زوج مشغلتها كان يعاملها جيدا، عكس زوجته المغربية التي وجدت منها كل السوء والقسوة، ولم تحترم كل الوعود التي قدمتها لأسرتها ومنها الاتصال أسبوعيا بأسرتها والتعامل الحسن والأكل الجيد، كما أنها قدمت لها وعودا بأن تؤدي مناسك الحج والعمرة، غير أن كل ذلك كان مجرد وعود وكلام «معسول» يهدف إلى إقناع تزهة بترك عملها داخل مصنع بالدارالبيضاء والهجرة نحو السعودية للعمل هناك. بعدما عادت نزهة تحول بيتها إلى محج لكل الأقارب الذين أتوا من أجل تهنئتها على رجوعها إلى حضن أسرتها وهي سالمة معافاة، وهي التي لم تتصور يوما أنها ستعاني الذل والمهانة على يد مغربية حامل في بلد المهجر، والتي أذاقتها كل أنواع السب والشتم ما تسبب في معاناة نفسية تجتر آلامها، سيما أن نزهة لم يقدر لها أن تكون متزوجة لأنها كابدت من أجل مساعدة والديها على إعالة إخوتها وأخواتها، ونسيت نفسها وسط «مصانع الدارالبيضاء»، على حد قولها، وأن ما جنته هو «المعاناة والحرمان والعيش وحيدة رفقة والدتها المسنة التي تعاني من أمراض مزمنة تتطلب مصاريف مالية مرتفعة». الحلحولي: الممارسات «غير الإنسانية» تجاه الخادمات مرتبطة بطبيعة التمثلات الاجتماعية يرى الدكتور عبد الهادي الحلحولي، أستاذ علم الاجتماع، جامعة السلطان مولاي سليمان، ببني ملال، أن جل الممارسات الاجتماعية تجاه الخادمات بشكل عام، وبدول الخليج، ترتبط بطبيعة التمثلات الاجتماعية التي أنتجت تجاه هذه الفئات الاجتماعية كفئات هي تحث «رحمة الكفيل» وما يوازي ذلك من انتظارات ( الطاعة مثلا)، ويضيف حلحول أنه على الرغم من الحديث عن بداية العمل داخل البيوت بعقود عمل، والتي تتحول في الغالب إلى مطية، تستغل سواء من قبل الباحثين عن خادمات بيوت أو من قبل اللواتي يردن العمل بشكل عام بدول الخليج، فيخترن إبرام عقد عمل كخادمة، وهي في الغالب، يمكن اعتبارها كاستراتيجية اجتماعية، توظفنها لتحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها سهولة الانتقال إلى دولة من دول الخليج. – تتعرض عدد من الخادمات المغربيات بدول الخليج إلى الإهانة والتعسف والتحرش وغيرها من ضروب المعاملة اللا إنسانية، إلى ما تعزون أسباب ذلك؟ قبل أن أجيبك على أسئلتك التي تكتسي أهمية بالغة، أشير إلى أن مقاربة هذا الموضوع بالذات، تتطلب أخذ الكثير من الاحترازات المنهجية، لأنه يستدعي حقول متعددة، فيها ما هو ثقافي – بمعناه الانثروبولوجي بما هو اجتماعي اقتصادي إلى ما هو سياسي. أعني بهذا القول أن الوضع الاجتماعي للخادمات المغربيات بدول الخليج، تظل أهم معالمه «الإهانة والتعسف وأحيانا التحرش». يمكن أن نلخص تلك الاحترازات في أن تناول موضوع الخادمات المغربيات بدول الخليج باعتبارها عربية إسلامية، يستدعي استحضار علاقة الاستبداد والسلطة كعلاقات اجتماعية وثقافية، تكتنف في جلها مظاهر القداسة، والشرف والجاه، وهي كلها تنتمي إلى الذاكرة الجماعية والى التاريخ الخاص بهذه المجتمعات العربية الإسلامية. في المقابل، يمكن القول على منوال الباحث المغربي محمد الناجي إن فهم وضع الخادمات المغربيات، سواء بالمغرب أو بدول الخليج، يحيل على مظاهر الاستبداد، كما سبق الذكر، التي تعرفها هذه المجتمعات العربية على مر التاريخ الاجتماعي والثقافي لهذه الأخيرة. والأكثر من ذلك ظاهرة أخرى لا تقل أهمية عن ما سبق ذكره، يتعلق الأمر بظاهرة الاسترقاق بهذه المجتمعات، دول الخليج نموذجا، بحيث يتحول هذا الاسترقاق إلى محدد أساسي لعلاقة السلطة التي يسعى إلى إنتاجها صاحب البيت مع الخادمة، وما يصاحب ذلك من انتظارات من قبل صاحب البيت/ رب البيت تجاه الخادمة ( أهمها الطاعة، التفاني في الخدمة، العناية…) إذن يمكن إدراج ما عبرت عنه من ممارسات «لا إنسانية « تجاه الخادمات المغربيات من قبل بعض الأسر بدول الخليج، إلى طبيعة البنية التسلطية التي لازالت تشتغل بكيفية دينامية داخل ذهنية العربي المسلم تجاه الخادمة، والتي تحيل على ما عرف عند هذه المجتمعات بظاهرة «الخدم» التي ارتبطت في زمن معين من تاريخ المجتمعات البشرية بالوجاهة الاجتماعية والنفوذ، لكنها تحولت في العقود الأخيرة كضرورة اجتماعية، فرضتها مجموعة من التغيرات التي مست بنية الأدوار الاجتماعية داخل الأسر ( عمل الأم/المرأة، التمدن….).لكن احتفظت جل الممارسات الاجتماعية تجاه الخادمات بشكل عام، وبدول الخليج، بطبيعة التمثلات الاجتماعية التي أنتجت تجاه هذه الفئات الاجتماعية كفئات هي تحت «رحمة الكفيل» وما يوازي ذلك من انتظارات ( الطاعة مثلا)، على الرغم من الحديث عن بداية العمل داخل البيوت بعقود عمل، والتي تتحول في غالب الأعم إلى مطية، تستغل سواء من قبل الباحثين عن خادمات بيوت أو من بين قبل اللواتي يردن العمل بشكل عام بدول الخليج، فتخترن إبرام عقد عمل كخادمات، وهي في الغالب، يمكن اعتبارها كاستراتيجية اجتماعية، توظفنها لتحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها سهولة الانتقال إلى دولة من دول الخليج، التي حققت نموا اقتصاديا في العقود الأخيرة.يحيلنا هذا الأمر على أننا أمام بنية ذهنية، تشتغل من خلال وجود مجموعة من التمثلات الاجتماعية، تتحول إلى أداة أحيانا يوظفها الفاعلون (الخادمة/ صاحب المنزل) لتحقيق غايات غير معلنة من وراء طلب الخدمة أو اللجوء إلى هذه الدول البترولية إن صح التعبير. – هل تنامي هذه الظاهرة ساهم فيه أيضا تساهل القضاء والسلطات مع وسطاء وسماسرة التهجير الذين يجنون أموال طائلة على حساب معاناة المغربيات؟ لا يمكننا القول منذ الوهلة أن هناك تساهلا أم لا، من قبل القضاء والسلطات القضائية عموما، لسبب بسيط، أن تحليل الظواهر الاجتماعية، يستند إلى مجموع الوقائع وليس إلى البحث عن اتهام طرف معين، أي كيف يمكن تفسير تنامي ما عبرت عنه ب«سماسرة التهجير». يمكن القول إن وجود مثل هذه الممارسات، لا يرتبط بهذه الظاهرة قيد التناول، بل ينتمي في نظرنا إلى حركة عالمية، تطورت على الأقل بعد الحرب العالمية الثانية، يتعلق الأمر برغبة حشود كبيرة من مختلف المجتمعات الأقل نموا والأكثر فقرا الهجرة، في البداية نحو الدول التي سميت ب«الصناعية»، وفي العقدين الأخيرين، أصبحت الدول الخليجية وجهة أساسية لنفس الحركة الهجروية العالمية، غير أن الفرق يكمن في طبيعة الفئة الاجتماعية المهاجرة أو التي تطلب الهجرة أو المطلوبة للهجرة أحيانا، فطبيعة الوظيفة والدور الاجتماعيين هما اللذان يحددان الفئة المقبولة على الأقل، للهجرة لدى هذه الدول. ففي ظل هذه الدينامية، تتطور ممارسات اجتماعية موازية، وهي ما عبرت عنه بسماسرة التهجير، لماذا، لأن هؤلاء السماسرة لا تحكمهم الأخلاق، وإنما أخلاقهم تحكمها أهداف، وهي أينما كانت إمكانية الربح الممكن والسريع، فإنه يجد لسلوكه تبريرا أخلاقيا، ويضفي عليه مشروعية. لكن القانون الوطني أو الدولي، واضح في هذا الإطار، أي أنه يجرم مثل هذه الممارسات التي غالبا ما تتخذ صبغة ما يعرف في لغة علم الإجرام ب«المافيات»، وهي تنظيمات غير رسمية، لها منطق اشتغالها، ولها مواردها ووسائلها، أحيانا تتجاوز قوة الدولة، كما هو الأمر في المكسيك أو إيطاليا. – كيف تقيمون تعاطي الدبلوماسية المغربية مع عدد من الحالات، خاصة أن عددا منهن يصرحن أنهن لا يجدن من يصغي إلى شكواهن عند حدوث مشاكل من هذا النوع؟ إذا سمحت لي أن أشير قبل الإجابة على سؤالك، إلى قول أحد السوسيولوجيين الفرنسيين، يتعلق الأمر بميشال كروزيي، بأننا «لا نغير المجتمع بالمرسوم»، في إشارة منه إلى أن قوة التغيير وطبيعة النسق الممأسسة داخل بنية الأفراد، من الصعب مواجهتها بإنتاج مراسيم قانونية أو تنظيمية، للحد من ممارسة معينة أو سلوكات اجتماعية من قبيل ما تعرفه الخادمات المغربيات بدول الخليج. لكن لا يمكن أن ننكر في هذا الإطار، أن الدبلوماسية المغربية، تتجدد بشكل تدريجي، على الأقل في الآونة الأخيرة، وخير دليل هو خطاب ملك المغرب، صاحب الجلالة محمد السادس، الذي دعا بلغة واضحة إلى ضرورة القطع مع عمل دبلوماسي، تُجوز، وأبان عن محدوديته، على الأقل، في تعامله مع الحاجيات الأساسية للمغاربة المقيمين خارج الوطن. لكن سيظل العمل الدبلوماسي محدودا وغير فعال بلغة الطبيب مادام ما تعشيه الخادمات المغربيات من وضع اجتماعي، على الأقل غير مقبول « إنسانيا»، تحملنه كذهنية ويحمل الزبناء ذهنية أخرى، لكل خصائصها ومعالمها، فنصبح أمام عملة واحدة، بوجهين فقط. – كيف ترون أداء الجمعيات الحقوقية في مثل هذه القضايا التي تهم شريحة كبيرة من الراغبات في تحسين مستوى عيشهن؟ أعتقد بأن عمل المجتمع المدني ضروري في مجتمع أضحى معولما، أهم سماته الأساسية، دينامية الحقوق والحريات، وبالتالي، تعتبر الجمعيات التي تنشط في هذا الأساس، فاعلا رئيسيا للقيام بعمليات التحسيس أو باللغة المتداولة؛ توعية هذه الفئات التي تطلب العمل بدول الخليج كخادمات. غير أن الشق الثاني من سؤالك، والذي استحسنته كثيرا، لأنه أكثر دلالة بالمعنى العلمي للكلمة، «…. يهم شريحة كبيرة من الراغبات في تحسين مستوى عيشهن»، يجعنا على الأقل، نستدعي مجموعة من المؤشرات الاجتماعية التي من شأنها أن تسعفنا في فهم لماذا هذا الاستعداد للمغربيات، أو بالأحرى، للأسر المغربية، البحث عن زبون من دول الخليج، لكي «يتعاقد مع بنت واحدة أو أكثر قصد العمل لديه ك«خادمة». لعل ما يفسر على المستوى الماكروسوسيولوجي، هو وضع الفقر والعوز أحيانا، خاصة وأن نسبة الفقر بالمجتمع المغربي تتجاوز 12 مليون فرد، وأن عدد المهاجرين المغاربة هو 5 ملايين تقريبا، بحيث أن كل فرد مهاجر، يعيل بالداخل من 3 إلى 5 أفراد. بمعنى أن الهجرة، ترتبط بشكل واضح على الأقل، من حيث الأرقام والمعطيات الإحصائية، بالفقر والهشاشة الاجتماعية التي تعيشها الأسر المغربية. لذلك، فدور الفاعل الجمعوي رئيسي وجوهري، لكن ليس في الحد من الظاهرة، وإنما التحسيس والاشتغال على الأمد البعيد حتى لا تعيش الأجيال القادمة الوضع النفسي والاجتماعي نفسه داخل بيوت المهجر. – ما هي في رأيكم الحلول للحد من هذه الوضعية المتمثلة في سوء المعاملة التي تطال المغربيات اللواتي يهاجرن من أجل العمل بدول الخليج؟ قبل الإشارة إلى الحلول، أود أن أشير في النهاية، إلى أنه لا يجب أن ننظر إلى هذا الموضوع من زاوية «المجرم والضحية»، بل يجب أن ننظر إلى جل الخصائص التي ترتبط بهذا الوضع الاجتماعي من حيث هو منتوج لبنية اجتماعية، ولنسق من العوامل، يتداخل فيه التاريخي بالثقافي بالاقتصادي. بحيث أن الحلول الممكنة، ترتبط بحجم تنمية المجتمع، وتقليص الفوارق بين فئاته، على الأقل، الذين يعيشون هشاشة اجتماعية ( غياب التطبيب، تدني التعليم، العزلة الجغرافية، انعدام أو هزالة الدخل اليومي، السكن..). قصة خادمة مغربية نصب عليها باسم أمير سعودي حرمان من الاستحمام والصلاة والتهديد بالإجبار على ممارسة الجنس فاطمة شابة في مقتبل العمر، لم يكن بالسهل أن تحكي عن تجربتها التي مرت منها بالسعودية، فذكر هذا الأمر يدخلها في نوبة من الحزن، إذ بعدما أرادت سرد الحكاية بدأت ترتجف وكأنها تعيش التجربة للمرة الثانية، قائلة «كانت البداية عندما تعرفت على وسيطة تعمل في مجال تهجير الفتيات إلى السعودية، واقترحت علي عرضا جيدا، حيث الاتفاق على ثمن «الصفقة»، في 10 آلاف درهم، لتمكينها من عقدة العمل والوثائق المطلوبة، اقتنيت مجموعة من كتب الطبخ من أجل تنمية مهاراتي، خاصة أن هذا هو مجال عملي وفق ما أخبرتني به الوسيطة».أخبرت الوسيطة فاطمة، البالغة من العمر 25 سنة، أنها ستعمل في قصر أمير، لكن نظرا لأميتها وجهلها لكل ما يتعلق ببنود العقد، لم تعد المسألة أي اهتمام لأن ما يهمها هو السفر والعمل، ففرحت فرحا شديدا واعتبرت أن هذه الفرصة ذهبية وثمينة وستنسيها كل سنوات معاناة أسرتها مع الفقر وتحقق كل ما كانت تحلم به. المرحاض..غرفة النوم عند وصولها أول يوم تبين أن الأمر لا يتعلق بأمير، بل بأسرة ثرية، مجرد وصولها إلى مكان عملها، تم تلقينها ثقافة المجتمع السعودي، وطلبت منها زوجة الكفيل عدم مصافحة أحد، اندهشت فاطمة وأخذت تتأمل السكن الفخم وتحلم أنها ستبيت في غرفة تليق بالمقام، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث أخذتها زوجة الكفيل إلى المرحاض وقالت لها «هذا النوم بتاعك» أي أن المرحاض هو المكان المخصص للمبيت، نامت فاطمة في المرحاض الذي لا تخلو جدرانه من أسلاك كهربائية عارية، علاوة على الروائح الكريهة التي تنبعث منه.ذات ليلة لذغت «الجرذان» هذه الشابة، فطلبت من مشغلتها نقلها إلى المستشفى فرفضت ذلك، فتألمت كثيرا وندمت أشد الندم على هجرتها التي كانت سببا في الدوس على أبسط حقوقها وهو النوم في مكان لائق، فلم تستطع إخبار أسرتها بحقيقة الواقع وما تعانيه من مشاكل يومية، كما استغربت من التصرفات التي لقيتها من قبل الأسرة الكفيلة، وتذكرت يوم حل ببيتهم الكفيل ليطمئن الأسرة بأن ابنتها ستعامل أحسن معاملة، وأنها لن تحرم من أي شيء، غير أن الكلام شيء والفعل شيء آخر، إذ أصبحت فاطمة تقوم بكل الأعمال الشاقة لوحدها، تحمل الأريكات وتتكلف بتنظيف جميع الشقق والعمارة مكونة من خمسة طوابق، فتبخر حلمها الذي طالما راودها وهو العمل في الطبخ في قصر أمير. لا للاستحمام وحرمان من الصلاة لم تقف معاناة فاطمة عند هذا الحد، بل كانت تمنع من الاستحمام لعدة شهور، حتى تتسخ وتصبح رائحتها نتنة، غير أن الكفيل وإن كانت معاملته هو الآخر غير لائقة إلا أنه هذه المرة طلب منها الاستحمام، على حد قولها، ولم تستطع أن تخبره بأن زوجته هي التي منعتها من ذلك.استحمت ونظفت جسدها، فلما علمت زوجة الكفيل بذلك بصقت في وجهها لتخاطبها قائلة « من أجل من أنت تستحمين» وهل أتيت للعمل أم للتزيين من أجل استمالة الرجال، مهداة إياها باستقدام «الحبش»، أي العبيد، لممارسة الجنس عليها إذا ما عادت للاستحمام مرة أخرى.لم تنته قصة فاطمة عند هذا الحد بل حتى الصلاة التي فرضها الله على عباده، تحرمها منها، وفي كل مرة تبادر إلى الصلاة تدفعها ربة البيت حتى تسقط على وجهها، ولم يكن بود الخادمة سوى الانصياع لأوامرها مخافة تعذيبها والاعتداء عليها بالضرب المبرح والسب والشتم. استهلاك المنشطات بعد توالي الأيام شعرت فاطمة بأن حالتها الصحية تتدهور يوما بعد يوم، فدخلت في غيبوبة نقلت على إثرها إلى المستشفى وبينت الكشوفات الطبية والتحاليل التي أجريت لها أنها تناولت كمية كبيرة من المخدرات لم يتحملها جسدها الشيء الذي تسبب لها في حالة غيبوبة. وأضافت فاطمة قائلة:»إن المرض وصل بي إلى تقيئ الدم»، موضحة أن الأسرة الكفيلة رفضت في البداية نقلها إلى المستشفى إلى أن تدخلت إحدى صديقاتها المغربيات التي هددت الأسرة بفضحها وتبليغ الشرطة عن حالتها. لم تكن فاطمة تعلم أن «الحبوب» التي كانت تتدعي ربة البيت أنها «فيتامينات» لم تكن سوى مخدرات ومنشطات تجعل قواها تتضاعف وتسمح لها بالقيام بالأعمال المنزلية بدون توقف، بل والأكثر من ذلك أن نوعية الأعمال التي تقوم بها لم تكن تقوى عليها عندما كانت في المغرب، وهو الأمر الذي دفعها للتساؤل عن طبيعة الأقراص التي كانت تتناولها. تذكرت فاطمة لحظة إجبارها وهي تحت العناية المركزة بالمستشفى لا تقوى على الكلام، من طرف شرطة السعودية بالتوقيع على وثيقة تجهل مضمونها، وعندما رفضت هددها الكفيل بالانتقام إذا ما صرحت للشرطة بأن زوجته كانت تعطيها منشطات ومخدرات، وأخبرها أن تقول لهم بأنها حاولت الانتحار. وتؤكد هذه الشابة ل»المساء» أن عددا من الأسر المشغلة تعطي نوعا من المنشطات المحظورة للخادمات يمكن تصنيفها كنوع من المخدرات، وتوهمهن أنها مجرد مسكنات. لحظة العودة وقعت فاطمة على كل ما طلب منها، وكتمت الأمر على أهلها، فعادت إلى وطنها دون إخبار أسرتها، التي فوجئت بعودة ابنتها وهي في حالة يرثى لها، فطلبت من والدتها ألا تخبر أحدا بأنها عادت أخيرا من الديار السعودية خاصة أنها اختارت الدخول إلى منزلها في وقت متأخر من الليل، وطلبت منهم عدم سؤالها عن الأوضاع حتى تسترجع أنفاسها التي ضاعت منها، وتستعيد قواها وقدراتها…الكل فوجئ بكلام فاطمة ولا أحد يعرف ماذا حدث… وعدتهم أنها ستحكي لهم عن كل شيء بالتفصيل شريطة أن تكون مستعدة لذلك. بعد مرور حوالي ثلاثة أيام من عودتها بدأت تسرد لأسرتها تفاصيل التجربة المرة التي عاشتها، فشاركوها الحزن والندم على تجربة لم تجني منها سوى الأسى. وهكذا اصطدم حلم هذه الفتاة بكابوس يطاردها في كل لحظة وحين، إذ رفضت في البداية الحكاية عن كل ماضيها وقصصها المؤلمة بالسعودية، لأن ذلك يوقظ بداخلها جراحا ترغب في أن تندمل، خاصة أنها لم تمر في حياتها بمثل هذه التجربة، ولم تكن تظن أن الشعب السعودي قاسي إلى هذا الحد، ورغم أنها كانت تسمع بحكايات لفتيات كن بالخليج لكن مع ذلك لم يمنعها هذا من اختبار حظها في بلاد المهجر أملا في تغيير الوضع الاجتماعي الذي تعيشه.فاطمة لو عاد بها الزمن إلى الوراء لتمحوا تلك الأسطوانة التي باتت تلاحقها من ذاكرتها التي لم تعد تتحمل ذلك، خاصة أن شقيقتها قضت بدورها مدة سنتين بالسعودية، وحيث تعرضت للتعنيف والتعذيب والاحتجاز، لدرجة أنها حاولت في عدة مرات الانتحار باستخدام شفرة حلاقة مزقت بها أطرافا من يدها، رغبة منها في وضع حد لحياة داس نظام الكفيل على كرامتها. سعوديات يوثقن معاملة خادماتهن ومغاربة يستنكرون الحملة ضد السعودية توالت مقاطع «الفيديو» على موقع «يوتوب» التي تحمل نداءات استغاثة لخادمات مغربيات بالسعودية من أجل إنقاذهن، بلكنة شمالية تحكي سيدة تحمل اسم سعاد عن احتجاز مشغلتها لها والعمل لديها دون عقد ودون راتب بعدما توجه زوجها إلى المغرب من أجل الزواج بثانية والسكن معها هناك ليتنكر ل»الخادمة» بعد مشاكل مع زوجته الأولى بعدما تسلم منها «مالا» على حد تعبيرها.الخادمة المغربية تحكي كيف أنها تعجز عن الفرار من أجل إبلاغ الشرطة السعودية عن وضعها، خاصة أن مشغلتها تهددها بأنها هي صاحبة الأمر والنهي وأنه لا يمكن لها أن تعود لبلدها إلا إذا أرادت هي ذلك، ومن بين المشاكل التي تعانيها هذه السيدة المغربية أنها تعمل لدى أسرة لم توقع معها عقد العمل، بل العقد مع سيدة أخرى تقطن في منزل آخر. بعدما بثت سعاد مقطع «الفيديو» هربت وتوجهت نحو القنصلية المغربية بالسعودية التي أرشدتها إلى الشرطة التي قامت بإعداد محضر من أجل ترحيلها إلى المغرب، وحكت عن معاناتها مع هذه الأسرة بالسعودية حيث قالت «إنها لا تأكل ولا تشرب وتعامل بعنف وليس كإنسانة»، وأن مشغلتها السعودية دائما تسبها بجنسيتها المغربية، التي تعتبر في رأيهم لصيقة بتهم «السحر والشعوذة وخطف الرجال». سعت سعاد إلى الحصول على حريتها خاصة أنها لم تتم ثلاثة أشهر من العمل، لأنه لو أتمت هذه المدة فإنها تصبح مطالبة بأداء مبالغ مالية للكفيل نظير قيامه بإجراءات الحصول على الإقامة. إذا كانت سعاد قد لجأت إلى بث «فيديو» من أجل نقل معاناتها، فإن منى قد لجأت إلى تسجيل صوتي أبرزت فيه معاناتها بأحد البيوت بالسعودية، هذه الشابة التي تبلغ حوالي ثلاث سنوات تم الإفراج عنها من سجن «القريات» بعدما تم تداول قصتها على المستوى الإعلامي، كما وصل الموضوع إلى البرلمان بالمغرب عن طريق النائبة نزهة الوافي، التي وجهت سؤالا كتابيا في الموضوع إلى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون تؤكد فيه أنه « بعد اطلاعها بإمعان على هذا التسجيل الصوتي لفتاة مغربية في الثلاثين من عمرها تقبع حاليا في سجن «القريات» النسائي الموجود بمدينة «القريات» في منطقة الجوف شمال السعودية، لأكثر من ستة أشهر بدون تهمة واضحة حسب روايتها، ولا محاكمة وذلك بعد محاولاتها رفع دعوى ضد كفيلها0 وتشكو هذه الفتاة في التسجيل ذاته التي تروي فيه معاناتها الإنسانية بأنها ولمدة ستة أشهر لم تتلقى أية مساعدة قانونية من طرف القنصلية والسفارة المغربية بالرياض، وهي في حالة اعتقال دون محاكمة ولا تهمة واضحة. وأشارت الوافي، عضو فريق العدالة والتنمية، إلى أنه «بالنظر إلى الوضعية المقلقة لمغربيات الخليج بصفة عامة على مستوى حماية حقوقهن وإنه نظرا للتوصل بصفة مستمرة بشكاوى عدد من العاملات والخادمات المغربيات، فإنه يتعين إحداث آلية للمساعدة القانونية بالقنصليات والسفارات بدول الخليج من أجل مواكبة وضعيتهن وحماية حقوقهن الاجتماعية والمدنية تفعيلا للمقتضى الدستوري السادس عشر».لكن هذه الفتاة التي تحدثت عنها النائبة البرلمانية تم الإفراج عنها بعدما أسمعت صوتها وروت معاناتها لتضع بذلك حدا لمأساتها التي كانت تتجرعها في صمت. لا للتعميم.. نماذج مشرقة إذا كان هناك مغربيات يشتكين من سوء المعاملة بالسعودية، فإنه لا يمكن تعميم ذلك على الجميع، ولعل ما أثير أخيرا بوسائل الإعلام دفع عددا من السعوديات إلى توثيق حسن معاملتهن كما فعلت إحدى السعوديات، التي أظهرت الخادمة المغربية وهي تحكي عن حسن معاملة الأسرة السعودية لها، حيث تسأل المشغلة السيدة المغربية «أمينة «هل نحرمك من الأكل»، لتجيب أدخل المطبخ وآكل، وعما إذا كانت أسرة الكفيلة تعامل الخادمة المغربية باحترام فأجابتها بالإيجاب وأنها تلقى معاملة جيدة. حاولت الكفيلة السعودية أن توضح أن السيدة المغربية لا مشكل لديها للعمل كخادمة لمدة سنتين، وهو الأمر الذي أكدته «آمينة». مصطفى، مغربي مقيم بالسعودية، يحكي عن واقع الخادمات المغربيات بالسعودية قائلا «إن وضع هذه الفئة لا يختلف عن عدد من البلدان، إذ يرتبط بسلوك الأسر التي تستقدم خادمات للعمل لديهن، لا يمكن وضع «البيض في سلة واحدة»، فهناك عائلات سعودية تعامل الخادمات المغربيات بكل احترام وتحسن إليهن وتكرمهن بسخاء، وتساهم في سفر عدد من أفراد أسرهن إلى السعودية من أجل أداء العمرة والحج». هذا الشاب المغربي يرى أنه لا ينبغي مغالطة الرأي العام ونقل فقط الصور المسيئة لمعاملة الخادمات المغربيات، لأن هناك صورا مشرقة تستحق التناول والاهتمام من أجل إيصال صورة للرأي العام مفادها أن هناك أسرا سعودية تعامل الخادمات باحترام وبكل إنسانية، ولا ينبغي التركيز فقط على الحالات المسيئة وإن كانت موجودة على أرض الواقع، لكنها تظل معزولة، على حد تعبيره. وبدورها ترى فاطمة، مغربية مقيمة بالسعودية، أنه لا ينبغي التركيز فقط على سوء المعاملة التي تتلقاه الخادمات من الأسر السعودية، بل ينبغي أيضا الحديث عن معاناة هذه الأسر مع الخادمات الأجنبيات، وكيف يواجهن معاملة سيئة تصل إلى حد قتل أطفالهن، كما حدث للطفلة «تالا» التي قتلتها الخادمة الأندونيسية بشكل بشع ومروع، والتي هزت الرأي العام الدولي والسعودي. هذه المرأة المغربية تحكي عن تجارب أسر سعودية تعرفها عن قرب استطاعت أن تقدم نماذج ناجحة للعلاقة ما بين الكفيل والخادمة، وكيف أنها تصبح جزءا لا يتجزأ من الأسرة، وأنه يتم أداء راتبها الشهري بانتظام ويتم تقديم مكافآت وهدايا نظير الخدمات التي تسديها الخادمة للأسرة. فاطمة، هاجرت إلى السعودية بعد زاوجها من مغربي يعمل أستاذا جامعيا، تنظر إلى الموضوع بنظرة مغايرة، إذ تشير إلى وجود سمعة سيئة للمغربيات بعدد من دول الخليج، وهو ما يجعل بعض النساء بالمشرق يتخذن الحيطة والحذر من كل مغربية، لكن مجرد ما يمر الزمن إلا وتتبدد تلك النظرة مع مرور الوقت، بحسن المعاملة وطول العشرة، حيث تقول «عندما قدمت للسعودية عانيت من النظرة الدونية للمغربيات وإلصاق تهمة السحر والشعوذة، لكن بعد سنوات استطعت الاندماج داخل المجتمع السعودي الذي يعتبر مثله مثل باقي المجتمعات على اختلاف تلويناتها فيها الصالح والطالح». وتورد فاطمة قصة خادمة مغربية تدعى «السعدية» مقيمة بمكة المكرمة تعمل لدى أسرة سعودية منذ 10 سنوات، كل ما التقتها إلا وتثني على مشغليها وتحصي مناقبهم، وكيف استطاعت أن تؤمن مصاريف أبنائها الذين تابعوا دراستهم بالمغرب أحدهم سيتخرج مهندسا خلال السنة المقبلة، إذ بفضل هذا العمل أمنت مستقبل أبنائها الذين تركتهم لدى جدتهم وكيف استطاعت إنقاذهم من الهدر المدرسي لأن حلم حياتها هو أن يصل أبناؤها إلى أعلى المستويات بعدما حرمت من متابعة دراستها بعد زواجها مبكرا، وترملت في عز شبابها لتهاجر إلى السعودية بعدما حصلت على عقد عمل هناك. وترى فاطمة أن ما يحدث من معاناة للمغربيات لا ينبغي ربطه ببلد معين، لأنه يتعلق بطبيعة تربية الأفراد سواء كانوا سعوديين أو مغاربة أو أي جنسية كيفما كانت، إضافة إلى أن عددا من الخادمات المغربيات خربن عددا من الأسر السعودية، على حد قولها، فلا ينبغي إلقاء اللوم على جهة دون النظر إلى الجهة الأخرى، وذلك من باب الإنصاف والعدل. عدد من المغاربة المقيمين في السعودية، والذين تحدثت إليهم «المساء» استنكروا استغلال معاناة الخادمات من أجل القيام بحملة ضد السعودية وهو ما اعتبروه «استهدافا» لكون مثل هذه المشاكل توجد في جميع البلدان وليس السعودية وحدها.