قضايا مجتمعية مثار جدل في المجتمع السعودي تعرض في قالب كوميدي أثار مسلسل سعودي يبث حاليا على قناة «دبي» جدلا افتراضيا حول حضور النساء المغربيات في الدراما الخليجية، وذلك من خلال تمحور حلقة يوم الأربعاء الماضي (25 يوليوز) من هذا المسلسل الكوميدي حول شخصية فتاة مغربية يتم استقدامها إلى بيت خليجي للعمل كخادمة، لتتوالى بعد ذلك أحداث الحكاية بما يقلب كيان وأحوال الأسرة المشغلة رأسا على عقب. نسخة من فيديو الحلقة وخبر «مليكة الشغالة» تناقلتهما مواقع الأنترنت خلال الأيام التي تلت بث الحلقة، وأثارا نقاشا بين رواد الشبكة العنكبوتية، خاصة من المغاربة الذين رأوا في الأمر من جديد إساءة إلى النساء المغربيات وتشويها لسمعتهن وحضورهن في الدراما والمجتمع الخليجيين. فقد اختار المخرج السعودي عبد الخالق الغانم (مخرج «طاش ما طاش») «مليكة الشغالة» عنوانا وشخصية محورية للحلقة السادسة من مسلسله الجديد «مِن الآخر»، مثيرا بذلك، من جديد، قضية لا تخلو من حساسية في العلاقات بين المجتمعين المغربي والسعودي، وهي المتعلقة بهجرة النساء المغربيات للعمل في الدول الخليجية ومن بينها السعودية، حيث سبق أن أثير هذا الموضوع من قبل الدراما الخليجية، من خلال وجهة نظر صناع هذه الدراما من مخرجين ومنتجين وكتاب سيناريو، والتي تعكس بطبيعة الحال نظرة المجتمع الخليجي للمرأة المغربية العاملة هناك. حلقة «مليكة الشغالة» تحكي قصة أسرة خليجية تحتاج إلى خادمة، يتم إحضارها من الخارج، ومنذ البداية، يجعل سيناريو الحلقة عقدة الحكاية مرتبطة بجنسية الخادمة، بحيث يتعمد الزوج إخفاء كونها «مغربية» عن زوجته وأبنائه، ولا يخبرهم بالأمر إلا عند حضورها، مصرا على وضع الأسرة أمام «الأمر الواقع» - عبارة تتردد عدة مرات على لسان شخوص الحلقة- ومتعللا بأن خطأ في مكتب التشغيل كان وراء هذا الأمر الذي ترفضه الزوجة بشدة منذ اللحظة الأولى، خاصة أن الخادمة «المغربية» تتميز بجمالها الصارخ، فهي «مانكان» (عارضة أزياء)، و»صاروخ»، و»حلوة زيادة عن اللزوم». لكن الحاجة الملحة إلى مساعدة في البيت وتبريرات الزوج، تجعل الزوجة ترضخ بشروط وتقبل وضع الخادمة تحت التمرين المؤقت لمدة شهر، وتمنع عنها التعامل مع الزوج أو حتى الحديث إليه. لتتطور الأحداث بعد ذلك وتتمكن الخادمة من أسر قلوب جميع أفراد الأسرة- إلا الزوجة طبعا التي رغم اقتناعها بحس سيرة الخادمة ظلت على حذرها منها- وليختار المخرج نهاية يمكن إدراجها ضمن نهايات السخرية السوداء، بحيث يفضل شاب خاطب لبنات صاحب البيت أن يطلب الخادمة للزواج عوضا عنهن، فتثور ثائرة الزوجة وتأمر زوجها بأخذ الخادمة إلى المطار وترحيلها إلى بلدها في الحين، إلا أن الزوج يختار الرحيل معها... وللأمانة الأدبية، فإن مُشاهد حلقة «مليكة الشغالة» لا يرى أي «شيطنة» من المخرج أو كاتب السيناريو لشخصية الشغالة المغربية، بل على العكس من ذلك، قدمها على أنها فتاة مغلوبة على أمرها جاءت إلى السعودية وهي تعرف حرص المجتمع السعودي على التقاليد والأعراف، ولا تنشد سوى العمل بشرف من أجل إعالة أسرتها الفقيرة في المغرب، وهي وضعية الكثيرات من النساء المهاجرات المغربيات في سائر بلاد المعمور. ومن أول إلى آخر لقطات الحلقة، يلاحظ المشاهد أن الأحداث «تمر على» شخصية «مليكة» الضعيفة بحكم وضعيتها كخادمة. وهي تتصرف بكل لياقة وأدب، وذلك، إضافة إلى جمالها الأخاذ، ما أكسبها إعجاب جميع الشخوص وعلى رأسهم الزوج. بل حتى في آخر لقطة يصحبها الزوج فيها إلى المطار، تبدو جالسة في المقعد الخلفي للسيارة، تلقي بنظرات خوف ووجل إلى مشغلها فيما يوحي بوضوح أنها تجهل مصيرها، وهو ما يحيل على وضعية الخادمة المستضعفة المستغلة أكثر منه على صورة الخادمة اللعوب المحتالة وخاطفة الرجال. وطبيعة المسلسل، الذي يبدو من حلقاته المقدمة خلال الأيام الأولى من رمضان الأكرم، أنه ينتمي إلى نوعية مسلسلات «الكوميديا الهادفة»، بتناوله لقضايا مجتمعية تثير الجدل في المجتمع السعودي والخليجي، فرضت على المخرج وكاتب السيناريو تمرير بعض الرسائل الجدية ضمن القالب الكوميدي، بحيث نجد ابنة صاحب المنزل مثلا تتحدث إلى الخادمة بلطف لتخفف عليها من وطأة إهانة الأم ورفضها لها، فتخبرها أن الأمر لا يتعلق بكونها «سيئة» لأن كل الشعوب فيها السيئ والطيب، ولكن ربما فقط لأنها «حلوة زيادة عن اللزوم»، وهو ما يفيد بأن الحكاية لا تقدم شخصية الخادمة المغربية على أنها امرأة «سيئة» بقدر ما تشير إلى أنها امرأة جميلة جدا وجذابة جدا تسبقها سمعة معينة- وخاطئة- حتى قبل حلولها على المجتمع الخليجي (ومن ثمة جاءت فكرة إخفاء جنسيتها). كما أننا نلاحظ أن الزوج عندما بدأ يسترق النظر إلى خادمته – دون أن يكون هناك في السيناريو أي إشارة واضحة إلى تحرش من قبله أو تحريض من قبلها- يعرِّض نفسه لانتقادات من زميل له في العمل يقول له- جادا وليس هازلا- «اتقوا الله في شغالاتكم». والتحليل الموضوعي يقضي بالقول إن المخرج قدم صورة عن تعامل الخليجيين مع الخادمات المغربيات، قد تكون صورة سائدة أو استثنائية، ولكن إثارة الموضوع في حد ذاته ضمن السلسلة التلفزيونية التي قلنا إنها تتطرق لعدد من القضايا المجتمعية، يوحي بأنها فعلا «ظاهرة» تثير اهتمام المجتمع الخليجي، بغض النظر عن حجمها. وكما قال بعض المعلقين ضمن الجدل الافتراضي على الأنترنت حول القصة، فإنها لا تسيء إلى المرأة المغربية بقدر ما تقدم صورة سلبية عن الرجل الخليجي وعن المجتمع الخليجي الذي يعاني من «عقدة» من النساء المغربيات... وهناك من النساء السعوديات من ذهبن إلى التعليق بأن الإساءة كانت للمرأة السعودية تحديدا بما أن الحكاية قدمتها على أنها امرأة غير جميلة كفاية، غير واثقة في نفسها وفي زوجها، ومتسلطة وقاسية... ومهما يكن من تباين الآراء والقراءات لهذه الحلقة من مسلسل «من الآخر» الذي يظل في النهاية عملا إبداعيا وفنيا يعرض وجهة نظر مبدعيه ويقبل الأخذ والرد في مدى عكسه لحقائق الأمور في الواقع، فإن النقاش حول حضور المرأة المغربية في الدراما الخليجية، يجب أن يرتقي إلى نقاش حقيقي حول حضورها الفعلي في المجتمع الخليجي، ليس فقط كخادمة أو مربية أو مصففة شعر، وكلها مهن شريفة لا تعيب أي امرأة في أخلاقها وسيرتها، مهما كانت جنسيتها، بل هناك أيضا النساء المغربيات العاملات في الخليج في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والفنية، واللواتي اكتسبن سمعة طيبة وصيتا واسعا ليس فقط بجمالهن بل أيضا بكفاءتهن وجدارتهن. وهو لعمري نقاش يفترض به أن لا يظل في حدود غرف الدردشة الافتراضية بل أن يمتد أيضا وأساسا ضمن نقاشات جادة ومسؤولة للدوائر المعنية المكلفة بأوضاع المهاجرين المغاربة، بما يثمر تحسين أوضاعهم تلك حيثما كانوا، وتحسين صورتهم كذلك، سواء في الواقع أو في الدراما.