كان الله في عون شعب الجزائر الشقيقة، والذي لا نرى فيه أنه جار سوء، على ما ابتلي به من مسؤولين جبلوا على السوء وإيذاء الغير والإكثار من الكذب وتزوير التاريخ ونسيان تطلعات شعب في بلد حباها الله بخيرات كثيرة. وزاد الطين بلة قرار العسكر اختيار تبون رئيسا لجزائر المليون شهيد وأكثر من أربعين مليون نسمة أغلبهم شبابا يبحثون عن الشمس. منذ أن حصل ما لم يكن في الحسبان وبعد ان استفاق من صدمة دخوله إلى قصر المرادية وقف بخشوع أمام رئيسه شنقريحة وأقسم على تطبيق الأوامر وعلى رأسها الإكثار من الكلام. ولأن شر البلية ما يضحك، أصبح كلام تبون يلهم أهل الكوميديا ويغذي المراسلات الديبلوماسية بمادة دسمة عن حكامة بلاد ومؤسساتها. ووفاء لسنة سنها وابدع في إتقانها ،أستمر في الكلام غير المباح . وحتى أمام رئيس الدبلوماسية الأميركية بقي الحال كما كان وانطلق الفكر التبوني مسترسلا على لسان عبد المجيد الذي ظن أنه بصدد سرد تاريخ تليد. ظن ان بلينكن بلينكن طالبا في كلية التاريخ المتخيل ونسي أن الجالس إلى جنبه قد يكون قد علم باحتساء مضيفه "عكاز طريق" وفنجان قهوة حتى يتذكر حكاوي زمان. لم ينس التباكي على أطلال حرب رمال كان اسلافه من ناكري الجميل سببا في اشعالها. وقد كتب المؤرخون وخصوصا من اطلعوا على الأرشيف الإستعماري من كان البادئ بالاستفزاز والهجوم. ثم تباكى على محيط جيوسياسي صعب في شرقه بعد ما لحق من هجوم على ليبيا لم تنته اثاره على استقرارها ومر إلى جنوبه عبر بوابات مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا كذلك .و نسي أن أفعال الطغمة التي ولته أمر البلاد كانت ذات فعل كبير في تحويل منطقة الساحل إلى مرتع للحركات الإرهابية وأن الأسلحة الجزائرية المسلمة إلى البوليساريو وصلت إلى يد الإرهاب وأنها أدخلت مؤطرين من حراس الثورة الايرانية إلى مخيمات تندوف وقد يضاف اليهم قوات الفاكنر الروسية. ورغم كل هذا يتباكى تبون وينسى ان النفس النضالي والروح التضامنية التي طبعت شعب المغرب وقيادته خلال كفاح شعب الجزائر من اجل الاستقلال. واكثر من هذا يتناسى ان الملك محمد الخامس رفض فتح ملف الحدود الشرقية مع فرنسا وكان الجزاء نكران جميل وذبح نضالات مشتركة. لولا التضامن لما كان هناك وجود لجبهة وجدة التي تولد عنها من شكلوا قيادة الجزائر غداة الاستقلال. ويستمر التباكي الذي سجله التقرير الأمريكي خلال الزيارة القصيرة جدا للمرادية ولوزارة الخارجية ليخلص إلى الى ان سلطة الكابرانات تعاني من عقدة اسمها وحدة المغرب. وحتى القرارات السيادية للمغرب أصبحت تزعج صباحات قصور حكام الجزائر. كل الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والسياحية والعسكرية والديبلوماسية تلصق بها تهمة "اضعاف الجزائر ". حتى كرة القدم لم تسلم من " عداء المغرب" الذي تسبب في تسجيل هدف خلال الثواني الأخيرة من مباراة كانت الجزائر الاحق فنيا من ربحها وغاب عنها الحظ في رمشة عين. ووصلت حدة "البهلان" إلى حد افتخار تبون بتطابق تواريخ تحرير البلدين مع التأكيد على فرق التوقيت والاشارة إلى قيمة الديمقراطية الامريكية مع الاشارة إلى الديمقراطية الجزائرية تستمد قواعد بناءها من القيم المحلية الخاصة. و هكذا اصبح تبون كثيرا الكلام يشبه إلى حد كبيرا ذلك الثرثار الذي نتذكر انه ازعج صديقه "محب الاختصار ".لا يكاد يوم يمر دون أن نسمع عن اتهام للمغرب. ولم يتخلف تبون عن موعده مع الثرثرة لكي يسافر بضيفه إلى تيمور الشرقية وجنوب افريقيا ويحاول اظهار ان بلاده كان لها دور في الموضوع. وعرج على علاقات المغرب مع موريتانيا وما صاحبها من تجاذبات انتهت ليصل إلى قضية الوحدة الترابية للمغرب ليقول الشيء ونقيضه. ليست لبلاده نية في الصحراء وهذه "مشكلتهم" ثم يعتبر ان دفاع المغرب على وحدته يهدد استقرار الجزائر. ولم ينس استعمال الكذب وذلك بالقول " اننا كنا نحمي المغرب دائما" دون أن يسمي او يبين نوع الخطر او العدو الذي كان يحمينا من شروره. الثرثار يتحالف مع الكذاب لكنه يخونه مع مرور الوقت لان الذاكرة لا تسعف من يختص في الكذب. وبعد ان تكلم تبون كثيرا وحاول تزيين صور الديمقراطية وتدبير الاقتصاد والاهتمام بالشباب واستمرار الاهتمام بالقضايا الديبلوماسية الكبرى وبرر كل ما تعيشه بلاده من صعوبات ترك لضيفه قليلا من الوقت للكلام. بلينكن سمع ونطق بالمختصر المفيد شاكرا الثرثار على " المحادثة المفصلة والمفيدة" مع الإشارة إلى لقاء نظيره وضرورة دعم العلاقات الثنائية والاستثمارات. والأكيد ان الزيارة تطرقت لحقوق الانسان والجوانب الأمنية والتي لا يمكن للدبلوماسية ان تشعر حيالها بالارتياح. وخلاصة القول أن خروج تقرير بلينكن إلى العلن اعتبره اتباع الثرثار تسريبا اقلق كثيرا.