هناك شيء ما يشبه الرغبة في تدمير روسياوأوكرانيا معاً وفي نفس الوقت وليس أحداهما فقط ، ويأتي ذلك بعد تدمير يوغوسلافيا واستعباد بولونيا والحملة الموجهة ضد هنغاريا وغير ذلك ... وعند التمحيص يتبين أن الشيء المشترك بين هذه الدول في أصل تكوينها ليس هو إيديولوجيتها الشيوعية السابقة ، ولا انتماءها للاتحاد السوفياتي أو للمعسكر الشرقي ، بل الأصل المشترك بين هذه الدول والشعوب هو انتماءها جميعا للعرق السلافي ، بجميع قبائله الشمالية والجنوبية الشرقية ، ولذلك هناك ما يثير عندي الإحساس بأننا أمام حرب تصفية عرقية معقدة ومتخفية في رداء الديمقراطية ، وبالرجوع التاريخ القريب ، وخصوصا على مدار القرنين السابق والخالي ، يظهر جليا أن هذه الحرب لن تكون الأولى أو الأخيرة التي يشعلها الغرب ، فالذي أثار العداوة بين السنة والشيعة حتى دمر العراق هو الغرب ، والذي يدعم المنظور العرقي للمغرب العربي ويثير الخلافات والأحقاد هو الغرب ، والذي يؤجج النعرات بين قبائل أفغانستان هو الغرب ، والذي يثير الأقباط ضد المسلمين في مصر هو الغرب ، والذي يشعل النار بين أعراق الشعب الصيني هو الغرب ، وهلم جراً ... المبرر العرقي أصبح بالفعل أسهل الأبواب لدى الغرب لتشتيت الدول والشعوب وتكريس هيمنته عليها ، ثم الظهور برداءِ من يريد الديمقراطية والإصلاح . هذا في الوقت الذي يمنع لا ويحرم في فرنسا الكلام عن خارطة الأعراق التسعة الفرنسيين من باسك وبروطانيين وكطلانيين وألزاسيين وفلاندريين وسكان ساڤوا وفرنسيين ، ويمارس التمييز العرقي ببشاعة في أمريكا حيث أن نصف الرؤساء الأمريكيين إيرلنديين ، وحتى باراك أوباما الذي يعتبر البعض أنه محسوب على الأفرو-أمريكيين في الحقيقة لم يكن ليصل لذلك المنصب لولا أن أمه" آن دونهام" إيرلندية الأصل . ويؤكد ذلك بشكل ما التصريح "الغريب " للرئيس الأمريكي أمس حول الموقف من الاجتياح الروسي لأوكرانيا ، قال بايدن بأنه والحلف الأطلسي لن يتسامحا مع المساس بشبر واحد من تراب دول الحلف ولكنهم لن يتدخلوا في أوكرانيا ( بما أنها ليست عضوًا في الناتو ) ، وسيطرحون غدا مشروع قرار بمجلس الأمن لإدانة روسيا ، ولكن دعونا نقوم بإطلالة على التاريخ القريب : فحين اجتاح الجيش العراقيالكويت في غشت من سنة 1990 ، لم تكن الكويت عضوا في حلف شمال الأطلسي ، ورغم ذلك هبت كل الدول الغربية الأعضاء في الناتو بحماسة بالغة ، باستثناء القلة القليلة منها ، لمعاقبة العراق وصدام حسين بقسوة قل نظيرها في التاريخ وتدميره عسكريا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا ونهب ثرواته وتراثه وتدمير بنيته التحتية وكل مقومات قوته دون الحاجة للجوء إلى مجلس الأمن ، ثم استعمل بعد ذلك مجلس الأمن لإضفاء الشرعية على كل تلك الجرائم وفرض على العراق البرنامج المعروف ب" النفط مقابل الغذاء " من طرف الأممالمتحدة ، قرار مذل ومجحف للشعب العراقي الذي مازال إلى يوم الناس هذا يعيش ويلات ما تم تسويقه على أنه " تحقيق للعدل والديمقراطية " في المنطقة ، برنامج سيبقى وصمة عار على جبين التاريخ ، كانت خلاله الأممالمتحدة ترعى رسميا عملية استنزاف نفط العراق مقابل بعض المواد الغذائية التي تسمح بها أمريكا التي يتم اقتناءها من شركات محددة ، واليوم ها هي روسيا تجتاح أوكرانيا ، وأوكرانيا ليست عضوا في الحلف الأطلسي مثلها مثل الكويت في 1990 ، وروسيا بدورها دولة بترولية مثلها مثل العراق ، ولكن الحلف لم يحرك ساكنا ولم يتجاوز حد التنديد ، وكأننا أمام ما يمكن تسميته ب " جامعة الدول الغربية " على غرار "جامعة الدول العربية " ، وها هي دول الحلف تتداعى لمجلس الأمن لمناقشة قرار يدين " العدوان الروسي " على أوكرانيا ، وكلنا نعلم أن المسألة ليست أكثر من ذر الرماد في العيون ومحاولة فاشلة مسبقا بما أن روسيا تتوفر على حق الفيتو ، وكذلك الصين ، مما يعني أنه مهما كان محتوى القرار الذي سيناقشه مجلس الأمن فان يمر أبداً . أليس غريبا بعد كل هذه الازدواجية وبعد كل هذا التناقض ، أن تهطل التصريحات كالمطر من طرف أمريكا وأوروبا وحلفائهما حول القانون الدولي ؟ عن أي قانون نتكلم هنا ؟ إذا ما الذي تحاول أمريكا وحلفاؤها فعله ؟ هناك فرق شاسع بين " الدفاع عن أوكرانيا " و" تدمير روسيا " ، ويبدو واضحا من خلال الإجراءات التي اتخذها الغرب أنه لا يعبأ بالدفاع عن أوكرانيا وإنما يهمه الهدف الثاني والمتعلق باستدراج وإضعاف روسيا كمنافس نظامي له وكمرحلة أولى لإضعاف المعسكر الذي تشكل روسياوالصين وإيران نواته الصلبة . ولذلك أصبحت كل الاحتمالات تذهب في اتجاه تشكيل حلف عسكري منافس للحلف الأطلسي ، لأن العالم ربما يعيش عملية تصفية عرقية مقنّعة في ثوب الديمقراطية.