عجيب أمر بعض الأبواق الإعلامية التي غالبا ما تتفنن هذه الأيام في رسم شبح الأزمة الاقتصادية، وربط تداعياتها بالسخط والتحاقن الاجتماعي الذي يسعون إلى إيهامنا به، والترويج له بكل ما أوتوا من وسيلة، حتى أننا أصبحنا نشك فعليا عن أي وطن يتحدثون، فهم لا يتورعون فقط عن تضخيم المؤشرات المقلقة للدولة، بل يجتازون ذلك إلى قلب الحقائق وتزييفها، بل وإلى تحجيم المنجزات، وفي الغالب إنكارها جملة وتفصيلا. فجل هذه الأبواق لا تتقن إلا الصيد في الماء العكر في وصف هذه المرحلة بالمرعبة والمقلقة والكارثية، وغيرها من أوصاف تفزع المواطن البسيط. فمهنيتها في انتقائيتها للأخبار والأحداث وللتحاليل التي توافق هواها السياسي والإيديولوجي المنفعي، وتتضح جليا في اختصار كل أسباب هذه الأزمات في سبب واحد ووحيد هو في اعتقادهم وجود السيد بنكيران وحزبه على هرم الحكومة...، من هنا يحق لنا أن نتساءل أولا! كيف أصبحت كل هذه الأبواق بين ليلة وأخرى تفهم جيدا في عالم المال، وتعي وبشكل رهيب دقة هذه الأرقام والمؤشرات الاقتصادية والمالية، وإلى متى أصبحت لها كل هذه اليقظة في حماية المال العام، وفي المحافظة على السلم الاجتماعي. إذ نجد أنها كثيرا ما تستعين في تحليلاتها المغلوطة ببعض أشباه المحللين الذين يسترزقون من تحليلاتهم المخدومة كما وكيفا. كما أنه من حقنا أيضا أن نتساءل أين كان يختبئ كل هؤلاء، طوال هذه المدة، ولما لم يُظهروا كل هذه المسؤولية الوطنية، وهذه الخبرات في التحليل المالي والتوجيه الاستراتيجي للاقتصاد الوطني منذ مدة بعيدة، قبل أن نصل إلى ما وصلنا إليه الآن. أم أن قفشات السيد ابن كيران وخرجاته الإعلامية التي حاول فيها تسليط الضوء على ما يجري تجاذبات في دهاليز الدولة وخزينتها بلغة بسيطة واضحة، أقل ما يمكن أن نقول عنها هو لغة الخشيبات، لم يستفد منها المواطنين البسطاء فقط، بل قد استفادوا هم أيضا منها، حيث ألهمتهم كل هذه الشجاعة والعبقرية المبهرة في الذكاء المالي و التحليل الاستراتيجي. لكن المقرف في الأمر هو كون بعض هؤلاء نفسه من كان وما يزال يدير بعض مؤسسات الدولة المهددة بالإفلاس. وكأن المغرب لم يعرف الأزمة حتى جاء السيد الأزمي إلى الحكومة، حاملا معه مصباح العدالة، وقنديل التنمية، لعله يضيء باب خزينة، طالما شهدت عتباتها المظلمة، مناورات التماسيح، ومناولات بأبخرة العفاريت وألاعيبهم النارية: اختلاسات مازلنا ندفع ثمنها إلى اليوم. وكأنهم يحاولون إطفاء هذا النور الذي وضعه الشعب بباب خزينة أمواله لعله يوقف شيئا من هذا النزيف. فمن يدري قد تحمل لهم الانتخابات التشريعية القريبة أملا في أن تعود الظلمة إلى المكان، ويعودوا إلى غيهم وألاعيبهم القذرة، ويعم بذلك الرخاء جيوبهم، ويملأ الصمت كل هذه الأبواق مرة أخرى، وكل شيء يمر تحت الطاولة "حسي مسي"، ولا يسمع المواطن إلا أهازيج المهرجانات وعاش المغرب بسلام وأمان.