أتشرف اليوم بأخذ الكلمة باسم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية في إطار المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2014. في البداية، أود أن اذكر أننا اليوم بصدد مناقشة مشروع قانون المالية لمنتصف هذه الولاية التشريعية، كان من المنتظر أن تضمنه الحكومة تدابير وإجراءات في مستوى اللحظة والمرحلة التأسيسية الدالة لمواكبة التنزيل الديموقراطي للدستور وتتجه نحو إرساء قواعد تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة. لقد كان بودنا في الفريق الاستقلالي أن يكون هذا المشروع قانونا للمالية فارقا، قاطعا للممارسات التي طبعت تدبير الحكومة الحالية للشأن العام الاقتصادي، ومؤسسا لإصلاحات هيكلية وقطاعية حقيقية قوامها تقييم وتقويم السياسات العمومية. كما أنه كان من المفروض أن يكون كذلك مناسبة للحكومة أن تستلهم من الأزمة نفسها التي يعيشها اقتصادنا اليوم من خلال تشخيص نقدي دقيق لمسبباتها، وذلك بهدف استنباط نموذج تنموي جديد والتفكير في دعائمه التي تمكن من التأسيس للآليات الكفيلة بمواجهة انعكاسات الأزمة الدولية واستشراف مرحلة ما بعد الأزمة واستعادة الدينامية الاقتصادية التي عرفتها بلادنا في العشرية الأخيرة في اتجاه تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لكن من خلال دراستنا للمشروع الذي بين أيدينا يتضح أن الحكومة تخلفت عن هذا الموعد الاقتصادي والمالي الهام، حيث غاب عن مشروع قانون المالية لسنة 2014، النفس السياسي الذي يؤسس لمشروع تنموي متكامل والرؤية الاقتصادية الواضحة الناجعة. فجاء مشروع قانون المالية لهذه السنة مفككا، كالجسد بلا روح وبتوصيفات بلاغية ومحسنات تجميلية لا تمت لهذا الجسد بأي صلة. وهذا يجرني للوقوف على بعض الإشكالات من ناحية الشكل والمضمون السياسي والاقتصادي التي، من وجهة نظري، كانت هي السبب الرئيسي وراء اقتراح الحكومة لهذه الوثيقة الهجينة. النقطة الأولى: هندسة حكومية هجينة مع غياب تحديد الأولويات لعل أحد أهم الأسباب هو أن الهندسة الحالية للحكومة لم تخضع لرؤية إستراتيجية تكاملية تراعي مبدأي النجاعة والفاعلية، ذلك أنه من الواضح أن المنطق الذي ساد مفاوضات تشكيل الحكومة هو منطق الارضاءات «والوزيعة»، حيث غاب تدقيق البرنامج وغاب تحديد الأولويات. إننا أمام حكومة مفككة طبعها تجزيء العديد من القطاعات الوزارية مما يفقدها التكامل والتجانس المطلوب، مع إضافة عدد من القطاعات غابت عن البرنامج الحكومي إلى الهيكلة الحالية. ثم كيف لكم السيد الوزير أن تستندوا على البرنامج الحكومي وهو نفس البرنامج الذي صوت حزبكم ضده، بعد أن انتقد بشدة مضامينه. النقطة الثانية: اللغة التوصيفات المستعملة لتقديم مشروع قانون المالية لسنة 2014 لا تمت (لا لنص المشروع نفسه ولا للواقع الاجتماعي والاقتصادي) بصلة: السيد الوزير، أعتقد جازمة أنه حان الوقت لأن نغير خطاباتنا ونتبنى لغة الحقيقة، لغة تنسجم والواقع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم الذي تعيشه بلادنا. أعتقد أنه ينبغي أن نتوقف عن الخطابات واللغة التي واكبت الطفرة الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها بلادنا خلال العشرية الأولى من 2000. ولنا في الخطابات الملكية السامية خير مثال، فأعلى سلطة في البلاد بدأت تشخص الوضعية الاقتصادية والاجتماعية وتضع يدها على مكامن الضعف والخلل. ومن دون شك، فتشخيص مكامن الخلل والخطابات الواقعية هي وحدها القادرة على بناء الثقة في حاضرنا واستشراف مستقبل أفضل لأبنائنا. فكيف يمكن لكم أن تصفوا مشروع قانون المالية الذي تقدموه اليوم للمناقشة «حلقة في مسلسل الإصلاحات» في حين أن كل مؤشراته المرقمة والتدابير التي تقترحونها تدل على أنه مشروع تقشفي، توجه فقط إلى تقليص عجز الميزانية، من دون أي تدابير وإجراءات لإنعاش الاقتصاد وتحفيز النمو، «عصا في عجلة الاقتصاد» المتوقفة اليوم بفعل أجواء «أللا ثقة» «والانتظارية» التي خلقتها خطابات بعض مكونات الحكومة من جهة، و الإجراءات والتدابير السياسية من جهة أخرى. بل إن المتصفح للوثائق المصاحبة لمشروع القانون يقف مشدوها أمام مدى التحسن والقوة والتنوع الذي يعرفها اقتصادنا الوطني ومدى تحسن الأوضاع الاجتماعية في بلادنا، بل يُخَيل له أنه بصدد الاطلاع على وثائق لاقتصاد بلد آخر، بينما نص مشروع القانون، وهو الذي سيعتمد وسينفذ، في وادٍ آخر لا علاقة له بمضامين التقارير المصاحبة له، ويعكس أزمة عجز المالية العمومية، ومعطياته المرقمة تبرز مدى تأزم الوضعية الاقتصادية والاجتماعية. صحيح أن المشروع يتصدره ويتأسس في توجهاته على التوجيهات الملكية، لكن دون تنزيل حقيقي وفعلي لها. قبل التطرق بالتحليل النقدي لمضامين مشروع قانون المالية، وبتدقيق - كما قلتم السيد الوزير- «للإجابات التي اقترحها هذا المشروع»، إذا كان بالإمكان أن نسمي ما تم تقديمه «إجابات»، سأتطرق الى تحليل الظرفية الاقتصادية والمالية ولتنفيذ قانون المالية لسنة 2013. النقطة الثالثة: الظرفية الاقتصادية والمالية التي واكبت التحضير وتواكب النقاش لمشروع قانون المالية تحليل الوضعية الاقتصادية وتنفيذ قانون المالية لسنة 2013 بغض النظر على مدى مصداقية التقديرات المرتقبة مع نهاية سنة 2013 والمُحَددَة لمعدل النمو في 4,8 في المائة، فان ما تحاولون تمريره السيد الوزير من انتعاش للاقتصاد لا يتلاءم مع ما آلت إليه مؤشرات الميزانية العامة ولا يقبله أي منطق اقتصادي. ففي كل النظريات الاقتصادية، «كلما زادت نسبة العجز في الميزانية العامة للدولة وزاد حجم الدين العام مقارنة بإجمالي الناتج المحلي، وفي غياب آليات إنعاش الاقتصاد، سيكون ذلك على حساب النمو الاقتصادي». إن ما نلاحظ اليوم في الميزانية العامة، إلى غاية شتنبر 2013، مقارنة مع شتنبر 2012 هو تفاقم في عجز الميزانية وفي دين الخزينة: -تفاقم عجز الميزانية بحوالي أزيد من 12,5 مليار درهم، من 30,1 مليار درهم الى 42,5 مليار درهم أي بزيادة تفوق 41 %، -ارتفاع الدين العمومي مقارنة مع الناتج الداخلي الإجمالي من 53 % سنة 2011 إلى أزيد من 62 % مع متم 2013 (اللجوء للدين الخارجي 1,5 مليار دولار في دجنبر 2012، وفي مايو 2013 بقيمة 750 مليون دولار، ومن المنتظر أن تتوجه الحكومة للأسواق الدولية لاقتراض 750 مليون دولار قبل نهاية 2013). وصحيح أنه تم تسجيل تحسن في النمو الاقتصادي خلال الفصل الثاني من سنة 2013 ليبلغ نسبة %5,1 عوض 7 %2, خلال نفس الفترة من سنة 2012، لكن هذا التحسن جاء نتيجة عوامل خارجية وليس نتيجة لسياسة اقتصادية تنموية واضحة المعالم: -المردود الاستثنائي للقطاع الفلاحي خلال الموسم 2013-2012 (97 مليون قنطار)، -بداية تعافي منطقة الأورو من الركود الاقتصادي الذي تواصل لست فصول متتالية، وتواصل التوثرات في المحيط الإقليمي، مما أدى إلى تحسن المداخيل السياحية وعائدات المغاربة القاطنين بالخارج... ثم عن أي انتعاش اقتصادي تتحدثون ؟؟ هل بتحسن ظرفي للناتج الداخلي الإجمالي مرهون بالسنة الفلاحية الجيدة، يمكن أن نقرر بأن الاقتصاد الوطني بدأ يخرج من سباته، تعالوا نمحص إذن المؤشرات التي أعلنتها المندوبية السامية للتخطيط في نفس الوثيقة التي استندتم عليها للاستشهاد في النمو المستقر في 5,1 في المائة خلال الفصل الثاني من 2013 ، فقد: -عرف الناتج الداخلي الإجمالي غير الفلاحي تباطؤا، حيث بلغ نموه 2,5 % خلال الفصل الثاني من سنة 2013، بدل 4,5 % في نفس الفصل من سنة 2012، و5,3 % سنة 2011، و5 % كمتوسط مابين 2000 و2011، -تراجع القيمة المضافة للقطاع الثانوي، الذي سجل انخفاضا بنسبة 0,6 % مقابل ارتفاع بنسبة 1,3 % خلال نفس الفترة من السنة الماضية. ويعزى هذا إلى: -انخفاض في القيمة المضافة لأنشطة البناء والأشغال العمومية بنسبة 4,6 % مقابل ارتفاع قدره 3,5 %، -انخفاض في القيمة المضافة لأنشطة الماء والكهرباء ب 0,9 % عوض ارتفاع 9 %، -نمو متواضع لأنشطة الصناعات التحويلية قدره 0,8 % عوض 1,4 %. -تقلص القيمة المضافة المحدثة في القطاع الثالثي (الخدمات التسويقية وغير التسويقية)، حيث سجلت ارتفاعا نسبته 4,2 %، عوض 5,9 % خلال نفس الفصل من سنة 2012. وسجلت جميع مكونات هذا القطاع تباطؤا في وتيرة النمو: -البريد والمواصلات 11,5 % عوض 22,4 %؛ -الخدمات المقدمة للأسر والمقاولات 3,5 % عوض 4,8 %؛ -الخدمات المالية والتأمينية 0,1 % عوض 6,4 %؛ -خدمات التعليم، الصحة والعمل الاجتماعي 2,5 % عوض 4,8 %؛ كل ذلك، يؤكد أن كل الأنشطة الاقتصادية (القطاع الثاني والثالثي) في تراجع، بل نزلت عن معدل نموها المسجل في العشرية الأخيرة. كل ذلك يجعل هذا الانتعاش الاقتصادي ظرفيا وجاء نتيجة عوامل خارجية des facteurs exogènes وليس نتيجة لسياسة اقتصادية إرادية وفاعلة. هذا الانتعاش لم يتأت نتيجة التدبير الحكومي للشأن الاقتصادي. وفي حقيقة الأمر، فان الاقتصاد الوطني أصبح يعاني أزمة نمو قطاعية : -في قطاع البناء والأشغال العمومية: انخفاض مبيعات الإسمنت وتواصل انخفاض القروض البنكية المقدمة للعقار، -في القطاع الصناعي: تراجع استهلاك الطاقة، حيث تم تسجيل انخفاض استهلاك التيار المرتفع و المتوسط (الموجه أساسا للقطاع الصناعي) وارتفاع مستمر لاستهلاك التيار المنخفض (الموجه للاستعمال المنزلي)، -من بين المؤشرات كذلك، نسجل انخفاض القروض البنكية للتجهيز وارتفاع القروض الموجهة للاستهلاك والموجهة لتسهيلات الخزينة (المقاولات)، -ارتفاع الديون معلقة الأداء ب12,2 في المائة مابين يوليو 2012 ويوليو 2013، مؤشر أخر على الصعوبات التي تعانيها المقاولة، وفي نفس السياق، من المؤشرات التي تدل على تباطؤ الاقتصاد الوطني: -تراجع معدل الاستثمار الإجمالي: %33 من الناتج الداخلي الإجمالي عوض%35 سنة 2012، نتيجة انخفاض الاستثمار العمومي ب 15مليار درهم، -تأثر التكوين الإجمالي لرأس المال الثابت، خلال سنة 2013 بانخفاض الاستثمار العمومي ب 15 مليار درهم من جهة وبتقلص هوامش القدرات التمويلية بالنسبة للقطاع الخاص من جهة أخرى. وسيعرف التكوين الإجمالي لرأس المال الثابت ارتفاعا طفيفا بحوالي 0,5% عوض 2,7% سنة 2012، -تراجع مساهمة التكوين الإجمالي لرأس المال الثابت في الناتج الداخلي الخام من 0,8 نقط سنة 2012 إلى 0,2 نقطة فقط خلال 2013، -وأخيرا، تدهور القدرات التمويلية للاقتصاد من خلال تراجع الادخار الداخلي: لينتقل من %21,1 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2012 إلى %19,7 سنة 2013 إلى %18,4 سنة متوقع سنة 2014، وهو أدنى مستوى عرفه منذ سنة 2000. إن ما يحصل في حقيقة الأمر، السيد الوزير، هو أنكم ما زلتم مستمرين في إنهاك الميزانية العامة والقضاء على هوامش التدخل المتبقية، وذلك من دون اتخاذ: -أي تدابير لتحريك عجلة الاقتصاد بهدف تنمية المداخيل الجبائية، حيث تراجعت المداخيل الضريبية (المباشرة ب 4 %) : انخفاض الضريبة على الشركات ب 12,2 %، تدابير من أجل التحكم في نمط عيش الإدارة، حيث ارتفعت نفقات التسيير والمعدات ب 16 %، ونفقات فوائد الدين ب 19 %، ما بين شتنبر 2012 وشتنبر 2013. في الوقت الذي يلاحظ تقلص نفقات المقاصة ب 8,2 %إلى غاية شتنبر 2013. وقد تم تسجيل هذا الانخفاض خلال الثلاث الأشهر الأخيرة (يونيو، ويوليو وغشت)، وبالتالي لا يمكن للحكومة بأن تتحجج بالغلاف المخصص للمقاصة، بل إن هذه الوضعية تدفعنا إلى التساؤل حول ضرورة الاستعجال في تطبيق نظام المقايسة دون بلورة رؤية مندمجة لإصلاح متكامل. اللهم أن يكون إملاءا ملحا لجهة ما. وبالتالي فلولا اللجوء الاستثنائي للاقتراض الخارجي مرتين في ظرف أقل من ستة أشهر ولولا تعميق عجز الميزانية العامة خلال 2012 وبداية 2013، لما كان في الإمكان أن تستمر بعض منابع النمو في القطاعات غير الفلاحية من ضخ القيمة المضافة الإضافية لتكوين الثروة وخلق فرص الشغل. لكن الاستمرار في نفس النهج «ألا اقتصادي» وغياب التفكير الاستراتيجي ومواصلة الإجهاز على ثقة الفاعلين الاقتصاديين واتخاذ الإجراءات الارتجالية والمعزولة، من دون أن تنتظم في تصور واضح لسياسة اقتصادية إرادية وناجعة ترتكز على تقوية وتحسين القدرات الإنتاجية للاقتصاد الوطني بدأ يلوح ببوادر أزمة نمو. فحتى على مستوى التشغيل، يتم تقديم المؤشرات على أنها جد ايجابية، بالقول أن الاقتصاد الوطني أحدث أزيد من 243 ألف فرصة شغل، ولا يتم تقديم عدد فرص الشغل التي يفقدها الاقتصاد الوطني: -ففي سنة 2012 تم إحداث عدد صاف من فرص الشغل قدر فقط ب 1.000 منصب. رقم مُفْزع لم يسجله الاقتصاد الوطني منذ ثمانينيات القرن الماضي. -أما خلال سنة 2013، التي شهدت تساقطات مطرية مهمة، بالتالي ارتفع الناتج الإجمالي المحلي الفلاحي، تم إحداث 144.000 منصب شغل، منها 136.000 منصب بقطاع «الفلاحة»، وهي فرص غير قارة. -في حين فقد قطاع «البناء والأشغال العمومية» 38.000 فرصة. -ولم يحدث قطاع «الخدمات» سوى 5.000 فرصة، بعدما كان يحدث خلال الخمس سنوات الأخيرة 85.000 فرصة كمعدل سنوي. -وبالتالي العدد الذي يجب الأخذ به في سنة 2012 وبداية 2013، هو فقط 9 ألف فرصة شغل وليس 243 ألف فرصة شغل -وكان على الحكومة أن تفزع من ارتفاع معدل البطالة خصوصا لدى: -الشباب البالغين من العمر ما بين 15 و24 سنة حيث انتقل هذا المعدل بالوسط الحضري من %32,8 إلى %35,2 -والأشخاص الحاصلين على شهادة حيث انتقل بالوسط الحضري من %16,7 إلى %17,9. من أجل كل ذلك السيد الوزير نتحدث على ضرورة التشخيص الحقيقي للواقع الاقتصادي، الذي هو وحده الكفيل بتوضيح معيقات النمو في وتقديم «الإجابات» الحقيقية على إشكالات النمو في بلادنا. ومن هذا المنطلق نخلص إلى أن مشروع قانون المالية لسنة 2014، لم يقدم الإجابات الصحيحة، ما دام أنه لم يتم بعد استيعاب معيقات نمو الاقتصاد الوطني. ونبين فيما يلي أن مشروع قانون المالية لم يرقى إلى مستوى اللحظة ولم يأت بالإجابات المناسبة لرفع التحديات التي تنتظر بلادنا النقطة الرابعة: مشروع قانون المالية 2014: إجابات دون مستوى تطلعات المواطنين والمواطنات سياق تحضير مشروع قانون المالية لسنة 2014: من خلال كل ما سبق، يجب أن نقر وأن نعترف أن هذا المشروع يأتي: -في ظل تنامي تأزم الوضعية الاقتصادية التي تجتازها بلادنا بعد تصدع مختلف المؤشرات الماكرواقتصادية (ارتفاع المديونية الخارجية وعجز الميزانية، عجز الحساب الجاري لميزان الاداءات ...) -وفي ظل تعميق الاحتقان الاجتماعي المتصاعد، بعد الزيادات المتكررة التي همت المحروقات وبعض المواد الأساسية وبالتالي كان من المفروض، وبالواقعية اللازمة، أن يقترح قانون المالية لهذه السنة حلولا حقيقية للأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتداعياتها على المواطنين. وكان من المفروض أن تبرز الواقعية، انطلاقا من الفرضيات، أساس كل توقعات المداخيل والنفقات، إلى غاية التدابير الجبائية وغير الجبائية. كان على الحكومة أن يكون هاجسها الأول هو أن تكون المعطيات المرقمة لمشروع قانون المالية أكثر واقعية حتى تتفادى سيناريوهات لما وقع في سنتي 2012 و2013. فالحكومة تطلع علينا إبان مناقشة قانون المالية بخطاب متفائل يؤكد على أن مشروعها «حلقة أو لبنة في مسلسل الإصلاحات»، وننبه الحكومة أثناء المناقشة على أن مشروعها يجانب الواقع ولا يتضمن التدابير الضرورية لمواجهة الأزمة وإنعاش الاقتصاد. وبمجرد بداية السنة، تبدأ الحكومة في تبني خطاب الأزمة، وأنها بين مطرقة عجز الميزانية وسندان صندوق النقد الدولي، وهاجس سحبه للخط الائتماني الوقائي. ثم تعمد على اتخاذ إجراءات تقشفية، من قبيل الرفع من أسعار المحروقات أو وقف تنفيذ الاستثمارات. ومع ذلك، فان العجز الذي يتم تحقيقه نهاية السنة يفوق العجز المتوقع: -في سنة 2012، توقعت الحكومة عجز الميزانية في 5 %، وتم تحقيق 7,3 % من الناتج الداخلي الخام، وفي سنة 2013، توقعت الحكومة عجز الميزانية في 4,8 %، ثم تحت ضغط صندوق النقد الدولي وبعد تدقيقه لماليتنا العمومية، أعادت الحكومة النظر في عجزها ورفعته الى 5,5 %. واليوم تعرضون السيد الوزير معطيات مرقمة تخص تحيين قانون المالية لسنة 2013، والتي مكنتنا من احتساب عجز المالية لهذه السنة (المداخيل الجبائية وغير الجبائية+ مداخيل الحسابات الخصوصية النفقات الجارية الاستثمار) في حدود 53 مليار درهم أو 6 % من الناتج الداخلي الإجمالي. ورغم كل الجهود المبذولة من المواطنين والمقاولات، عمد السيد رئيس الحكومة إلى إصدار دورية تقضي بوقف اعتمادات الالتزام في نهاية شهر أكتوبر، مما يعني الاقتطاع من جديد من الميزانية المخصصة للاستثمار بحوالي 9 مليار درهم لقد حان الوقت لأن نتعامل بواقعية وبمسؤولية مع المواطنين الذين أصبح لهم الحق دستوريا في المعلومة الدقيقة. ولمزيد أيضا من الشفافية في قانون المالية، سأعمد إلى تسليط الضوء على بعض الفرضيات غير الواقعية ومحاولة تدقيق هذه الفرضيات المعتمدة والمعطيات المرقمة لمشروع قانون المالية. فرضيات مشروع قانون المالية غير واقعية: -أولا: نسجل الغياب غير المبرر لتوقع معدل التضخم -ثانيا: برميل النفط في حدود 105 دولار خلال سنة 2014، أقل من توقعات المؤسسات الدولية والمالية -بما أنه من المتوقع أن يستقر معدل برميل النفط مع متم 2013، في حدود 109 دولار للبرميل، في حين أن قانون المالية لسنة 2013 توقع 105 دولار. -وبما أنه في سنة 2012، استقر معدل البرميل في حدود 111,7 دولار، بينما كان التوقع هو 100 دولار للبرميل. -ونظرا أن أغلب المؤسسات الدولية، كمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق النقد الدولي، تتوقع أن يتراوح معدل سعر النفط خلال 2014 ما بين 108 و110 دولار للبرميل، لا بد من افتراض 108 دولار لبرميل النفط عوض 105 دولار. -وعلى هذا الأساس، فالغلاف اللازم تخصيصه في مشروع قانون المالية وبالاعتماد على الاستهلاك السنوي للمواد المدعمة، هو 41,8 مليار درهم. وبالتالي، فالغلاف الذي تم تخصيصه في المشروع المعروض للنقاش وهو 33 مليار درهم، دون احتساب 2 مليار درهم المخصصة للإجراءات المواكبة (التأمين والمنح المخصصة لقطاع النقل). نستشف من كل ذلك أن الفارق بين الغلاف المخصص للمقاصة المسجل في مشروع قانون المالية (33 مليار درهم) والمتوقع بلوغه مع نهاية 2014 (42 مليار درهم) هو 9 مليار درهم. وهو ما يعني أن الحكومة تعتزم عكسه على المواطنين من خلال رفع أسعار المحروقات. ثالثا: توقع تحقيق 4,2 % كمعدل نمو الاقتصاد الوطني خلال 2014، هو توقع غير واقعي، وبالتالي المداخيل الضريبية المتعلقة بالضريبة على الشركات التي تم توقعها مبالغ فيها. بحسب المندوبية السامية للتخطيط (الميزانية الاستشرافية لسنة 2014: يونيو 2013)، فان الاقتصاد الوطني سيسجل وتيرة نمو في حدود 2,5 %، وذلك بالاعتماد على إنتاج فلاحي يقدر ب 70 مليون قنطار وباحتساب وقع وقف تنفيذ 15 مليار درهم من استثمارات الميزانية العامة. أما المركز المغربي للظرفية (أكتوبر 2013)، فيتوقع 3,7 % كمعدل نمو خلال سنة 2014. بالاعتماد على مجموعة من المعطيات الاقتصادية، يمكن الوقوف على أن تفاؤل الحكومة غير محسوب، حيث أن معدل النمو 4,2 % المعتمد عليه في المشروع غير واقعي. إن الفرضيات المعتمدة لتحديد توقعات النمو للسنة المقبلة، نجد خاصة الموسم الفلاحي والمالية العمومية والمحيط الدولي: بالنسبة للموسم الفلاحي 2013-2014: ترتكز هذه الفرضية على إنتاج للحبوب يناهز 70 مليون قنطار وعلى تعزيز النتائج الجيدة لأنشطة الزراعات الأخرى وتربية الماشية. بالنسبة للمالية العمومية: ترتكز آفاق النمو الاقتصادي سنة 2014 على الساسة المالة العمومة المعتمدة، خاصة فيما يتعلق بالساسة الجبائة: رفع الضريبة على القيمة المضافة ستؤثر سلبا على الاستهلاك الداخلي، حيث من المفترض أن يرتفع توقع بنك المغرب لمعدل التضخم من 2,2 % إلى أزيد من 3 %. (علما أن الحكومة غيبت توقعاتها بخصوص معدل التضخم) بالاستثمار العمومي الذي سيتم تنفيذه: سينخفض من 46,3 مليار درهم سنة 2013 الى 43,7 مليار درهم سنة 2014 (تقليص استثمار الميزانية العامة ب 5,6 % ) ونفقات دعم أسعار الاستهلاك. تقليص نفقات دعم الأسعار في حدود 33 مليار درهم، وعكس تقريبا 9مليار درهم من أسعار المحروقات والمواد الغذائية على المواطنين. المبادلات الخارجية: تحسن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وارتفاع المداخيل السياحية، وزيادة الطلب العالمي الموجه نحو المغرب سنة 2014 بوتيرة %5,7 عوض%1,6 سنة 2013، نتيجة الانتعاش الطفيف لاقتصاد شركائنا الاقتصاديين (الاتحاد الأوروبي). ومن خلال تحيين بعض المعطيات الإحصائية لمكونات الناتج الداخلي الاجمالي، وفق مقياس النموذج التوقعي للمؤشرات الماكرواقتصادية، يمكن الحصول على معطيات مرقمة أكثر واقعية: وهكذا، ستعرف القيمة المضافة الفلاحية انخفاضا ب %3,8، حسب سيناريو متوسط لإنتاج الحبوب يناهز حوالي 70 مليون قنطار، بانخفاض ب %38,6 مقارنة ب 97 مليون قنطار المسجلة سنة 2013. عكس السيناريو غير الواقعي الذي تم تقديمه على أن القيمة المضافة الفلاحية ستنخفض فقط ب 0,3 % ومن المتوقع أن يستقر الأنشطة غير الفلاحية في حدود %3,2، نظرا لوقع وقف تنفيذ 15 مليار درهم من الاستثمارات العمومية، والتي سيبدأ انعكاس أثرها على أنشطة المقاولات خلال 2014، ونظرا لتقلص الاستثمار المرتقب تنفيذه خلال 2014 (ب 5,6 %). والسيناريو المقترح القاضي بتحسن الأنشطة غير الفلاحية بأزيد من 1,7 نقطة مئوية (4,9 %) يصعب تحقيقه وهو يعبر عن تفاؤل غير محسوب من طرف الحكومة. -فمن غير المنطقي ولا يمكن أن ينتقل معدل نمو القطاع الثانوي من 0,6 % إلى 4,5 %. ماذا حصل وسيحصل في اقتصادنا، وماذا اقترح مشروع قانون المالية للنهوض بقطاعات الصناعة والمعادن...لا شيء. فكيف يمكن أن يرتفع نمو القطاع الثانوي ب 4 نقط. فنتيجة للانتعاش المتوقع للقيمة المضافة لقطاع المعادن (تحسن مرتقب لأنشطة المكتب الشريف للفوسفاط)، وكذا تحسن القيمة المضافة للصناعات التحويلية، خاصة مع التحسن المرتقب للطلب العالمي الموجه نحو المغرب وزيادة عدد الشركات العالمية الكبرى العاملة بالمغرب، خاصة بقطاعات صناعة الطائرات وصناعة تحويل الفوسفاط إلى أسمدة وحامض فوسفوري وارتفاع إنتاجية صناعة السيارات، سترتفع القيمة المضافة للقطاع الثانوي، فقط ب 2,6 % سنة 2014. -وبخصوص أنشطة القطاع الثالثي (الخدمات التسويقية والخدمات غير التسويقية)، ارتفاعا ب %4,8، نتيجة تحسن أنشطة الخدمات التسويقية، خاصة قطاعات السياحة والاتصالات والخدمات المالية. -ومن جهة أخرى، ستتغير مكونات الناتج الداخلي الإجمالي على الشكل التالي: -من المنتظر أن يعرف حجم استهلاك الأسر زيادة فقط ب %2,2 عوض %6 سنة 2013، وذلك على اعتبار الزيادات المرتقبة في المواد الغذائية والمحروقات، نتيجة رفع معدل الضريبة على القيمة المضافة وتقليص غلاف المقاصة. وهكذا من المنتظر أن لا تتجاوز مساهمة استهلاك الأسر في نمو الناتج الداخلي الإجمالي 1,2 نقطة عوض 3,6 نقطة سنة 2013. -وبخصوص الطلب الخارجي، ستبقى مساهمته في نمو الناتج الداخلي الإجمالي سالبة، ومن المنتظر أن تتحسن من 1,1 نفطة سالبة الى 0,7 نقطة سالبة: -لولا تراجع الطلب الداخلي، لتحسنت وتيرة نمو الواردات بشكل ملحوظ. لكن من المنتظر أن يستقر نمو الواردات في حدود %3,3. -كما ستستفيد الصادرات من تحسن الطلب العالمي الموجه نحو المغرب، حيث سيعرف حجمها زيادة ب %2,6 عوض %1,3 سنة 2013. وبالتالي، فان المحصلة هو أن النمو الاقتصادي المتوقع خلال سنة 2014 سيستقر في حدود 3,1 %. ويبدو أن هذا المعدل أكثر واقعية، بالنظر إلى المنحى الذي اتخذته مكونات الناتج الداخلي الإجمالي خلال السنتين 2012 و2013، كما أن مشروع قانون المالية لسنة 2014 لم يأت بأي تدابير من شأنها انعاش القطاعات الثانوية، بل التدابير المقترحة تجهز على الطلب الداخلي. هذا في الوقت الذي ما زال فيه اقتصادنا يرتكز على استهلاك الأسر. وعلى هذا الأساس، يمكن إعطاء توقعات أكثر حذرا وواقعية للمعطيات المرقمة لمشروع قانون المالية، على الشكل التالي: -تحسن الضرائب المباشرة ب 3,4 % عوض 4,5 % المقترحة، -تحسن الضرائب غير المباشرة ب 1,2 % عوض 3,3 %، إذن بالاعتماد على فرضيات أكثر واقعية (108 كمتوسط سعر برميل النفط خلال 2014 وأخذا بعين الاعتبار تأثير الرفع من الضريبة على القيمة المضافة، فان عجز الميزانية لسنة 2014 سيستقر في حدود 6,3 % من الناتج الداخلى الإجمالي. للإبقاء على مستوى العجز في نفس المستوى المقترح في المشروع المعروض للنقاش، 4,9 % عوض 6,3 % من الناتج الداخلي الإجمالي، يتوجب البحث عن هوامش إضافية في بنود الميزانية (حوالي 13 مليار درهم) ومن أجل ذلك، أقترح عليكم الاستنارة بمذكرة «جهاد الكرامة» التي سبق لحزب الاستقلال أن وجهها للسيد رئيس الحكومة، والتي ضمنها مجموعة من التدابير التي من شأنها توفير بعض الهوامش الميزانياتية لتمويل العجز. وهكذا، تهم التدابير التي ممكن اقتراحها، تعزيز المداخيل الجبائية والاستثناية وإصلاح حكامة نظام الدعم واسترجاعه من الفئات الغنية المستفيدة ، وهي إجراءات ستمكن من توفير 13,3 مليار درهم، وكذا من الحفاظ على أسعار المحروقات في مستواها الحالي، وعلى مستوى الدعم في حدود 43,8 مليار درهم، بما فيها احتساب التأمين على الأسعار الدولية للبترول (2 مليار درهم) تعزيز المداخيل الجبائية وغير الجبائية (7,8 مليار درهم) :- 3 مليار درهم من خلال القيام بمجهود استثنائي في محاربة الغش والتملص الضريبي عبر تعزيز التحصيل وتكثيف الإحصاءات الضريبية وتقليص الباقي استخلاصه (المسجل على الخزينة العامة للمملكة، وإدارة الضرائب والجمارك وكتاب الضبط بوزارة العدل) الذي بلغ مستويات غير معقولة 66 مليار درهم، وذلك بحسب الموازنة الافتتاحية للدولة إلى غاية 31 دجنبر 2010 _2 مليار درهم كمساهمة للمؤسسات والمنشآت العامة. فبما أن الدولة تعاني من أزمة العجز، وفي حاجة لأذرعها العمومية، يتوجب مراجعة المساهمة الضعيفة لبعض المؤسسات العمومية الكبرى (CDG، BAM، OCP)، وكذا توسيع دائرة المؤسسات المساهِمَة والرفع من المسَاهَمَة، بالاعتماد على قدرتها على صرف الاعتمادات، حيث نلاحظ أن عددا مهم من المؤسسات العمومية لا تستطيع صرف الأغلفة المخصصة للاستثمارات. -2 مليار درهم، كمساهمة الحسابات الخصوصية للخزينة: حيث تم تسجيل فائض في أواخر 2011 يناهز 60 مليار درهم من أصل مجموع موارد بلغ 101.6 مليار درهم؛ -800 مليون درهم من قيمة الهبات الدولية: من خلال تسريع وتيرة السحوبات من الممولين الأجانب بما فيها الاتحاد الأوربي، والتي تخص في مجملها تحسين الحكامة، وتشمل المجالات التالية: الوضع المتقدم/ فك العزلة/ محاربة الثلوث/ إصلاح العدل/ المخطط الأخضر/ المبادرة الوطنية للتنمية البشرية/ الصحة... 3. إصلاح نظام المقاصة (4,5 مليار درهم) 3 مليار درهم، من خلال مراجعة تركيبة أسعار المحروقات، وهو التزام في البرنامج الحكومي. وقد سبق للسيد الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة السابق أن صرح بأن إصلاح نظام الحكامة سيوفر 3 مليار درهم. _1,5 مليار درهم من خلال استرجاع الدعم الذي تستفيد منه الفئات الغنية، عبر استرجاع دعم الفيول الموجه لإنتاج الكهرباء من الفئات الغنية، التي يفوق معدل استهلاكها الشهري 400 أو 500 كيلوواط، وكذا من مستعملي الضغط العالي والمتوسط. 4. الاحتفاظ على المستوى الحالي لنفقات المعدات والنفقات المختلفة 30 مليار درهم عوض 31 مليار درهم المقترحة (1 مليار درهم). فمن غير المقبول أن يتم الزيادة في الاعتمادات المخصصة لنفقات المعدات والحكومة تعاني من عجز في موازنتها، خصوصا وأن المذكرة التوجيهية لقانون المالية أكدت على وقف كل اقتناءات السيارات والبنايات، بل أرجأت حتى الترقيات العادية. ان طريقة تدبير الحكومة للشأن الاقتصادي ستدخل الميزانية العامة في دوامة « تراجع وتيرة نمو المداخيل تؤدي إلى ضرورة تقليص النفقات، وهكذا دواليك...». لكن إلى متى؟؟؟؟ اليوم، خلال سنتين من تدبير الحكومة، نشهد من خلال قوانين المالية التي يتم إعدادها وتنفيذها: تقليص نفقات الاستثمار، تقليص النفقات الاجتماعية، اليوم يتم إرجاء الترقيات وغدا التراجع عن مكتسبات الموظفين..إلى أين؟ وفي المقابل تراجع مقلق للمداخيل الضريبية وغير الضريبية...وارتفاع نفقات الدين. .. إن افتقاد الحكومة لرؤية اقتصادية يجعلها تعيش فقط على ما تبقى من هوامش التدخل ولا تبحث على الطرق المناسبة لتنميتها، حكومة تضحي بالاقتصاد على حساب إجراءات سياسوية..حكومة تقود الاقتصاد الوطني وبالتالي المواطن المغربي إلى المجهول خامسا: مشروع قانون المالية لسنة 2014 بدون أي رؤية اقتصادية وبإجراءات معزولة وعشوائية وبدون تدابير حقيقية لإنعاش الاقتصاد بعد هذا التمرين الهادف لجعل فرضيات والمعطيات المرقمة لمشروع قانون المالية أكثر واقعية، أود أن أعطي بعض الملاحظات حول التدابير المقترحة. لقد كنا ننتظر من الحكومة أن تستفيد من أخطائها والهفوات التي وقعت فيها السنة الماضية، من قبيل: -عدم وضع أي تصور لإنعاش الاقتصاد، -عدم التحكم في قيادة الاقتصاد، -وعدم توقع تفاقم عجز الميزانية في سنة 2012، -ووقف تنفيذ الاستثمارات العمومية، -ورفع أسعار المحروقات، -وكذلك التأخر في وضع القانون التنظيمي للمالية، مما جعل صندوق النقد الدولي يهدد بلادنا بسحب خط الائتمان للوقاية الذي انخرط فيه المغرب في صيف 2012... كما سبق التأكيد على ذلك، لقد جاء مشروع قانون المالية لهذه السنة بلا هوية لا اقتصادية، ولا اجتماعية. وهكذا جاءت الإجراءات والتدابير المقترحة مفككة ومعزولة، تفتقد للخيط الناظم، وللتكامل الضروري لبلوغ الأهداف المرسومة. وفيما يلي بعض الملاحظات: الإصلاح الضريبي -لقد كنا ننتظر من الحكومة، أثناء التحضير أو في أعقاب النقاشات التي تخللت المناظرة الوطنية للجبايات التي تم عقدها أيام 29 و30 أبريل 2013، أن تنخرط في وضع سياسة ضريبية محكمة في اتجاه التأسيس لنموذج تنموي جديد يهدف إلى تحريك عجلة الاقتصاد ومبني على تكثيف وتنويع العرض، خصوصا التصديري. لكن جاءت توصيات المناظرة بإجراءات تقنية من دون أن تنتظم وفق تصور اقتصادي لإصلاح هياكل الاقتصاد الوطني وانعاشه. وكان من المفروض أن تقوم الحكومة في مشروع قانون المالية بوضع سياسة ضريبية كآلية ناجعة وكفيلة بتوجيه النسيج الإنتاجي نحو القطاعات ذات القيمة العالية، وذلك عبر إجراء تقييم شامل للإعفاءات والاستثناءات الضريبية، واقتراح إجراءات ضريبية مبتكرة وغير تقليدية وغير عشوائية لكن جاء مشروع قانون المالية، الوثيقة الوحيدة التي تستطيع من خلالها الحكومة إصلاح المنظومة الضريبية واقتراح إجراءات وتدابير لإنعاش الاقتصاد، فارغا ودون محتوى اقتصادي واجتماعي. فليس التنزيل المنشود للمناظرة، هو: -الاكتفاء بوضع سقف معين لرقم المعاملات (35 مليون درهم) لتضريب الشركات الكبرى المشتغلة في قطاع الفلاحة من دون وضع أي تصور واضح. لقد كان من المفروض وضع نظام جبائي خاص بالقطاع الفلاحي يرتكز على إعفاء الفلاحين الصغار، مع مراعاة القدرات المالية للفلاحين المتوسطين والكبار، وعلى الحفاظ على تنافسية المقاولات الفلاحية. - اختزال إصلاح الضريبة على القيمة المضافة، برفع المعدلات الضريبية من 7 % إلى 10 % أو من %14 إلى 20 %. فليس من المعقول أن يكون هاجس الحكومة هو تحقيق بعض المداخيل الضريبية، والتي قد تكون ضعيفة في اقتصاد يغلب عليه القطاع غير المنظم، بل يجب وضع أي إصلاح وفق منظور جدواه الاقتصادي والاجتماعي. فأي إصلاح للضريبية على القيمة المضافة، يجب أن يتأسس، فضلا عن الإبقاء على معدلين اثنين، على -إحداث معدل للضريبة على القيمة المضافة مرتفع (30 %) على المواد الكمالية (السيارات الفاخرة، واليخوت الخاصة، والمجوهرات والأحجار والكريمة والساعات الفاخرة، واللوحات الفنية...) (إحدى توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي) -وضع نظام يُمَكنْ المقاولات من مستحقاتها من الضريبية على القيمة المضافة، والتي يبلغ حجمها أكثر من عشرة ملايير درهم (بحسب إحصائيات الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب). إن حجم هذه المستحقات المالية لفائدة الفاعلين الاقتصاديين تبقى ضعيفة بالمقارنة مع ما يجب أن تسترده المقاولات من الضريبة على القيمة المضافة، وهو ما يخلق بالنسبة للمقاولة صعوبات تمويلية كبيرة في التزاماتها مع مختلف الفاعلين. -إحداث نظام لإمكانية تسنيد (Titrisation) مستحقات المقاولات من هذه الضريبة. -تغيير الاستثناءات والإعفاءات المعمول بها في الضريبة على القيمة المضافة إلى استثناءات أو إعفاءات تهم إنعاش القطاعات الإنتاجية وتحقيق الاندماج الصناعي. ألم يكن من الأليق بالحكومة، والحزب الذي يقودها والذي بَنَا حملاته الانتخابية على محاربة الفوارق الاجتماعية الصارخة، بوضع الضريبة على الثروة، التي تعد ضرورة على المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الاقتصادي، حيث أن هذه الضريبة ستساهم في تحريك الادخار العقيم، وفي تعبئة الاستثمارات الخاصة. وبما أن النظام الضريبي يعتبر أحد أهم مفردات النموذج الاقتصادي التنموي، حيث أن هدف أي نظام ضريبي هو تحقيق أهداف النموذج الاقتصادي الذي بدوره يحقق السياسة العامة للدولة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، كان يتعين على الحكومة أن تضع سياسة ضريبية وفق منظور اقتصادي من أجل فعالية وتجانس أكبر. لكن غاب التصور الاقتصادي وغابت السياسة الضريبية الملائمة عن مشروع قانون المالية لهذه السنة. تتحدثون في عرضكم عن مجموعة من الإصلاحات ومن الإجراءات، من دون أن نجد لها أي تنزيل في مشروع قانون المالية، حتى خُيٍلَ لي أن العرض هو لقانون مالية آخر غير المعروض للنقاش، ويكفي أن أعطي بعض الأمثلة: -فيما يخص تسريع الإصلاحات الهيكلية وتحسين حكامة وشفافية تدبير السياسات العمومية -تحسين حكامة تدبير العقار، جاءت على شكل عناوين من دون مضمون. في قانون المالية 2013، التزمت الحكومة بتعبئة 42 ألف هكتار للمشاريع الصناعية. لا نعلم ماذا تم في هذا الشأن في غياب تقرير النفقات العقارية. في مشروع هذه السنة التزام آخر للحكومة من دون أي تنزيل في القانون. -أما الإصلاح الضريبي فبقي حبر على ورق ومجرد عناوين: -العنوان الأول: إدماج القطاع غير المهيكل، لكن من دون أي إجراء معين، وتم إغفال وضع نظام خاص بالمقاول الذاتي العنوان الثاني: حذف الإعفاءات غير المبررة، لم يتم إجراء أي تقييم للنفقات الجبائية...ولم يتم حذف أي إعفاء، اللهم الرفع من الضريبة على القيمة المضافة وتضريب القطاع الفلاحي من دون أي تصور. البرنامج الحكومي تحدث عن توجيه الاعفاءات على القطاعات المنتجة والاجتماعية. -العنوان الثالث: تعزيز الثقة بين الإدارة الجبائية والملزمين، في الوقت الذي تواصل فيه هذه الثقة تدهورها من دون اتخاذ لأي إجراء عملي -إصلاح أنظمة التقاعد، وحددتم الإجراءات المتعلقة بالإصلاح، من دون أي إجراء يذكر في مشروع القانون. -فيما يخص تحفيز النمو ودعم الاستثمار والمقاولة وتطوير آليات إنعاش التشغيل -مواصلة دعم الاستثمار العمومي والخاص. ليس حقيقي أن نسوق ارتفاع الاستثمار العمومي. وهنا لا بد أن أشير إلى أن نسبة الانجاز بالنسبة لاستثمارات الميزانية العامة لا تتجاوز 60 في المائة، ونفس الشيء في المؤسسات العمومية، حيث لم تتجاوز نسبة الانجاز 61 % في 2012 (126,6 مليار درهم كتوقعات وأنجز 77,5 مليار درهم في 2012). مما يطرح إشكالية التوقعات وعدم انجاز الاستثمارات المنجزة. فمثلا في القطاعات الاجتماعية والصحة والتربية والتكوين لم تتجاوز نسبة الانجاز 32 في المائة. -ولمزيد من الشفافية في ماليتنا العمومية إذن، يجب توضيح المجهود الاستثماري الحقيقي للحكومة وللمؤسسات العمومية، مع احتساب نسبة الانجاز. وهكذا، فان مبلغ الاستثمارات المرتقب انجازها في 2014 هو حوالي 120 مليار درهم. بينما في 2012 ناهز هذا المبلغ 126 مليار درهم. -وهكذا فقد تقلصت نسبة الاستثمارات المحتمل انجازها من 126 سنة 2012 الى 120 مليار درهم سنة 2014 (أي بنسبة 4 في المائة). -ثم عن أي تحفيز للاستثمار الخاص نتحدث عنه، في الوقت الذي تم فيه تعطيل اجتماعات لجنة الاستثمارات التي يترأسها السيد رئيس الحكومة منذ دجنبر 2012. 2013 سنة بيضاء بالنسبة لهذه اللجنة. -الحكومة تسوق تأهيل البنية التحتية وتطوير الاستراتيجيات القطاعية، لكن المشاريع والبرامج المدرجة هي مشاريع الاستراتيجيات السابقة، من دون أي تجديد أو اقتراح مشاريع جديدة...من شأنها تثمين الاستثمارات المنجزة ومكملة لها. -تقديم مشروع قانون المالية يؤكد على ايلاء أهمية خاصة لدعم المقاولات، لكن بدون أي إجراءات من أجل تعزيز الثقة، وتسهيل التمويل، ودعم التحديث. لكن تم الاكتفاء بسرد بعض التدابير التي لم يتم التنصيص عليها في مشروع قانون المالية، من قبيل تخصيص 20 % من الصفقات لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة أو تسريع آجال الأداء. على العموم، من الممكن أن يعتقد المطلع على العروض بأنها لا تعني مشروع قانون المالية لسنة 2014، لا على صعيد التوجهات ولا على صعيد الخطوط والتدابير المعلنة. فالمشروع حمل توجهات سلبية، سواء على مستوى منظومة الإنتاج أو على مستوى منظومة الاستهلاك. -بالنسبة لمنظومة الإنتاج، لم يتضمن مشروع قانون المالية أية تدابير : -ضرورة إنعاش الاقتصاد عبر تقوية وتحسين الإنتاج، خاصة الموجه للتصدير. من المفروض أن تقترح الحكومة رزنامة من التدابير والإجراءات الإرادية والمبتكرة والتحفيزية لاستقطاب الاستثمار الخاص، في اتجاه القطاعات الأكثر إنتاجية والمصدرة وفي اتجاه المهن العالمية للمغرب، وتضع التمويل المناسب، وليس ب 480 مليون درهم المبرمجة في مشروع قانون المالية سنحقق الانبثاق الصناعي (ففي كل دول العالم، يتم وضع مخططات لمواجهة الأزمات وبالتمويل المناسب). -عدم برمجة أية تدابير لتحسين حكامة الاستراتيجيات القطاعية من خلال تنزيل المناظرة حول الحكامة (ما فائدة المناظرات إذا لا يتم تفعيل توصياتها) لتجاوز معيقات التجانس، عبر اقتراح إجراءات وتدابير عملية من شأنها: -الرفع من الانسجام والالتقائية بين مختلف الاستراتيجيات والبرامج، وتحديد الآليات التي من شأنها ضمان تفعيل تلك الإجراءات. -توفير آليات عملية لتمويل واندماج الاستراتيجيات والبرامج القطاعية، واعتماد التمويل على أساس البرامج، عوض التوزيع القطاعي للميزانية. -وضع آليات لتتبع وتقييم الاستراتيجيات والبرامج القطاعية وقياس مدى نجاعتها وانسجامها وتكاملها والتقائيتها. -غياب التكامل والانسجام في الاستثمارات العمومية، حيث كان من المفروض من الحكومة في السنة الماضية توجيه بعض الاستثمارات صوب انجاز مشاريع مكملة لما سبق إنجازه من أوراش تنموية كبرى، وأقطاب جهوية للتنمية وتعزيز قدرتها على استقطاب الاستثمارات الخاصة. -لتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، عبر وضع نظام جبائي للمقاول الذاتي، خاصة وأنه التزام حكومي أثناء مناقشة قانون المالية لسنة 2013 وفي البرنامج الحكومي (مشروع القانون لم يتضمن أي تدبير عكس العرض الذي تقدم بع السيد الوزير المنتدب) _تقليص نفقات استثمار الميزانية العامة المنجزة (من 46,3 مليار درهم سنة 2013 إلى 43,7 مليار درهم برسم 2014) -كما يجهز قانون المالية لسنة 2014 على منظومة الاستهلاك وعلى القدرة الشرائية للمواطنين من خلال: -إرجاء ترقيات الموظفين خلال سنة 2014، -إحداث فقط حوالي 3000 منصب شغل صاف، مع احتساب المحالين على التقاعد، -الغائب الكبير داخل هذا المشروع هو إنعاش التشغيل. لقد أغفلت الحكومة هذا المجال. إن التصور الاقتصادي الواضح وتحريك عجلة الاقتصاد هو وحده الكفيل بتطوير سوق الشغل -الرفع من الضريبة على القيمة المضافة على العديد من المواد الاستهلاكية، وما يعنيه ذلك من رفع للأسعار بصورة عامة في الأسواق الوطنية خلال سنة 2014، -تقليص الغلاف المالي المخصص للمقاصة إلى 33 مليار درهم، وهو ما يعني أن الحكومة تعتزم الزيادة في أسعار المحروقات وفي الفيول، ويمكن في غاز البوطان أو الخبز أو السكر خلال سنة 2014، -غياب أي إجراء اتجاه تقوية وتوسيع الطبقات المتوسطة، علما أن الحكومة السابقة كانت قد وضعت إستراتيجية متكاملة مندمجة في هذا الشأن. إننا في حقيقة الأمر في حزب الاستقلال نتأسف كون الحكومة لم تبلور بعد أية إستراتيجية اقتصادية في اتجاه الرفع من النمو. وهنا لا بد من التأكيد على أن الحكومة حرصت فقط على التحكم في عجز الميزانية. وكأن التحدي اليوم هو التحكم في عجز الميزانية فقط، عوض الرفع من النمو الاقتصادي. إن هذا التفكير لن يؤدي بنا إلاَّ إلى الكساد الاقتصادي. لقد كان من المفروض، أن تنخرط الحكومة في قانونها المالي الثالث، في ترجمة فعلية وحقيقية لتحريك عجلة الاقتصاد في إطار تجديد النموذج التنموي لبلادنا والتحكم في قيادة الاقتصاد من دون الخضوع لإملاءات المؤسسات المالية الدولية، وفي تحقيق التكامل والتجانس الضروري لأجرأة ناجعة للاستراتيجيات القطاعية، وفي إصلاحات حقيقية لنظام المقاصة، للتقاعد ، للمنظومة الضريبية، وفي التنزيل الديمقراطي لمقتضيات الدستور الجديد. على الحكومة أن تعي أنه حان الوقت لوضع تصور اقتصادي إرادي ومندمج من أجل تجاوز نقائص النموذج الاقتصادي المبني فقط على إنعاش الطلب الداخلي، لكن ليس بالإجهاز على القدرة الشرائية للمواطنين، بل بإرساء دعائم نموذج اقتصادي جديد للتنمية، يستمد أسسه من مقومات الاقتصاد الوطني، ومبني على تقوية «العرض» خصوصا التصديري، عبر انتهاج سياسة عمومية ترمي إلى تحفيز شروط الاستثمار الصناعي وتنمية القطاعات الصناعية ذات قيمة مضافة عالية وتوفير الإجراءات المواكبة لتشجيع الصادرات. ان انتقادنا للحكومة ينطلق من رغبة حزب الاستقلال في أن تتعافى من عقمها الاقتصادي وتكف عن التضحية بالاقتصاد لما هو سياسوي، لا يأت بالنفع للبلاد، بل يزيد الوضعية الاقتصادية تأزيما.