كل متطلع إلى مغرب العدل والمساواة لا يسعه إلا أن يصفق كلما أحيل ملف فساد على المحاكم. ولا يمكن، في هذا الإطار، إلا أن نحيي وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، على فتح تحقيق حول التعويضات التي كان يتقاضاها وزير المالية السابق، صلاح الدين مزوار، وخازن المملكة، نور الدين بنسودة، بشكل غير قانوني، خلال فترة تولي مزوار حقيبة المالية في إطار سياسة «عطيني نعطيك». الطريق إلى الديمقراطية يمر من المحاكم. وفي الأنظمة الديمقراطية، لا تفرق العدالة بين الغني والفقير بين «الشاوش» والوزير؛ القضاء يطبق بالتساوي على كل المواطنين كيفما كانت مناصبهم أو حالتهم الاجتماعية، وشعار واحد يرفعه القضاة: «اللي فرط يكرط». في فرنسا -مثلا- حتى رئيس الجمهورية لا يستطيع الإفلات من العدالة، الدستور يمنحه حصانة ظرفية تنتهي بضعة أسابيع بعد أن يغادر قصر الإيليزي. هكذا رأينا كيف «دردك» المحققون على نيكولا ساركوزي بمجرد ما انتهت حصانته، حيث اقتحمت الشرطة بيته ومكتبه لحجز مستندات تفيد التحقيق في قضية المليارديرة ليليان بيتانكور، التي يشتبه في كونها مولت حملته الانتخابية في نسختها الناجحة عام 2007، علما بأن مسلسل ساركوزي مع القضاء مازال في حلقته الأولى، لأن ثمة ملفات أخرى تنتظره، على رأسها ما يعرف ب«قضية كاراتشي» وقضية تمويل حملته الانتخابية من طرف آل القذافي... أما سلفه جاك شيراك فقد أصبح ذا سوابق عدلية بعد إدانته بسنتين حبسا موقوف التنفيذ، وهو في أرذل العمر بلا ذاكرة، بتهمة «تحويل أموال عمومية» و«استغلال النفوذ». وفي إسرائيل، يقضي الرئيس السابق موشي كاتساف عقوبة سبع سنوات سجنا منذ العام الماضي بعد إدانته في قضية اغتصاب، ومن المرجح أن يلحق به رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، الذي تتواصل فصول محاكمته بعدة تهم... القضاء لا يلعب في الدول الديمقراطية. إحالة مسؤولين كبار أمام العدالة يؤكد أن البلاد تسير على الطريق الصحيح، شريطة ألا يكون ذلك مجرد تصفية حسابات. المشكلة أن ثمة مؤشرات تدفع إلى استنتاج أن عدالة «العدالة والتنمية» تتحرك بشكل انتقائي، وانتقامي حتى. كثيرون يرون في اعتقال خالد عليوة وبنعلو وبرق الليل انتقاما من «الاتحاد الاشتراكي» وتصفية حساب مع تجربة التناوب في صيغتها الأولى، ويتساءلون لماذا يوضع عليوة في «عكاشة» رغم أنه مازال في طور المحاكمة ولا يعتقل شخص مثل محمد الفراع صدر في حقه حكم بالسجن؟! كما أن ثمة من يرى في تحريك ملف مزوار مجرد تصفية حساب مع خصم لدود كان في مقدمة «الكتيبة» التي «شكلها» فؤاد عالي الهمة أيام حربه الضروس ضد «العدالة والتنمية». إذا كانت هذه مجرد شائعات، فإن الرميد، كرئيس للنيابة العامة، مطالب بتكذيبها عن طريق الضرب بيد من حديد في ملفات أخرى، ولنستعمل «الخشيبات»: مادام الرميد ضربته «الكبدة» على الأموال العمومية، لأن بنسودة تقاضى عشرة ملايين ومزوار ثمانية ملايين شهريا، ننبهه إلى أن هناك مسؤولين آخرين أخذوا من أموال دافعي الضرائب أضعاف ما أخذه مزوار وبنسودة، دون أن تحرك النيابة العامة ساكنا. هؤلاء توجد فضائحهم بالأرقام في تقرير «المجلس الأعلى للحسابات»، لماذا لا يحيلهم على القضاء؟ مصطفى بنعلي -مثلا- المدير السابق للقناة الثانية كان يتقاضى ثلاثة أضعاف ما يتقاضاه بنسودة كراتب وثلاثة أضعاف ك«بريم»، أي ما مجموعه ستين مليونا في الشهر، والرقم موجود في تقرير الميداوي، مع صفقات يخيم عليها الغموض واختلالات خطيرة في التدبير، جعلته يغادر القناة تاركا ثقبا ماليا كبيرا مازالت «دوزيم» تعاني من تداعياته، وحين أقيل من منصبه عام 2007 وصلت به الوقاحة حد طلب مليار كتعويض عن الاستغناء عن خدماته... لماذا لا يحيل الرميد هذا الملف على القضاء؟ لماذا لم يطلب من بنعلي أن يرجع الأموال التي نهبها من القناة الثانية، أي من جيوب دافعي الضرائب؟ من الذي يحمي بنعلي؟ الجواب بسيط مع الأسف: الذي يحمي بنعلي من «عدالة» الرميد هو من وضعه على رأس القناة الثانية أول مرة، أي نبيل بنعبد الله، وزير السكنى. الرميد لا يمكن أن يغضب أحد أهم حلفائه في الحكومة، بل يوجه الضربات فقط إلى الخصوم في المعارضة، مثل «الاتحاد الاشتراكي» و«التجمع الوطني للأحرار»، ما يعني، في النهاية، أن الملفات في عهد «العدالة والتنمية» تحال على القضاء على سبيل الانتقام، وأن «تسييس القضاء» مازال يهيمن على العدالة المغربية، حتى إشعار آخر.