إن حياة مابعد منتصف الليل، تكون فيها أجساد تتلاوح في الأزقة كأشباح ضائعة، بسبب التغير المفاجئ الذي يطرأ على حياتها الإجتماعية في لحظة وقوع مصيبة، لحظة خروج أحدهم بلا رجعة أو حضور أجله مما يجعلها تحارب الحياة بطريقة غير مشروعة. حيث نجد الظروف تقسوا على الأشخاص الخطأ، و يعانون من الحظ العاثر، فينتج لنا هذه الوحوش وبالتالي فمن هي هذه الوحوش الحزينة ؟ الساعة الآن تشير إلى العاشرة و النصف مساء ناادت على إبنها و إحتضنته أرادت البكاء لكنها قاومت؛ تذكرت بأنها رجل البيت الآن، والرجل لايبكي. ودّعت أمها بقبلة على الجبين و تحاشت نظراتها، تأبطت حقيبتها و انزلقت نحو المجهول سيارات الأجرة تمر وتخفض سرعة تنتظر إشارة منها لم تعرهم انتباها لئن تلك عشرة دراهم هي قيمة لترين من الحليب لإبنها و ثلاث سجائر تنفث فيهما سخطها على هذا المجتمع المنافق خيرا لها من طاكسي عجوز أبله قد يتحرش بها و قد يضيف تسعيرة الليل بدون وجه حق. هكذا خمنت مع نفسها و هي تجر آهاتها معها، وواصلت المسير غير عابئة بنظرات البعض التي تجلدها جَلْداً. فمجرد الخروج في هذه الساعة في حد ذاتها تهمة و ليست كأي تهمة في هذا البلد. وصلت قبل الكل بل عليها أن تصل قبل الكل هي وزميلتها في المستنقع الآدمي كانا أول الواصلين، مرت بجانب حارس السيارات ألقت التحية و لم تنتظر ردا غيرت ملابسها بسرعة البرق في مرحاض العمل و هرولت. في العاشرة مساء سيبدأ توافد الحجاج لتأدية فريضة الشرب فبدأت تجمع قنينات الخمر، و نظفت الأرضية،و أعادت تصفيف الكرسي والطاولات ، ارادت أن تبكي مجددا؛ فتذكرت أمها و ابنها. و ثم لعنت نفسها، لعنت سبب محنتها، لعنت العالم برمته بعدها انحرفت نحو المشرب _لكونطوار_الذي تتزاحم فيه فنينة الخمر(البيرة) و الويسكي وتزاحم الرؤوس الحجاج و تملأ الكؤوس بعناية و لم تنس إطلاق شرارات من عطر فَوَّاح علها تضفي على المكان رائحة زكية. زبون أول ثم زبون ثان ثالث و رابع حتى غصت القاعة موسيقى صاخبة و أصوات تتعال؛ إنهم سكان الليل استفاقوا ساخطين على النوم فالمكان يعج بالسكارى ومن كل الأصناف ، أصحاب السجائر ، الموظف، وبائعات الهوى و رفقاء السبسي ، وأب السكير مهمل لا يعود إلا سكرانا أو مفلسا بعد جلسة خمر ، أب لا يعي أن له زوجة تحتاج لحنانه أكثر من بائعة هوى تجامله بابتسامة عندما يسحب ورقة نقدية وتمنحه متعة عابرة مزيفة لو دفع أكثر. يعود متأخرا لينتقم لفشله ورجولته الناقصة على حساب ساعات انتظار تقضيها شريكته في بيت الزوجية. يتلدد بتعنيفها لفظا ولكما ورفسا. يختلق مشكلة من لا شيء ليبرر لنفسه ضربها والصراخ في وجهها. لا وجه بين هؤلاء يبدوا بشريا ، كل الوجوه سوداء و التجاعيد تغزوا محياهم ، شباب على هيئة شيوخ هرمة؛ أسنان مسوسة؛ و آخر تساقطت ، ملابسهم رثة ، مظهرهم يثير الرعب في الأنفس ، يثير الإشمئزاز ، الدخان يتصاعد في الحانة ليختلط في الاعلى مشكلا غماما ، يشربان الخمر ، و يدخنان ، يتحدثان عن البلية ، عن المكان، عن ما تبدره من مال و آثارها على الصحة كما في كل مرة يناقشان فيها مسألة ما ، ثم يضحكان ، يرفعان رأسيهما ليشاهدا بائعات الهوى ، يدخنان أيضا ..و أيضا ، وآخر يسعل هناك من جديد يكح أيضا و يخرج الدم من فمه فيبكي يواسه الآخر يطلب منه زيارة الطبيب يبكي من جديد و يخبرهم بأنه زار الطبيب و أن هذا الآخير ردعه و نهاه عن شرب الخمر لكنه لم يستطع … بالجانب الآخر ، إمرآة أربعينية تتقدم نحوهم ، تطلب منهم منحها نزوة عابرة ، يعترضان ، تسب و تشتمهما ، يضحكان معا، فتمضي. اقتعدت مكانا غير بعيد عن المرحاض علها تظفر دراهم معدودة وتقول في نفسها إنهم : يعاملونني كدمية، يستمتعون بي، وأحيانا يبصقون في وجهي، وبعدها أعود إلى بيتي بعد منتصف الليل وأنا منهكة وغير قادرة على المشي، أتناول بعض الأقراص المهدئة التي تساعدني على النوم ونسيان تلك الإهانة لأنني أجد صعوبة في ذلك كما أنني لا أستطيع النوم بدونها، ويكون يوم متعب حقا، هكذا تمر أيامي، صدقني أنا لم أختر هذا الطريق يوما، هناك أشياء تخرج عن إرادتنا وتدفعنا لارتكاب بعض الحماقات التي لن ينفع الندم عليها، هذا ما حدث معي. هكذا الساعات تمضي على مدار الأيام ، طول السنة فهي متغيرات الحياة التي تجبرك على الاستسلام ورفع رايتك البيضاء إنها فعلا ورطة حقيقية لا يدري بها سوى المصاب فيأتي إلى الحانة لعله يخفف عذابه هكذا يعيشون إيقاع الحياة .. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة