احتل القطاع غير المهيكل موقعا متميزا في اقتصاديات البلدان النامية، وعرفت المدن تناميا ملحوظا لأنشطته، وساهمت فيه مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية، ارتبطت بالنمو الديمغرافي السريع، وبالهجرة القروية، وبعجز القطاع العصري في توفير الشغل لمجموع الساكنة النشيطة. ولعل هذا هو السبب الجوهري الذي أفرز ظواهر حضرية متنوعة، في الوقت الذي لم تكن فيه المدن مؤهلة لاستيعاب الكم الهائل من المهاجرين، خاصة وأن التمدين لم يكن نتيجة تطور تقني واقتصادي واجتماعي وثقافي. وعلى غرار ما طرأ في الدول المتقدمة، بل وقع هناك نزوح بشري لم يواكبه نمو اقتصادحضري؛ وهذا التدفق البشري ساهم في خلق اختلالات على مستوى سوق الشغل والمجالاالحضرية، وأدى بشكل عام إلى انتشار الأحياء الهامشية، تفاقم البطالة، ارتفاع نسبةالأمية واتساع دائرة الفقر الحضري، وبالمقابل نشأت أنشطة اقتصادية غير مهيكلة رهينةبالمستوى الاقتصادي والاجتماعي للسكان الحضريين، استطاعت بمرونتها أن توفرالشغل لفئات واسعة من السكان المحليين أو الوافدين الجدد الراغبين في تحسين ظروفهمالاجتماعية والتخلص من حدة البطالة. وقد أظهرت المؤشرات الاقتصادية في البلدان النامية أن نسب البطالة لم تأخذ المستوى السريع الذي كان متوقعا، إذ ظلت هذه الأخيرة محدودة رغم سرعة النمو الديمغرافي وبطء وثيرة النمو الاقتصادي، ويرجع السبب في ذلك إلى حيوية ودينامية القطاع غير المهيكل في التشغيل وخلق المداخيل، وساهم في خلق نوع من التوازن السوسيو- اقتصادي. ظاهرة الاقتصاد غير المهيكل أو القطاعغير المهيكل عرفت ازدهارا كبيرا في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، إذ أصبحت هذه الظاهرة تنتشر في الشركات الصغرى والمتوسطة التي تقوم بالعمل في الخفاء من شراء بضائع ومعدات والآلاتبغية عدم تقديم تصريحات للإدارة الجبائية وبالتالي التهرب من أداء الضريبة . هذا وقد أعطيت مجموعة من التعاريف لهذه الظاهرة، فهناك من اعتبرها تشكل نوع من الاقتصاد السري، ثم هناك من اعتبرها بالاقتصاد الموازي، وغير الرسمي والأسود، وغير المهيكل أو غير المنظم. وعليه فالاقتصاد غير المهيكل رغم التسميات العديدة التي أعطيت عليه، ينصب أساسا على مجموع الدخول المتأتية من عمل، سواء كان هذا العمل تجاري أم مدني والذي لا يتم التصريح به إلى الإدارة الجبائية، أو عن طريق التصريح بدخول وإخفاء الدخول الأخرى المتأتية من الاقتصاد غير المهيكل. ثم هناك الوجه الآخر للاقتصاد غير المهيكل، يتمثل في ممارسة نشاط إجرامي كما هو الأمر بالنسبة لتجارة المخدرات والتهريب والأعمال التي يقوم بها أشخاص غير مؤهلين لممارستها. ويختلف هذا النوع من الاقتصاد الغير المنظم من دولة إلى أخرى، إذ يكون في الدول المتقدمة أداة للتهرب من أداء الضرائب وعدم تحمل العبء الضريبي المفروض عليهم، كما يعتبر رد فعل سلبي من طرف الأشخاص الملزمين بالضريبة على ارتفاع الضغط الجبائي، أما في الدول النامية مثل المغرب أصبح فيها الاقتصاد غير المهيكل وسيلة للإنتاج والعيش بل أصبح مسألة شبه رسمية تهم المقاولات الصغرى والمتوسطة. وهناك من يرى أن الاقتصاد غير المهيكل هو مجموع الأعمال والأنشطة المزاولة دون تصريح رسمي من المعنيين بها سواء كانوا أشخاص طبيعيين أم معنويين أي أن الممارسين في هذا المجال، لا يقدمون تصريحات للإدارة الجبائية ولا للمصالح العمومية الأخرى كمنظمات الاحتياط الاجتماعي وغيرهما من المصالح التي يفرض القانون التسجيل بها . ولا يخفى على أحد أن بعض المؤسسات في هذا الإطار، رغم جميع الإجراءات القانونية التي تقوم بها إلا أننا نجد في بعض الأحيان أن هناك مؤسسات أو مقاولات تقوم بتشغيل أجراء دون التصريح بذلك إلى الإدارة الجبائية، وإلى منظمات الاحتياط الاجتماعي بغية التهرب من الضريبة، وهذا واقع يجب إعادة النظر فيه لأن التصريح لإدارة الضرائب بعدد الأجراء فيه مصلحة للمقاولة وللدولة أيضا الاقتصاد غير المهيكل يعتبر كنقيض للاقتصاد المنظم، إذ تحول إلى ما أصبح يطلق عليه بالاقتصاد السري الذي يمكن أن يقوم على أنشطة مشروعة أو غير مشروعة مما يطرح ذلك أزمة على مستوى السياسة الاقتصادية للدولة، التي تعاني من عجز على مستوى ميزانيتها نتيجة عدم تضريب هذا القطاع، الشيء الذي يبين انتفاء الإرادة السياسية للدولة في عدم توسيع الوعاء الضريبي ليشمل القطاع غير المهيكل، فرغم الإصلاحات الجبائية المتعاقبة التي شهدها المغرب منذ سنة 1957 لازال هناك قطاع تحرم منه الخزينة العامة، ألا وهو القطاع غير المهيكل. ولكن نرى في المقابل أن القطاع غير المهيكل يشكل وسيلة للعيش من طرف عدة عائلات، خاصة وأن المغرب كدولة نامية يوجد فيها عدد كثير من الأشخاص، الذين يعيشون في ظل هذا الاقتصاد بل أحيانا يشكل مصدر رزقهم، والذي يعكس هذا الواقع هو تفشي ظاهرة البطالة والهشاشة الاجتماعية خاصة في المدن الكبرى كمدينة الدارالبيضاء. ومن جهة أخرى يشكل الاقتصاد غير المهيكل ما يقارب نسبة 50 % أو أكثر بقليل من مجموع الأنشطة الاقتصادية الوطنية، لكون جل هؤلاء يبحثون عن موارد لتغطية نفقاتهم اليومية، ولكن الحقيقة تبين أن تضريب الاقتصاد غير المهيكل يطرح عدة إشكاليات منها ما يتعلق بصعوبة تشخيص القطاع الموازي نظرا لقلة دراسات نظامية ودقيقة شاملة حول هذا القطاع ومنها ما يتعلق بالطبيعة التي يتسم بها هذا القطاع وهي عدم الاستقرار والثبات مما يصعب إحصاء ومراقبة الأشخاص الذين يمارسون عملهم في هذا القطاع، أضف إلى ذلك أنه يحتوي على مجموعة من الأنشطة كالعمليات التي يقوم بها التجار من شراء سلع مهربة والعمليات التي يقوم بها أشخاص بإدخال بضائع بصورة غير شرعية. وتأسيسا على ما سبق فالقطاع غير المهيكل أصبح يغطي فئة واسعة من الأشخاص مما يجعل الدولة تفكر في نهج سياسة اقتصادية تراعي هذه الفئة لتساهم هي أيضا في التنمية ولعل المبادرة التي قامت بها مديرية الضرائب تعتبر مهمة جدا، إذ قامت بالتعاون مع مجموعة من الإدارات العمومية التي يعنيها الأمر بوضع حل لهذا المشكل من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير لتضريب هذا القطاع بشكل مقنن ومنظم، ويتأتى ذلك من خلال إحصاء المكلفين بالضريبة والأملاك العقارية والأنشطة الصناعية والتجارية في كل سنة، كما تم الاتفاق على وضع رقم ضريبة الباتنتا فيما يخص الأشخاص الذين يمارسون الأنشطة الصناعية والتجارية وإجبارية التعامل بالفاتورة مع تضمينها رقم الباتنتا لكل الأشخاص الذين يقومون بعمليات التوريد. القطاع غير المهيكل بينما يحاكيه الواقع وسياسات الدولة ومخططاتها. عملت الحكومة على وضع مجموعة من الاستراتيجيات والخطط التي من شأنها أن تساهم في دمج القطاع الغير مهيكل، على إعتبار أنه يعد قطاع يحرم الدولة من عائدات جبائية ضخمة، فالإرتقاء به من مستوى الغير قانوني أي الغير مهيكل إلى القطاع المهيكل سيسمح بتوسيع قاعدة الإقتصاد الوطني وتعزيز موارد الدولة؛ فمن بين الإستراتيجيات نجد: 1. برنامج المقاول الذاتي: نظام المقاول الذاتي هو صيغة مقاولاتية جديدة أحدثها الظهير الشريف رقم 1.15.06 صادر في 29 من ربيع الآخر 1436 (19 فبراير 2015) بتنفيذ القانون رقم 114.13 المتعلق بنظام المقاول الذاتي بهدف الحد من البطالة وتشجيع العمل الحر مع تسهيل الإجراءات الإدارية إلى أقصى حد. وهكذا، يمكن اعتماد نظام المقاول الذاتي، بشكل رئيسي، من قبل عاطل عن العمل يسعى إلى ممارسة نشاط مهني “لحسابه الخاص”، أو بشكل تكميلي، من قبل متقاعد أو طالب يخطط إلى تطوير نشاط حرفي، تجاري أو خدماتي. 2. برنامج مقاولتي: الأهداف العامة للبرنامج: يهدف البرنامج إلى إحداث المقاولات الصغيرة جدا قصد تشجيع الشباب حاملي الشهادات على الانخراط في التشغيل الذاتي. 3. برنامج رواج: والذي من خلاله تطمح الدولة الى الرفع من مساهمة قطاع التجارة والتوزيع في الناتج الداخلي الخام؛ وخلق دينامية على مستوى سوق الشغل بالمساهمة في إحداث مناصب جديدة. هذه المجهودات التي تسعى الدولة الى تحقيق مجموعة من النتائج الايجابية من خلالها لعل من أبرزها : على المستوى الجبائي؛ الدولة تحاول إقرار عدالة ضريبية، وذلك بتوزيع مساهمات الملزمين في ميزانية الدولة كل حسب دخله، وتحاول توسيع وعاء الضريبة بضم أكبر عدد من المشتركين من مهنيين وخواص قصد الاستفادة من مساهماتهم الضريبية. كمستجد وبهذا الخصوص أعلنت المديرية العامة للضرائب أن تدابير قانون المالية لسنة 2019 أقرت تدبيرين ضريبيين لصالح المقاولين الذاتيين. 1- تخفيض سعر الضريبة على الدخل المطبقة على رقم الأعمال السنوي المحصل عليه من طرف المقاول الذاتي. اعتبارًا من فاتح يناير2019، يخضع رقم الأعمال السنوي المحصل عليه من طرف المقاول الذاتي، للضريبة على الدخل وفق الأسعار الإبرائية الجديدة التالية: 0,5 % عوض 1 % بالنسبة للأنشطة الصناعية و التجارية و الحرفية، 1 % عوض 2 % بالنسبة لمقدمي الخدمات. 2- تخفيض الحد الأدنى من مبلغ العقوبات المطبقة في حالة عدم الإقرار برقم أعمال المقاول الذاتي أو التأخير أو في حالة التصريح بإقرار ناقص أو غير كافي : اعتبارًا من فاتح يناير 2019، ثم تخفيض الحد الأدنى من 500 إلى 100 درهم بالنسبة للمبلغ المقرر تطبيقه بموجب العقوبات التالية: الزيادة المطبقة في حالة عدم الإدلاء أو الإدلاء المتأخر بالإقرار برقم الأعمال؛ الغرامة المطبقة في حالة الإقرار الناقص أو غير الكافي عندما لا يكون للعناصر الناقصة أو المتعارضة أي تأثير على القاعدة الضريبية أو على استخلاصها. في الأخير رغم مجموعة من الأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها إلا أنها تواجهها مجموعة من السلبيات و العوائق التي تنتج عدم التزيل للمخططات والبرامج لعل من أبرز هذه المعيقات نجد: عدم إنسجام البرامج فيما بينها والتوجهات العامة للإقتصاد الوطني. تعدد إتفاقيات التبادل الحر، ما يجعل المقاولات الصغرى حديثة العهد غير قادرة على المنافسة مما يؤدي مباشرة إلى إنهيارها وتفضيل أرباب هذه المقاولات العودة من جديد للممارسة والعمل في القطاع غير المهيكل. غياب إطار مهيكل لهذه المهن وغياب أرضية مناسبة ومساعدة لهذه على غرار الوسائل اللوجيستيكية غياب التتبع والمواكبة في الجانب التسييري والاكتفاء بألية التمويل مما يؤدي إلى جعل المقاولين الصغار في وضعية مالية صعبة لا تسمح بإرجاع القروض في الآجال المحددة. ملاحظة: المقال عبار عن ملخص لمداخلة تقدمت بها في الأيام الدولية للتسويق الدورة 15 المنظمة من طرف المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بمراكش. * طالب باحث بسلك الماستر بجامعة القاضي عياض مراكش