بغض النظر عن كون الكرة تجسيد لروح الوطنية وإحدى تعبيراتها وللإنفتاح على الآخر – على الجيران الجزائريين والأفارقة هذه الأيام – وعن كون الملاعب هي إحدى الساحات النادرة التي تسمح فيها السلطة للجماهير العربية بالتعبير عن أصوتها المبحوحة كما كان يقول الراحل محمود درويش، ولو بحدود، فإن الكرة مؤشر لصراعات السلطة ولمستوى التنمية ولأسلوب تدبير السياسات العمومية وربط المسؤولية بالمحاسبة، كمدخل أساسية لأي دمقرطة وتحديث. البرلمان المغربي كان حلبة نادرة لإحدى هاته الصراعات عندما جاء وزير الشباب والرياضة الطالبي العلمي ليتحدث عن أسباب إقصاء المنتخب من نهائيات كأس إفريقيا الذي أثار جدلا كبيرا وموجة احتجاج سياسي وشعبي، وحتى حكومي عبر عنها الوزير نجيب بوليف في جملة احتجاج قصيرة ولكن مؤثرة قال فيها: “خليونا ساكتين”. اختار وزير الشباب أسلوبه الخاص في الدفاع عن حصيلة عمله ووزارته. واستعمل أسلوبا شعبيا للدعابة محملا مسؤولية الإقصاء إلى قلة الحظ وإلى اللاعب حكيم زياش الهولندي المغربي الذي أضاع ضربة جزاء. حيث قال الوزير إن اللاعب محبط من الإنتقادات ويفكر في الإعتزال. إلا أن اللاعب رد بقوة وهاجم الوزير ووصفه بالكاذب. وهكذا خرج النقاش من أسوار البرلمان ليصبح نقاشا ثنائيا بين الوزير واللاعب ويتجاوز الرجلين. ولعل مضمون هذا النقاش يكشف عن ظاهرة عولمة المنتخب وتعدد جنسيات لاعبيه وغالبيتهم من الأوربيين. إذ لو كان زياش لاعبا ليست له جنسية مزدوجة، هل كان سيتحدث بهاته الطريقة المباشرة المتحدية، وهل كان سيصف الوزير بالكاذب، هل ثقافة انتقاد مسؤول عمومي في المملكة الهولندية تختلف عنها في المغرب؟ هل يمكن مقارنة رد فعل زياش مع رد فعل اللاعب عبد الرزاق حمد الله الذي جمع حقيبته الرياضية وغادر المنتخب بدون كلام رغم ما وقع له؟ هل يمكن القول إنها من تمظهرات العولمة الكروية؟ وهل نجحت استراتيجية الوزير في الدفاع عن حصيلة عمل وزارته بهذه الطريقة؟ ثم هل دافع حزبه الأحرار عنه؟ الملاحظ هو أن بلاغا للمكتب السياسي للحزب دعم الوزير دون تسميته ونوه بمنجزات المنتخب. كما لخص الموقع الرسمي للحزب إجابات الوزير مشيرا إلى أن “مجموعة من اللاعبين طلبوا اعتزالهم نظرا لما يتعرضون له من قصف”. لكن المثير هو أن الوزير قال إن اللاعبين لا يستطيعون الصبر على ضغط وانتقادات الشارع عكس السياسيين الذين لهم، حسب قوله، القدرة على التحمل. وهو ما يمكن قراءته كاعتراف عكسي من الوزير يعني في الواقع أنه هو من يعاني من ضغوط الشارع. كما حاول الأحرار توجيه النقاش والجدل نحو حزب العدالة والتنمية من خلال انتقاد هذا الأخير بخصوص مواضيع وملفات أخرى. فهل سيستقيل الوزير الطالبي العلمي مثلما حاول الوزير لحسن الداودي الإستقالة؟ أم سيتم الإكتفاء بإقالة المدرب؟ وإذا استقال هل ستقبل استقالته كما لم تقبل استقالة الداودي؟ أم أن كل ذلك مجرد موجة احتجاج عابرة ؟ على المستوى الإعلامي، تميزت استراتيجية السلطة بالدفاع عن حصيلة المنتخب وعن الوزير، وذلك عبر خلق إشاعات وترويجها بهدف تأجيج الشعور الوطني وتحويل موضوع النقاش. وهكذا نشرت جامعة كرة القدم بيانا يكذب إشاعة تتحدث عن إمكانية طرد فوزي لقجع من الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم (كاف) بحجة وجود مخطط عدائي تقوده ضده جنوب إفريقيا. وهي إشاعة لم تؤكدها أية جهة رسمية. لقد كانت مجرد إشاعة، لكن عندما صدر البلاغ الرسمي أصبح الأمر يتعلق بخبر يؤكد الإشاعة ويعطيها مصداقية. وهي استراتيجية قديمة قدم الزمان الهدف منها هو إثارة الشعور الوطني والإحساس بالإنتماء لدى المغاربة عبر خلق عدو خارجي وهمي يجب محاربته وهو جنوب إفريقيا. والهدف منها هو إظهار لقجع كبطل إفريقي يراد الإطاحة به ويحتاج إلى دعم المغاربة لإنقاذه من الأعداء. وهكذا وعوض أن يأتي لقجع إلى البرلمان ليقدم الحساب إلى جانب الوزير كما هو معمول به في الأنظمة الديمقراطية، فقد تم تصويره كضحية لأعداء الخارجيين. صحافة السلطة أوردت هذا الخبر – الإشاعة وتناقلته، ولكن رواجه وتأثيره المرجو بقي محدودا بل إنها ارتكبت خطأ عندما شككت فيه أحيانا. بحيث أنها إلى جانب نقل الخبر – الإشاعة، كشفت، عبر تعليقاتها عليه، عن غرضها الحقيقي من ترويجه ألا وهو الدفاع عن لقجع. حيث قالت إحدى هذه التعليقات بوضوح: لا ينبغي محاسبة لقجع (وبالتالي عدم محاسبة أي مسؤول) عن خسارة المنتخب لمباراة واحدة. كما أن إحدى برلمانيات السلطة، هاجمت مواطني الفايسبوك لانتقادهم للوزير واعتبرت أنه ليس هناك ما يبرر انتقاده أو فتح هذا النقاش أصلا. والأكيد هو أن السلطة عموما توجد في موقف حرج خاصة مع توالي النتائج الإيجابية لمنتخب الجزائر وتعاطف الشارع المغربي معه، بحيث تتمنى أن تنتهي كأس أفريقيا في أقرب وقت. كما تسارع، بكل الطرق، إلى محاصرة تداعيات فتح البرلمان لهذا النقاش الكروي السياسي الذي أبان عن ضعف واضح في تدبير السياسة العمومية الرياضية. وهو ضعف ظهر منذ البداية مع عجز التلفزة الوطنية – في سابقة تاريخية – عن نقل مباريات المنتخب ولم يقدم مسئولوها أمام البرلمان توضيحات مقنعة، وهو ما يطرح بقوة مسألة تدبير الأمن الإعلامي. كل هذا النقاش السياسي الكروي يطرح دور المؤسسة التشريعية وقوتها. في بعض الأحيان، تظهر هناك مؤشرات لبداية الخروج من “برلمان تحت المراقبة”. إذ رغم محدودية سلطاته، يسمح البرلمان أحيانا بإثارة نقاشات عمومية أو بالكشف عن بعض مواقف وتفاعلات بعض السياسيين وطرق تفكيرهم وتدبيرهم. هل تحول البرلمان إلى “منظمة غير حكومية”؟ أم عدنا إلى صورة البرلمان الخيالي أو غرفة للتسجيل بعد محطة دستور 2011؟ عموما يبدو أن الطريق مازال متعثرا وطويلا حتى تصبح هذه المؤسسة حلبة للصراع السياسي كما هو مطلوب منها دستوريا وديمقراطيا.