أيها الوزير الذي يمثلنا ونحسبه مصباحا سينير بنزاهته هذا الوطن، أخاطب فيك الصفة وليس الاسم، فاسمك قد أعطاه لك والداك، وصرت تحمله ليعرفك به الناس ولينادونك به، أما صفتك فليست لك وحدك، والله تعالى يقول في محكم كتابه: "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين". فلا بأس أن أذكّرك، من باب النصح المخضّب بالغيرة على هذا الوطن وعلى مشروع الإصلاح ومحاربة الفساد. لذلك سيدي تذكّر.. تذكّر، وأنت تُنادى باسمك مسبوقا بعبارة "سيدي الوزير"، أن أمك، أطال الله عمرها إن كانت على قيد الحياة، لم تلدك وزيرا، وأن سواعد الكثيرين ممن لا تعرفهم من ضعفاء الوطن ومن مناضلي حزبك هي التي رفعتك إلى حيث أنت لتمثلهم… تذكر، وأنت تجلس على أريكة مريحة داخل مكتبك في الوزارة، أن خشونة الحصيرة التي تتلمذت عليها ونمت فوقها لسنين طوال إلى أن وصلت إلى حيث أنت ما زالت تدمي جُنوب آلاف الفقراء الذين لا يملكون سواها على أرضية منزل لم يؤدَّ واجب كرائه منذ شهور… تذكر، وأنت تتذوق ما لذ وطاب من المأكولات والأطباق الغالية، أن هناك في وطني من لا يملك حتى ثمن "زلافة بيصارة".. تلك البيصارة التي أوصلتك إلى الوزارة… تذكر، وأنت تضع ربطة عنق باهظة الثمن حول نحرك تجملا وزينة استعدادا لحضور حفل عشاء فاخر، أن هناك في وطني فتاة قد قضت نحبها بعد أن وضعت حول نحرها ربطة عنق لكنها ليست كتلك التي تضع، إنها ربطة عنق مصنوعة من القنب، شنقت بها نفسها هربا من كلام الناس، الذي ولّدته لعنة الاغتصاب والفقر… تذكر، وأنت تمارس هوايتك الجديدة في التبرير والتزمير وقرع الطبول، أنك أنت من كنت مداوما على تحذيرنا من فداحة التبرير والتزمير للباطل، وأنك أنت من كنت تطالبنا بقول الحقيقة، كل الحقيقة رغم صعوبتها. تذكّر، وأنت تفكر في التنازل، بسبب ضغط الضاغطين، عن القيام بإجراء إصلاحي كنت قد وعدت المواطنين به، أن شهيد الوطن عبد الله باها، رحمه الله، كان يوصينا بالصدق و"المْعقول"، ومات دون أن يتمكن من تحقيق أمنيته في أن يرى الجرس معلقا في أعناق الفاسدين الذين يكبحون تقدم هذا الوطن. تذكر، وأنت تستلم راتبك الشهري المليوني مبتسما، وأنت تعلم أنك حتى وإن غادرت منصبك ستتقاضى تقاعدا مريحا يقارب راتب موظف السلم ال11، أن المئات، بل الآلاف، من شباب وطني الحاملين لشهادات عليا قد ملوا من التظاهر للمطالبة بحقهم في الشغل، ومن تقديم ظهورهم لعصي القوات العمومية. تذكّرْ، يا أخ الوزارة، أن المنحنين الذين لا يريدون الملاحة في العواصف ولا يحبون المواجهة لا يستحقون شرف تمثيل إرادة الشعب حتى وإن ادّعوا أن تنازلاتهم نابعة من خوفهم على مصلحة الوطن، وما مصلحة الوطن إلا في تكريس قيم الديمقراطية والنزاهة والحرية والعدالة الاجتماعية، وهذه القيم، يا أخ الوزارة، لا تخدم مصالح البعض في هذا الوطن الحبيب. تذكر وتذكر.. ثم تذكّر أيها الوزير، فما أنا سوى مذكر، لستُ عليك بمسيطر.