إنه الفرح الذي أمسكه يتوزّع عبر جلد التفاصيل. أمسكه وأنا أشرب كأس الحليب بالشاي. يوم الخميس، مثلاً، وطفلة سمينة بشعر أجعد مربوط على شكل جديلتين، تمر أكثر من مرة بجانبي فأفرح فرحاً مبهماً، حين تمر أخريان جميلتان وهادئتان وفيهما طفولة عفوية وترقص، أمسك نفسي فرحة، أكون أحرس الحقائب لهن، هن من اعتلين تلك الأداة لتقفز بهن في "الميجا": تروح وتجيء، يصرخن، يرفعن أيديهن، يضحكن بصوت مرتفع، أكتشفهن بوضوح في عينيّ الطفلة الرائعة: "لسن فرحات"! كم هو مأساوي أن لا تفرحنا الألعاب! سين: ما هو الفرح؟ جيم: أن تكون مزوّداً بأسنان بيضاء مثلاً. أن تمتلك غمّازتين في خديك. ألاّ تفقد من تحب في حادث سير أو تبادل رصاص. أن تكون تحت الشجرة في الظل. ألاّ ينعق الغراب على شجرة السرو بالقرب منك. وقياساً عليه ألاّ تسمع نهيق حمار جارك الذي مازال فلاحاً أصيلاً يعبر من قدّام الدار. وفي المقابل أن تكون لك أرض. أن لا يكون الاحتلال قد سرق "البقيعة"، ومن ثمّ لم يعد يلاحق الرعاة في الجبل، ولن تضطر بالضرورة لأن تعمل عنده في مزرعته لأنها ستكون مزرعتك، وكمحصلة لن تصاب بالاختناق جراء الغاز المسيل أو بالرصاص المطاطي أو الحي في بلعين أو نعلين وأنت تحاول الدفاع عن الشجرة وضد الحائط الكبير. ستظل حياً ترزق، كنتيجة، فتتمكن، ولا حواجز كما سأستنتج، من زيارة المدينة وأكل عرنوس الذرة الذي حلمت بأكله طويلاً، وأنت"تتسرمح"، وبالضرورة ستكون أكبر من أن تعبأ ب"بلدياتك" لو حدث ودهمتك عيناه من نافذة تاكسي يمرّ بسرعة برق لأنه لا توجد "عجقة" في البلد! ستحج إلى القدس"لِمَ لا؟ فلا شيء كبير على الله" فالقدس ستكون غير محاصرة بالمرة، ولن تضطر أن تبلغ أي عمر سوى عمرك الحقيقي لتكون حساباتك، بالتالي، مع الملك عزرائيل دقيقة ومحسوبة، ولن يكون كنيس خراب ولا عمار يبنى فيها لتفشل في تحديد قبتك ومسجدك وقبلتك. المعالم واضحة يا رفيقي وها هي الأمور مفرحة وبخير، فانظر، بعيداً عن فكرة التنزّه في أرجاء الوطن الذي أعشقه ولست مضطراً أن أحلف لك إلى العمق، واصعد نحو العنق واكتشف العظمة: تصوّر مبلغ دهشتك ونحن متّحدون في أرجاء الوطن الجميل وأرض العروبة ذات المناخات المتعددة، ما يعني تنوّع الغطاء النباتي والحيواني والإنساني. ولتمسك حالك متلبساً تضحك من أعماقك، تكاد تطير مثل حمامة بريّة طريّة. وافرح من قلبك، من أعماق أعماقه، واهتف: "إيه في فرح" متيمناً بالعطرة فيروز التي ستنتظر ألبومها الجديد، ليس للتسلح بالأمل، بل حتى تحدث ذلك التماهي بين أملك الغامر وأملها العامر: "فأنت مغمور بالأمل يا رفيقي حتى الاختناق، وأكاد أسمع صوتك" تبقبق "كمن داهمه ماء" دوش "غدق، عذب ومنعش". لن أمتلك تكذيبك في شيء، فأنت تنعم بالنعيم الأزلي على هذه الأرض: "هل تمتلك أن تفتح فمك لتقول إن هناك لصوصاً في البلد، كذّابّين ومتملّقين ومتسلّقين؟" هل تجد حجة لتقول، على سبيل المثال لا الحصر: "إننا نعاني على المستوى الاقتصادي، أو التعليمي، أو الثقافي، أو السياسي من أية حادثة عرضيّة". سأتصدى لك أنا شخصياً لو فعلت، فمؤسسات (ال أنجي أوز) تملأ البلد، وسيحالفك الحظ، لأن الحظ من نصيب الفرحين المفعمين بالأمل، وستشتغل في إحداها وستمسك راتبك الشهري من فئة الدولار. وحتى لو كنت معلماً مثلاً، فلا مساكين بعد اليوم، فهناك الاتحاد الساهر على راحتك ليل نهار سيعقد اجتماعات مع الحكومة، وستعدك الحكومة، وستنفذ الحكومة وعدها، وسيرتفع راتبك وستصير الأمور"فل". بالنسبة للتعليم فلا أجد مجالاً لأن لا تكون مبسوطاً ووجهك "يقرقش"، كيف لا والتلاميذ مزودون بحقائب كبيرة جداً تحمل ما لذ وطاب من الكتب المتنوعة، وليس فيها ما يمسّ الأخلاق كذاك الذي يشاهدونه، بعد العودة إلى البيت، في التلفاز اللعين "لعنة الله عليه". وأنت "بسم الله حواليك" في تطور مستمر على إثر دورات لا تقر ولا تنام مثل الساهرين على راحتك والقائمين على إدارة أمورك والذين، بالضرورة، هم حماة العلم والمعرفة، جنود مجهولون لن تجدهم حتى لو كلّفت صحافة البلد كلها لتبحث عنهم، ولن تدرك يا رفيقي "الشطارة" تعود إلى أيهما: "الصحافة أم الجنود المجهولين؟". يا رفيقي : "إيه في أمل"، وسنضارب على الجليلة فيروز، وسيكسد "سيديها" الأخير في سابقة لن تتكرّر، وستغفر لنا ذات العيون الآسرة، "ما تخاف" فأهدابها لم ترف إلا لأجل الحب والجمال. وللتذكير، لأنك أحياناً تنسى جراء تخمة الذاكرة بالفرح وأنا "مسامحتك، وكل الحكومات بكافة أوصافها، على اعتبار أنّنا جربنا الأوصاف كلها مسامحاتك"، ففي 13 من الشهر الماضي، على سبيل المثال لا الحصر، وحاول أن تلاحظ أني أضرب أمثلة عفويّة دون مآرب تذكر، أحتفل بمولد يوم عزيز يضاف إلى الأيام العزيزة الكثيرة في تاريخنا، ولن يتصادف هذا اليوم، على الرغم من أنك "وأنا سمعتك أكثر من مرة" تردد: "الحياة مجموعة من الصدف" مع سحب كتابك ذي الصفحات ال54 من أيدي تلاميذ مدرستك، سيكون ذلك، لو حصل ولن يحصل صدقني، مجرد كابوس، وأنصحك "لوجه الله تعالى" أن تتفل ذات اليمين وذات الشمال وتستعيذ من الشيطان الرجيم "لعنة الله عليه كمان مرة". ولنفرض "افرض مثلاً مثلاً يعني، وذلك مستحيل بس بدي أجيك على قد عقلك" أن ذلك حصل، فتنازل، تنازل، بلا أدنى تفكير، عن موهبة الكتابة، تلك الموهبة الربانية التي حباك الله بها منذ نعومة أظفارك، حتى لو اضطررت إلى قص أصابعك! إنه الأمل يا رفيقي، تذكّر ولا تفرّط به لأجل كتاب أو حتى مكتبة بكاملها، وتلك أضغاث أحلام. اسمع النصيحة، اغمض عينيك، حتى تكون السبّاق كما عهدتك، متذكّراً، على أقدر تقدير، مرور الطفلة السمينة ذات الجديلتين من الشعر المجعّد، وردّد بفرح ليس له مثيل: "إيه في أمل" =========== أحلام بشارات/ فلسطين