بينما يتطلع الآخر لتحقيق المصالح والرقي بالمصالح حتى بتقاسم المصالح، في أوربا وآسيا وأمريكا، وفي.. إفريقيا أيضا، وبينما تسعى الأمم الأخرى لنسيان الجراح بالابتسامة، وتعويض آثار الدمار ببناء الحدائق والجنان، واستبدال سياج وجدار الحدود بالبناء المتوافق المتكامل باللون والزينة والتمازج، حتى لكأنه السحر الذي يحول العدوان والعداء إلى تصالح ومصالحة، بينما نشهد جميعنا هذا التوافق الخارج عن "قواعد" الحسابات الرياضية ومنطقيتها (…)، لا يسعنا الفهم الشاسع لمخالفة القواعد البسيطة لمفاهيم الحسابات الرياضية وبديهيات التوجيه القيمي السامي، وسلاسة الدروس المتصلة بالتاريخ المشترك وعرى الأواصر.. المختلفة.. المتقاطعة.. المتصلة في ما بيننا والإخوة بالجزائر المجاورة للجسد المغربي – كل الجسد – من الرأس إلى القدمين !.. أليس من المخجل أمام أبنائنا وحفدتنا، قبل أن يكون مخجلا بالتأكيد أمام الآخرين (…) بالأمم والقارات الأخرى التي لا تدين بذات الثقافة واللون والخجل..؟ أليس من العيب بل من العار ألا نجد لغة مشتركة لحل "ألغازنا"، وفك "أحاجينا"..؟ أليس من الجهل أن نعجز عن أدنى توافق رغم كل أبواب ونوافذ التوافق بالأمس القريب ؟ ! ما معنى هذا الإصرار المجنون على العداء وعلى الجفاء ؟ ما معنى الإصرار على وجود "شعب" يسعى إلى "الاستقلال" و "التحرر" ؟ أيعقل هذا..؟ ! وماذا إذن عن الذين يعيشون في إطار المغرب الموحد، يعيشون حياة طبيعية جداً، يعيشونها بين مشاغلهم واهتماماتهم الحياتية (السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية المتداخلة) كسائر الخلق..؟ جارتنا الجزائر، كثيرا ما تردد بأنها "ليست طرفا في نزاع الصحراء الغربية"، و أنها فقط بلد مجاور "مساند لقضية عادلة" (هكذا)، لكن أليست بلدا مجاورا للمغرب، ألم تكن بالأمس القريب جناحا لصيقا بالمغرب في السراء والضراء بإحساس مشترك متبادل ؟ ألا يفترض فيها اتفاقا ما مع المغرب ؟ ما الذي يمنع الجزائر أن تمثل الجوار الحسن للمغرب في أقصى ما يمكن ؟ لنفرض جدلا أن الجزائر مثالية إلى حد ميتافيزيقي، وتقف حقيقة إلى جانب فئة من الناس تعيش اضطهادا وظلما و تسعى إلى الاستقلال عن المغرب الذي تعتبره محتلا لأراضيها، وليس لها من هدف إلا تحقيق "عدالة" لهذه الفئة من الناس ولا شيء غير هذا كما تقول وتردد، ألم يكن يجدر بها أن تراعي رأي الفئة الأخرى التي ترغب في العيش في إطار وحدوي ولا شأن لها بفكرة الانفصال ؟ ألم يكن من اللائق أن تراعي موقف الأغلبية، والحال أنها التي تقتسم العيش في إطار المغرب الموحد في التعليم، والصحة، والنقل، والفلاحة، والطاقة، والرياضة، والدين، والدنيا..؟ لماذا لم نسمع يوما عن رغبة جزائرية في القيام بزيارة إلى الأقاليم الصحراوية جنوب المغرب للاطلاع ومعاينة الوضع الاجتماعي (على الأقل) للمقارنة بين الحالتين، أو الاستقصاء..؟ والمشكل أننا لم نسمع بهذا بالمطلق سواء على المستوى الرسمي للمسؤولين بالبلد الجار الشقيق، أو على مستوى حزبي موسع أو ضيق، أو على مستوى فعاليات المجتمع المدني !!!.. أوليس الأمر غريبا بالنسبة لبلد جار يزعم أن لا مشكل لديه مع المغرب، وأن المشكل هو ثنائي (فقط) بين المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية/ عفوا "الجمهورية العربية الصحراوية..إلخ" ! فعلى من يضحك إخوتنا ببلد المليون ونصف المليون شهيد (يا حسرتاه !) ؟ هل مازال لدينا من الوقت لنهدره في العداء وبث الحقد بالأوهام السخيفة المريضة في الأجيال الصاعدة ؟ لقد ورد عن الرئيس الموريتاني سابقا "المختار ولد دادة" في مذكراته (نشرتها جريدة "الشرق الأوسط") أنه تلقى تهديدا صريحا من الرئيس الجزائري الراحل "هواري بومدين" رحمه الله في لقاء جمع بينهما بتاريخ 14 فبراير 1974 جاء فيه: "أنذرني الرئيس الجزائري بأن أنسحب من المفاوضات الجارية مع إسبانيا – وهي المفاوضات التي أدت إلى اتفاق مدريد بتاريخ 12/11/1975 – ، وحينما أكدت له أني لن أتخلى عن الصحراء لترضية الجزائر، غير لهجته ووجه لي تهديدا صريحا قال فيه: "إن بلدكم ضعيف وهش، وله حدود طويلة يصعب الدفاع عنها، ويمكننا أن نسمح بتجنيد متطوعين جزائريين، بين خمسين إلى مائة ألف شخص يتولون احتلال الصحراء، وسيكون في متناولهم أن يهاجموا حدودكم لتحطيم منشآتكم الاقتصادية، بل ويمكنهم الوصول إلى عاصمتكم"، وفعلا يضيف المختار ولد دادة: "ففي أقل من شهر بوغتنا بهجمات جزائرية على موريتانيا في ثلاثة محاور". إن الحقيقة الثابتة للقريب والبعيد كما للصديق والعدو على حد سواء، هي أن الجزائر تمثل الطرف الرئيسي للنزاع مع المغرب بدلائل لا حصر لها ولا عد، منها بالتأكيد، وعلى سبيل المثال وحسب، أنها الممول بمبالغ فاقت خيال كل ساخٍ (…)، سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا وسياسيا وإعلاميا ولوجيستيا، للجماعة المنحرفة المرتدة على الحق والحقيقة، والتي حقيقتها أنها جماعة إرهابية بكل ما في الكلمة من معنى، وليبحث كل متتبع أو مهتم نزيه مجرد عن سيرتها وأسلوب حياتها وعملها، وسلوك عناصرها ضد المحتجزين لديها والأسرى، وضد المرأة والطفولة، إنها المأساة في أبشع صورها، ومع ذلك يزعم إخوتنا في الجزائر أنها "ممثلة للشعب الصحراوي"، فمتى يعقل مسئولو الجزائر، ومتى ينهض عقلاءهم ؟ ! إن الوقت ليس في صالحنا جميعا، وسنتضرر مجتمعين، وقد نفقد كلانا التحكم في منافذ الحلول لا قدر الله، لذلك لابد من المبادرة الإيجابية المؤسَّسَةِ على قواعد العقل والمنطق والأخلاق. إن دماء الأجداد والآباء لكلينا، والتي امتزجت للدفاع عن الهوية والعرض والشرف والكرامة، والتي لم تكن وقتئذ تفرق بين المغرب والجزائر، لا يشرفها قطعا ما آلت إليه نتيجة الاستقلال التي تضعنا اليوم في خانة جاهلية أقل ما يمكن أن توصف بأنها مسيئة مخجلة بلا أدنى شك أو خلاف، والمطلوب باستعجال هو، أولا: تحكيم العقل والحكمة والشجاعة والمصالح المشتركة بعيدا عن الأنانية والاستعلاء البليد لتحقيق مصالحة شاملة حية أخوية تسعد المغاربة والجزائريين على حد سواء ومبنية على مبدأ رابح رابح، ثانيا: العمل بصدق وبتعاون وتعاضد على محو كل آثار الحقد والكراهية والتعصب، بإنجاز مشاريع اقتصادية وعلمية وثقافية مشتركة، وإبداع أساليب أرقى للتلاقي والتعاون وحسن التعايش.