بدأت الحملة الانتخابية من جديد، وانقسم الشعب المغربي إلى عدة أطراف، منه من ينادي بمقاطعة الانتخابات لعدم نزاهتها، مضيفا إلى ذلك بأن الكعكة قسمت، وأخد كل واحد منها نصيبه، وما يحدث الآن، مجرد أضغاط أحلام، وما الشعب بتأويل الأحلام بعالم، وطرف آخر ضمه حزب ما، واستعطفه، فآزره، وربما دفع له، فخرج ونادى بأعلى صوته، وشارك في الحملات، وطبيعي أن ينتخب، ليكون ضمن جدول الناخبين. وآخر شريف مواطن، همه الاصلاح والتغيير، فيضطر ليلقي بنفسه في عالمهم، بمحض إرادته، إلى حين أن يكتشف حقيقة الأمور، وكيف تسير، فيشارك كذلك مؤازرا حزبا ما، إما متطوعا أو بثمن لحاجته لذلك. في الأخير وبعد هذه الصراعات التي تجنى منها سوى الحقد أمام الشاشات، وما خفي أعظم، سيحتل حزبا ما الصدارة، فيغيب عن الأنظار بعد التوشيح لشهور، لتكون عودته مريرة، بزيادة في الأسعار، أو اقتطاع للأجور، أو فرض قوانين غصبا وقسما باليمين، فبعد أن كان يترجانا لنصوت عليه، يكشر عن أنيابه، فإما يلاحق أبنائنا في الشوارع، ويمنعهم من حقهم في التشغيل، أو يتراجع إلى الوراء، فيخبرنا بأن البلد في أزمة وتحتاج تضحية، لهذا نحن مضطرون لإثقال كاهلكم، وإفقار جيوبكم، وتكسير جماجم أبنائكم، وفي السنوات القادمة سيكون العيش في رخاء، وسيتحقق ما ترجونه. فأين ذهب إصلاح التعليم ؟ أين ذهبت الوعود ؟ ليجيبوا بطريقتهم التي نعرفها جميعا، الصمت وإطلاق عنان التفكير في قبة البرلمان. الفقير هو الضحية دوما، يخبروه في البداية أن من أجله هم الآن يتصارعون لخدمته، ويخففوا عنه قليل المعاناة، بحسن نية، منهم من يصدقهم، فينزل معهم إلى الميدان، فيشاركهم الحملة الانتخابية، فيدفعون له الدراهم، ومنهم من يعجلها له فتبقى رهينة فوزه، وكثير من أولائك لا يصله سوى ما يلج إلى بطونهم. فكيف ستضع ثقتك أيها الوطني وتدلي بصوتك لمن اشتراك وشغلك معه ليفوز، هو يريد لك المصلحة، فتناقض فظيع هنا، لا يمكن تجاوزه. فعندما يشعر في الأخير بأن لا أحد يكترث لحاله، وببيت الليالي جوعان يتألم، وها فصل الشتاء قادم ليزيد بؤسه في الحياة، لتكون أول قطرة مطر على جسمه، يضطر ليواجه مصيرين، إما الانتحار فينسى، أو تقديم نفسه وجبة للحيتان فيبقى بين أسنانها عالقا. رأيت مؤخرا امرأة تتسول أمام مسجد وعينها تدمع، وفي الخارج يوزعون الورود على الساكنة، هذا هو المؤلم. لا يهمنا كشعب الأموال الطائلة التي تنفق على الانتخابات وما يشبهها، فحتى احتلال الصدارة لن تغير من سيرنا في الحياة من شيء، لن تملأ بطون الجوعى، ولن يخفف عن المظلومين، بل سيظل همنا قائما، ومعاناتنا حاضرة، وخوفنا من الشبح الذي يلاحق أبنائنا كائن. فلن نتمتع بحرية تعبير، بل سيتم تضييقها أكثر، ليصبح الكثير يكتب ما لا يريد، لن نحصل على عدالة اجتماعية تناسب رغبتنا، لنتقبل بعد ذلك رغم أنفنا حياة البؤس، ولن يتمتع أبنائنا بتعليم جيد، فينافسوا أولائك الذي تدفع لهم الأموال من أجل القيام بعمل نحن الأولى به، ولن نكون يوما بكرامة، بل ستكسر الجماجم وتعنف الأجساد المهترئة، ولن يحلم الطالب الجامعي المسكين بوظيفة تناسب تخصصه، إلا القليل. نحن في حاجة لمن يحمل هم الأسر على عاتقه، يخدمها ولا يراها مجرد أرقام فوق الطاولات، أو في وثائق بين الرفوف. سأكون موضوعيا منطقيا، في ظل هؤلاء المنتخبين لن يتغير شيء، فالكراسي والمناصب والشهرة همهم، ولن يتحقق شيء إلا بموجة للشرفاء واحتكارها لهم، لكن أين هم ؟ هم الآن ينتقدون. تم الإعلان عن نتائج الانتخابات، واحتل حزب ما الصدارة، لكن ماذا بعد ؟